تمهيد
1 - الاختيار والرغبة
2 - السبب والعقلانية
3 - سباق الخيل والروليت
4 - الرهان والتأمين
5 - الصراع والتعاون
6 - الديمقراطية والديكتاتورية
مسرد المصطلحات
قراءات إضافية
المراجع
مصادر الصور
تمهيد
1 - الاختيار والرغبة
2 - السبب والعقلانية
3 - سباق الخيل والروليت
4 - الرهان والتأمين
5 - الصراع والتعاون
6 - الديمقراطية والديكتاتورية
مسرد المصطلحات
قراءات إضافية
المراجع
مصادر الصور
نظرية الاختيار
نظرية الاختيار
مقدمة قصيرة
جدا
تأليف
مايكل ألينجهام
ترجمة
شيماء طه الريدي
مراجعة
محمد فتحي خضر
تمهيد
قدم ألبرت أينشتاين كتابه التوضيحي الرائع «النسبية»، بالكلمات التالية:
إن الهدف من هذا الكتاب هو تقديم رؤية دقيقة متعمقة لنظرية النسبية، بقدر المستطاع، للقراء المهتمين بالنظرية من منظور علمي وفلسفي عام، لكنهم غير ملمين بالنظام الرياضي للفيزياء النظرية. يفترض هذا العمل مسبقا وجود مستوى تعليمي مطابق لمستوى اختبار القبول بالجامعات، وقدر معقول من الصبر وقوة الإرادة من جانب القارئ، على الرغم من قصر الكتاب. إن الكاتب لم يأل جهدا في محاولته عرض الأفكار الأساسية بأبسط وأوضح شكل ... أتمنى أن يجلب الكتاب لأحدكم بضع ساعات من التفكير المثير!
بعيدا عن استبدال «الاختيار» ب «النسبية» و«المنطق» ب «الفيزياء»، لا يمكنني أن أجد أسلوبا أفضل للتعبير عن هدف هذا الكتاب.
تستكشف نظرية الاختيار المنطق الكامن وراء الأنماط المترابطة للاختيار؛ فهي تستكشف معنى التصرف بعقلانية. لماذا يعد ذلك مهما؟ كما يذكرنا أرسطو «أن الأصل في الفعل هو الاختيار، والأصل في الاختيار هو الرغبة والمنطق ... والفعل الجيد ومضاده لا يمكن أن يتواجدا من دون وجود مزيج من التفكير والشخصية.» إن نظرية الاختيار ترسي المنطق العقلاني اللازم للفعل الجيد. أما الشخصية اللازمة أيضا لهذا، فمرجعها إليك.
إن قصر الكتاب لا يعزى إلى كونه يغطي مجالا صغيرا؛ بل لأنه لا يخوض في تفاصيل مرهقة للمجال الذي يغطيه. هناك رؤى مثيرة كثيرة مذكورة، ولكن في كثير من الحالات لا يقدم الكتاب سوى توجيهات غير مكتملة، الغرض منها إعانة القارئ على العثور على هذه الرؤى؛ فالكتاب أقرب إلى دليل منه إلى معجم جغرافي. كثير من الحجج غائبة، أو مذكورة بشكل سريع بلا تفاصيل. وقد يرغب القارئ في استكمال هذه الحجج، وخيرا سيفعل إن قام بهذا في المواضع التي يقترح فيها هذا من خلال عبارة «من السهل رؤية ذلك». تشير الملاحظات الواردة في نهاية الكتاب إلى المواضع المحتمل إيجاد المساعدة فيها، وتحذر أيضا من الارتقاء إلى المناطق التي ليس من الحكمة - حتى لأشجع المستكشفين - محاولة الصعود إليها. هناك العديد من التساؤلات والتناقضات مثارة، ولكن دون حل لها، على الرغم من وجود إشارة إلى الإرشادات التي قد تعين القارئ على إيجاد حلها؛ فلا بد للقارئ أن يعتمد على آرائه في مثل هذه الأمور.
أدين بالشكر لشيلي كوكس بمطبعة جامعة أكسفورد؛ لاقتراحها تأليف هذا الكتاب وما أبدته من تعليقات على مخطوطة الكتاب الأولية، ولأفراد عائلتي وأصدقائي الذين أدلوا بتعليقاتهم أيضا. كما أدين بالامتنان لجامعة سيينا؛ للأجواء المثالية التي وفرتها لتدبر الأفكار الأساسية للكتاب، ولكلية مودلين؛ لمنحي الإجازة التي مكنتني من تحويل تلك الأفكار إلى كلمات.
الفصل الأول
الاختيار والرغبة
اختر الحياة. اختر وظيفة. اختر مجالا مهنيا. اختر عائلة. اختر تلفازا كبيرا. اختر غسالة ملابس، وسيارات، ومشغلات أقراص مضغوطة، وفتاحات علب كهربائية. اختر الصحة الجيدة، والكولسترول المنخفض الكثافة، وتأمين الأسنان. اختر نظم سداد الرهن العقاري الثابت الفائدة. اختر بيتا صغيرا لبدء حياتك به. اختر أصدقاءك. اختر ثيابا مريحة وأمتعة متناسقة. اختر غرفة ضيافة من ثلاث قطع بالتقسيط ... اختر مستقبلك. اختر الحياة.
ولكن لماذا علي أن أفعل شيئا كهذا؟ لقد اخترت ألا أختار الحياة؛ بل اخترت شيئا آخر. والأسباب؟ لا توجد أسباب. من بحاجة إلى الأسباب؟
هكذا كان التعليق الصوتي الافتتاحي لفيلم «مراقبة القطارات». ولكن هل يختار المتحدث، وهو شخص يدعى رينتون، بشكل عقلاني؟ إن اختياره «شيئا آخر» بدلا من «الحياة» هو شأنه؛ قد لا يكون اختياري أو اختيارك، ولكن لا يمكن أن يكون - في حد ذاته - اختيارا غير عقلاني. فكما يقولون: «في مسائل الذوق، لا يمكن أن يكون هناك جدل.» ولكن ادعاءه بعدم وجود أسباب لديه هو أمر مختلف؛ نظرا لوجود صلة وطيدة بين السبب والعقلانية، كما سنرى. وبالفعل، سرعان ما يقدم رينتون نفسه سببا:
يظن الناس أن الحياة تدور في مجملها حول التعاسة واليأس والموت وكل ذلك الهراء، الذي لا يمكن تجاهله، ولكن ما يغفلونه هو متعتها وبهجتها؛ فلولا هذا لما عشناها؛ فنحن لسنا أغبياء في نهاية المطاف. على الأقل لسنا بهذا الغباء.
وبواقعية يحسد عليها يردف قائلا:
حين تكون مدمنا للهيروين، لا يقلقك سوى شيء واحد فقط: الحصول عليه. أما حين تقلع عنه، فيكون عليك أن تقلق بشأن جميع صنوف الهراءات الأخرى؛ فحين ينفد المال، تقلق بشأن عدم قدرتك على معاقرة الشراب، وحين يتوافر المال، تقلق بشأن الإفراط في الشرب. عليك أن تقلق بشأن الفواتير، بشأن الطعام، بشأن فريق كرة قدم لا يفوز مطلقا، بشأن العلاقات الإنسانية وكل الأشياء التي لا تهم حقا.
إن جميع الاختيارات، تماما مثل اختيارات رينتون، تنبع من كل من القلب والعقل؛ فالقلب يقدم الرغبة بينما يقدم العقل الأسباب. والاختيارات القائمة على أدق منطق، ولكن تفتقر إلى أية رغبة؛ هي اختيارات فارغة من المعنى. ولكن الرغبة بدون سبب هي رغبة واهنة عاجزة، ولا تصلح إلا لطفل ثائر يرغب في العودة إلى المنزل وعدم العودة إليه في ذات الوقت.
شكل : «اختيار هرقل»: الفضيلة في مقابل الرذيلة (باولو دي ماتيز، 1712).
ويحدد أرسطو (384-322ق.م) - مؤسس نظرية الاختيار، بل ومؤسس علم المنطق ذاته - الصلة بينهما بقوله: «إن الأصل ... في الاختيار هو الرغبة والمنطق مع رؤية لغاية ما، وهذا هو السبب في استحالة تواجد الاختيار دون ... عقل.» أو بمزيد من الإيجاز: «الاختيار هو رغبة مدروسة.» وفي تعليق شهير، يزعم ديفيد هيوم (1711-1776) - تلك المنارة التي أضاءت عصر التنوير الاسكتلندي - أن «العقل عليه فقط أن يكون عبدا للعواطف، وهو كذلك بالفعل.» والعواطف نفسها، حتى عواطف رينتون، ليست معقولة ولا غير معقولة: «فلا يمكن لأية عاطفة مطلقا، بأي معنى كان، أن تسمى غير معقولة»؛ ومن ثم «لا يتنافى مع العقل أن أفضل تدمير العالم بأسره على أن تخدش أصبعي، ولا يتنافى مع العقل بالنسبة لي أن أختار أن أهلك تماما كي أمنع أقل قدر من الانزعاج عن رجل هندي.» (1) إطار عمل
المعقولية خاصية تتسم بها أنماط الاختيار، وليس الاختيارات الفردية نفسها؛ فلا يوجد شيء غير عقلاني في الرغبة في العودة إلى المنزل، ولكن ثمة شيئا خاطئا في الرغبة في العودة إلى المنزل وعدم الرغبة في العودة إليه في الآن عينه. لا يوجد شيء غير عقلاني في اختيار رينتون للهيروين، ولكن اختياره يبدو شاذا إذا اختار أيضا أن يتجنب احتمالية التعاسة واليأس والموت؛ وعليه، فمن أجل استكشاف معنى أن يكون الشخص عقلانيا؛ لا بد أن نلقي نظرة على أنماط الاختيار، لا بد أن نلقي نظرة على الكيفية التي يتغير بها الاختيار حين تتغير قائمة الاختيارات. وهذا الإطار الخاص بالقوائم والاختيارات بحاجة لبعض التوضيح.
أعني بكلمة «قائمة» مجموعة الأشياء التي لا بد أن يتم الاختيار منها (المصطلحات المتخصصة، مثل «قائمة»، والتي تكتب بين علامتي تنصيص حين تظهر لأول مرة، موضحة في مسرد المصطلحات في نهاية الكتاب)، ولكن على عكس قائمة المطعم، تعرض القائمة بمعناها لدينا بشكل يجعل اختيار شيء ما منها أمرا حتميا. قد تبدو قائمة بسيطة للطعام بمطعم ما على النحو التالي:
الشطائر
أفوكادو
لحم مقدد
إن هذه القائمة من شأنها أن تتيح للشخص الشاعر بالشبع ألا يختار شيئا، وللجائع أن يختار الاثنين. أما القائمة الموازية بالمعنى الذي نقصده فسوف تكون:
الأصناف
لا شيء
أفوكادو فقط
لحم مقدد فقط
كلاهما
شكل : قائمة: كلية مودلين، 24 يونيو 1889.
الآن، وبحكم البنية، لا بد من اختيار عنصر ما، حتى لو كان هذا العنصر هو ذلك المسمى «لا شيء» (وللتأكيد على أنها لن تؤخذ بشكل حرفي، توضع القوائم وعناصرها بين علامتي تنصيص)، غير أننا لا بد أن نسمح بإمكانية التعادل؛ بمعنى إتاحة الاختيار بين أكثر من صنف وكلها متعادلة. على سبيل المثال، قد يتعادل الأفوكادو فقط مع اللحم المقدد فقط. والقول بأن هذين العنصرين متعادلان، أو يختاران معا، يعني أننا مرتضون بالقدر نفسه بأي منهما. ليس المقصود أننا سنتناول كليهما بالضرورة؛ ففي مواجهة رابطة ما قد تتخيل اعتمادنا على وسيلة اعتباطية ما لحسم الاختيار؛ مثل قذف عملة ثم تناول الصنف الرابح. وبدون هذه الوسيلة المصطنعة، قد نجد أنفسنا في نفس موقف حمار بوريدان؛ ذلك المخلوق الخاص بالفيلسوف السكولاستي جان بوريدان (1295-1358)؛ فقد تضور هذا الحيوان البائس، الذي وضع في منتصف الطريق بين كومتين متماثلتين من القش، جوعا حتى الموت؛ لأنه لم يكن لديه سبب للتحرك في اتجاه دون الآخر.
وكتوضيح للطريقة التي يمكن من خلالها إيجاد العقلانية أو عدم إيجادها، في أنماط الاختيار، تأمل قائمة «الشطائر». حين توضع أمام هذه القائمة تختار «الأفوكادو»؛ لا يمكن أن يكون هناك شيء غير عقلاني في هذا، ولكن عندما يأتيك النادل لأخذ طلبك، يخبرك بأن «الجبن» متوافر أيضا، ويكون من تأثير هذا أن أصبح لديك قائمة بثلاثة أصناف؛ «الأفوكادو» و«اللحم المقدد» و«الجبن»، فتختار «اللحم المقدد». مرة أخرى، لا يمكن أن يكون هناك شيء غير عقلاني في هذا الاختيار الفردي، ولكن من الواضح أن هناك شيئا غير طبيعي في نمط اختياراتك؛ إذ تغير اختيارك حين اتسعت القائمة بإضافة شيء لا تريده؛ تحديدا «الجبن».
سأفترض على مدار الكتاب وجود عناصر كافية لكيلا تكون الإشكالية محل النظر تافهة؛ على سبيل المثال، سأتجاهل القوائم التي تتألف من عنصر واحد. كذلك سأفترض، إلا في المواضع التي لا يمكن فيها تجنب ذلك، أن جميع القوائم متناهية أو محدودة. وهذا الافتراض الأخير يستبعد فئتين من الاختيارات. من أمثلة الفئة الأولى اختيار عدد من الدولارات بلا قيد. وتتمثل الإشكالية هنا في وجود الكثير من المبالغ المتمايزة بشكل لا متناه؛ دولار، دولارين، ثلاثة دولارات وهكذا. ويمكن استبعاد هذه الفئة دون ندم؛ إذ إن جميع قوائم الاختيار المثيرة تقريبا لها حدود «عليا» و«دنيا». أما مثال الفئة الثانية، فهو الخاص باختيار درجة حرارة ماء الاستحمام. لنقل في نطاق ما بين 10 إلى 60 درجة مئوية. من الواضح هنا أن القائمة لها حد أقصى وحد أدنى، ولكن درجة الحرارة يمكن أن تتباين بشكل مستمر بين هذين الحدين. واستبعاد هذه الفئة لا يسبب أية مشكلات عملية ؛ فلا نخسر شيئا ذا قيمة إذا حصرنا اختيارنا في درجات الحرارة التي تتباين بنسب صغيرة؛ لنقل 0,1 درجة مئوية. وإذا فعلنا ذلك، فستضم قائمتنا عددا متناهيا من العناصر.
بالإضافة إلى ذلك، سوف أفترض، بوجه عام، أن الاختيار لا زمن له. ليس هذا عنصرا مقيدا مثلما قد يبدو؛ إذ إن معظم الاختيارات التي يتخللها زمن يمكن التعبير عنها بأسلوب لا زمني. على سبيل المثال، يمكنك أن تلزم نفسك اليوم باختيار ««الأفوكادو»، و«اللحم المقدد» غدا»، والذي يعد بشكل واضح اختيارا ينطوي على زمن. يمكنك أيضا أن تلزم نفسك اليوم باختيار ««اللحم المقدد» غدا إذا أمطرت غدا، أو إذا فاز الجواد بيجاسوس بالدربي، أو إذا كنت قد اخترت «اللحم المقدد» اليوم.» في كل من هذه الأمثلة يدخل الزمن الصورة بشكل عرضي فقط، غير أنه ليست جميع الاختيارات، كما سنرى، تتوافق مع هذا النمط. (2) بعض المواقف
سوف أستكشف في بقية الكتاب معنى الاختيار العقلاني في مواقف عدة، وسأبدأ باستكشاف العقل والعقلانية في السياق الأبسط، وهو حينما تتألف القائمة من عناصر محددة، مثل الأفوكادو و100 دولار. هذا السياق ينطبق على اختيارات مثل اختيار المكان الذي تعيش فيه، والشخص الذي تقضي معه بقية حياتك.
وانطلاقا من هذا السياق، أنتقل للموقف حيث تتألف القوائم من أرجحيات، أو مقامرات؛ تلك المواقف التي تعطى فيها احتمالات، مثل «100 دولار إذا فاز الأحمر»، وتمثل بعجلة الروليت، وتلك التي لا تعطى فيها احتمالات، مثل «الأفوكادو إذا فاز بيجاسوس بالدربي»، وتمثل بسباق الخيل. وينسحب النقاش هنا على اختيارات مثل الخضوع لجراحة، في الحالة الأولى إذا أخبروك أن معدل الوفيات على أثرها يبلغ 25 بالمائة، وفي الحالة الثانية السفر جوا في مواجهة الهجمات الإرهابية.
وعلى سبيل الاستطراد، أتناول بعد ذلك حالة خاصة من هذا الموقف، وهي تلك التي تنطوي فيها العناصر الاحتمالية على المال فقط. في هذه الحالة تصبح التوجهات إزاء المخاطرة، كما يتجلى في المقامرة والتأمين، ذات صلة. وينطبق هذا الاستطراد، بشكل خاص، على اختيارات؛ مثل: اختيار الشكل الذي تحفظ ثروتك عليه، واختيار التأمين على منزلك من عدمه.
بالعودة إلى القصة الأساسية، أتناول الحالة التي فيها تتألف القوائم من عناصر استراتيجية، مثل تقديم عطاء مرتفع أم منخفض في مزاد، أو بشكل أكثر تعميما، الصراع أم التعاون. وتنطبق المناقشة هنا على اختيارات، مثل تحديد توقيت للسفر إذا كنت تعلم أن الآخرين جميعا يحاولون تجنب ساعة الذروة، وبالنسبة للدولة، تطوير قدرات نووية في الوقت الذي تواجه فيه دول أخرى نفس الاختيار.
حتى الآن يدور النقاش حول الاختيار الفردي، وسوف أختتم بمناقشة للاختيار الجماعي، مستكشفا آليات تحقيق هذا، مثل الديمقراطية والديكتاتورية. وتسري هذه المناقشة على أمور مثل اختيار مطعم من قبل مجموعة من الأصدقاء، وعلى نطاق أكبر، المزايا النسبية لنظام «الفوز للأكثر أصواتا»، والتمثيل النسبي في الانتخابات. والعلاقات بين هذه المواقف موضحة في الشكل.
في المناقشة الأساسية في كل موقف أسير في أربع مراحل؛ الأولى: أعرض لبعض الأمثلة التي يبدو فيها شيء ما خاطئا. قد يكون المثال على ذلك هو مثال «الشطائر» المذكور أعلاه. الثانية: أشير للمشكلات العامة التي قد تقف وراء هذه الأمثلة؛ ففي مثال «الشطائر» أشير إلى أن الخطأ يكمن في تغير اختيارك حين تتسع القائمة بسبب إضافة شيء لا ترغبه من الأساس. الثالثة: أقترح كشرط للاختيار العقلاني ضرورة عدم ظهور مثل هذه المشكلات. وهذا في الواقع من شأنه تحديد معنى أن تكون عقلانيا. في مثال الشطائر، قد يكون الشرط هو ألا تؤثر إضافة صنف غير ملائم للقائمة على اختيارك، وسوف يعتبر الاختيار عقلانيا إذا استوفى هذا الشرط (في الواقع، وكما سنرى، لا يعد هذا الشرط - برغم كونه ضروريا - كافيا لاعتبار الاختيار عقلانيا). أما في المرحلة الرابعة، فأكتشف إجراء لتحقيق الاختيار يتسم بالعقلانية بهذا المعنى؛ أي إنني أقدم توصيفا للاختيار العقلاني. في سياق «الشطائر»، قد يكون التوصيف هو أن اختيارك يكون عقلانيا فقط إذا كان بوسعك وضع قائمة بجميع العناصر المتاحة بترتيب ما، واختيار العنصر الذي يتصدر قائمتك. ويقدم ملخص لهذه المناقشة الخاصة بالمراحل الأربع في نهاية كل فصل من الفصول ذات الصلة. وإلى جانب تكرار النقاط الأساسية، يقدم هذا الملخص، بالإضافة إلى المسرد، موضعا ملائما للرجوع إلى التعريفات المتعددة.
شكل : شجرة عائلة «نظرية الاختيار» كما يتناولها الكتاب.
بعد تناول الأفكار الأساسية في كل موقف، أستعرض بشكل أكثر إيجازا بعض الإضافات، وأبدأ بإبداء بعض الملاحظات حول الكيفية التي تتغير بها القصة - إن تغيرت من الأساس - إذا دخل الزمن الصورة بطريقة جوهرية.
بعد ذلك أعرض (ما يزعم أنه) متناقضة تجريبية، وعادة ما يكون هذا عبارة عن موقف يشارك فيه أشخاص في تجارب معملية، ويبدو أنهم يتصرفون بشكل غير عقلاني. هناك العديد من الاستجابات لمثل هذه المتناقضات؛ أولا: يمكننا أن نفترض مسبقا أن الأشخاص يتصرفون بشكل مختلف حين يواجهون باختيارات حقيقية أو مهمة، عنه حين يواجهون باختيارات مصطنعة أو غير مهمة؛ فقد تنتبه أكثر إذا ما كان الشيء المعرض للفقد هو منزلك وليس مجرد مكافأة قدرها 10 دولارات. ثانيا: يمكن أن نتقبل فكرة أننا جميعا نرتكب أخطاء من آن لآخر؛ فحقيقة اتخاذك اختيارا غير عقلاني سهوا لا تعني ضمنا أنك كنت ستتمسك به لو تم لفت نظرك إلى عدم عقلانيته. ثالثا: قد نفسر نظرية الاختيار بوصفها استكشافا لمعنى أن تكون عقلانيا، وربما كمرشد نحو اتخاذ قرارات منطقية، وليس كوصف للشكل الذي يتصرف به الناس في الواقع. رابعا: يمكننا أن نحاول مراجعة النظرية لأخذ التناقض في الاعتبار، غير أن مراجعة النظرية لحل متناقضة معينة قد تخلق مشكلات أكثر مما تحل؛ فينبغي أن نضع في الأذهان قاعدة «القضايا الصعبة تخلق قانونا سيئا»، ويجب أن تصوغ استجابتك لكل من هذه المتناقضات.
وكتطبيق لنظرية الاختيار، أختتم بمناقشة ما إذا كانت هذه النظرية تلقي أي ضوء على ما قد يكون مقصودا بالتوزيع العادل للثروة؛ أي على ما يعرف ب «عدالة التوزيع». والواقع أن نتائج نظرية الاختيار بالنسبة لعدالة التوزيع قد تعتبر حبكة ثانوية متفرعة من القصة الأساسية.
وكما أشرت، قد نفسر نظرية الاختيار إما كاستكشاف لمعنى أن تكون عقلانيا، وإما كوصف للشكل الذي يتصرف به الناس في الواقع. وإذا تبنينا التفسير الأخير ، فلا ينبغي أن نخلط بين «الوصف» و«الشرح»؛ فالزعم لن يكون أن الناس ينفذون عن عمد العمليات الحسابية المتنوعة التي تقترحها النظرية، بل إنهم فقط - في المجمل - يتصرفون كما لو كانوا يفعلون ذلك؛ فالحصول على وصف جيد للطريقة التي تنمو بها الشجرة يتم من خلال افتراض أنها تخرج الأوراق بطريقة تزيد من المساحة المعرضة للشمس، ولكن لا يجرؤ أحد، ولا حتى أنصار البيئة، على الإشارة بشكل جدي إلى أن الشجرة تفعل ذلك عن عمد.
أما إذا فسرنا نظرية الاختيار كاستكشاف لمعنى أن تكون عقلانيا، فقد تعمل النظرية أيضا كدليل لاتخاذ قرارات منطقية، إلا أنها لن تقترح عليك، مثلا، أنك يجب أن تقامر أو يجب أن تؤمن على ممتلكاتك؛ لأن الاختيارات الفردية لا يمكن أن تكون معقولة أو غير معقولة (غير أنها قد تقترح أنه ليس من الحكمة أن تفعل الأمرين معا). بالمثل، لا يمكنها أن تنصح رينتون باختيار أو عدم اختيار الحياة. في الواقع، هو في النهاية يختار الحياة، وإن كان بدون أي حماس ملحوظ:
إنني أمضي قدما، وأستقيم وأختار الحياة. إنني متطلع إليها بالفعل. سأكون مثلك: الوظيفة، العائلة، التلفاز الكبير، غسالة الملابس، السيارة، مشغل الأقراص المضغوطة وفتاحة العلب الكهربائية، الصحة الجيدة، الكولسترول المنخفض، تأمين الأسنان، الرهن العقاري، المنزل الصغير، الثياب المريحة، الأمتعة، غرفة الضيافة ذات الثلاث قطع ... تتعايش، وتتطلع إلى المستقبل، حتى يوم مماتك. (3) ملخص
ينطوي الاختيار على انتقاء عنصر أو أكثر من قائمة ما، وهو يستكشف في أربعة سياقات: سياق اليقين، حيث جميع العناصر محددة؛ وسياق الشك، حيث تنطوي العناصر على أرجحية، في وجود أو عدم وجود احتمالات معينة؛ وسياق الاستراتيجية، حيث تتوقف الاختيارات الفردية لشخصين بعضها على بعض؛ وسياق الاختيار الجماعي، حيث يتعين على عدد من الأشخاص الاختيار بشكل جماعي. وتظهر التوجهات إزاء المخاطرة في سياق الشك، ويكون لها تبعات في سياق الاستراتيجية.
الفصل الثاني
السبب والعقلانية
إن أبسط إطار عمل للاختيار هو ذلك الذي تتألف فيه قوائم الاختيار من عناصر محددة، مثل الأفوكادو و100 دولار، لا بد أن تختار منها واحدا أو أكثر، علما بأن التعادل مباح. تذكر أن القول بتعادل عنصرين؛ أي تساوي الاختيار بينهما، إنما يعني ارتضاءك بأي منهما بنفس القدر. (1) الاختيارات المعقولة
تأمل المثال التالي لاختيارات تبدو غريبة ظاهريا. (1-1) مثال المقبلات
تتألف قائمتك من الهليون والشمندر والشيكوريا، ويقع اختيارك على الهليون. عندما يخبرك النادل، ربما بعد أن يخطئ في سماعك، بأن الشيكوريا قد نفدت، تختار الشمندر. ويمكن تمثيل اختياراتك بيانيا، باستخدام شكل تقليدي واضح مثل:
أ ب ج
أ
أ ب
ب
تكمن مشكلة اختيارك في هذا المثال (والذي هو، في الواقع، مثال الشطائر المذكور في الفصل الأول) في كونك تختار (أ) من القائمة الكاملة، ولكنك لا تختار (أ) من (أ) و(ب)، وهو ما لا يبدو صحيحا. ولتجنب مثل هذه المشكلات، قد نشترط أنك في حالة ما إذا اخترت صنفا ما من قائمة وظل هذا الصنف متوافرا في قائمة أكثر محدودية، فعليك حينها أن تختاره أيضا من القائمة المحدودة. ويسمى هذا الشرط «شرط التقليص»، ويعرف أيضا بخاصية «ألفا سن»، على اسم أمارتيا سن (المولود عام 1933)؛ الاقتصادي والفيلسوف الحائز على جائزة نوبل. والقياس التمثيلي لذلك في سباق الخيل قد يتمثل في أنه: إذا كان من شأن مهرة ما أن تفوز في سباق مفتوح لكل من ذكور وإناث الخيول، ينبغي إذن أن تفوز أيضا إذا كان السباق مقتصرا على الإناث وحسب.
ولشرط التقليص نتيجة واضحة. افترض أن هناك بعض روابط التعادل في اختيارك الأصلي، وأنك بعد ذلك تختار مرة أخرى من القائمة الأصغر المؤلفة من جميع العناصر المتعادلة. من السهل أن نرى أن شرط التقليص يخبرنا أن اختيارك لا يتغير، وهذا يدعم إباحتنا للتعادل؛ فإذا كان هناك عنصران متعادلان، فلا يمكن أن يكون هناك سبب لاختيار أحدهما دون الآخر.
ثمة مشكلة من نوع آخر تظهر في المثال التالي. (1-2) مثال الحساء
تبدو قائمتك مؤلفة من حساء الفاصوليا وحساء الجزر، فيقع اختيارك على الجزر. ولدى إخبار النادل إياك أنك قد أخطأت في قراءة الخرشوف وظننته فاصوليا ، لتكون القائمة في الواقع مؤلفة من حساءي الخرشوف والجزر، تختار الاثنين معا، لكنهما حينها يكونان متعادلين. ولدى عودة النادل إليك ليخبرك أن حساء الفاصوليا متاح بالفعل، إلى جانب الصنفين الآخرين، تختار الخرشوف. ويمثل هذا بيانيا كالتالي:
أ ب ج
أ
ب ج
ج
أ ج
أج
تكمن مشكلة اختياراتك في هذا المثال في اختيارك (ج) من قائمة تضم (ب) و(ج)، وأيضا من قائمة تضم (أ) و(ج)، وإن لم يكن على نحو منفرد، ولكنك لا تختار (ج) من القائمة الكاملة. مرة أخرى، لا يبدو هذا صحيحا. سأقول إنك تختار عنصرا من اختيار «ثنائي» مع اختيار ثان إذا كنت تختار الأول، ليس وحده بالضرورة، حين تكون قائمتك مؤلفة من هذين العنصرين فقط. ومن أجل تلافي هذه النوعية من المشكلات التي تواجهنا في مثال «الحساء»، قد نشترط أنه في حال اختيارك عنصرا ما في اختيارات ثنائية مع كل عنصر آخر في القائمة، فإنك تختاره بالتبعية من القائمة الكاملة، وإن لم يكن بالضرورة أن تختاره بمفرده. وهذا الشرط هو «شرط التوسع»، والذي يعرف أيضا بشرط كوندورسيه؛ نسبة ل ماري جان أنطوان نيكولا؛ ماركيز كوندورسيه (1743-1794)؛ وهو عالم رياضيات وأحد الأعلام الرائدة لعصر التنوير الفرنسي. والقياس التمثيلي في مجال سباق الخيل هنا قد يتمثل في أنه: إذا تغلبت مهرة على كل مهرة من المهرات الأخرى في سباقات الخيل الثنائية، ينبغي إذن أن تفوز بسباق يتألف مضماره منها ومن هذه المهرات الأخرى جميعا.
ينبغي أن نتأكد من اتساق الشرطين من حيث إمكانية استيفاء كليهما في وقت واحد، واستقلالهما من حيث إن أيا منهما لا يقضي ضمنا بوجود الآخر. وأبسط طريقة لتحقيق هذا هو إعطاء مثال يستوفي كلا الشرطين، ومثال يستوفي الشرط الأول فقط، ومثال يستوفي الشرط الثاني فقط. ولإظهار مثال يخفق في استيفاء شرط منهما، لا نحتاج سوى إيجاد حالة يفشل فيها، غير أنه لكي نبين أنه يستوفي شرطا ما، لا بد أن نبين أن الشرط يستوفى في جميع الحالات؛ أي باختيارات من جميع القوائم الممكنة.
فيما يلي مثال يستوفي كلا الشرطين (على الرغم من أن الاختيارات المتخذة فيه، كما سنرى، تظل تاركة شيئا محل رغبة). (1-3) مثال السمك
تتألف قائمتك من سمك «الأنشوجة» و«القاروس» و«القد»، ويقع اختيارك على «الأنشوجة». ولكن إذا كانت قائمتك مقتصرة على «القاروس» و«القد»؛ فإنك تختار «القد»، وإذا كانت مقتصرة على «الأنشوجة» و«القد»، تختار «الأنشوجة»؛ وهو ما يمثل بيانيا كما يلي:
أ ب ج
أ
أ ب
أ ب
ب ج
ج
أ ج
أ
لاحظ أن هذا المثال يحدد الاختيارات التي تتخذها من جميع القوائم الممكنة (غير التافهة). يقع اختيارك هنا على (أ)؛ العنصر الوحيد الذي تختاره من القائمة الكاملة، ومن أي قائمة محدودة يتاح فيها، بحيث يستوفى شرط التقليص. كذلك يعتبر (أ) هو العنصر الوحيد الذي تختاره في الاختيارات الثنائية مع كل عنصر آخر، بحيث يستوفى شرط التوسع.
يمكننا استغلال مثال «الحساء» لتقديم حالة يستوفى فيها شرط التقليص دون شرط التوسع، شريطة أن نكمل هذا المثال من خلال تحديد أنك تختار (أ) من (أ) و(ب)، وبذلك تكون اختياراتك هي:
أ ب ج
أ
أ ب
أ
ب ج
ج
أ ج
أ ج
هنا يقع اختيارك على (أ)؛ العنصر الوحيد الذي تختاره من القائمة الكاملة، ومن أية قائمة محدودة يتوافر بها؛ حتى يستوفى شرط التقليص، ولكن شرط التوسع - وهذا هو الهدف من هذا المثال - لا يستوفى؛ فأنت تختار (ج)، وإن لم يكن بشكل منفرد، في الاختيارات الثنائية مع كل عنصر آخر، ولكن لا تختار (ج) من القائمة الكاملة.
بالمثل يمكننا الاستعانة بمثال المقبلات لتقديم حالة يستوفى فيها شرط التوسع دون شرط التقليص، شريطة أن نستكمل هذا المثال بتحديد أنك تختار (ج) من (ب) و(ج)، وتختار (أ) من (أ) و(ج)، وبذلك تكون اختياراتك هي:
أ ب ج
أ
أ ب
ب
ب ج
ج
أ ج
أ
هنا لم يقع اختيارك على أي عنصر في الاختيارات الثنائية مع كل عنصر آخر، حتى يستوفى شرط التوسع، بحكم غياب الشرط الآخر (تذكر أن شرط التوسع يستلزم أنه حال اختيارك عنصرا ما في الاختيارات الثنائية مع كل عنصر آخر في القائمة، يكون عليك اختياره من القائمة الكاملة. أما إذا لم يكن هناك عنصر تختاره في كل الاختيارات الثنائية؛ فإن الشرط يستوفى تلقائيا)، ولكن، وهذا هو الهدف من هذا المثال، لا يستوفى شرط التقليص؛ فأنت تختار (أ) من القائمة الكاملة، ولكن لا تختار (أ) من (أ) و(ب).
توضح أمثلة «المقبلات» و«الحساء» و«السمك» أن شرطي التقليص والتوسع متسقان ومستقلان. وفي ظل استبعاد هذين الشرطين للمشكلات التي حددتها حتى الآن، على الأقل، فلسوف أقول إن عملية الاختيار «المعقول» هي عملية تستوفي هذين الشرطين (لاحظ أنني، لدوافع سوف تتضح فيما بعد، أستخدم مصطلح «معقول» لا «عقلاني»).
ومن أجل توصيف الاختيارات المعقولة، تحتاج إلى مفهوم «علاقة التفضيل». يحدد هذا المفهوم، لأي عنصرين في قائمة، ما إذا كان العنصر الأول على الأقل جيدا مثل الثاني، أو كان العنصر الثاني جيدا على الأقل مثل الأول. ويراعي هذا المفهوم احتمالية انطباق الأمرين معا؛ فإذا كان الأمر كذلك، فحينئذ يوصف العنصران بأنهما متساويان. وإذا كان الأول جيدا على الأقل مثل الثاني ولكن الاثنين متساويان، يوصف العنصر الأول بأنه أفضل من الثاني. وتنسحب علاقة «جيد على الأقل مثل» على عناصر القائمة. ومن العلاقات المشابهة التي تنسحب على الأشخاص علاقة «طويل على الأقل مثل»؛ كأن أقول أنا في مثل طولك على الأقل، أو أنت في مثل طولي على الأقل، أو كليهما، وفي هذه الحالة يكون كلانا بنفس الطول.
إن اختيارك «يفسر بعلاقة تفضيل» إذا كانت العناصر التي تختارها من إحدى القوائم، وذلك بالنسبة لعلاقة «جيد على الأقل مثل»، هي نفسها بالضبط تلك التي تكون على الأقل في نفس جودة كل عنصر آخر في القائمة. وهذا يعني أنه: (1) إذا كان عنصر ما جيدا على الأقل مثل كل عنصر آخر في القائمة، فإنك تختار هذا العنصر. و(2) إذا كان أي شيء أفضل من عنصر ما، فإنك لا تختار ذلك العنصر . وإذا كان اختيارك مفسرا بعلاقة تفضيل، فمن السهل تحديد ماهية تلك العلاقة. إنها العلاقة التي توضح أن عنصرا ما يكون على الأقل بنفس جودة عنصر ثان إذا، وفقط إذا، وقع اختيارك عليه، ليس بمفرده بالضرورة، من بين الاثنين. لاحظ أن هذا يشير ضمنا إلى أنك إذا اخترت عنصرا من عنصرين؛ إذن فهو أفضل من العنصر الآخر.
بالعودة إلى مثال «السمك»، نجد أن اختياراتك فيه هي:
أ ب ج
أ
أ ب
أ ب
ب ج
ج
أ ج
أ
بالنظر إلى الاختيارات الثنائية الثلاثة، يتبين أنه لو كانت علاقة التفضيل الخاصة بك هي: (أ) مساو ل (ب) (ج) أفضل من (ب) (أ) أفضل من (ج)
ودائما ما تختار أفضل العناصر المتاحة، حينئذ ستكون اختياراتك، في الواقع، تماما مثل نظيرتها في ذلك المثال. وهذا يعني أن اختيارك سيكون مفسرا بعلاقة تفضيل.
قد يبدو أن جميع الاختيارات يمكن تفسيرها بعلاقة تفضيل، مهما كانت غريبة، ولكن الأمر ليس كذلك. لنعد إلى مثال «المقبلات» الذي كانت اختياراتك فيه كالتالي:
أ ب ج
أ
أ ب
ب
لو أمكن تفسير هذه الاختيارات بعلاقة تفضيل ما؛ لتعين أن يكون (أ) جيدا على الأقل مثل (ب) لأنك اخترت (أ) من القائمة الكاملة؛ ولتعين أن يكون (ب) أفضل من (أ) لأنك اخترت (ب) وحده من (أ) و(ب)، ولما كان من غير الممكن أن يكون كلا الأمرين صحيحا فلا يمكن أن يكون هناك علاقة تفضيل تفسر اختياراتك.
نفس الاستنتاج ينسحب على مثال «الحساء»، والذي كانت اختياراتك فيه هي:
أ ب ج
أ
ب ج
ج
أ ج
أ ج
هنا كان سيتعين أن يكون (أ) أو (ب) أفضل من (ج)؛ إذ إنك لا تختار (ج) من القائمة الكاملة، ولكن (أ) ليس أفضل من (ج)؛ لأنك تختار (ج) حتى وإن لم يكن بمفرده من بين (أ) و(ج)، و(ب) ليس أفضل من (ج)؛ لأنك تختار (ج) من بين (ب) و(ج). وهكذا، مرة أخرى، لا يمكن أن يكون هناك علاقة تفضيل تفسر اختياراتك.
يشير مثالا «المقبلات» و«الحساء» إلى أن: (1) الاختيارات لا يمكن تفسيرها بعلاقة تفضيل إذا لم يستوفى أحد شرطي التقليص أو التوسع (أو كلاهما)؛ أي إذا كانت الاختيارات غير معقولة. و(2) الاختيارات يمكن تفسيرها بعلاقة تفضيل إذا استوفي كلا الشرطين؛ أي إذا كانت الاختيارات معقولة. وهذا هو الحال بالفعل؛ فالاختيار يكون معقولا إذا، وفقط إذا، أمكن تفسيره بعلاقة تفضيل.
وهذا يعني أن الاختيارات، حال كان الاختيار معقولا، وعلاقات التفضيل؛ هما فعليا شيء واحد؛ إذ يمكننا دوما أن نشتق اختيارات من علاقات التفضيل، ويمكننا دوما أن نشتق علاقات تفضيل من الاختيارات. (2) الاختيارات العقلانية
تعد المعقولية نقطة انطلاق جيدة، ولكن قد يكون هناك المزيد ليقال، كما أشرت عند تقديم مثال «السمك»، والذي كانت اختياراتك فيه هي:
أ ب ج
أ
أ ب
أ ب
ب ج
ج
أ ج
أ
المشكلة هنا أنه في إحدى الحالات اخترت (ب) حين كان (أ) متاحا، بينما في حالة أخرى اخترت (أ) رغم توافر (ب) دون اختيار (ب) معه أيضا. قد نفسر ذلك بأنه في الحالة الأولى يوضح أن (ب) جيد على الأقل مثل (أ)، بينما في الثانية يوضح أنه أفضل من (ب). ولتفادي مثل هذه المشكلات، قد نشترط أنه في حال اختيارك عنصرا ما بينما هناك عنصر ثان متوافر، إذن فكلما اخترت الثاني مع توافر الأول، تختار الأول أيضا. وهذا الشرط هو «شرط الإيضاح»، والذي يعرف أيضا بشرط صامويلسون للتفضيل الموضح، نسبة إلى بول صامويلسون (المولود عام 1915)؛ وهو اقتصادي حاصل على جائزة نوبل. والقياس التمثيلي لسباق الخيل هنا قد يتمثل في أنه: إذا فازت مهرة بسباق - سواء بشكل قطعي أو بالتعادل مع خيول أخرى - تتسابق فيه مهرة أخرى؛ فلن تفوز الثانية فوزا قاطعا في أي سباق تشارك فيه الأولى.
من السهل أن ترى أن شرط الإيضاح يشير ضمنا إلى شرط التقليص وشرط التوسع، غير أنه في مثال «السمك»، على سبيل المثال، يسقط شرط الإيضاح، كما رأينا، فيما يستوفى شرطا التقليص والتوسع ؛ وعليه، يكون شرط الإيضاح أقوى من شرطي التقليص والتوسع معا؛ بمعنى أن أي اختيارات تستوفي شرط الإيضاح تستوفي شرطي التقليص والتوسع أيضا، ولكن يمكن أن تستوفي الاختيارات شرطي التقليص والتوسع دون استيفاء شرط الإيضاح.
ويتسم شرط الإيضاح بقدر من الإزعاج؛ فالاختيارات في مثال «السمك» لا تستوفيه، ولكنه ليس مزعجا للغاية؛ إذ من الممكن استيفاؤه كما يتبين من المثال التالي. (2-1) مثال اللحم
تتألف قائمتك من «لحم تمساح»، و«لحم بقري»، و«دجاج»، و«بط». إذا كان «لحم التمساح» متوافرا، فإنك تختاره. إذا لم يفلح هذا الاختيار، تختار «اللحم البقري» إذا كان متوافرا. إذا لم يفلح هذا الاختيار، تختار «الدجاج» و«البط» معا. والتمثيل البياني لذلك كما يلي:
أ ب ج د
أ
أ ج
أ
أ ب ج
أ
أد
أ
أ ب د
أ
ب ج
ب
أ ج د
أ
ب د
ب
ب ج د
ب
ج د
ج د
أب
أ
من السهل أن ترى أن اختياراتك في هذا المثال تستوفي شرط الإيضاح؛ وهذا يعني ضمنا أنها تستوفي أيضا شرطي التقليص والتوسع؛ ومن ثم فهي اختيارات معقولة. ووفقا لذلك، يمكن تمثيلها بعلاقة تفضيل، هي: (أ) أفضل من (ب) (ب) أفضل من (ج) (أ) أفضل من (ج) (ب) أفضل من (د) (أ) أفضل من (د) (ج) مساو ل (د)
عندما يلغي شرط الإيضاح، على الأقل، تلك المشكلات المتعلقة بالاختيارات المعقولة التي حددتها، أستطيع القول بأن عملية «الاختيار العقلاني» هي العملية التي تستوفي هذا الشرط.
لتوصيف الاختيار العقلاني، نحتاج إلى مفهوم «ترتيب الأفضلية»، وهو نوع خاص من علاقة التفضيل معروف باسم «التفضيل المتعدي». وتعد علاقة «جيد على الأقل مثل» علاقة متعدية، عندما يكون (س) جيدا على الأقل مثل (ص)، و(ص) جيدا على الأقل مثل (ع)؛ فإن (س) جيد على الأقل مثل (ع). على سبيل المثال، تعد علاقة «طويل على الأقل مثل» بين الأشخاص علاقة متعدية؛ فإذا كنت أنا في مثل طولك على الأقل، وأنت في مثل طول مونتمورنسي على الأقل؛ إذن فأنا على الأقل في مثل طول مونتمورنسي. وعلاقة التفضيل الكامنة وراء مثال «اللحم» علاقة متعدية؛ ومن ثم تنطوي على ترتيب للأفضلية. وعلى الرغم من أن التعدي يبدو سمة طبيعية لأية علاقة تفضيل، فليست كل علاقات التفضيل متعدية؛ على سبيل المثال، علاقة التفضيل في مثال «السمك»، وهي: (أ) مساو ل (ب) (ج) أفضل من (ب) (أ) أفضل من (ج)
ليست متعدية؛ فلو كانت متعدية لاقتضت العبارتان الأوليان ضمنا أن يكون (ج) جيدا على الأقل مثل (أ)، وهو ما كان سيتناقض مع الأخير.
وقد سمي مفهوم ترتيب الأفضلية بهذا الاسم لأنه يتيح ترتيب العناصر، وإن كان يسمح بالتعادل؛ وهذا يعني أن بإمكاننا ترتيب جميع العناصر في أية قائمة بحيث يتصدر الأفضل القمة ويتذيلها الأسوأ. لنعد إلى ترتيب الأفضلية الكامن وراء مثال «اللحم». باستخدام أسلوب تقليدي واضح تكون القائمة كالتالي:
أ
ب
ج د
لا يمكننا ترتيب العناصر في قائمة دون تعد؛ فبالنسبة لعلاقة التفضيل في مثال «السمك»: إذا وضعنا (أ) على قمة القائمة، إذن فلا بد أن نضع (ب) على القمة أيضا؛ لأن (أ) مساو ل (ب)، ولكن لا يمكننا أن نضع (ب) في المقدمة؛ لأن (ج) أفضل من (ب)، ولا يمكننا أن نضع (ج) في المقدمة؛ لأن (أ) أفضل من (ج). وعليه، لا يمكننا أن نضع أي عنصر في المقدمة؛ ومن ثم لا يمكننا أن نصنع قائمة.
شكل : المفكر: الاختيار رغبة مدروسة (أوجست رودين، 1904).
واختيارك «يفسر بعلاقة ترتيب للأفضلية» إذا كان يفسر بعلاقة تفضيل متعدية (تذكر أن أي ترتيب للأفضلية هو مجرد علاقة تفضيل متعدية). وكما رأينا، لا تعتبر علاقة التفضيل الكامنة خلف الاختيارات المتخذة في مثال «السمك»، والذي استوفي فيه شرط الإيضاح، علاقة متعدية؛ ومن ثم لا يمكن تفسير هذه الاختيارات بترتيب للأفضلية. على الجانب الآخر، نجد أن الاختيارات المتخذة في مثال «اللحم»، الذي استوفي فيه هذا الشرط، يمكن تفسيرها بترتيب الأفضلية.
يشير مثالا «اللحم» و«السمك» إلى أنه: (1) الاختيارات لا يمكن تفسيرها بترتيب للأفضلية إذا لم يستوف شرط الإيضاح؛ أي إذا كانت الاختيارات غير عقلانية، و(2) الاختيارات يمكن تفسيرها بترتيب للأفضلية إذا استوفت هذا الشرط؛ أي إذا كانت الاختيارات عقلانية. والأمر كذلك بالفعل؛ فالاختيار يكون عقلانيا إذا، وفقط إذا، أمكن تفسيره بترتيب للأفضلية.
وهذا يعني أن الاختيارات وترتيبات الأفضلية، حال كان الاختيار عقلانيا، شيء واحد في الواقع، بل يمكننا أن نعتبر ترتيب الأفضلية الكامن خلف الاختيار السبب وراء هذا الاختيار؛ إذ إن هناك صلة وثيقة بين السبب والعقلانية، ف «الاختيار هو رغبة مدروسة». (3) المنفعة
مثلما يمكن تمثيل الاختيارات العقلانية وفق ترتيبات الأفضلية، يمكن تمثيل ترتيبات الأفضلية، بدورها، حسب المنفعة. وتمثيل المنفعة لترتيب علاقة «جيد على الأقل مثل» يعين أرقاما للعناصر، بحيث تحظى العناصر الأفضل بأرقام أعلى. بمعنى أدق، يحظى عنصر ب «منفعة» أكبر من عنصر ثان إذا، وفقط إذا، كان الأول أفضل من الثاني. بالنسبة لترتيب الأفضلية الكامن خلف مثال «اللحم»، وهو: (أ) أفضل من (ب) (ب) أفضل من (ج) (أ) أفضل من (ج) (ب) أفضل من (د) (أ) أفضل من (د) (ج) مساو ل (د)
يمكننا أن نعين المنافع:
أ
3
ب
2
ج
1
د
1
هذا التعيين مفيد للغاية، فهو يشير إلى أن بإمكاننا دائما أن نعين منافع لأي ترتيب أفضلية من خلال إعداد قائمة، وتعيين رقم 1 للعنصر (أو للعناصر) السفلي، و2 للعنصر الذي يليه، وهكذا حتى نصل إلى قمة القائمة. وهذا هو الحال بالفعل؛ فبوسعنا دائما تمثيل أي ترتيب أفضلية حسب المنافع. وتوضح هذه الحجة أيضا أنه لا يمكننا تمثيل علاقة تفضيل ليست ترتيب أفضلية؛ بمعنى أنها ليست متعدية، حسب المنافع؛ لأننا في هذه الحالة لا يمكننا أن نصنع قائمة.
توجد طرق عديدة أخرى لتحديد المنافع، وثمة طريقة بديلة لتعيين المنافع في الحالة الحالية؛ هي:
أ
100
ب
99
ج
10
د
10
ولا يوجد طريقة من هاتين أفضل من الأخرى؛ فكلتاهما تعني شيئا واحدا فقط: أن (أ) أفضل من أي شيء آخر، و(ب) أفضل من (ج) و(د)، و(ج) و(د) متساويان. ولهذا السبب تعرف المنفعة بالمعنى المستخدم في هذا السياق باسم «المنفعة الترتيبية»؛ إذ إن كل ما تفعله هو ترتيب الأشياء. ويمكن تحويل المنافع الترتيبية بأية طريقة تصاعدية، على سبيل المثال (شريطة أن تكون موجبة)، عن طريق التربيع أو أخذ الجذور التربيعية، دون التأثير على خاصيتها التمثيلية.
ويكون اختيارك هو «تعظيم المنفعة» في حالة تعيين بعض المنافع، إذا كانت العناصر التي يقع اختيارك عليها هي التي تتساوى منفعتها على الأقل مع منفعة كل عنصر آخر. فإذا كان الأمر كذلك، إذن فالاختيار يعظم المنفعة. وبشكل واضح، لا يمكن أن يكون الأمر كذلك إلا إذا كان من الممكن تمثيل الاختيارات بترتيب أفضلية؛ لأنه إذا لم يكن هناك ترتيب للأفضلية فلا يمكن أن يكون هناك تعيين للمنفعة، وإذا كانت الاختيارات ممثلة بترتيب للأفضلية فلا بد إذن أنها تعظم المنفعة. بعبارة أخرى، يعظم الاختيار المنفعة فقط إذا كان يمكن تمثيله بترتيب للأفضلية. إذن بما أن الاختيار يكون عقلانيا فقط إذا أمكن تفسيره بترتيب للأفضلية، يمكننا القول بأن الاختيار يكون عقلانيا فقط إذا كان يعظم المنفعة.
شكل : خريطة للاختيار في ظل اليقين: تمثل علامات التساوي التعريفات، فيما تمثل الأسهم المزدوجة التكافؤ، وتمثل الأسهم الفردية التبعات.
إذن فالاختيار بعقلانية، بمعناه الجوهري، هو نفسه تعظيم المنفعة، ولكن التفسير في غاية الأهمية. أنت تفضل (س) على (ص) إذا اخترت (س) من بين (س) و(ص)، وتعين منفعة أكبر ل (س) عن تلك التي تعينها ل (ص) إذا كنت تفضل (س) على (ص). فالمنفعة تشتق من الاختيار، وليس الاختيار هو ما يشتق من المنفعة؛ فأنت لا تختار ركوب الخيل بدلا من التزحلق لأنه يمنحك منفعة أكبر، على العكس؛ فركوب الخيل يكتسب منفعة أكبر بسبب اختيارك له.
والصلات بين المعقولية والعقلانية والشروط المختلفة المطروحة في هذا الفصل موضحة بالشكل. (4) بعض الإضافات
تتغير الصورة قليلا إذا تدخل عامل الزمن. والعديد من الاختيارات التي تتضمن زمنا لا تتضمنه بشكل جوهري. تأمل، على سبيل المثال، اختيارك اليوم ما تتناوله اليوم وغدا. على الرغم من أن هذا الاختيار يتضمن الزمن، فإنه سرعان ما يوضع في إطار لا زمني. الفارق الوحيد أنه بدلا من الاختيار بين العنصرين (س) و(ص)، تختار، لنقل، من العناصر الأربعة: (س) اليوم و(س) غدا (س) اليوم و(ص) غدا (ص) اليوم و(س) غدا (ص) اليوم و(ص) غدا
غير أنه ليست جميع الاختيارات تتلاءم مع هذا النمط؛ فقد يتجنب أحدهم، إن لم يكن رينتون، الهيروين؛ لعلمه بأنه إذا تعاطى بعضا منه اليوم، فسيكون أسيرا له غدا. بشكل أكثر تعميما، قد يكون الاختيار هو أنك ترغب في «س اليوم وص غدا»، ولكنك تعلم أنك إذا تناولت (س) اليوم، فسوف تتغير تفضيلاتك بحيث ترغب في (س) غدا أيضا. وهذه هي، في الواقع، المشكلة التي واجهت بطل هوميروس (حوالي 700ق.م) يوليسيس؛ الذي ربط نفسه بصاري سفينته حتى يتمكن من سماع أنشودة حوريات البحر العذبة دون أن ينقاد، فيما بعد، لتتبع الصوت المغري ويهلك. والنظرية اللازمنية الموضحة هنا لا يمكنها التعامل مع مشكلات من هذه النوعية.
حتى في إطار لا زمني قد لا يكون كل شيء واضحا ومباشرا. تأمل أحد التناقضات الظاهرية، والمعروفة بمفارقة التأطير. أنت في أحد المحال وقد قررت شراء هاتف ثمنه 20 دولارا، وجهاز كمبيوتر ثمنه 1000 دولار. أولا: يقال لك إن الهاتف يباع أرخص 10 دولارات في فرع آخر، على بعد خمس دقائق؛ فهل تشتري الآن أم تذهب إلى الفرع الآخر؟ ثانيا: يقال لك إن الكمبيوتر (وليس الهاتف) يباع أرخص 10 دولارات في الفرع الآخر؛ فهل تشتري الآن أم تذهب إلى الفرع الآخر؟ توقف لبرهة وتفكر.
ينبغي، بشكل واضح، أن تتخذ نفس الاختيار في كل حالة على اعتبار أن المشكلتين متطابقتان في الجوهر، ولا تختلفان إلا في التفسير أو التأطير؛ ففي كل حالة من الحالتين توفر 10 دولارات بالذهاب إلى الفرع الآخر. ولكن عددا أكبر، بشكل ملحوظ، من الأشخاص الذين سئلوا في إحدى التجارب اختاروا الذهاب إلى الفرع الآخر، حين تم تخفيض سعر الهاتف عنه حين تم تخفيض سعر الكمبيوتر. وقد لاحظت وجود استجابات عديدة ممكنة للمفارقات كتلك الواردة في الفصل الأول. وينبغي أن تكون استجابتك الخاصة لهذه المفارقة.
من الدلالات الضمنية المهمة لحقيقة أن المنافع يمكن تحويلها بأي شكل تصاعدي دون التأثير على خاصيتها التمثيلية: أن مقارنات التغييرات في المنفعة ليس لها معنى. تأمل، على سبيل المثال، الادعاء بأن الفارق بين منفعة 1000 دولار ومنفعة 2000 دولار أكبر من الفارق بين منفعة 8000 دولار ومنفعة 9000 دولار. وهو الادعاء المناظر لادعاء أن مبلغ 1000 دولار يعطي منفعة أكبر حين يضاف إلى 1000 دولار مقارنة بمنفعته حين يضاف إلى 8000 دولار، أو أن «المنفعة الحدية» لمبلغ 1000 دولار تكون أكبر حين تكون فقيرا عنها حين تكون ثريا. ومثل هذه الادعاءات ليست صحيحة ولا خاطئة؛ بل هي ادعاءات بلا معنى.
من طرق تخصيص المنافع، على فرض أن الثروة الأكثر أفضل من الثروة الأقل: تعيين منفعة لكل مبلغ من المال (معبر عنه بآلاف الدولارات) مساوية لذلك المبلغ. وثمة طريقة ثانية هي: تعيين منفعة مساوية للجذر التربيعي لذلك المبلغ، وطريقة ثالثة هي: تعيين منفعة مساوية لمربع ذلك المبلغ. وكل طريقة من تلك الطرق، بالطبع، على القدر نفسه من الجودة.
إذن فالادعاء بأن الفارق بين منفعة 1000 دولار ومنفعة 2000 دولار أكبر من الفارق بين منفعة 8000 دولار ومنفعة 9000 دولار يبدو صحيحا، إذا ما تم تعيين المنفعة بطريقة الجذر التربيعي؛ حيث تبلغ المنفعتان الحديتان حوالي 0,4 و0,2 على التوالي، ويبدو خاطئا إذا ما تم تعيين المنفعة بطريقة التربيع؛ حيث الرقمان 17 و3 على التوالي، ولكن كلتا هاتين الطريقتين لتعيين المنافع جيدة بالقدر نفسه؛ فأي من العمليتين الحسابيتين لا تعني أي شيء في حد ذاتها.
إن مثل هذه المعتقدات تنشأ من الخلط بين العبارة الصحيحة «الثروة الأكبر يعين لها منفعة أكبر؛ نظرا لكون الثروة الأكبر هي المفضلة»، وبين العبارة عديمة المعنى «الثروة الأكبر مفضلة؛ لأنها تعطي منفعة أكبر.» والتطبيق الخاطئ لمثل هذا التفكير يستدعي إعادة توزيع الثروة، عن طريق فرض ضرائب تصاعدية على سبيل المثال؛ ذلك لأن الشخص الفقير يربح من الحصول على 1000 دولار «أكثر» مما يخسره شخص ثري بدفع 1000 دولار. ومرة أخرى ، ليس لهذا الحديث أي معنى. وفي هذه الحالة يتزايد الخلط بخوض محاولة غير مبررة لمقارنة منافع الأشخاص المختلفين. ما من سبب يمنعنا، مثلا، من تبني طريقة الجذر التربيعي لتعيين المنافع للجميع، ولكن إذا فعلنا ذلك؛ فإن حقيقة أن مستوى منفعتك يعادل ضعف مستوى منفعتي تخبرنا تحديدا بما نعرفه بالفعل؛ وهو أن ثروتك تساوي أربعة أضعاف ثروتي، ولا شيء أكثر من ذلك. إن المنفعة ليست مقياسا للسعادة أو الرفاهية، بل مجرد تمثيل عددي للتفضيلات. (5) ملخص
الاختيار مع اليقين يتضمن اختيار عنصر محدد أو أكثر من قائمة بعينها.
يقضي شرط التقليص بأنك إذا اخترت عنصرا ما من قائمة، وظل هذا العنصر متاحا في قائمة أكثر محدودية؛ فإنك تختاره أيضا من القائمة المحدودة.
يقضي شرط التوسع بأنك إذا اخترت عنصرا ما في اختيارات ثنائية مع كل عنصر آخر في القائمة، فإنك تختاره، وإن لم يكن بالضرورة بمفرده، من القائمة الكاملة.
يفسر الاختيار بعلاقة تفضيل، إذا كانت العناصر التي يقع عليها اختيارك، بالنسبة لعلاقة «جيد على الأقل مثل»، هي تحديدا تلك التي تعد جيدة على الأقل مثل كل عنصر آخر في القائمة.
يكون الاختيار معقولا، بمعنى أنه يستوفي شرطي التقليص والتوسع، إذا، وفقط إذا، كان بالإمكان تفسيره بعلاقة تفضيل.
يقضي شرط الإيضاح بأنك إذا اخترت عنصرا في ظل توافر عنصر ثان، فكلما اخترت العنصر الثاني وكان الأول متوافرا، فإنك تختار الأول أيضا.
يفسر الاختيار بترتيب الأفضلية إذا كان مفسرا بعلاقة تفضيل متعدية.
يكون الاختيار عقلانيا، بمعنى أنه يستوفي شرط الإيضاح، إذا، وفقط إذا، كان مفسرا بترتيب للأفضلية.
تمثيل المنفعة لعلاقة «جيد على الأقل مثل» الترتيبية يعين أرقاما للعناصر بحيث يكون لأحد العناصر رقم منفعة أكبر من عنصر ثان إذا، وفقط إذا، كان الأول أفضل من الثاني. ويكون اختيارك معظما للمنفعة إذا، وفقط إذا، كانت العناصر التي اخترتها، بالنسبة لتعيين ما للمنافع، هي تحديدا تلك التي تتساوى منفعتها على الأقل مع منفعة كل عنصر آخر.
يكون الاختيار عقلانيا إذا، وفقط إذا، كان يعظم المنفعة.
الفصل الثالث
سباق الخيل والروليت
أتحول الآن إلى الحالة التي تتألف فيها القوائم من عناصر احتمالية، مثل «100 دولار إذا فاز الأحمر»، و«الأفوكادو إذا فاز بيجاسوس بالدربي». في الحالة الأولى، والتي تمثل بالروليت، يتم إعطاء احتمالات، بينما في الحالة الثانية، وتمثل بسباق الخيل، لا بد من استنتاج الاحتمالات. (1) الموقف
تتمثل «احتمالية» نتيجة ما في رقم يتراوح بين صفر و1، يقيس مدى أرجحية حدوث النتيجة، وكلما ارتفعت الاحتمالية كان حدوث النتيجة أكثر ترجيحا. وعند الحدود القصوى، تشير احتمالية قدرها صفر ضمنا إلى استحالة وقوع النتيجة، بينما تشير احتمالية قدرها 1 ضمنا إلى اليقين. وللاحتمالات ثلاث خصائص أساسية؛ أولا: الاحتمالات الخاصة بجميع النتائج الممكنة مجموعها 1. وعلى ذلك، إذا كانت جميع الفتحات في عجلة روليت تحتوي على 36 فتحة لها مقدار الاحتمالية نفسه، فإن احتمالية استقرار الكرة عند أي رقم تساوي 1 / 36. ثانيا: إذا استحال وقوع نتيجتين معا، فإن احتمالية وقوعهما تساوي مجموع احتمال وقوع كل منهما بشكل منفرد. وعلى هذا، فإن احتمالية استقرار الكرة عند الرقم 7 أو 12 تساوي 2 / 36. وباستخدام هذه الخاصية بشكل متكرر، تكون احتمالية استقرار الكرة على رقم زوجي هي 18 / 36 أو 0,5. ثالثا: احتمالية وقوع نتيجتين منفصلتين تباعا هي ناتج احتمالات وقوع كل منهما. وعليه، تكون احتمالية استقرار الكرة على رقم زوجي مرتين على التوالي هي 0,5 × 0,5 أو 0,25.
تسمى عناصر القائمة في ظل الشك رهانات. و«رهان الاحتمالية» هو عبارة عن قائمة بالجوائز المحتملة ملحق بكل منها احتمالية. بالطبع لا بد أن يكون مجموع هذه الاحتمالات 1. مثال على ذلك القول: «100 دولار باحتمالية 0,5، ولا شيء باحتمالية 0,5»، أو بشكل مساو: «100 دولار باحتمالية 0,5، ولا شيء خلاف ذلك». ثمة مثال آخر هو: «لا شيء باحتمالية 0,5، واللحم المقدد باحتمالية 0,25، والجبن خلاف ذلك». ويمكننا كتابة هذين الرهانين، لنقل (س) و(ص) على النحو التالي:
100 دولار باحتمالية 0,5، ولا شيء باحتمالية 0,5.
و:
لا شيء باحتمالية 0,5، واللحم المقدد باحتمالية 0,25، والجبن خلاف ذلك.
على التوالي.
قد تتخيل أن نتائج الرهانات تتحدد بواسطة شخص خلف الكواليس يقوم بتدوير عجلة روليت. فإذا كنت قد اخترت الرهان (س) واستقرت الكرة على رقم زوجي، تحصل على 100 دولار؛ وإذا استقرت على رقم فردي، فلا تحصل على شيء. أما إذا وقع اختيارك على الرهان (ص)، واستقرت الكرة على رقم في النطاق ما بين 1 إلى 18، تحصل على «الأفوكادو»؛ وإذا استقرت على رقم في النطاق ما بين 19 إلى 27، تحصل على «اللحم المقدد»؛ وإذا استقرت على رقم في النطاق ما بين 28 إلى 36، تحصل على «الجبن».
سيكون من الملائم اعتبار القول «الأفوكادو باحتمالية قدرها 1» - والذي ستكون تسميته ببساطة «الأفوكادو» أمرا أكثر طبيعية - رهانا، وهو رهان يدعى «رهانا محدد القيمة». كذلك قد تكون جوائز الرهان في حد ذاتها رهانات. والمثال على هذا الرهان، الذي تتمثل جوائزه في الرهان (س) والرهان (ص)، هو:
الرهان (س) باحتمالية 0,6، والرهان (ص) باحتمالية 0,4.
قد ينظر إلى هذا «الرهان المركب» باعتباره «مزيجا» من الرهانين (س) و(ص) الفرديين، اللذين يبلغ وزنهما 0,6 و0,4 على التوالي. ومثل هذا المزيج هو رهان جوائزه هي جميع جوائز الرهانين (س) و(ص)، والاحتمالات المرتبطة بجوائز الرهان (س) هي احتمالاته الأصلية مضروبة في 0,6، والاحتمالات المرتبطة بجوائز الرهان (ص) هي احتمالاته الأصلية مضروبة في 0,4. وبناء عليه، على سبيل المثال، تكون الاحتمالية المرتبطة بال 100 دولار، جائزة الرهان (س)، هي 0,6 × 0,5، أو 0,3، والاحتمالية المرتبطة باللاشيء، وهي جائزة كلا الرهانين (س) و(ص)، هي (0,6 × 0,5) + (0,4 × 0,5) أو 0,5. وهذا الرهان المركب أو المزيج يعادل الرهان البسيط:
100 دولار باحتمالية 0,3، ولا شيء باحتمالية 0,5، و«اللحم المقدد» باحتمالية 0,1، و«الجبن» باحتمالية 0,1.
كما هو موضح في الشكل
3-1 .
شكل 3-1: رهان مركب.
مع وضع هذه المبادئ الأساسية في الاعتبار، يمكننا تحويل انتباهنا إلى الاختيار من بين الرهانات. ويمكننا الاعتماد مباشرة على مناقشة الفصل الثاني؛ فمجرد تغيير اسم أحد عناصر القائمة من «الهليون» إلى «100 دولار باحتمالية 0,5، ولا شيء خلاف ذلك»؛ لا يمكن أن يغير أيا من نتائج ذلك الفصل. ومع ذلك، قد تكون الأمور هنا أكثر تعقيدا. على سبيل المثال، إذا كنت تفضل الحصول على 100 دولار عن الحصول على لا شيء، فسيبدو طبيعيا أن تفضل الرهان الذي يمنحك 100 دولار باحتمالية 0,9 ولا شيء خلاف ذلك، عن الرهان الذي يمنحك 100 دولار باحتمالية 0,1 ولا شيء خلاف ذلك ، غير أن مفهوم العقلانية الذي ناقشناه في الفصل الثاني لم يكن يعني ذلك ضمنا؛ ففي إطار هذا المفهوم، سيكون الأمر مشابها لوجوب تفضيلك «للدجاج» على «البط»؛ فقط لأنك تفضل «لحم التمساح» على «اللحم البقري».
والسبب في أن الأمور هنا قد تكون أكثر تعقيدا: أن عناصر القائمة في ظل اليقين ليست لها بنية داخلية؛ ف «الأفوكادو» هو ببساطة «أفوكادو». أما عناصر القائمة في ظل الشك، على الجانب الآخر، فلها بنية داخلية؛ إذ تتضمن جوائز واحتمالات على حد سواء. وهذا يعني أن ترتيبات الأفضلية في ظل اليقين هي نهاية الأمر؛ فلا يمكن أن تكون عقلانية أو لا عقلانية. ولكن يمكننا أن نتساءل بعقلانية ما إذا كانت ترتيبات الأفضلية في ظل الشك عقلانية. على سبيل المثال، يمكننا أن ننظر إلى الأنماط في التفضيلات الخاصة برهانات لها نفس الجوائز، ولكن باحتمالات مختلفة، مثل تلك التي تتضمن الحصول على 100 دولار أو لا شيء. (2) رهانات الاحتمالية
في ضوء هذه المناقشة، سوف أفترض أن الاختيارات من الرهانات يمكن تفسيرها بترتيب للأفضلية، وأتساءل عما يعنيه أن يكون هذا الترتيب عقلانيا. وما دمت لن ألقي بالا لعلاقات التفضيل التي ليست ترتيبات - أي غير المتعدية - فسوف أشير من الآن فصاعدا إلى ترتيبات الأفضلية ببساطة ب «التفضيلات».
تأمل المثال التالي الذي يبدو أن به شيئا خاطئا. (2-1) مثال الخضراوات
أنت تفضل «الباذنجان» على «البروكلي»، ولكن في ظل علمك بأن الخدمة عشوائية، وأن أيا كان ما ستطلبه فهناك احتمالية قدرها 0,1 أن يأتيك بدلا منه «قرنبيط»، فإنك تطلب بروكلي؛ أي إنك تفضل «البروكلي باحتمالية 0,9 والقرنبيط خلاف ذلك» على «الباذنجان باحتمالية 0,9 والقرنبيط خلاف ذلك.»
إن مشكلة اختياراتك في هذا المثال تكمن في أنه في الحالة الثانية تكون النتيجة (ج) واحدة في كلا الرهانين، ومع ذلك فأنت تدعها تؤثر عليك. سيبدو الأمر طبيعيا أكثر لو أنك، عند مقارنة الرهانين، تجاهلت الجوانب التي يتشابهان فيها وركزت على جوانب اختلافهما. بالطبع قد تفضل «احتمالية قدرها 0,9 للنتيجة (ب)، واحتمالية قدرها 0,1 للنتيجة (ج)» على «احتمالية قدرها 0,9 للنتيجة (أ)، واحتمالية قدرها 0,1 للنتيجة (ج)»، على الرغم من تفضيلك (أ) وحدها على (ب) وحدها (ربما لأن (ج) تتماشى مع (ب) أكثر من (أ))، غير أن أيا من هذه الخيارات لا يقدم؛ فإما ستحصل على ما طلبت، وإما ستحصل على (ج). فإذا حصلت على ما طلبت، فلا يصبح ل (ج) أهمية؛ وإذا حصلت على (ج)، فلا يهم ماذا طلبت. ولضمان عدم تعكير هذه التفاهات للصورة، قد نشترط أنك إذا ما كنت تفضل رهانا على آخر؛ فإنك إذن تفضل أي مزيج من الرهان الأول ورهان ثالث على مزيج من الرهان الثاني والثالث بنفس الأوزان. وهذا الشرط هو «شرط الاستبدال».
ولشرط الاستبدال دلالة ضمنية مباشرة؛ وهذه الدلالة هي أنك إذا كنت تفضل الحصول على 100 دولار على لا شيء، فإنك تفضل الرهان الذي يمنحك 100 دولار باحتمالية قدرها 0,9 ولا شيء خلاف ذلك، على الرهان الذي يمنحك 100 دولار باحتمالية 0,1 ولا شيء خلاف ذلك. بشكل أكثر عمومية، إذا كنت تفضل رهانا على آخر، فإنك تفضل مزيجا من الاثنين على مزيج ثان إذا، وفقط إذا، كان وزن الرهان الأفضل في المزيج الأول أكبر من وزن الرهان الأفضل في المزيج الثاني.
ثمة مشكلة من نوع مختلف تظهر في المثال التالي. (2-2) مثال الفاكهة
أنت تفضل «التفاح» على «الموز»، و«الموز» على «الكرز» (و«التفاح» على «الكرز» بما أنك عقلاني)، غير أنك تفضل «الموز» على كل رهان يمنحك إما «التفاح» وإما «الكرز» الكريه، مهما كانت احتمالية الحصول على الأخير منخفضة.
تكمن مشكلة اختياراتك في هذا المثال في وجود قفزة في تفضيلاتك. تأمل تفضيلك فيما بين (ب) والرهان (س)، الذي يمنحك (أ) باحتمالية تساوي (ح)، و(ج) باحتمالية ما تساوي (ح). إذا كانت (ح) أقل من 1، مهما قد تكون قريبة إلى 1، فإنك تفضل (ب)؛ ولكن حين تكون (ح) تساوي 1، بمعنى عندما يصبح الرهان (س) ببساطة (أ)، فإنك تفضل (ص). وهكذا فإنك تنتقل في مرحلة ما من تفضيل رهان على الآخر دون المرور بالمرحلة المتوسطة من الحياد بين الاثنين. ويتضح هذا في الجدول:
ح
0,9
0,99
0,999 ...
1
الاختيار
ب
ب
ب ...
س
كان سيبدو مقبولا أكثر أن تتغير تفضيلاتك بسلاسة بدلا من القفز بهذا الشكل. ولإدراك ما يتضمنه ذلك بشكل عملي، أعد تفسير (أ) باعتبارها مليون دولار، و(ب) باعتبارها لا شيء، و(ج) باعتبارها موتك. يتمثل الادعاء في أنك مقابل احتمالية (ح) مرتفعة بما يكفي، ستقدم على الرهان الذي يمنحك مليون دولار بالاحتمالية (ح)، وينتج عنه موتك خلاف ذلك. إذا كان ذلك يبدو مستبعدا، فسل نفسك ما إذا كنت ستعبر شارعا مزدحما بالسيارات، متكبدا بذلك احتمالية ضئيلة لأن تلقى حتفك؛ لالتقاط مليون دولار. بشكل عام، ستكون الإجابة: نعم. ولاستبعاد القفزات في التفضيلات، قد نشترط أنك إذا فضلت رهانا على رهان ثان، وفضلت الثاني على ثالث، إذن فهناك مزيج من الرهانين الأول والثالث تعتبره مساويا للرهان الثاني. وهذا الشرط هو «شرط الاستمرارية»، ويعرف أيضا ب «شرط أرشميدس»؛ نسبة لعالم الرياضيات اليوناني أرشميدس (287-212ق.م). (قد نلاحظ بشكل عارض أن شرط الاستمرارية يقضي بالسماح للاحتمالات بالتباين والتنوع بشكل مستمر؛ لأنها إذا تنوعت فقط بدرجات قدرها 0,1، على سبيل المثال، إذن فقد تكون قد فضلت الرهان الذي يمنحك (أ) باحتمالية 0,9 و(ج) خلاف ذلك على (ب)، وفضلت (ب) على الرهان الذي يمنحك (أ) باحتمالية 0,8 و(ج) خلاف ذلك. وهذا بدوره يقتضي أن يكون هناك العديد من الرهانات الممكنة بشكل لا متناه.)
علينا مرة أخرى التحقق من أن شرطينا متسقان ومستقلان. وتجنبا للتكرار، سوف أتناول مسألة الاتساق فقط؛ فالتحقق من الاستقلالية أمر واضح وبسيط. ويوضح الاتساق من خلال المثال التالي. (2-3) مثال المكسرات
من خلال تأمل جميع الرهانات الممكنة التي تتضمن «اللوز» و«الجوز البرازيلي» و«الكاجو»، تفضل رهانا على رهان ثان، حينما يكون ضعف احتمالية الحصول على اللوز مضافا إليه احتمالية الحصول على الجوز البرازيلي في الرهان الأول؛ أكبر من العدد المناظر في الرهان الثاني.
في هذا المثال تفضل الرهان: (أ) باحتمالية (ح)، و(ب) باحتمالية (ق)، و(ج) خلاف ذلك.
على الرهان: (أ ) باحتمالية (ر)، و(ب) باحتمالية (ل)، و(ج) خلاف ذلك .
كلما كانت 2ح + ق أكبر من 2ر + ل. لاحظ أن هذا يحدد تفضيلاتك فيما بين جميع الرهانات الممكنة التي تتضمن (أ)، و(ب)، و(ج). ومن السهل توضيح أن شرطي الاستبدال والاستمرارية مستوفيان.
لما كان شرطا الاستبدال والاستمرارية متسقين ومستقلين، ويبدو على الأقل أنهما يستبعدان المشكلات التي كنت قد حددتها، يمكنني القول بأن لديك «تفضيلات عقلانية»، فيما يتعلق بالرهانات، إذا كانت التفضيلات تستوفي هذين الشرطين.
ولتوصيف العقلانية، نحتاج إلى مفهوم «المنفعة المتوقعة». تذكر أننا افترضنا أن الاختيار من الرهانات يمكن تفسيره بترتيب للأفضلية؛ بمعنى أنه يعظم المنفعة (كما ناقشنا في الفصل الثاني). إذن لما كان بوسعنا تعيين منافع لجميع الرهانات، أمكننا بالتأكيد تعيينها للرهانات المحددة القيمة؛ أي للجوائز. لنفترض أننا قد فعلنا ذلك. وعلى ذلك يتم إيجاد المنفعة المتوقعة لرهان ما بضرب منفعة كل جائزة في الاحتمالية المرتبطة بتلك الجائزة، وجمع الأرقام الناتجة. على سبيل المثال، إذا كان لديك تعيين المنفعة:
س
1
ص
3
ع
2
إذن فالمنفعة المتوقعة للرهان: (س) باحتمالية 0,2، و(ص) باحتمالية 0,3، و(ع) باحتمالية 0,5.
هي (1 × 0,2) + (3 × 0,3) + (2 × 0,5)، أو 2,1.
تذكر أننا نستطيع تعيين المنافع بطرق عدة؛ كل ما هو مطلوب أن يكون للجوائز الأفضل منافع أعلى. كمرجعية للمستقبل، لاحظ أننا إذا ضاعفنا كل المنافع، فإننا نضاعف المنفعة المتوقعة لأي رهان؛ وإذا أضفنا 7 لجميع المنافع، فإننا نضيف 7 للمنفعة المتوقعة لأي رهان. على سبيل المثال، إذا فعلنا كلا هذين الأمرين، بذلك الترتيب، تكون المنفعة المتوقعة للرهان أعلاه هي 11,2، والتي تعادل ضعف المنفعة المتوقعة القديمة مضافا إليها 7، غير أننا إذا استبدلنا بجميع المنافع قيمها التربيعية، فإن المنفعة المتوقعة الجديدة لا تكون مربع المنفعة المتوقعة القديمة؛ فالمنفعة المتوقعة الجديدة هي 4,9، في حين أن مربع المنفعة المتوقعة القديمة يساوي 4,41.
سيكون ملائما لو أننا استطعنا تعيين منافع للجوائز بطريقة تمكننا من الحكم على الرهانات ببساطة على أساس منافعها المتوقعة؛ أي من خلال تفضيل رهان على رهان ثان إذا، وفقط إذا، كان له منفعة متوقعة أعلى. وهذا يعني ، على سبيل المثال، أنك كنت ستفضل الرهان السابق على الرهان الجديد: (س ) باحتمالية 0,5، و(ص) باحتمالية 0,3، و(ع) باحتمالية 0,2.
لأن المنفعة المتوقعة للرهان الأصلي التي تبلغ، كما أشرنا، 2,1، تتجاوز المنفعة المتوقعة للرهان الجديد، والتي تساوي 1,8. إذا أمكن تعيين المنافع بهذه الطريقة؛ فإن المنافع المعينة بهذا الشكل تسمى «المنافع العددية»، أو منافع برنولي؛ نسبة لعالم الرياضيات دانييل برنولي (1700-1782)، ويقال: إن للتفضيلات «خاصية المنفعة المتوقعة.»
إذا أمكننا تعيين منافع عددية على الإطلاق، يمكننا حينئذ تعيينها بطرق عدة. هب أننا قد عينا منافع عددية للجوائز بطريقة ما. حينئذ يكون رهان (س) أفضل من رهان (ص) إذا، وفقط إذا، كان له منفعة متوقعة أعلى بموجب هذا التعيين. والآن نقوم بتعيين المنافع للجوائز بطريقة مختلفة، تكون المنفعة الجديدة المعينة لكل جائزة بموجبها ضعف منفعتها المتوقعة القديمة مضافا إليها 7. إذن يكون للرهان (س) منفعة متوقعة جديدة أعلى من (ص) إذا، وفقط إذا، كانت منفعته المتوقعة القديمة أعلى؛ أي إذا، وفقط إذا، كان أفضل من (ص)؛ ومن ثم تحتفظ المنافع العددية بخصائصها التمثيلية حين تضاعف ويضاف إليها 7. وبشكل أكثر عمومية، تحتفظ المنافع العددية بخصائصها التمثيلية حين تحول بما يعرف بالطريقة «الخطية»؛ أي عندما تضرب في أي عدد موجب (أو تقسم عليه)، أو حين يضاف أي عدد موجب إليها (أو يطرح منها). ومن الأمثلة المألوفة للتحويل الخطي التحويل بين طريقتي قياس درجات الحرارة؛ فالدرجات الفهرنهايتية هي ببساطة درجات مئوية مضروبة في 1,8، ثم أضيف إليها 32 درجة.
على الجانب الآخر، لا تحتفظ المنافع العددية بخصائصها التمثيلية حين تحول بطريقة غير خطية. ويعزى هذا إلى أن تطبيق أي طرق تحويلية أخرى على المنافع لا يسفر عن تحويل المنفعة المتوقعة بنفس الطريقة. على سبيل المثال، إذا كان لديك تعيين المنفعة:
س
5
ص
3
ع
0
إذن فأنت تفضل (ص) (أي الرهان محدد القيمة الذي يمنحك (ص) باحتمالية قدرها 1) على الرهان الذي يمنحك (س) باحتمالية 0,5 و(ع) خلاف ذلك، علما بأن المنفعتين المتوقعتين هما 3 و2,5، ولكن إذا استبدلت بهاتين المنفعتين قيمهما التربيعية، تكون المنفعتان المتوقعتان هما 9 و12,5؛ مما سيوحي خطأ بأنك تفضل الرهان على (ص).
افترض أننا عينا منافع عددية للجوائز بحيث يكون للجائزة (س) المنفعة (و)، والجائزة الأفضل (ص) المنفعة (ز)؛ لا بد بالطبع أن تكون (ز) أكبر من (و). إذا طرحنا (د) من هاتين المنفعتين، ثم قسمنا النتائج على ناتج طرح (و) من (ز) (وهو رقم موجب)، يصبح لدينا منافع متوقعة جديدة بموجبها تكون منفعة (ص) 1، ومنفعة (س) صفرا. وهذا يعني أننا لو استطعنا تعيين منافع عددية من الأساس؛ فإن بإمكاننا القيام بذلك بطريقة تمنح المنفعة صفرا لإحدى الجوائز، والمنفعة 1 لجائزة ما أفضل.
تنطبق خاصية المنفعة المتوقعة في مثال «المكسرات»، والذي تفضل فيه رهانا على آخر حينما يكون ضعف احتمالية الحصول على (أ)، بالإضافة إلى احتمالية الحصول على (ب) في الرهان الأول؛ أكبر من العدد المناظر في الثاني. فإذا قمنا بتعيين المنافع:
أ
2
ب
1
ج
0
فإن المنفعة المتوقعة للرهان: (أ) باحتمالية (ح)، و(ب) باحتمالية (ق)، و(ج) خلاف ذلك.
هي 2ح + ق، والمنفعة المتوقعة للرهان: (أ) باحتمالية (ر)، و(ب) باحتمالية (ل)، و(ج) خلاف ذلك.
هي 2ر + ل. إذن، بما أنك تفضل الرهان الأول على الثاني إذا، وفقط إذا، كانت 2ح + ق أكبر من 2ر + ل، فأنت تفضل الرهان الأول على الثاني إذا، وفقط إذا، كان له منفعة متوقعة أعلى. بعبارة أخرى، تتسم تفضيلاتك بخاصية المنفعة المتوقعة.
ولإدراك أن خاصية المنفعة المتوقعة ليست بالخاصية التافهة، عد إلى مثال الخضراوات، الذي تفضل فيه (أ) على (ب)، ولكنك أيضا تفضل الرهان (س) الذي يمنحك (ب) باحتمالية 0,9 و(ج) خلاف ذلك، على الرهان (ص) الذي يمنحك (أ) باحتمالية 0,9 و(ج) خلاف ذلك. ولما كنت تفضل (أ) على (ب)، يمكننا أن نعين منفعة قيمتها 1 ل (أ)، ومنفعة قيمتها صفر ل (ب). اكتب المنفعة المعينة ل (ج) بوصفها (ز). حينئذ فإن المنفعة المتوقعة ل (س) تساوي 0,1ز، والمنفعة المتوقعة ل (ص) تساوي 0,9 + 0,1ز. وبما أنك تفضل (س) على (ص)؛ فإن خاصية المنفعة المتوقعة ستتطلب أن تكون 0,1ز أكبر من 0,9 + 0,1ز، وهو الأمر المستحيل.
ينتظرنا مأزق مشابه في مثال الفاكهة، الذي فيه تفضل (أ) على (ب) و(ب) على (ج)، لكنك تفضل (ب) على كل رهان يمنحك إما (أ) وإما (ج). وبما أنك تفضل (أ) على (ج)، يمكننا تعيين منفعة مقدارها 1 ل (أ) و0 ل (ج). اكتب المنفعة المعينة ل (ب) بوصفها (ز). حينئذ بما أنك تفضل (أ) على (ب)، و(ب) على (ج)، فلا بد أن تقع (ز) بين صفر و1. أنت كذلك تفضل (ب) على الرهان الذي يمنحك (أ) باحتمالية (ح) و(ج) خلاف ذلك، لكل احتمالية (ح) أقل من 1. ولما كانت المنفعة المتوقعة للرهان هي (ح)، فإن خاصية المنفعة المتوقعة ستتطلب أن تكون المنفعة (ز) الثابتة، الأقل من 1، أكبر من كل منفعة (ح) محتملة. ومرة أخرى، هذا أمر مستحيل.
ليس من قبيل المصادفة: (1) أن تنطبق خاصية المنفعة المتوقعة على مثال «المكسرات»، لا على مثالي «الخضراوات» أو «الفاكهة»، و(2) ألا يستوفى شرط الاستبدال أو الاستمرارية (أو كلاهما) في مثالي «الخضراوات» و«الفاكهة»، في حين يستوفى كلا الشرطين في مثال «المكسرات». فدائما ما تبقى خاصية المنفعة المتوقعة أينما يستوفى الشرطان؛ أي كلما كانت التفضيلات عقلانية. وحينئذ يكون لدينا توصيف متكامل مفاده: أن التفضيلات الخاصة بالرهانات (الاحتمالية) تكون عقلانية إذا، وفقط إذا، كانت لها خاصية المنفعة المتوقعة. (2-4) بعض الإضافات
تتغير الصورة نوعا ما لو أصبح للزمن دور في الأمر. تأمل الرهانين اللذين يمنحك كل منهما مليون دولار بعد فترة عام (تحتسب من اليوم) إذا فاز رقم زوجي على عجلة الروليت، ولا يمنحانك شيئا خلاف ذلك، غير أن الرهانين غير متماثلين؛ ففي الأول تدار عجلة الروليت اليوم، بينما في الثاني تدار بعد عام. هذان الرهانان ليسا غير متماثلين وحسب، بل من غير المحتمل أن يظن أحدهم أنهما متماثلان. وعادة ما سوف تفضل الأول؛ لأن المعرفة بثروتك المستقبلية من شأنها أن تمكنك من تخطيط حياتك على مدار العام المقبل بشكل أكثر إفادة. فلو علمت أنك ستصبح ثريا، فقد تستنفد مدخراتك، أو تقترض على أساس المليون دولار المستقبلية التي تنتظرها في العام المقبل، غير أن النظرية اللازمنية التي طورناها هنا لا يمكنها التمييز بين الرهانين؛ ومن ثم لا تستطيع التعامل مع الاختيارات التي يدخل فيها الزمن الصورة بهذا الشكل.
حتى في إطار لا زمني، قد لا يكون كل شيء واضحا ومباشرا. تأمل تناقضا ظاهريا يعرف بمفارقة آليه؛ نسبة لموريس آليه (المولود عام 1911)؛ عالم الاقتصاد الحائز على جائزة نوبل. أولا: هل تفضل الرهان (محدد القيمة) (د) الذي هو:
240 دولارا باحتمالية 1.
على الرهان (ه) الذي هو:
250 دولارا باحتمالية 0,33، و240 دولارا باحتمالية 0,66، وصفر دولار باحتمالية 0,01؟
ثانيا: هل تفضل الرهان (س) الذي هو:
250 دولارا باحتمالية 0,33، وصفر دولار باحتمالية 0,67.
على الرهان (ص) الذي هو:
240 دولارا باحتمالية 0,34 وصفر دولار باحتمالية 0,66؟
توقف لبرهة وفكر. إذا كنت تفضل الرهان (د) على الرهان (ه)، إذن يجب أن تفضل أيضا (ص) على (س). ولنرى السبب وراء ذلك، نقوم بتعيين منفعة قيمتها 1 ل 250 دولارا وصفر للاشيء، ونكتب المنفعة المعينة ل 240 دولارا بوصفها (ز). إذن إذا كنت تفضل (د) على (ه)؛ فإن المنفعة (المتوقعة) ل (د) - التي هي (ز) - لا بد أن تكون أكبر من المنفعة المتوقعة ل (ه)، والتي هي 0,33 + 0,66ز. وهذا يعني ضمنا أن 0,34ز لا بد وأن تكون أكبر من 0,33. ولما كانت المنفعة 0,34ز هي المنفعة المتوقعة ل (ص) والمنفعة 0,33 هي المنفعة المتوقعة ل (س)، فإن هذا بدوره يقتضي ضمنا تفضيلك للرهان (ص) على (س)، إذا كان لتفضيلاتك خاصية المنفعة المتوقعة.
غير أنه في إحدى التجارب، ادعت شريحة كبيرة - بشكل ملحوظ - من الناس تفضيل (د) على (ه)، وكذلك تفضيل (س) على (ص). وهذا يعني أن تفضيلات هؤلاء الأشخاص لم يكن لها خاصية المنفعة المتوقعة، أو على نحو مساو، لم تستوف شرط الاستبدال أو شرط الاستمرارية (في الواقع لم تستوف الأول). يبدو أن السبب في ذلك أن الناس يولون أهمية مبالغا فيها للنتائج ذات الاحتمالية بالغة الصغر (وقد يمتد هذا ليفسر سبب إقبال الناس على شراء تذاكر في مسابقات اليانصيب القومية التي تقدم جوائز ضخمة باحتمالات ضئيلة للغاية). فلتفهم ما تشاء من هذا، واضعا في ذهنك الاستجابات الممكنة للمفارقات التي أشرت إليها في الفصل الأول.
من الدلالات الضمنية لحقيقة أن المنافع العددية تحتفظ بخصائصها التمثيلية حين يتم تحويلها بطريقة خطية، وليس حين يتم تحويلها بطريقة غير خطية؛ أن الفروق في المنفعة صار لها الآن معنى ما. فإذا كان الفارق بين المنافع في زوج من الجوائز أكبر منه في زوج ثان من منظور طريقة ما من طرق تعيين المنافع العددية، إذن فهو أكبر من منظور جميع الطرق. وهكذا يبدو أن المنفعة العددية قد توفر أساسا للآراء الداعية لإعادة توزيع الثروة. ولعل أفضل معالجة لهذه المسألة تكون في السياق الذي تكون فيه جميع الجوائز مبالغ مالية. وعلى هذا الأساس سوف أرجئ مناقشتها حتى الفصل القادم. (2-5) رهانات الحالة
حتى الآن، كان هناك احتمالات معطاة. ولمناقشة الاختيار الذي لا تعطى فيه احتمالات، نحتاج إلى مفهوم حالات العالم، أو ببساطة أكثر «الحالات». و«الحالة» هي تحديد كل شيء يتعلق باختيارك، ولست على يقين منه. في سياق سباق بين جوادين (وعلى فرض أن جوادا واحدا على الأقل سوف ينهي السباق ولا يوجد تعادل)، قد تكون الحالات هي «ألكوف يفوز» و«باراثيا يفوز». كما يوحي هذا المثال، لا بد من تحديد الحالات بحيث تحدث واحدة، وواحدة فقط، منهما.
شكل : ألكوف لا يفوز؛ ألكوف الذي يمتطيه الكاتب هو الثاني من اليسار.
يعرف «رهان الحالة» بأنه قائمة بالجوائز المحتملة يصاحب كلا منها تحديد للحالة التي سوف يتم تلقيها فيها. والمثال في السياق الحالي سيكون «الفوز ب 200 دولار إذا فاز ألكوف، وخسارة 100 دولار إذا فاز باراثيا». ويمكننا صياغة ذلك على النحو التالي: +200 دولار إذا كان الفائز (أ)، و−100 دولار إذا كان الفائز (ب).
لو كانت الأرجحيات بالنسبة ل ألكوف هي 2 إلى 1 (أي الرهان بدولار للفوز بدولارين)، لاستطعنا بمنطق ما أن نطلق على هذا الرهان «راهن ب 100 دولار على ألكوف». أما إذا كانت الأرجحيات بالنسبة ل باراثيا 1 إلى 2، فسيكون الرهان «راهن ب 100 دولار على باراثيا»: −100 دولار إذا كان الفائز (أ)، و+50 دولارا إذا كان الفائز (ب).
تتشابه رهانات الحالة مع رهانات الاحتمالية في أن كلا منها يحصي عددا من الجوائز تقترن بها ظروف؛ الفارق هو أن الظروف الآن عبارة عن حالات لا احتمالات. وتتيح لنا الحالات التفكير بشأن الاختيار من بين الرهانات حين تكون الاحتمالات غير معطاة، وهو أمر على قدر من الأهمية؛ ففي جميع السياقات الشائقة تقريبا تكون الاحتمالات غير معطاة؛ فأنت لا تعطى احتمالية فوز ألكوف، أو تعرض سيارتك للسرقة، أو انهيار سوق الأسهم.
كيف يمكنك الاختيار بشكل عقلاني من الرهانات حين لا تعطى احتمالات؟ ثمة اقتراح معقول يتمثل في: (1) تعيين احتمالات ذاتية للحالات، ثم (2) تعيين منافع للجوائز، ثم (3) اختيار الرهان الذي يمنحك أعلى «منفعة متوقعة ذاتية» في ضوء هذه الاحتمالات. ولتوضيح هذا الإجراء، عد إلى سباقنا وتأمل الاختيار بين الرهانين «راهن ب 100 دولار على ألكوف» و«راهن ب 100 دولار على باراثيا». فتقوم أولا بتعيين احتمالات للحالات؛ لنقل 0,4 لفوز ألكوف و0,6 لفوز باراثيا. بعد ذلك تعين منافع للجوائز. وهناك ثلاث جوائز محتملة: +200 دولار (إذا راهنت على (أ) وفاز) +50 دولارا (إذا راهنت على (ب) وفاز) −100 دولار (إذا خسر جوادك)
بعد ذلك تعين منافع لهذه الجوائز، لنقل: +200 دولار
5 +50 دولارا
3 −100 دولار
0
وأخيرا، تقوم بحساب المنفعة المتوقعة لكل رهان في ضوء هذه الاحتمالات: 2 إذا راهنت على ألكوف، و1,8 إذا راهنت على باراثيا. ولما كانت المنفعة المتوقعة الذاتية للرهان على ألكوف أكبر من نظيرتها بالنسبة للرهان على باراثيا؛ فإنك تراهن على ألكوف. إذا تصرفت بهذا الشكل، يكون لاختياراتك فيما يتعلق بالرهانات «خاصية المنفعة المتوقعة الذاتية». والمنافع التي تعينها عددية بالطبع، وقد يتم تحويلها بأي طريقة خطية، وإن كانت لا تحول بأية طريقة أخرى.
لإدخال بعض التنويع، سوف أعمل في هذا السياق بشكل عكسي؛ أي سأبدأ بافتراض خاصية المنفعة المتوقعة الذاتية، ثم أنظر أي شروط قد تدعم هذا. ولما كانت الحجج مماثلة - إلى حد كبير - لتلك القائمة في حالة إعطاء احتمالات؛ فلن أخوض في التفاصيل بنفس القدر في هذا الموقف.
الفكرة الأساسية بسيطة بشكل جميل، وتتمثل في أنه من خلال النظر إلى أنماط الاختيارات، يمكنك فك وتحليل المنافع والاحتمالات. فإن اخترت رهانا تحصل من خلاله على «الأفوكادو» إذا أشرقت الشمس و«الجبن» خلاف ذلك، بدلا من رهان تحصل فيه على «اللحم المقدد» إذا أشرقت الشمس و«الجبن» خلاف ذلك، فإن هذا يشير إلى أنك تفضل «الأفوكادو» على «اللحم المقدد»؛ ومن ثم تعين له منفعة أعلى. وأيضا إذا اخترت رهانا تحصل فيه على «الأفوكادو» إذا أشرقت الشمس و«اللحم المقدد» خلاف ذلك، بدلا من رهان تحصل فيه على «الأفوكادو» إذا سقطت الأمطار و«اللحم المقدد» خلاف ذلك، فإن هذا يشير إلى أنك تعتبر احتمال سطوع الشمس أكبر من احتمال سقوط الأمطار؛ ومن ثم تعين له احتمالية أكبر. ومن خلال إجراء العديد من هذه التجارب الفكرية بالشكل الكافي، يمكنك تعيين منافع لجميع الجوائز، وتعيين احتمالات لجميع الحالات. وبعد القيام بذلك، تتصرف تلقائيا وكأنك قد أعطيت هذه المنافع والاحتمالات، وتختار بحيث تعظم منفعتك المتوقعة.
إذا كان لتفضيلاتك خاصية المنفعة المتوقعة الذاتية، فإن كلا من ميولك، التي تمثلها المنافع، ومعتقداتك، التي تمثلها الاحتمالات، ذاتية. كذلك تعد ميولك ومعتقداتك مستقلة؛ فأنت لا تولي شيئا تقديرا أكبر لأنك تعتقد أنه أكثر احتمالا، أو تعتقد أنه أكثر احتمالا لأنك توليه تقديرا أكبر. علاوة على ذلك، لا تعتمد المنفعة التي تعينها لجائزة ما على الحالة التي تتلقاها فيها؛ فالمائتا دولار تعني نفس الشيء بالنسبة لك، سواء فاز ألكوف أو خسر. وهذا الشرط الأخير قوي للغاية؛ فقد يكون مقبولا في حالة السباق، ولكنه يبدو أقل قبولا في مواقف أخرى.
تأمل، على سبيل المثال، المضاربة على سعر صرف اليورو، والذي يعبر عنه بسعر اليورو بالدولار. لتبسيط الأمور، سوف أفترض أن هناك حالتين محتملتين فقط: ارتفاع السعر وانخفاض السعر. لديك رهانان محتملان: شراء اليورو وبيع اليورو. في حالة الشراء وارتفاع السعر، تربح 100 دولار، ولكن في حالة الهبوط تخسر 100 دولار. أما في حالة البيع وارتفاع السعر، فإنك تخسر 100 دولار، ولكن في حالة الهبوط تربح 100 دولار. ويكمن التعقيد في هذا الموقف في أن ربح 100 دولار عند ارتفاع سعر الصرف ليس كربح 100 دولار عند هبوط سعر الصرف؛ فتكلفة أي واردات تشتريها سوف تكون أعلى في الحالة الأولى عنها في الثانية. بشكل أكثر عمومية، تعتمد المنفعة التي تعينها لجائزة ما على الحالة التي يتم تلقيها فيها.
في ضوء هذا المثال، إذا كان هناك شعور بأن خاصية المنفعة المتوقعة الذاتية صعبة الوفاء أكثر مما ينبغي، فمن الممكن أن نقلل من طموحنا ونتيح للمنافع الاعتماد على الحالات. على سبيل المثال، بدلا من تعيين منافع قيمتها، لنقل صفرا لخسارة 100 دولار، و1 لربح 100 دولار، يمكنك تعيين المنافع التالية:
ربح 100 دولار في حالة الهبوط
4
ربح 100 دولار في حالة الارتفاع
3
خسارة 100 دولار في حالة الهبوط
1
خسارة 100 دولار في حالة الارتفاع
0
وبضرب هذه المنافع في الاحتمالات المرتبطة بها وجمع الأرقام الناتجة؛ نحصل على «المنفعة المتوقعة الذاتية المعتمدة على الحالة» لأي رهان. وإذا اخترت الرهان ذا أعلى منفعة متوقعة ذاتية معتمدة على الحالة، توصف تفضيلاتك بأن لها «خاصية المنفعة المتوقعة الذاتية المعتمدة على الحالة». ومن الواضح أن هذه الخاصية أضعف من خاصية المنفعة المتوقعة الذاتية (الكاملة).
ولمعرفة الشروط التي قد تدعم خاصية المنفعة المتوقعة الذاتية (سواء الكاملة أو المعتمدة على الحالة)، لا بد أن نتيح لجوائز رهانات الحالة أن تكون رهانات في حد ذاتها بشكل صريح، مثلما أتحنا لجوائز رهانات الاحتمالية أن تكون رهانات. بعد ذلك يمكننا تأويل توليفات رهانات الحالة بشكل مشابه مباشرة لتوليفات رهانات الحالة. وهذا يتيح لنا بدوره تطبيق شرطي الاستبدال والاستمرارية على رهانات الحالة. تذكر أن كلا من هذين الشرطين يعبر عنه في إطار التوليفات فقط، ولا يورد ذكرا للاحتمالات.
وبمجرد أن ننتهي من ذلك، يمكننا على الفور توصيف خاصية المنفعة المتوقعة الذاتية المعتمدة على الحالة. ويكون للتفضيلات هذه الخاصية إذا، وفقط إذا، استوفت شرطي الاستبدال والاستمرارية (مثلما يطبقان على رهانات الحالة).
غير أن شرطي الاستبدال والاستمرارية لا يضمنان أن يكون للتفضيلات خاصية المنفعة المتوقعة الذاتية الكاملة. وهذا يتطلب شرطا آخر، يتمثل في أنك إذا فضلت رهانا على آخر في حالة ما، فإنك تفضله في جميع الحالات. وهذا الشرط، المعروف ب «شرط الحيادية»، أكثر تقييدا بكثير من الشروط الأخرى التي تعاملنا معها. هب أن الحالتين هما الشمس والمطر، وأن رهانا (محدد القيمة) يعطي مظلة بشكل مضمون، وآخر يعطي زجاجة مياه بشكل مضمون. حينئذ قد تفضل، بالمخالفة لشرط الحيادية، المظلة في حالة المطر، والماء في حالة الشمس.
وبقدر ما قد يكون مقيدا، فإن شرط الحيادية، بالاشتراك مع الشرطين الآخرين، يمنحنا التوصيف الذي نبحث عنه؛ فالتفضيلات يكون لها خاصية المنفعة المتوقعة الذاتية الكاملة إذا، وفقط إذا، كانت تستوفي شرطي الاستبدال والاستمرارية (مثلما يطبقان في رهانات الحالة)، وشرط الحيادية.
والعلاقات بين المفاهيم المختلفة التي أرسيناها في هذا الفصل موضحة في الشكل.
شكل : خريطة الاختيار في ظل الشك تظهر المنفعة المتوقعة (الذاتية)، إلى جانب علامات تمثل التوليفات، فيما تمثل الأسهم المزدوجة التكافؤ، وتمثل الأسهم الفردية التبعات الضمنية. (3) مزيد من الإضافات
ثمة شبيه لمفارقة آليه في سياق رهانات الحالة هي إشكالية تعرف بمفارقة إلسبيرج. نفترض أن كرة سيتم سحبها عشوائيا من جرة تحتوي على كرات حمراء وبيضاء وزرقاء. من المعروف أن ثلث الكرات حمراء، ولكن ليس معروفا نسبة الكرات البيضاء (أو نسبة الكرات الزرقاء). أولا: هل تفضل الرهان (د)، وهو:
100 دولار للكرة الحمراء ولا شيء خلاف ذلك.
على الرهان (ه)، وهو:
100 دولار للأبيض ولا شيء خلاف ذلك؟
ثانيا: هل تفضل الرهان (س)، وهو:
100 دولار للأبيض أو الأزرق ولا شيء خلاف ذلك.
على الرهان (ص) الذي هو:
100 دولار للأحمر أو الأزرق ولا شيء خلاف ذلك؟
توقف لبرهة وفكر. إذا كنت تفضل الرهان (د) على الرهان (ه)، يجب أيضا أن تفضل (ص) على (س). ولترى السبب في ذلك، قم بتعيين منفعة قيمتها 1 للمائة دولار وصفر للاشيء، واكتب الاحتمالات التي تعينها للكرة الحمراء والبيضاء والزرقاء بوصفها (ح) و(ق) و(ر) على التوالي (ولاحظ أنه ليس من الضروري أن يكون أي من هذه الاحتمالات الذاتية 1 / 3). والآن إذا كنت تفضل (د) على (ه)، فإن المنفعة المتوقعة للرهان (د)، التي هي (ح)، لا بد أن تكون أكبر من المنفعة المتوقعة للرهان (ه)، التي هي (ق ). وهذا يعني ضمنا أن (ح) + (ر) لا بد أن تكون أكبر من (ق) + (ر). ولما كانت (ح) + (ر) هي المنفعة المتوقعة للرهان (ص)، و(ق) + (ر) هي المنفعة المتوقعة للرهان (س)؛ فإن هذا بدوره يعني ضمنا أنه إذا كانت تفضيلاتك لها خاصية المنفعة المتوقعة؛ فإنك تفضل (ص) على (س).
غير أنه في إحدى التجارب ادعت شريحة كبيرة من الناس أنهم يفضلون (د) على (ه)، ويفضلون أيضا (س) على (ص). وهذا يعني أن تفضيلات هؤلاء الأشخاص لم تكن لها أيضا خاصية المنفعة المتوقعة الذاتية المعتمدة على الحالة، أو استوفت أيا من شرطي الاستبدال أو الاستمرارية (الأول في الواقع). والسبب في هذا، على ما يبدو، أن الناس يفضلون إعطاءهم احتمالات على الاضطرار لاستنتاجها. ومرة أخرى، فلتفهم ما تشاء من ذلك.
تعنى مفارقة آليه برهانات الاحتمالية، فيما تعنى مفارقة إلسبيرج برهانات الحالة. ثمة مفارقة ثالثة - تعرف بمفارقة نيوكومب، ولكنها اشتهرت على يد الفيلسوف روبرت نوزيك (1938-2002) - تعنى بالاختيار مع الشك بشكل عام. هب أنك أمام صندوقين؛ أحدهما مفتوح والآخر مغلق. عليك أن تختار إما كلا الصندوقين وإما الصندوق المغلق فقط. يمكنك أن ترى 100 دولار في الصندوق المفتوح، ويقال لك إن كيانا أسمى، دائما ما تصدق تنبؤاته، قد وضع مليون دولار في الصندوق المغلق حال تنبئه أنك ستأخذ ذلك الصندوق فحسب، ولم يضع شيئا فيه حال العكس. هل تختار كلا الصندوقين أم الصندوق المغلق فحسب؟
يضع نوزيك هذه الإشكالية أمام عدد كبير من الناس، ويلاحظ أن «ما يجب فعله واضح وجلي تماما لجميع الأشخاص تقريبا. تكمن الصعوبة في أن هؤلاء الأشخاص يبدو أنهم منقسمون بشكل شبه متساو حيال هذه الإشكالية، مع اعتقاد أعداد كبيرة أن النصف المعارض ليسوا سوى حمقى.» كان يبدو بالفعل أن أي شخص يختار الصندوق المغلق فقط هو مجرد شخص أحمق ؛ فالكيان الأسمى وضع المليون دولار بالفعل أو لم يضعها؛ ومن ثم يمكنك أن تختار كلا الصندوقين (مثلما فعل نوزيك بعد تحليل مطول)، غير أنك يجب أن تشكل استجابتك الخاصة (وفي قيامك بذلك قد تود أن تفكر في أن عالم الفيزياء الحاصل على نوبل؛ نيلز بور، (1885-1962)، حين سئل لماذا يضع على جداره تميمة حظ على شكل حدوة فرس؛ زعم أنه قد قال: «ليس الأمر أنني أومن بها، ولكنهم أخبروني أنها تؤتي مفعولها سواء آمن المرء بها أو لم يؤمن.») (4) ملخص
يتضمن الاختيار مع الشك الاختيار من الرهانات، سواء حين تعطى احتمالات أو لم تعط.
يقضي شرط الاستبدال بأنه حال تفضيل رهان على ثان، فإنك تفضل أي مزيج من الرهان الأول ورهان ما ثالث على مزيج من الرهان الثاني والرهان الثالث بنفس الأوزان.
يقضي شرط الاستمرارية بأنه حال تفضيل رهان على ثان والثاني على ثالث، فإن هناك مزيجا من الأول والثالث تعتبره مساويا للرهان الثاني.
يتم إيجاد المنفعة المتوقعة لرهان احتمالية عن طريق ضرب منفعة كل جائزة في الاحتمالية المرتبطة بتلك الجائزة وجمع هذه الأرقام، ويكون للتفضيلات المتعلقة برهانات الاحتمالية خاصية المنفعة المتوقعة إذا كنت تفضل رهانا على ثان إذا، وفقط إذا، كان له منفعة متوقعة أعلى.
التفضيلات المتعلقة برهانات الاحتمالية عقلانية؛ أي تستوفي شرطي الاستبدال والاستمرارية، إذا، وفقط إذا، كان لها خاصية المنفعة المتوقعة.
يتم إيجاد المنفعة المتوقعة الذاتية المعتمدة على الحالة لرهان ما عن طريق ضرب منفعة كل جائزة، في الحالة التي يتم تلقيها فيها، في الاحتمالية الذاتية المرتبطة بالحالة، وجمع هذه الأرقام معا، ويكون للتفضيلات المتعلقة برهانات الحالة خاصية المنفعة المتوقعة الذاتية المعتمدة على الحالة، إذا كنت تفضل رهانا على ثان إذا، وفقط إذا، كانت مثل هذه المنفعة المتوقعة لهذا الرهان أعلى، فيما يكون له خاصية المنفعة المتوقعة الذاتية (الكاملة)، إذا انطبق هذا حين تكون المنافع المعينة للجوائز مستقلة عن الحالات التي يتم تلقيها فيها.
يقضي شرط الحيادية بأنه حال تفضيلك رهانا على آخر في حالة ما؛ فإنك تفضله في جميع الحالات.
يكون للتفضيلات خاصية المنفعة المتوقعة الذاتية المعتمدة على الحالة إذا، وفقط إذا، كانت تستوفي شرطي الاستبدال والاستمرارية (كما يطبقان على رهانات الحالة)، ويكون لها خاصية المنفعة المتوقعة الذاتية (الكاملة) إذا، وفقط إذا، كانت تستوفي شرط الحيادية بالإضافة للشرطين السابقين.
الفصل الرابع
الرهان والتأمين
سأخرج قليلا عن القصة الأساسية وأتحول الآن إلى حالة خاصة من الاختيار من الرهانات، تتمثل فيها جميع الجوائز في مبالغ مالية. وسوف أقدم المناقشة، في أغلب الأحيان، في السياق الذي تعطى فيه الاحتمالات بدلا من ذلك الذي لا تعطى فيه احتمالات، غير أنه في ضوء مناقشة الفصل الثالث، يمكن تأويل القصة في السياق الثاني من خلال استبدال احتمالات ذاتية بالاحتمالات المعطاة. (1) التوجهات نحو المخاطرة
يمكن التعبير عن الرهانات التي تتضمن نقودا إما في إطار الثروة النهائية، وإما في إطار المكاسب والخسائر. على سبيل المثال، إذا كانت ثروتك الحالية تبلغ 5000 دولار، فإن الرهان الذي يمنحك ثروة نهائية قيمتها إما 4000 وإما 6000 دولار يمكن التعبير عنه كرهان تربح أو تخسر فيه 1000 دولار. وسوف أستخدم الشكل الأنسب في لحظتها أيا كان، ولكن سأميز الشكل الذي يعبر فيه عن الجوائز كمكاسب أو خسائر بوضع علامة الجمع أو الطرح قبل هذه الجوائز.
شكل : مخطط منفعة: القيمة المتوقعة للرهان الذي يسفر عن وجود ثروتك إما عند النقطة (أ) وإما (ب)، باحتمالية متساوية هي ثروتك عند النقطة (ج)، واليقين التقريبي لهذا الرهان هو ثروتك عند النقطة (د)، وعلاوة المخاطرة لهذا الرهان هي المسافة بين (ج) و(د).
ولأسباب ستتضح فيما بعد، سوف أفترض أن الثروة يمكن أن تتنوع بشكل مستمر، كذلك سوف أتيح كل الرهانات خلاف تلك التي قد تحول ثروتك إلى قيمة سالبة، مهما كان حجم الزيادة التي قد تضيفها هذه الرهانات إلى ثروتك (قد يجدر بنا الإشارة بشكل عارض إلى أن هذا يعني ضمنا أن هناك الكثير من الجوائز بشكل لا متناه).
اعتمادا على النظرية الموضحة في الفصل الثالث، يمكننا تعيين منفعة عددية لكل جائزة محتملة. وإذا اعتبرنا أنك تبدأ بمستوى معين للثروة، فإن هذا يماثل تعيين منفعة لكل مستوى من الثروة، أو تحديد «مخطط منفعة» للثروة. على سبيل المثال، قد يعين مخطط المنفعة الخاص بك لكل مستوى من الثروة (والتي يعبر عنها بآلاف الدولارات) الجذر التربيعي لذلك المستوى. في هذه الحالة سوف تعين، على سبيل المثال، منفعة قيمتها 2 لثروة قيمتها 4000 دولار (وسوف أشير إلى هذا المخطط بمخطط الجذر التربيعي). ويمكن توضيح مخطط المنفعة من خلال شكل بياني تقاس فيه ثروتك على المحور الأفقي، والمنفعة على المحور الرأسي. ومثل هذا المخطط (مخطط الجذر التربيعي في الواقع) موضح بالشكل.
إن الخط البياني هنا له خصائص متنوعة؛ الأولى: أنه ينحدر إلى أعلى. ولسوف أتبنى الافتراض الذي لا جدال فيه بأنك تفضل الثروة الأكبر على الثروة الأقل، والذي يضمن هذا بالطبع. الثانية: هي أن الخط البياني مقعر؛ بمعنى أن الخط الواصل بين أي نقطتين على الشكل يقع بالكامل أسفل الخط البياني. وسوف أناقش هذه الخاصية التي تعد مسألة ذات مغزى لاحقا. الخاصية الثالثة: هي أن الخط البياني متصل؛ أي ليس به قفزات. وهذه الخاصية تعد أحد التداعيات لكون الخط مقعرا؛ فإذا رسمت خطا بيانيا به قفزة، فسوف تستطيع أن ترسم بين نقطتين ما خطا لا يقع بالكامل أسفل الخط البياني.
وسوف أستغل جانبين من جوانب أي رهان؛ وهما: «قيمته المتوقعة» و«يقينه التقريبي». يتم إيجاد المنفعة المتوقعة لأي رهان بضرب كل جائزة في احتماليتها وجمع الأرقام الناتجة. على سبيل المثال، القيمة المتوقعة للرهان:
9000 دولار باحتمالية 0,2، و5000 دولار باحتمالية 0,5، و1000 دولار باحتمالية 0,3.
هي - بآلاف الدولارات - (9 × 0,2) + (5 × 0,5) + (1 × 0,3)، أو 4600 دولار (القيمة المتوقعة مشابهة للمنفعة المتوقعة، غير أن القيمة المتوقعة لا تكون منطقية إلا حيث تكون جميع الجوائز بنفس الوحدات، مثل الدولار. فلو لم تكن كذلك لما استطعنا، بشكل عام، ضربها في الاحتمالات ثم جمعها). ولسوف أصف أي رهان بأنه «عادل» إذا كانت قيمته المتوقعة صفرا، وإيجابي إذا كانت هذه القيمة موجبة، وسلبي إذا كانت القيمة سالبة (وكلمة عادل مستخدمة هنا بالمعنى المتعلق برياضيات التأمين، وليس لها أي وقع أخلاقي إضافي).
أما اليقين التقريبي للرهان فهو المبلغ الذي ستقبله محل الرهان، أو ما ستدفعه للحصول على الرهان. بمزيد من الدقة، إنه المبلغ المالي الذي لو ضمنت الحصول عليه لاعتبرته مساويا للرهان . من السهل أن ترى أن أي رهان له يقين تقريبي واحد فقط (لو لم نتح للثروة أن تتنوع بشكل مستمر، وإنما فقط بقدر تدريجي - لنقل دولارا واحدا - فقد لا يكون الأمر كذلك؛ فقد يكون الأمر أنك قد اعتبرت أن 1000 دولار أسوأ من رهان ما، بينما ال 1001 دولار أفضل منه).
ولتوضيح حساب اليقين التقريبي، افترض أن مخطط المنفعة الخاص بك هو مخطط الجذر التربيعي، وتأمل الرهان الذي إذا أقدمت عليه فسوف يؤدي إلى أن تكون ثروتك إما 9000 دولار، وفي هذه الحالة تكون المنفعة 3؛ وإما 1000 دولار، وفي هذه الحالة تكون المنفعة 1، كلاهما باحتمالية مساوية. المنفعة المتوقعة لهذا الرهان تساوي 2، واليقين التقريبي للرهان هو مستوى الثروة الذي تتساوى عنده منفعتك مع هذه المنفعة المتوقعة البالغة 2؛ أي 4000 دولار. وهذا موضح في الشكل البياني السابق؛ فالرهان يؤدي إلى أن تكون ثروتك إما عند (أ) وإما (ب)، ومنفعتك المتوقعة هي منفعتك عند النقطة (ج)، واليقين التقريبي هو ثروتك عند النقطة (د).
سوف أقول بأنك «متجنب للمخاطرة» فيما يتعلق برهان ما إذا كنت تفضل القيمة المتوقعة للرهان المضمون على الرهان ذاته. وعلى نحو مساو، تكون متجنبا للمخاطرة إذا كانت القيمة المتوقعة أكبر من اليقين التقريبي. وعلى العكس، أنت محب للمخاطرة إذا كنت تفضل الرهان على القيمة المتوقعة له، أو إذا كانت القيمة المتوقعة أكبر من اليقين التقريبي. والفارق بين القيمة المتوقعة واليقين التقريبي هو «علاوة المخاطرة» الخاصة بالرهان. والمنفعة المتوقعة التي حسبناها للتو، والتي سوف تؤدي إلى أن تكون ثروتك إما 9000 وإما 1000 دولار باحتمالية متساوية، تساوي 5000 دولار. وهكذا تكون علاوة المخاطرة 5000-4000 دولار؛ أي 1000 دولار. وهذا أيضا موضح في الشكل البياني؛ فالقيمة المتوقعة للرهان هي ثروتك عند النقطة (ج)، وعلاوة المخاطرة هي المسافة بين (ج) و(د).
يبدو واضحا أنك متجنب المخاطرة فيما يتعلق برهان ما إذا كانت علاوة المخاطرة الخاصة به موجبة، ومحب للمخاطرة إذا كانت سالبة. وسوف أصفك بأنك متجنب للمخاطرة (دون قيود) إذا كنت متجنبا للمخاطرة بالنسبة لجميع الرهانات، ومحب للمخاطرة إذا كنت محبا للمخاطرة بالنسبة لجميع الرهانات. ومن السهل أن ترى أنك متجنب للمخاطرة إذا كان الخط البياني لمخطط المنفعة مقعرا، ومحب للمخاطرة إذا كان هذا الخط محدبا (فالتحدب عكس التقعر).
يبدو واضحا أن تجنب المخاطرة هو القاعدة. فإذا كنت تعتقد أنك محب للمخاطرة، فإن المثال التالي (الذي يعود إلى دانييل برنولي، الذي التقيناه في الفصل الثالث، ويعود اسمه إلى كونه قد نشر لأول مرة في «مذكرات» أكاديمية سانت بطرسبرج) قد يجعلك تغير رأيك. (1-1) مثال سانت بطرسبرج
يحسم رهان بإلقاء عملة محايدة بالقدر اللازم من المرات للحصول على الصورة؛ فإذا استلزم الأمر رمية واحدة فقط تكون الجائزة 2 دولار، وإذا استلزم رميتين تكون 4 دولارات، وإذا استلزم ثلاثا فالجائزة 8 دولارات، وهكذا. كم ستكون مستعدا للدفع مقابل هذا الرهان؟ بمعنى، ما هو معدل يقينك التقريبي؟ توقف لبرهة وفكر.
إذا كان المبلغ الذي أنت مستعد لدفعه أقل من القيمة المتوقعة للرهان، فأنت متجنب للمخاطرة، على الأقل بالنسبة لهذا الرهان. وعلى الرغم من أن عدد الجوائز المحتملة لا متناه، فمن السهل حساب القيمة المتوقعة. الصف الأول في الجدول التالي يعطي عدد (ق) الرميات اللازم للحصول على صورة، والصف الثاني هو الجائزة إذا تطلب الأمر (ق) رميات، أما الصف الثالث فهو احتمالية أن يتطلب الأمر (ق) رميات (وهي بالضبط احتمالية الحصول على العدد (ق) من النتائج المحددة باحتمالية 0,5 لكل منها على التوالي)، والصف الرابع هو الجائزة في الصف الثاني مضروبة في الاحتمالية في الصف الثالث.
الرميات
1
2
3 ...
الجائزة +2 دولار +4 دولارات +8 دولارات ...
الاحتمالية
1 / 2
1 / 4
1 / 8 ...
الناتج
1 دولار
1 دولار
1 دولار ...
بجمع المبالغ في الصف الرابع، نحصل على القيمة المتوقعة. ولما كان هذا هو إجمالي سلسلة غير منتهية كل عنصر فيها يساوي دولارا، فهو تسلسل لا متناه؛ ومن ثم، حتى إذا وافقت، ربما بشكل متسرع، على دفع مليون دولار مقابل هذا الرهان، فأنت متجنب للمخاطرة. توقف مرة أخرى لبرهة وفكر، في ضوء هذه المناقشة، ما المبلغ الذي ستكون على استعداد لدفعه؟ تشير الملاحظة العارضة إلى أن الناس مستعدون لدفع مبلغ 16 دولارا في المعتاد. (2) قياس تجنب المخاطرة
لما كان تجنب المخاطرة يبدو أنه القاعدة، فسوف أفترضه من الآن فصاعدا. تذكر أن علاوة المخاطرة موجبة، وأنك من ثم متجنب للمخاطرة إذا، وفقط إذا، كان الخط البياني لمخطط المنفعة الخاص بك مقعرا. ويبدو منطقيا بالفعل أنه كلما كان الخط البياني لمخطط المنفعة أكثر تقعرا، كانت علاوة المخاطرة أعلى؛ ومن ثم تكون أكثر تجنبا للمخاطرة. وهذا يشير إلى أننا قد نكون قادرين على تفسير درجة التقعر عند مستوى ما للثروة بأنه: «مقدار تجنب المخاطرة» الخاص بك عند هذا المستوى.
إذا كنا سنفعل هذا، فنحن بحاجة لأن تكون لدينا القدرة على قياس درجة التقعر؛ ومن ثم عند أي مستوى للثروة، نستطيع قياس انحدار الخط البياني لمخطط المنفعة، وهو حاصل قسمة التغير الرأسي أو معدل التغير في المنفعة على التغير الأفقي أو معدل التغير في الثروة، بالنسبة لتغير عشوائي صغير في الثروة (ومن ثم فهو يعادل المنفعة الحدية للثروة). ويتغير هذا الانحدار بتغير مستوى الثروة؛ فإذا كان الخط البياني مقعرا صار أكثر تسطحا، أو على نحو مساو يقل انحداره مع زيادة الثروة. وتقاس درجة التقعر بقسمة المعدل النسبي لانخفاض الانحدار؛ أي المعدل الذي يقل عنده الانحدار، على الانحدار نفسه.
ولتوضيح حساب مقدار تجنب المخاطرة، افترض أن مخطط المنفعة الخاص بك هو مخطط الجذر التربيعي. على ذلك تكون منفعتك عند مستويات الثروة التي تتراوح عند 4000 دولار هي (تقريبا):
3999 دولارا
1,9997
4000 دولار
2,0000
4001 دولار
2,0002
إن درجة انحدار الخط البياني لمخطط المنفعة تحت 4000 دولار مباشرة تساوي 2,0000 − 1,9997؛ أي 0,0003، ودرجة الانحدار فوقها مباشرة تساوي 0,0002؛ ومن ثم يكون معدل انخفاض الانحدار هو 0,0001. ومن خلال قسمة هذه القيمة على متوسط قيمة المنحدر نفسه؛ أي على 0,00025، نحصل على المعدل النسبي للانخفاض، أو مقدار تجنب المخاطرة، الذي يساوي 0,4 (وهذه القيمة تقريبية بالضرورة؛ لكوننا نستخدم تغيرات دولارية في الثروة وليس تغيرات صغيرة بشكل عشوائي، وهناك أيضا خطأ ما في التقريب).
يبقى أن نتدبر مدى قوة هذا القياس. وأول نقطة يجب ملاحظتها هي أن مقدار تجنبك للمخاطرة لا يتغير إذا تم تحويل منفعتك بطريقة خطية . وهذا يعزى إلى أن مضاعفة كل المنافع، مثلا، تضاعف كلا من الانحدار ومعدل انخفاضه، بينما إضافة 7، لنقل، لكل المنافع لا تغير الانحدار أو معدل انخفاضه.
ثمة نقطة ثانية؛ وهي أن القياس، بشكل واضح، يكون موجبا عند مستوى ما للثروة إذا، وفقط إذا، كان الخط البياني مقعرا حول هذا المستوى. وبشكل أقل وضوحا قليلا فقط، يكون المقدار موجبا بالنسبة لجميع مستويات الثروة إذا، وفقط إذا، كان الخط البياني مقعرا (في كل موضع)، أو بشكل مساو إذا، وفقط إذا، كنت متجنبا للمخاطرة (دون قيود).
والآن تدبر كيف نقارن تجنبك للمخاطرة بتجنبي للمخاطرة. من الطرق البديهية لتناول هذا، القول بأنك «أكثر تجنبا للمخاطرة» مني، إذا كنت مستعدا لقبول أي رهان أنت مستعد لقبوله، ولكن ليس العكس. من السهل أن ترى أن الأمر يكون هكذا إذا، وفقط إذا، كانت علاوة المخاطرة الخاصة بك لأي رهان أكبر من علاوة المخاطرة الخاصة بي. ولكن هل توجد أية صلة بين كونك أكثر تجنبا للمخاطرة مني ومقدار تجنبنا للمخاطرة؟ هناك صلة؛ فأنت أكثر تجنبا للمخاطرة مني إذا، وفقط إذا، كان مقدار تجنبك للمخاطرة عند كل مستويات الثروة أكبر مني.
حتى الآن يبدو قياسنا لتجنب المخاطر سليما. وكي نرى الموضع الذي قد تكمن فيه مشكلة، نحتاج للتفكير في معنى أن يكون رهان ما «أكثر مخاطرة» من آخر. تأمل الرهانين العادلين التاليين: (س) وهو: +150 دولارا باحتمالية 0,4، و−100 دولار باحتمالية 0,6.
و(ص) وهو: +400 دولار باحتمالية 0,2، و−100 دولار باحتمالية 0,8.
افترض أنك أقدمت على الرهان (س)، وإذا فزت تراهن ب 250 دولارا على إلقاء عملة؛ أي تقدم على الرهان العادل الأبعد: +250 دولارا باحتمالية 0,5، و−250 دولارا باحتمالية 0,5. (وإذا خسرت في الرهان (س) لا تفعل أي شيء آخر). باستخدام هذا الإجراء لتقدير الرهانات المركبة التي ناقشناها في الفصل الثالث، يكون من السهل أن ترى أن هذا الرهان ذا المرحلتين مساو للرهان ذي المرحلة الواحدة. وعلى ذلك، يمكن النظر إلى الرهان (ص) بوصفه الرهان (س) مضافا إليه رهان عادل؛ ومن ثم يمكننا أن نقول، بشكل منطقي، إن الرهان (ص) أكثر مخاطرة من الرهان (س). وبشكل أكثر عمومية، يكون أي رهان عادل أكثر خطورة من رهان ثان إذا كان الأول مساويا للثاني بعد إضافة رهان عادل آخر أو أكثر.
يمكننا مقارنة خطورة الرهانات غير العادلة بالنظر إلى أجزائها الخطرة؛ أي إلى مكاسبها وخسائرها بالنسبة لقيمها المتوقعة. بمزيد من الدقة، «الجزء الخطر» من أي رهان هو أن ينخفض الرهان بكل جوائزه المحتملة بمقدار قيمته المتوقعة؛ فهو بالطبع رهان عادل. على سبيل المثال، الجزء الخطر للرهان (ع): +500 دولار باحتمالية 0,2، ولا شيء باحتمالية 0,8.
والذي تبلغ قيمته المتوقعة 100 دولار، هو الرهان العادل (ص). ووفقا لذلك، ولما كان (ص) أكثر مخاطرة من (س)، يمكننا القول بأن (ع) أكثر مخاطرة من (س). وبشكل عام، يكون أي رهان أكثر خطورة من رهان ثان إذا كان الجزء الخطر من الرهان الأول أكثر مخاطرة من الجزء الخطر من الرهان الثاني.
أستطيع الآن التحول إلى القصة الأساسية. تأمل رهانين، (س) و(ص)، لهما نفس القيمة المتوقعة. إذا كنت متجنبا للمخاطرة، فلا غرابة في أن اختيارك سيقع دائما على (س) وليس (ص) كلما كان (س) أقل مخاطرة. حتى الآن كل شيء على ما يرام، ولكن تأمل الآن رهانين جديدين هما (د) و(ه)؛ حيث المنفعة المتوقعة للرهان (د) أكبر من نظيرتها للرهان (ه)، ولكنه أيضا أكثر مخاطرة. فإذا اخترت (د) وليس (ه)، وإذا كنت أكثر تجنبا للمخاطرة مني، فسوف يبدو طبيعيا أن أختار أنا أيضا الرهان (د) وليس (ه)، وإذا كانت المنفعة المتوقعة الأعلى بمنزلة تعويض للمخاطرة الإضافية بالنسبة لك، ينبغي أيضا أن تكون هكذا بالنسبة لي. وإذا كان (ه) رهانا محدد القيمة، فمن السهل أن ترى أن هذا هو الأمر. غير أن الأمر، في العموم، ليس هكذا.
إذن فلدينا مشكلة؛ فيبدو أن هناك شيئا غير مرض إما بشأن قياسنا لتجنب المخاطرة، وإما بشأن فهمنا لما يعنيه أن يكون رهان ما أكثر مخاطرة من آخر. أيهما ستتدارك؟ (3) بعض الإضافات
يتضمن كل من الرهان (بالمعني الدارج) والتأمين الإقدام على مقامرة (بالمعني الحرفي)؛ فالرهان يتضمن دائما الإقدام على رهان آخر جديد. فإذا راهنت ب 100 دولار على الأحمر في لعبة روليت، فإنك تقدم على الرهان (س) الذي جوائزه +100 دولار (إذا فاز الأحمر)، و−100 (إذا لم يفز). أما التأمين فيتضمن الإقدام على رهان يوازن رهانا قائما. فإذا كان لديك سيارة قيمتها 5000 دولار ومعرضة لخطر السرقة، فإن لديك رهانا قائما (ص) الذي جوائزه −5000 دولار (إذا سرقت السيارة)، ولا شيء (إذا لم تسرق). إذن إذا أقدمت على الرهان (ع) الذي جوائزه +4940 (إذا سرقت السيارة)، و−60 دولارا (إذا لم تسرق)، تنتهي بالرهان الصافي (المحدد القيمة) الذي جائزته −60 دولارا، سواء سرقت سيارتك أم لم تسرق. واختيار الرهان (ع) يوازن رهانك القائم (ص)؛ فهو بمنزلة تأمين بقسط قيمته 60 دولارا.
إذا كان بعجلة روليت صفر واحد، إذن فهناك 18 فتحة حمراء و19 فتحة غير حمراء (علما بأن الصفر لا يكون أحمر ولا أسود)؛ ومن ثم يكون لرهانك (س) على عجلة الروليت منفعة متوقعة قيمتها (+100 دولار × 18 / 37) + (−100 دولار × 19 / 37)، أو حوالي −3 دولارات. وإذا كانت احتمالية سرقة السيارة تساوي 0,01، فإن رهان التأمين (ع) الخاص بك له منفعة متوقعة تساوي (4940 دولارا × 0,01) + (−60 دولارا × 0,99)، أو −10 دولارات. ولما كانت جميع عجلات الروليت التجارية بها أصفار، فإن لعب الروليت في نوادي القمار سوف يتضمن دائما اختيار رهانات غير مواتية (الرهان المنظم بالكامل يقوم على شروط غير مواتية. وتعد سباقات اليانصيب القومية حالة متطرفة، والتي عادة ما يتضمن الرهان فيها ب 100 دولار اختيار رهان بقيمة متوقعة −50 دولارا). ولما كان لشركات التأمين مصروفات وتكاليف؛ فسوف يتضمن التأمين أيضا اتخاذ رهانات غير مواتية.
شكل : عجلة روليت: في بالم بيتش.
لا يوجد شيء غير عقلاني، سواء في الرهان وفق شروط غير مواتية، أو التأمين وفق شروط غير مواتية، غير أنه من السهل أن ترى أنك إذا كنت متجنبا للمخاطرة، فلن تراهن وفق شروط غير مواتية، وإن كنت قد تؤمن. بالمثل، إذا كنت محبا للمخاطرة، فلن تؤمن وفق شروط غير مواتية، وإن كنت قد تراهن. غير أن الملاحظة العارضة يبدو أنها تشير إلى أن العديد من الأشخاص يراهنون ويؤمنون، على حد سواء، وفق شروط غير مواتية؛ فهم يشترون تذاكر في سباقات اليانصيب القومية ويؤمنون على سياراتهم. وإذا اشتريت تذكرة في يانصيب قومي، فلا بد أنك محب للمخاطرة؛ وإذا أمنت على سيارتك، فلا بد أنك متجنب للمخاطرة. فكيف يمكن أن تكون الاثنين معا؟
أحد حلول هذا اللغز المحير يعتمد على حقيقة أنك قد تكون متجنبا للمخاطرة عند بعض مستويات الثروة، ومحبا للمخاطرة عند مستويات أخرى. وعلى وجه التحديد، قد تتجنب المخاطر حين تكون فقيرا، ولكن قد تكون أكثر استعدادا لخوض المخاطرة كلما ازددت ثراء. تذكر أنك إذا كنت متجنبا للمخاطرة، فإن الخط البياني لمخطط المنفعة الخاص بك يكون مقعرا، وإذا كنت محبا للمخاطرة فهو محدب، غير أنك إذا كنت متجنبا للمخاطرة عند المستويات المنخفضة للثروة، ومحبا للمخاطرة عند المستويات المرتفعة؛ فإن الخط البياني لمخطط المنفعة الخاص بك يكون مقعرا عند المستويات المنخفضة، ومحدبا عند المستويات المرتفعة.
وكمثال، افترض أن ثروتك الحالية 5000 دولار، ومخطط المنفعة الخاص بك كالتالي:
1000 دولار
2
3000 دولار
9
5000 دولار
10
7000 دولار
11
9000 دولار
18
تأمل أولا الرهان ب 2000 دولار على حصان بأرجحية عادلة 2 إلى 1. سوف يسفر هذا الرهان عن ارتفاع ثروتك إلى 9000 دولار باحتمالية 1 / 3 (حال فوز حصانك)، أو هبوطها إلى 3000 دولار باحتمالية 2 / 3 (حال خسارته)، ومنفعته المتوقعة تساوي (18 × 1 / 3) + (9 × 2 / 3)، أو 12. ولما كانت هذه المنفعة تتجاوز منفعة ثروتك الحالية، والتي تساوي 10؛ فإنك تقدم على الرهان.
تأمل الآن قرارك التأميني. يمكنك التأمين على سيارتك التي تساوي 6000 دولار بقسط عادل قيمته 2000 دولار. إن كون ثروتك المضمونة 5000 دولار يعني أن سيارتك مؤمن عليها، ولا بد أن تختار ما إن كنت ستلغي التأمين أم لا. ويتضمن الإلغاء الإقدام على رهان جديد سوف يسفر عن ارتفاع ثروتك إلى 7000 دولار باحتمالية 2 / 3 (إذا لم تكن سيارتك مسروقة)، أو هبوطها إلى 1000 دولار باحتمالية 1 / 3 (إذا سرقت ). والمنفعة المتوقعة لهذا الرهان الجديد تساوي (11 × 2 / 3) + (2 × 1 / 3) أو 8. ولما كانت هذه المنفعة أقل من منفعة ثروتك الحالية، والتي تساوي مرة أخرى 10، فإنك لا تقدم على هذا الرهان الجديد؛ أي إنك تؤمن. لاحظ أن هذا يبين أنك قد تراهن وتؤمن، وفق شروط عادلة، على حد سواء. ومن السهل أن ترى أنه إذا أصبحت الشروط غير عادلة قليلا؛ فقد تستمر في الرهان والتأمين.
وهذا موضح في الشكل البياني، الذي تقع فيه ثروتك الحالية عند النقطة (أ). سوف يؤدي رهان الخيل إلى تواجد ثروتك إما عند (ب) وإما (ج)، فيما تقع منفعتك المتوقعة فوق منفعتك عند النقطة (أ) مباشرة؛ ومن ثم تقدم عليه. وسوف يؤدي رهان التأمين إلى تواجد ثروتك إما عند (د) أو (ه)، فيما تقع منفعتك المتوقعة أسفل منفعتك الواقعة عند (أ) مباشرة؛ ومن ثم لا تقدم عليه؛ أي إنك تؤمن.
شكل : الرهان والتأمين: إذا كانت ثروتك عند النقطة (أ)، فستقبل الرهان العادل الذي سيسفر عن تواجد ثروتك إما عند (ب) وإما (ج)، ولكن ترفض الرهان الذي سيسفر عن تواجد ثروتك إما عند (د) وإما (ه).
وبقدر ما قد يكون هذا الحل مبدعا وبارعا، فإنه يبدو مصطنعا؛ فهو لا يتطلب فقط أن يكون للخط البياني لمخطط المنفعة الشكل المطلوب، ولكن يتطلب أيضا أن تكون ثروتك الحالية عند المستوى المطلوب؛ فلا يمكن أن تكون أعلى بكثير من ذلك عند (ه) (وإلا فلن تؤمن) أو أسفل من ذلك بكثير عند (ب) (وإلا فلن تراهن).
ثمة حل بديل يتمثل في أن الناس يكونون متجنبين للمخاطرة عند كل مستويات الثروة؛ ومن ثم يؤمنون وفق شروط غير مواتية، ولكنهم لا يراهنون وفق شروط غير مواتية. فقط يبدون أنهم يفعلون ذلك. فإذا كانت أرجحيات عدم فوز ألكوف بسباق ما هي 2 إلى 1، وتعتقد أن احتمالية فوزه 0,4، إذن فقد تراهن عليه حتى إذا كنت متجنبا للمخاطرة. وهذا يعزى إلى أنك بقيامك بذلك إنما تقدم على الرهان الذي يمنحك +200 دولار باحتمالية 0,4، و−100 دولار خلاف ذلك، وقيمته المتوقعة +20 دولارا.
قد تعتقد، ولك الحق في هذا تماما، أن احتمالية فوز ألكوف 0,4؛ فالمعتقدات، مثل الميول، أمر شخصي. قد تتفهم جيدا أن وكلاء الرهانات لديهم تكاليف ونفقات؛ ومن ثم فإن الرهان العشوائي على الخيول هو رهان وفق شروط غير مواتية. لكن قد تعتقد أن لديك بعض المعلومات الخاصة، وأنك لا تراهن عشوائيا؛ فأنت، وأنت وحدك، من لمح اللمعة في عين ألكوف وهو يسيطر على الحلبة. عادة ما تكون مخطئا في هذا الاعتقاد، ولكن ذاك أمر آخر.
يبدو هذا الحل، في ظاهره، أقل منطقية في سياق الرهان على عجلة الروليت أو مسابقات اليانصيب القومية عنه في سياق الرهان على الخيول. لا شك أن الجميع يعرف أن جميع الأرقام لها نفس احتمالية الفوز في كل من الروليت وفي مسابقات اليانصيب، أليس كذلك؟ ربما تعلم ذلك، ولكن وجود كم هائل من الكتب والنظم التي تزعم أنها تخبرك كيف تفوز في الروليت، أو أي الأرقام تختار في اليانصيب القومي؛ يوحي بأن ليس كل شخص يعلم ذلك.
أتحول الآن إلى السؤال الذي أثير في الفصل الثالث بشأن ما إذا كانت المنفعة العددية يمكن أن توفر أساسا للآراء المؤيدة لإعادة توزيع الثروة. تذكر أنه على الرغم من أن المنافع الحدية ليس لها معنى عندما تكون المنفعة ترتيبية، فإنها تكتسب معنى ما حين تكون المنفعة عددية. وهذا يعزى إلى أنه إذا كان الفارق بين المنفعتين اللتين تعينهما ل 1000 دولار و2000 دولار أكبر من الفارق بين المنفعتين اللتين تعينهما ل 8000 دولار و9000 دولار، بموجب إحدى طرق تعيين المنافع العددية، فإنه يكون أكبر بموجب كل الطرق الأخرى. ولكن ما معنى هذا؟ معناه أنك متجنب للمخاطرة لا أكثر ولا أقل. وعلى وجه التحديد، لا يعني ذلك أنه سيكون هناك نوع من الربح الصافي إذا انتقلت 1000 دولار من شخص يملك ثروة قدرها 9000 دولار إلى شخص يمتلك ثروة قدرها 1000 دولار. وبعيدا عن أي شيء آخر، سوف ينطوي هذا على مقارنة غير مبررة بين منافع أشخاص مختلفين. الأهم هنا أنه يحاول ترجمة أحد مقاييس السعادة أو الرفاهية إلى ما يعد ببساطة طريقة عددية لتمثيل التوجهات نحو المخاطرة. وحتى لو كنا سنستخدم المنافع العددية لتبرير إعادة التوزيع، متجاهلين مشكلة المقارنة بين الأشخاص، كنا سنعيد التوزيع ببساطة على أساس توجهات الأشخاص نحو المخاطرة. ولو كان البشر محبين للمخاطرة، كانت إعادة التوزيع على هذا الأساس ستأخذ من الفقير وتعطي للغني.
ثمة محاولة أكثر تعقيدا لتبرير إعادة التوزيع تستخدم «ستار جهل» خياليا. لنفترض أن الجميع يتدبرون كل التوزيعات المحتملة للثروة. بعض الأمثلة، بالنسبة لمجموعة سكانية قوامها 10 ملايين قد تكون:
1 مليون عند 1000 دولار، 5 ملايين عند 4000 دولار، و4 ملايين عند 8000 دولار.
1 مليون عند 1000 دولار، و9 ملايين عند 5000 دولار.
10 ملايين عند 2000 دولار.
ليست كل التوزيعات تتضمن الإجمالي نفسه، لما كان من المفهوم ضمنا أن التوزيعات مصاغة بطريقة تتطلب مشاركة من جانبنا، وأن بعض التوزيعات تمنح حوافز أكبر للمشاركة من غيرها.
إذن يختار كل شخص أحد التوزيعات دون معرفة وضعه الفردي في هذه التوزيعات (أي دون معرفة ما إذا كانت ثروته في التوزيع الأول سوف تكون 1000، أم 4000، أم 8000 دولار). ويزعم أن كل شخص سوف يختار التوزيع الذي يمنح أكبر مبلغ لأفقر شخص، أو أفقر مجموعة من الأشخاص؛ ففي المثال الحالي سوف يختار الجميع توزيع «10 ملايين عند 2000 دولار». ويزعم أيضا أن التوزيع الذي يختاره الناس من خلف ستار الجهل هو توزيع عادل، وأنه إذا كان التوزيع الفعلي يختلف عن هذا، تكون إعادة التوزيع لها ما يبررها. وهذا هو مبدأ الفرق الذي صاغه الفيلسوف جون رولس (المولود عام 1921):
جميع القيم الاجتماعية - الحرية والفرصة، والدخل والثروة، وقواعد احترام الذات - يفترض أن توزع بالتساوي، ما لم يكن التوزيع غير المتساوي لأي من هذه القيم أو كلها سيصب في مصلحة الجميع.
يعد الادعاء الأول، بأن جميع الناس سوف يختارون التوزيع الذي يمنح أكبر مبلغ لأفقر شخص، ادعاء جوهريا، ويرتبط مباشرة بنظرية الاختيار؛ فخلف الستار عليك أن تختار من بين الرهانات؛ مثل:
1000 دولار باحتمالية (ح)، 4000 دولار باحتمالية (ق)، و8000 دولار خلاف ذلك.
1000 دولار باحتمالية (ر)، و5000 دولار خلاف ذلك.
2000 دولار باحتمالية 1.
سوف تختار فقط آخر هذه الرهانات الثلاثة إذا كنت متجنبا للمخاطرة إلى أبعد الحدود. وبالفعل، لو أنك فضلت هذا الرهان الثالث على الثاني، مثلا، لجميع قيم الاحتمالية (د)، لخالفت شرط الاستمرارية. وهكذا فإن الادعاء بأن كل شخص سوف يختار التوزيع الذي يمنح أكبر مبلغ لأفقر شخص يبدو واهيا.
أما الادعاء الثاني، بأن التوزيع الذي يختاره الناس من خلف ستار الجهل هو توزيع عادل، وأنه إذا كان التوزيع الفعلي يختلف عن هذا، يكون لإعادة التوزيع ما يبررها، فهو مسألة أخلاقيات؛ ومن ثم لن توضحه نظرية الاختيار، غير أنني أشير عرضا إلى وجود آراء أخرى. أحد هذه الآراء أن التوزيع يكون عادلا إذا كان نتاج أفعال إرادية وليس لأي سبب آخر. فإذا كنت أكثر ثراء مني؛ لأنك دءوب ومجتهد وأنا كسول، فتلك خلاصة الأمر؛ فليس لأي شخص أن يأخذ منك ليعطيني. وهذه هي نظرية الاستحقاق التي صاغها روبرت نوزيك، الذي التقيناه في الفصل الثالث.
لسنا في موضع الأطفال الذين منحوا قطعا من فطيرة من شخص يجري الآن تعديلات في اللحظات الأخيرة لتدارك أخطاء التقطيع العشوائي؛ فلا يوجد توزيع مركزي، ولا وجود لشخص أو مجموعة تسيطر على الموارد كافة، وتقرر كيف سيتم تقسيمها. فما يحصل عليه كل شخص إنما يحصل عليه من أشخاص في مقابل شيء أو كهبة. وفي مجتمع حر، يتحكم أشخاص متنوعون في الموارد المختلفة، وتنشأ حيازات جديدة نتيجة تبادلات وأفعال إرادية للأشخاص. ولا يوجد توزيع للحصص بقدر ما يوجد توزيع للأزواج في مجتمع يختار فيه الأشخاص من سيقترنون بهم. (4) ملخص
تتجلى التوجهات نحو المخاطرة في الاختيارات من بين الرهانات التي تكون كل جوائزها مبالغ مالية.
علاوة المخاطرة لأي رهان هي (1) القيمة المتوقعة للرهان، والتي يتم إيجادها بضرب كل جائزة في احتماليتها وجمع الأرقام الناتجة، يطرح منها (2) اليقين التقريبي للرهان، وهو المبلغ الذي ستقبله بدلا من الرهان.
مقدار تجنب المخاطرة عند مستوى ما للثروة هو المعدل النسبي لانخفاض انحدار الخط البياني لمخطط المنفعة في هذا المستوى.
أنت أكثر تجنبا للمخاطرة مني إذا كنت مستعدا لقبول أي رهان أنت مستعد لقبوله، ولكن ليس العكس.
أنت أكثر تجنبا للمخاطرة مني (1) إذا، وفقط إذا، كانت علاوة المخاطرة الخاصة بك لكل الرهانات أكبر من علاوة المخاطرة الخاصة بي، و(2) إذا، وفقط إذا، كان مقدار تجنبك للمخاطرة عند كل مستويات الثروة أكبر من مقدار تجنبي للمخاطرة.
الفصل الخامس
الصراع والتعاون
أتحول الآن إلى القصة الأساسية وأتناول الحالة التي تتألف فيها القوائم من عناصر استراتيجية، والتي سأطلق عليها الآن أفعالا، مثل تقديم عطاء مرتفع أو منخفض في مزاد. هذا هو إطار نظرية الألعاب. غير أن تركيزي منصب بالأساس على الكيفية التي تختار بها وحدك بعقلانية، على عكس نظرية الألعاب التي تركز على الكيفية التي يمكن بها لكل منا الاختيار بطريقة تفيد الجميع بشكل مشترك. (1) الموقف
في إطار استراتيجي، يتعين عليك اختيار فعل ما، مع العلم بأنني أيضا بصدد اختيار فعل، بشكل مستقل، وأن النتيجة سوف تعتمد على ما يختاره كل منا.
قبل أن نبدأ، نحتاج لتدبر مفهوم المعرفة العامة. تختلف المعرفة العامة عن المعرفة المشتركة؛ فالشيء يكون بمنزلة معرفة مشتركة لك ولي إذا كان كل منا يعرفه، فيما يكون معرفة عامة إذا كان كل منا يعرفه، وكل منا يعرف أن كلا منا يعرفه، وكل منا يعرف أن كلا منا يعرف أن كلا منا يعرفه، وهكذا. وكتوضيح للفارق بين المعرفة المشتركة والعامة، هب أنك وأنا توزع علينا ورقتا لعب. كل ورقة لعب من مجموعة حمراء، ولكن لا نعلم هذا؛ فكل منا لا يرى سوى ورقته الخاصة. يسأل موزع الأوراق كلا منا ما إن كان يعلم لون مجموعة الآخر، وبالطبع يجيب كل منا بلا. بعد ذلك يخبرنا الموزع بأن إحدى الورقتين على الأقل من مجموعة حمراء ويكرر السؤال، ومرة أخرى تأتي إجابتي بلا، ولكنك تدرك، لدى سماع هذا، أن إجابتي تعني ضمنا أن مجموعتي لا يمكن أن تكون سوداء؛ ومن ثم تستنتج أن مجموعتي حمراء وتجيب بنعم. المغزى من هذه القصة أن إجابتك تتغير، من لا إلى نعم، نتيجة إخبارك بشيء تعرفه بالفعل، وهو أن ورقة واحدة على الأقل من المجموعة حمراء. والسبب في هذا أن المعلومات التي تتلقاها تحول المعرفة المشتركة إلى معرفة عامة.
وكل التفاصيل المتعلقة بأية مشكلة استراتيجية تعد معرفة عامة: الأفعال التي يمكن لكل منا أن يختارها، والنتائج المترتبة عليها، والمنافع التي يعينها كل منا (اعتمادا على نتائج الفصل الثالث) لهذه الأفعال. ويعد من قبيل المعرفة العامة أيضا أن كلا منا يختار بشكل عقلاني.
وكمثال لمشكلة استراتيجية، افترض أنك وأنا بصدد تقديم عطاء في مظروف مغلق في مزاد لنوع من النبيذ يقدر كل منا قيمته ب 100 دولار. لتبسيط الأمور، لا يسمح بتقديم سوى عطاءين فقط: عطاء مرتفع قيمته 96 دولارا، وعطاء منخفض قيمته 94 دولارا. بعد أن قدم كل منا عطاءه، يقوم مسئول المزاد بفتحهما ويمنح النبيذ لصاحب العطاء الأعلى، الذي يقوم بعدها بدفع مبلغ العطاء الذي قدمه لمسئول المزاد. إذا كان عطاء كل منا واحدا، يمنح مسئول المزاد نصف النبيذ لكل منا، ويدفع كل منا لمسئول المزاد نصف مبلغ العطاء الذي قدمناه. من الواضح أن مكسبك من كل عطاء محتمل يعتمد على العطاء الذي أقدمه، والعكس بالعكس. فإذا كان عطاؤك مرتفعا وعطائي منخفضا، يكون مكسبك 100 دولار − 96 دولارا؛ أي 4 دولارات؛ وإذا كان عطاؤك منخفضا وعطائي مرتفعا، يكون مكسبك صفرا؛ نظرا لعدم قبول عطائك. أما إذا كان عطاء كل منا مرتفعا، فيكون مكسبك 0,5 × 4 دولارات، أو 2 دولار؛ وإذا كان عطاء كل منا منخفضا، فإن مكسبك يساوي 0,5 × 6 دولارات، أو 3 دولارات، ومكاسبي مشابهة لمكاسبك؛ ومن ثم عليك أن تختار ما إذا كنت ستقدم عطاء مرتفعا أم منخفضا.
النتائج المحتملة للمزاد موضحة أدناه؛ حيث النتيجة «4 دولارات،0 دولار» هي تلك التي تربح فيها 4 دولارات فيما لا أربح أنا شيئا، وهكذا.
عطائي المرتفع
عطائي المنخفض
عطاؤك المرتفع «2 دولار، 2 دولار» «4 دولارات، 0 دولار»
عطاؤك المنخفض «0 دولار، 4 دولارات» «3 دولارات، 3 دولارات»
يعين كل منا منافع عددية لهذه النتائج. على سبيل المثال، قد نعين المنافع:
النتيجة
أنت
أنا «0 دولار، 4 دولارات»
0
3 «2 دولار، 2 دولار»
1
1 «3 دولارات، 3 دولارات»
2
2 «4 دولارات، 0 دولار»
3
0
ومن ثم تقوم بتعيين المنفعة صفرا للنتيجة التي يكون مكسبك فيها صفر دولار، ومكسبي 4 دولارات، وهكذا.
هناك ثلاثة جوانب لتعيين المنفعة هذا تستدعي التعليق؛ الأول: أن كلا منا يعين منافع للنتائج كاملة، وليس فقط لمكاسبنا الخاصة؛ قد تتمنى لي الخير؛ ومن ثم، في ظل تساوي الأمور الأخرى، تعين منفعة أعلى للنتائج التي يزداد فيها ربحي، أو تتمنى لي الشر، أو لا تعبأ بي بشكل أو بآخر. الجانب الثاني: أن المنافع، بوصفها عددية، تشتمل بالفعل على توجهات نحو المخاطرة. وعليه فلو كان لديك، على سبيل المثال، خيار الرهان الذي يعطي النتيجتين «2 دولار، 2 دولار» و«4 دولارات، 0 دولار» باحتمالية متساوية، لكنت على الحياد، في ظل تعيين المنافع السابق، بين هذا الرهان والنتيجة «3 دولارات، 3 دولارات» المضمونة؛ إذ إن منفعتك (المتوقعة) في كل حالة ستكون 2. أما الجانب الثالث، فيتمثل في عدم وجود أي إيحاء بأن منافعي ومنافعك يمكن مقارنتها بأي شكل؛ فكل منا يعين منافعه باستقلالية.
يمكننا دمج المعلومات المتضمنة في هذين الجدولين للحصول على «مصفوفة عائد» لإشكالية المزاد. وعلى وجه التحديد، نستبدل بالنتيجة «2 دولار، 2 دولار» زوج المنافع المرتبط بها؛ أي 1 لي و1 لك، وهكذا. وتوازي صفوف مصفوفة العائد أفعالك الممكنة فيما توازي الأعمدة أفعالي الممكنة. والمدخل لكل صف وعمود هو النتيجة، في نسق معين، بحيث تأتي منفعتك يتبعها منفعتي، إذا اخترت فعل الصف واخترت أنا العمود. يمكننا الآن إعادة سرد مثال «المزاد» على النحو التالي. (1-1) مثال المزاد
على كل منا أن يقدم عطاء مرتفعا بشكل فلكي، أو عطاء منخفضا للغاية في مزاد بالمظاريف المغلقة، وتكون مصفوفة العائد كما يلي:
أ
ب
أ
1 : 1
3 : 0
ب
0 : 3
2 : 2
تعد إشكالية «المزاد» مكافئة لإشكالية «معضلة السجينين» المعروفة. في هذه الإشكالية، اتهمنا أنا وأنت بارتكاب جريمة، وقيل لنا إنه لو أنكر كلانا الجريمة، فسوف يدان كلانا بتهمة أقل ونحصل على حكم مخفف، وإذا اعترف كلانا، فسوف يحصل كلانا على حكم متوسط، وإذا اعترف واحد منا فقط، فسوف يطلق سراحه ويستعان به كشاهد ضد الآخر، الذي سيحصل على حكم مشدد. وقبل أن نتمكن من التواصل، نوضع في زنزانتين منفصلتين، وعلينا أن نختار ما بين الاعتراف أو الإنكار. افترض أن كلا منا لا يهتم إلا بأحكامه فقط، وأن كلا منا يعين منفعة قيمتها صفر للحكم المشدد، و1 للحكم المتوسط، و2 للحكم المخفف، و3 للإفراج. من السهل إذن أن ترى أن مصفوفة العائد لهذه الإشكالية، بعيدا عن تغير الأسماء، هي نفسها مصفوفة العائد في مثال «المزاد». (2) الأفعال العقلانية
تأمل المثال التالي (لن أحاول إنشاء قصة لهذا المثال أو لبعض من الأمثلة التالية). (2-1) مثال الشجرة
على كل منا أن يختار شجرة؛ يمكنك أن تختار شجرة الدردار، أو الزان، أو الكستناء، ويمكنني أن أختار الدردار أو الزان، وتكون مصفوفة العائد كالتالي:
أ
ب
أ
0 : 0
3 : 1
ب
2 : 1
2 : 2
ج
3 : 2
0 : 3
شكل : لعبة الداما: الجائزة تقبع في المنتصف (ماتيا بريتي، عام 1635 تقريبا).
بالطبع أنت لا تعرف أي فعل أو أفعال سوف أختار، أو حتى بأي احتمالية سوف أختار كل فعل، غير أنك لو أخبرت بهذه الاحتمالات، لصار اختيارك سهلا؛ إذ كنت ستختار الفعل الذي يعظم منفعتك المتوقعة بالنظر إلى هذه الاحتمالات. وهذا الفعل هو «استجابتك المثلى» لهذه الاحتمالات. هب أنك، في هذا المثال، قد نما إليك أنني سوف أختار (أ) باحتمالية 0,5 (و(ب) خلاف ذلك). حينها إذا وقع اختيارك على (أ)، فسوف تكون منفعتك المتوقعة (0 × 0,5) + (3 × 0,5)، أو 1,5؛ وإذا اخترت (ب) فسوف تكون 2؛ وإذا اخترت (ج) فسوف تكون 1,5. وعلى هذا الأساس تختار (ب)؛ وهو ما يعني أن (ب) هي استجابتك المثلى لهذه الاحتمالات.
افترض الآن أنك لم تعلم إلا ب «أفعالي المحتملة»؛ أي الأفعال التي قد يقع اختياري عليها. إن تعيين احتمالات مختلفة لهذه الأفعال سوف يسفر، بشكل عام، عن استجابات مثلى مختلفة. على سبيل المثال، إذا علمت في المثال الوارد أعلاه أنني سوف أختار (أ) باحتمالية 0,2 وليس 0,5، فسوف تتغير استجابتك المثلى إلى (أ)، وإذا علمت أنني سأختار (أ) باحتمالية 0,8، إذن فسوف تتغير استجابتك المثلى إلى (ج). إن «استجاباتك المنطقية» لأفعالي المحتملة هي استجاباتك المثلى لبعض الاحتمالات الخاصة بهذه الأفعال، واستجاباتك المنطقية، في هذا المثال، لأفعالي المحتملة (أ) و(ب) هي: (أ)، و(ب)، و(ج).
يمكن استخدام الاستجابات المثلى والمنطقية لاستكشاف العقلانية. والمثال على اختيار لا يبدو عقلانيا هو اختيارك (ب) في مثال «المزاد». إن ما يعيب هذا الاختيار هو أن (ب) ليست استجابة منطقية لأي من فعلي المحتملين. وبغض النظر عما إذا كنت قد أخبرت أنني سوف أختار (أ)، أو سوف أختار (ب)، أو قد أختار أيهما، فإن استجابتك المنطقية الوحيدة هي (أ).
إليك مثالا أكثر تعقيدا لاختيار لا يبدو عقلانيا. (2-2) مثال الزهرة
على كل منا أن يختار زهرة؛ يمكن لكل منا اختيار البيش، أو الحوذان، أو زهر الربيع العطري، وتكون مصفوفة العائد كالتالي:
أ
ب
ج
أ
1 : 0
1 : 0
2 : 1
ب
2 : 1
2 : 2
1 : 3
ج
1 : 0
0 : 2
0 : 1
هب أن اختيارك، في هذا المثال، يقع على (ب). إن الإشكالية هنا أقل وضوحا؛ فاختيارك، في ظاهره، يبدو لا بأس به؛ فالاختيار (ب) يعد استجابة منطقية لاختياري إما (أ) وإما (ب)، ولكن لا بد أن تسأل نفسك ما إن كنت، في الواقع، سأختار (أ) أم (ب). بالطبع لم أكن لأختار (أ) لكونها استجابة غير منطقية بالنسبة لي لأي شيء قد تختاره. إذن هل يمكن أن أختار (ب)؟ لو أنني فعلت، إذن لصرت مضطرا للاعتقاد بأنك لن تختار (ج)؛ إذ إن اختياري (ب) ليس استجابة منطقية لاختيارك إما (أ) وإما (ب)، ولكنني أعلم أنك لم تكن لتختار (ج)؛ لأنها ليست استجابة منطقية لأي شيء قد أختاره؛ ومن ثم ينبغي أن تعلم أنني لن أختار (أ) أو (ب)؛ ومن ثم سوف أختار (ج)، ولكن اختيارك (ب) ليس استجابة منطقية لاختياري (ج)؛ ومن ثم لن يبدو اختيار (ب) أمرا عقلانيا بالنسبة لك.
إن «الفعل العقلاني» هو الفعل الذي يمكن تبريره باستخدام سلسلة من حجج الاستجابة المنطقية، كما في المثال أعلاه. في أية إشكالية استراتيجية، لا يكون لديك علم بما سوف أختار، غير أنك قد تستنتج شيئا بشأن أفعالي في ظل علمك بأنني لن أختار سوى استجابة منطقية. وعلى وجه التحديد، قد تستنتج أن أي شيء قد أختاره سوف يكون استجابة منطقية لأي شيء قد أستنتج أنك قد تختاره. علاوة على ذلك، في ظل علمك بأنني أعلم بأنك لن تختار سوى استجابة منطقية فقط، ينبغي أن تتوقع أنني سأتوصل لاستنتاج مماثل. وبالفعل، ينبغي أن تتوقع أنني سوف أتوقع أنك ستتوصل لاستنتاج مماثل، وهكذا . وأي فعل عقلاني هو ذلك الذي ينبثق من هذه السلسلة من الاستنتاجات؛ ففعلك يكون عقلانيا إذا كان استجابة منطقية لاستجاباتي المنطقية لاستجاباتك المنطقية لاستجاباتي المنطقية ... لاحظ أن العقلانية هي بالأساس مفهوم فردي؛ ففي مثال «المزاد»، سيكون كلانا أفضل حالا إذا اختار كل منا (ب) وليس (أ)؛ فما يعد عقلانيا على المستوى الفردي قد لا يكون عقلانيا على المستوى الجمعي.
ويمكن توضيح هذه السلسلة من الاستنتاجات في مثال «الزهرة» بواسطة جدول. كل صف في هذا الجدول يعطي اختيار الشخص، والأفعال المحتملة للشخص الآخر، والتي يواجهها الشخص القائم بالاختيار، والاستجابات المنطقية للشخص القائم باختيار هذه الأفعال.
القائم بالاختيار
الأفعال المواجهة
الاستجابة
أنت
أ ب ج
أ ب
أنا
أ ب
ج
أنت
ج
أ
أنا
أ
ج
تصل السلسلة إلى منتهاها حيثما لا تتغير استجاباتك أو استجاباتي المنطقية مع استمرار عملية الاستنتاج. وسيكون هذا هو الحال - بشكل واضح - إذا وصلنا إلى نقطة يختار فيها كل منا فعلا واحدا فقط، كما ينطبق هنا. وينبغي أن نشير إلى أننا قد بدأنا باستجاباتك وليس استجاباتي، غير أنه من السهل أن ترى أننا نحصل على نفس النتيجة إذا ما بدأنا باستجاباتي. وعليه، يكون فعلك العقلاني هو (أ) (وفعلي العقلاني هو (ج)).
يبدو من الواضح أنه سيكون لديك دائما فعل عقلاني. ومع ذلك، فمن الممكن أن يكون لديك أكثر من واحد، مثلما يتبين من المثال التالي (الذي تعرف النسخة الأصلية منه باسم «لقاء في نيويورك»). (2-3) مثال اللقاء
قام كلانا بالترتيب للقاء معا، ولكن أغفلنا الاتفاق على ما إذا كان اللقاء سيكون عند «المرساة» أم عند «الرصيف». ولما كان كل منا يرغب في اللقاء، ولكن لا نعبأ بالمكان، يمكننا صياغة مصفوفة العائد كما يلي :
أ
ب
أ
1 : 1
0 : 0
ب
0 : 0
1 : 1
لو علمت أن احتمالية أن أختار (أ) أكبر من 0,5؛ فإن استجابتك المثلى ستكون (أ)، وإذا علمت أن هذه الاحتمالية أقل من 0,5؛ فإن استجابتك المثلى ستكون (ب). وعلى ذلك، ولما كانت استجاباتك المنطقية هي استجاباتك المثلى لبعض الاحتمالات؛ فإن استجاباتك المنطقية لأفعالي المحتملة، سواء (أ) أو (ب)، هي (أ) و(ب). ولما كانت استجاباتي المنطقية مماثلة، فلا بد أن تكون الأفعال المنطقية بالنسبة لكل منا هي (أ) و(ب) على حد سواء (مثلما ينبغي أن نكون قد توقعنا من تطابق المثال). (3) الأفعال غير المحكومة
لتوصيف العقلانية، نحتاج إلى مفهوم التحكم. يتحكم أحد أفعالك في فعل ثان إذا كنت تفضل الأول، أيا كان اختياري أنا. بالمثل، تكون منفعتك من الأول أكبر من منفعتك من الثاني. على سبيل المثال، في مثال «المزاد» يتحكم فعلك (أ) في فعلك (ب). هناك أيضا شكل أكثر دقة من التحكم. تخيل أنه بدلا من اختيار فعل معين، يمكنك أن تختار مزيجا من الأفعال، أو على نحو مساو، اختيار رهان على أفعالك. وهذا يعني أنه إلى جانب اختيار إما (س) وإما (ص)، يمكنك اختيار الرهان «س باحتمالية 0,5، و(ص) خلاف ذلك». ومن شأن رهان ما على أفعالك التحكم في فعل ما إذا كانت منفعتك المتوقعة من الرهان أكبر من منفعتك من هذا الفعل، أيا كان اختياري. تأمل المثال التالي. (3-1) مثال الحشرة
على كل منا أن يختار حشرة؛ يمكنك أن تختار «النملة» أو «النحلة» أو «اليرقة»، فيما يمكنني أن أختار «النملة» أو «النحلة». وعلى ذلك تكون مصفوفة العائد كما يلي:
أ
ب
أ
0 : 0
3 : 1
ب
1 : 1
1 : 2
ج
3 : 2
0 : 3
في هذا المثال يتحكم رهانك «(أ) باحتمالية 0,5، و(ج) خلاف ذلك» في فعلك (ب)؛ وأيا كان الفعل الذي يقع اختياري عليه، فإن منفعتك المتوقعة من الرهان تبلغ 1,5، ومنفعتك من الفعل (ب) تساوي 1. وكما يتبين من هذا المثال، يمكن لمجموعة من الأفعال أن تتحكم في فعل ما حتى لو لم يكن محكوما بأي من عناصرها؛ ففعلك (أ) غير متحكم به من (أ ) أو (ج).
يكون الفعل «غير محكوم» إذا لم يكن متحكما فيه من أية مجموعة من الأفعال (بما في ذلك أي مجموعة فردية؛ بمعنى أي فعل). بعبارة أخرى، يكون فعلك غير محكوم إذا لم يكن هناك فعل يمنحك منفعة (متوقعة) أعلى، أيا كان الفعل (أو مجموعة الأفعال) الذي يقع اختياري عليه. وكما قد تتوقع، لا بد ألا يكون أي فعل متحكما فيه إذا كان له أن يصبح استجابة مثلى. ولما كان لا بد أن يكون استجابة مثلى إذا كان له أن يصبح عقلانيا، فإن هذا يعني أن الفعل كي يكون عقلانيا لا بد أن يكون غير محكوم، غير أن العكس ليس صحيحا؛ فقد يكون الفعل غير محكوم ولكنه ليس عقلانيا.
ولإدراك هذا، عد إلى مثال «الشجرة»، والذي كانت فيه مصفوفة العائد:
أ
ب
أ
0 : 0
3 : 1
ب
2 : 1
2 : 2
ج
3 : 2
0 : 3
هنا لا يخضع فعلك (ج) للتحكم، ولكنه، كما من السهل أن ترى، ليس عقلانيا.
والسبب في عدم عقلانية الفعل (ج) في مثال «الشجرة» هو أنه على الرغم من كونه ليس محكوما، فإنه (1) يصبح متحكما فيه إذا تم حذف فعلي (أ) من الإشكالية، و(2) من المنطقي أن تحذف فعلي (أ)؛ لأنه محكوما (من قبل فعلي ب). وهذا يعني أن الفعل (ج) لا يتحمل الحذف التكراري للأفعال المحكومة؛ أي ليس «غير محكوم تكراريا». بعبارة أخرى، لا يتحكم في فعلك أفعال لي ليست محكومة بأي أفعال لك ليست محكومة بأي أفعال لي ليست محكومة بأي أفعال لك ...
ولتوضيح الحذف التكراري، عد إلى مثال «الزهرة» الذي كانت فيه مصفوفة العائد كالتالي:
أ
ب
ج
أ
1 : 0
1 : 0
2 : 1
ب
2 : 1
2 : 2
1 : 3
ج
1 : 0
0 : 2
0 : 1
في هذا المثال، يمكننا حذف الأفعال بشكل تكراري كما في الجدول الآتي؛ فكل صف في هذا الجدول يعطي اختيار الشخص، وأفعال الشخص الآخر التي يواجهها القائم بالاختيار، والأفعال التي يحذفها القائم بالاختيار في هذه المرحلة.
القائم بالاختيار
الأفعال المواجهة
الحذف
أنت
أ ب ج
ج
أنا
أ ب
أ ب
أنت
ج
ب
أنا
أ -
أنت
ج -
تصل العملية إلى منتهاها حينما لا يقوم أي منا بحذف المزيد من الأفعال. وفي هذا المثال يكون الفعل (أ) هو فعلك الوحيد المتبقي (والفعل (ج) هو فعلي الوحيد المتبقي). لاحظ أنه في أول مرة أختار فيها، أقوم بحذف كل من (أ) و(ب)، ومن السهل أن ترى أننا نتوصل لنفس النتيجة، وإن كان بمزيد من الخطوات، إذا حذفت (أ) فقط أو (ب) فقط في هذه الخطوة. من السهل أيضا أن ترى، تماما كما في العملية المستخدمة لإيجاد الأفعال العقلانية، أننا نتوصل إلى نفس النتيجة إذا بدأنا بمحذوفاتي وليس بمحذوفاتك.
تشترك عملية الحذف التكراري للأفعال المحكومة بشكل واضح في أمور كثيرة مع العملية المستخدمة لإيجاد الأفعال العقلانية. وليس من قبيل المصادفة أن تتوصل العمليتان في مثال «الزهرة» لنفس النتيجة. وهذا يسري بشكل عام. وهكذا يكون لدينا توصيف متكامل مفاده: أن الاختيار يكون عقلانيا إذا، وفقط إذا، كان غير محكوم تكراريا.
على الرغم من أنه قد يبدو مستساغا، فعلينا الحذر من استخدام ما يعرف بالتحكم الواهي محل التحكم. يتحكم أحد أفعالك بشكل واه في فعل ثان إذا: (1) كانت منفعتك من الأول، أيا كان اختياري أنا، لا تقل عن منفعتك من الثاني؛ و(2) كانت منفعتك من الأول، بالنسبة لواحد على الأقل من أفعالي، أكبر من منفعتك من الثاني. تأمل المثال التالي. (3-2) مثال الطائر
ينبغي على كلينا اختيار طائر؛ يمكنك اختيار طائر «النكات» أو «الشحرور» أو «الغراب»، فيما يمكنني اختيار «النكات» أو «الشحرور»، وعليه تكون مصفوفة العائد كالتالي:
أ
ب
أ
1 : 1
0 : 0
ب
1 : 1
2 : 1
ج
0 : 0
2 : 1
في هذا المثال يتحكم فعلك (ب) تحكما واهيا (ولكن لا يتحكم تماما) في كل من فعلك (أ) وفعلك (ج).
لا يمكننا حذف نتائج محكومة بشكل واه حذفا تكراريا بنفس الثقة التي أمكننا بها حذف نتائج محكومة بشكل تكراري؛ فالأفعال غير المحكومة بشكل واه، كما يخبرنا توصيفنا للعقلانية، ليست كالأفعال العقلانية. كذلك يشكل ترتيب الحذف أهمية؛ ففي المثال السابق، إذا حذفت (أ)، إذن فسوف أحذف (أ)، وسوف تختار إما (ب) وإما (ج) وتحصل على منفعة قيمتها 2، غير أنك إذا حذفت (ج) بدلا من (أ)، فسوف أحذف (ب)، وحينها سوف تختار إما (ب) وإما (ج) وتحصل على منفعة قيمتها 1. ومع ذلك، إذا كنا قد حذفنا بالفعل جميع الأفعال المحكومة، فقد يكون من المنطقي تجنب الأفعال المحكومة بشكل واه. (4) الأفعال المستدامة
ثمة سؤال يطرح نفسه عما إذا كان هناك أية صلة بين التصرف بشكل عقلاني والتصرف بأسلوب مستدام. إذا اختار كل منا بشكل عقلاني، فهل تكون أفعالنا «مستدامة»؟ وإذا كانت أفعالنا مستدامة، فهل لا بد أن تكون عقلانية بالضرورة؟
كي نبدأ نحتاج لتأمل معنى أن تكون أفعالنا مستدامة. سوف أقول إن الأمر يكون هكذا إذا كانت أفعالك هي استجابتك المثلى لأفعالي، وأفعالي هي الاستجابة المثلى لأفعالك (علما بأن أية استجابة مثلى لأي فعل هي الاستجابة المثلى للاحتمالية الفردية التي تعطي هذا الفعل). فإذا كان هذا هو الحال، فإن فعلينا مستدامان من حيث إن أيا منا ليس لديه حافز أحادي الجانب للتغيير. ويطلق على زوج من الأفعال المستدامة «توازن ناش»، نسبة لجون ناش (المولود عام 1928)؛ الاقتصادي وعالم الرياضيات الحائز على جائزة نوبل (وموضوع فيلم «عقل جميل»). لاحظ أنه على الرغم من أن بوسعنا التساؤل عما إذا كان فعلك بمفرده يعتبر عقلانيا أم لا، فليس بوسعنا التساؤل عما إذا كان يوصف وحده بأنه مستدام أم لا؛ فالاستدامة سمة تنفرد بها أزواج الأفعال، واحد لي وواحد لك.
ولتوضيح الأفعال المستدامة، عد إلى مثال «المزاد» حيث كانت مصفوفة العائد:
أ
ب
أ
1 : 1
3 : 0
ب
0 : 3
2 : 2
في هذا المثال يعد الفعل (أ) الذي وقع عليه اختيارنا فعلا مستداما؛ إذ إنك إذا علمت أنني سوف أختار (أ)، فسوف تختار (ب)، وإذا علمت أنا أنك سوف تختار (أ)، فسوف أختار (أ).
وكما يشير مثال «المزاد»، ومثلما يترتب مباشرة على التعريفات، تعد الأفعال المستدامة عقلانية، غير أن العكس ليس هكذا؛ فليست جميع أزواج الأفعال العقلانية مستدامة. والمثال التالي يوضح هذا. (4-1) مثال الحيوان
على كل منا أن يختار حيوانا؛ يمكننا اختيار «الحمار» أو «الخنزير البري» أو «البقرة»، وتكون مصفوفة العائد كالتالي:
أ
ب
ج
أ
0 : 7
2 : 5
7 : 0
ب
5 : 2
3 : 3
5 : 2
ج
7 : 0
2 : 5
0 : 7
من السهل أن ترى أن الفعلين المستدامين الوحيدين في هذا المثال هما: (ب) الذي اخترته أنت، و(ب) الذي اخترته أنا، ولكن كل فعل محتمل يعد عقلانيا بالنسبة لك (وأيضا بالنسبة لي).
والعلاقات بين العقلانية والتحكم والاستدامة موضحة بالشكل.
إن هدفي الأساسي من مناقشة الاستدامة هو فحص الصلة بين التصرف بعقلانية والتصرف بأسلوب مستدام، وليس تناول الاستدامة تفصيليا، غير أنني سوف أشير بإيجاز إلى مشكلتين في مفهوم الاستدامة.
المشكلة الأولى تكمن في احتمال وجود العديد من الأفعال المستدامة المتعارضة، وهو ما يمكن رؤيته في مثال «اللقاء» حيث مصفوفة العائد:
شكل : خريطة للاختيار الاستراتيجي: الأسهم ذات الرأسين تمثل التكافؤ، والأسهم ذات الرأس الواحد تمثل التبعات الضمنية.
أ
ب
أ
1 : 1
0 : 0
ب
0 : 0
1 : 1
في هذا المثال يعتبر الفعل (أ) الذي تختاره والفعل (أ) الذي أختاره مستدامين، لما لم يكن أي منا سيختار (ب) إذا علم أن الآخر سوف يختار (أ). بالمثل، يعد الفعل (ب) الذي تختاره والفعل (ب) الذي أختاره مستدامين. وهكذا يكون لدينا أكثر من زوج من الأفعال المستدامة. لم يكن ذلك سيمثل أية أهمية لو كان عنصرك الذي تختاره من زوج ما، وعنصري الذي أختاره من زوج آخر مستدامين أيضا، ولكن الأمر ليس كذلك؛ فالفعل (أ) الذي تختاره والفعل (ب) الذي أختاره ليسا مستدامين.
ثمة تفسير مختلف لمثال «اللقاء» يؤكد على هذه النقطة. أعد تفسير (أ) باعتباره القيادة على اليسار، و(ب) باعتباره القيادة على اليمين؛ ستظل مصفوفة العائد ثابتة بلا تغيير. إذن فمن المستدام بالنسبة لكل منا القيادة على اليسار، ومن المستدام أيضا لكل منا القيادة على اليمين، ولكن إذا قدت أنا على اليسار وقدت أنت على اليمين؛ فقد لا نظل أحياء لوقت طويل!
لاحظ أنه لا يوجد أفعال محكومة بشكل واه في أي من زوجي الأفعال في هذا المثال؛ فلو كانت موجودة، قد يكون من المنطقي تجنبها. لاحظ أيضا أن مشكلة التعارض لا يمكن أن تنشأ مع الأفعال العقلانية؛ فقد يكون لديك أكثر من فعل عقلاني، وكذلك الحال بالنسبة لي، ولكن أزواج الأفعال ليس لها دور في القصة.
أما المشكلة الثانية في مفهوم الاستدامة، فتكمن في أنه قد لا يكون هناك أفعال مستدامة، وهو ما يمكن رؤيته في المثال التالي (والذي تعرف النسخة الأصلية منه باسم «تطابق العملات»). (4-2) مثال التطابق
على كل منا اختيار وإظهار بطاقة تحمل صورة ملاك أو وحش؛ فإذا تطابقت الصورتان أدفع لك 100 دولار، وإذا اختلفتا تدفع لي 100 دولار. ولما كان كل منا يحب المال؛ فقد نصوغ مصفوفة العائد على النحو التالي:
أ
ب
أ
1 : 0
0 : 1
ب
0 : 1
1 : 0
من الواضح أن اختيار كل منا لنفس الفعل لا يمكن أن يكون مستداما؛ لأنني لو كنت أعلم فعلك لغيرت فعلي. بالمثل، لا يمكن لاختيار كل منا لفعل مختلف أن يكون مستداما؛ لأنك لو كنت تعلم فعلي لغيرت فعلك؛ ومن ثم لا يوجد أي أفعال مستدامة. وهذه المشكلة لا يمكن أن تظهر مع الأفعال العقلانية؛ فكما رأينا، دائما ما يكون لديك فعل عقلاني ما.
غير أن الأفعال المستدامة، نوعا ما، يمكن إظهارها من خلال آلية السماح للرهانات وكذا الأفعال الفردية لأن تكون محل اختيار (كما فعلنا في مناقشة التحكم). في هذه الحالة، يصبح لأي زوج مستدام من الأفعال، والذي أحيانا ما يسمى الآن «توازن ناش» في الاستراتيجيات المختلطة، نفس الخصائص كما كان في السابق؛ ففعلي وفعلك يكونان مستدامين إذا كان فعلك هو الاستجابة المثلى لفعلي، وفعلي هو الاستجابة المثلى لفعلك. وإذا سمحنا للرهانات أن تكون محل اختيار، يظهر زوج مستدام من الأفعال في مثال «التطابق». من السهل أن ترى أن اختيارك واختياري للرهان «(أ) باحتمالية 0,5، و(ب) خلاف ذلك» مستدام، وهما الفعلان المستدامان الوحيدان في الواقع، بل إننا إذا سمحنا للرهانات أن تكون محل اختيار، فإن جميع إشكاليات الاستراتيجية لها أفعال مستدامة.
ولا تظهر الأفعال المستدامة حيثما لم يكن لها وجود فحسب، بل يمكن أن تظهر أفعال مستدامة جديدة بالإضافة إلى الأفعال القائمة. تذكر أنه في مثال «اللقاء»، الذي أعيد تفسيره بحيث يكون الرهان (أ ) هو القيادة على اليسار و(ب) هو القيادة على اليمين، يوجد زوجان من الأفعال المستدامة؛ فكل منا يقود على اليسار، وكل منا يقود على اليمين، ولكن إذا سمحنا للرهانين أن يكونا محل اختيار، يصبح هناك زوج مستدام ثالث. وهذا يتضمن قيام كل منا، مستقلا ، بإلقاء عملة والقيادة على اليسار إذا استقرت العملة على وجه الصورة، وعلى اليمين إذا استقرت العملة على وجه الكتابة، فيما يعد وصفة أخرى لإحداث كارثة.
إذا ما فسرنا الاستدامة في هذا الإطار الجديد، تظل الأفعال المستدامة تتصف بالعقلانية. ومرة أخرى، ينبثق هذا بشكل شبه مباشر من التعريفات. كذلك ليست جميع أزواج الأفعال العقلانية مستدامة. ولرؤية هذا، عد إلى مثال «الحيوان» حيث مصفوفة العائد:
أ
ب
ج
أ
0 : 7
2 : 5
7 : 0
ب
5 : 2
3 : 3
5 : 2
ج
7 : 0
2 : 5
0 : 7
من السهل أن ترى أن اختياري واختيارك للرهان (ب) يظلان الزوج المستدام الوحيد، حتى عندما يستطيع كل منا اختيار الرهانات. ومع ذلك، فكل فعل محتمل يكون عقلانيا كما رأينا.
وهكذا قد يكون مفهوم الاستدامة غامضا، كما هو الحال عندما يكون هناك أكثر من زوج واحد مستدام من الأفعال، أو قد يكون أجوف، كما هو الحال عندما لا يكون هناك أفعال مستدامة ولا نسمح بالرهانات، أو قد يكون مبهما، كما هو الحال عندما تتطلب الأفعال المستدامة الوحيدة المتاحة استخدام الرهانات. (5) بعض الإضافات
تتغير الصورة نوعا ما إذا أصبح للزمن صلة بالأمر. عد مجددا إلى مثال «المزاد» حيث مصفوفة العائد:
أ
ب
أ
1 : 1
3 : 0
ب
0 : 3
2 : 2
وافترض أن على كل منا الآن أن يختار في يومين متتاليين بدلا من مرة واحدة فقط. في اليوم التالي يعرف كل منا ما اختاره كل منا في اليوم الأول. والآن تختار من بين الأفعال الثمانية: (أ) اليوم و(أ) غدا إذا اخترت أنا (أ) اليوم (أ) اليوم و(أ) غدا إذا اخترت أنا (ب) اليوم (أ) اليوم و(ب) غدا إذا اخترت أنا (أ) اليوم
وهكذا (علما بأن أفعالي مماثلة). من السهل أن ترى أن فعليك العقلانيين (المتكافئين) الوحيدين هما: «(أ) اليوم و(أ) غدا إذا اخترت أنا (أ) اليوم» و«(أ) اليوم و(أ) غدا إذا اخترت أنا (ب) اليوم»؛ أي إنك تختار (أ) اليوم و(أ) غدا بغض النظر عما اخترته أنا. ومن ثم، ما من شيء جوهري يتغير.
افترض الآن أن على كل منا أن يختار على مدى مائة يوم متتالية. قد تشعر حينئذ أن الأمر قد يستحق أن تختار (ب) في بعض الأيام الأولى، على أمل أن يكون هذا من شأنه بناء بعض الثقة بيننا، وأبدأ أنا بالتبعية في اختيار (ب)؛ ما سيصب في صالحنا معا. غير أنه سيكون من غير الحكمة أن تفعل هذا؛ ففي اليوم الأخير لا تثار مسألة بناء الثقة؛ ومن ثم يختار كل منا بنفس الطريقة التي كنا سنختار بها لو كنا نختار مرة واحدة فقط؛ أي إن كلا منا سيختار (أ). إذن ففي اليوم التاسع والتسعين لا تثار مسألة بناء الثقة في ظل معرفة كل منا بما سيختاره الآخر في اليوم الأخير. مرة أخرى، سيختار كل منا (أ). ومع تكرار هذه الحجة، سيختار كل منا (أ) في كل يوم. ومرة أخرى، لا شيء يتغير. ونفس المنطق يسري إذا اخترنا لأي عدد متناه من الأيام.
غير أن هذا المنطق لا يسري إذا اخترنا بشكل لا متناه؛ إذ لا يكون هناك حينها يوم أخير نبدأ منه عملية الاستدلال، بل إننا إذا اخترنا بشكل لا متناه، فإن اختيارنا للرهان (ب) كل يوم لا يكون عقلانيا على المستوى الفردي فحسب، بل أيضا مستداما بشكل مشترك (على الرغم من احتمال وجود نتائج أخرى مستدامة أيضا). لقد تغيرت الصورة جذريا عن الحالة متناهية التكرار، التي هي بالتبعية لا زمنية بالضرورة، والتي يكون فيها اختيار كل منا للرهان (أ) كل يوم هو النتيجة العقلانية الوحيدة.
وبالتعميم انطلاقا من هذه النتيجة، يمكن القول بأنه بينما قد لا يكون ما هو عقلاني على المستوى الفردي عقلانيا على المستوى الجمعي في موقف متناهي التكرار، فقد يصبح كذلك (وإن لم يكن بالضرورة) في موقف غير متناهي التكرار . وهكذا قد يحول التكرار التنافس إلى تعاون. وهذه النتيجة جزء من موروث شعبي يعرف بالنظرية الشعبية. وكما أشار ديفيد هيوم، الذي التقيناه في الفصل الأول:
إنني أتعلم أن أسدى خدمة لشخص آخر دون تحميله أي معروف؛ لأنني أتنبأ بأنه سوف يرد لي خدمتي على أمل إسدائه خدمة أخرى من نفس النوع، ومن أجل الحفاظ على نفس التبادل للمساعي الحميدة معي ومع الآخرين. ومن ثم، بعد أن أسديه الخدمة ويصبح حائزا للميزة الناشئة عن فعلي، يصير مدفوعا لأداء دوره؛ إذ يدرك عواقب رفضه.
وقد أدى التوتر القائم بين ما هو عقلاني على المستوى الفردي، وما هو عقلاني على المستوى الجمعي إلى قدر كبير من الارتباك والحيرة. ويكمن بعض من هذا الارتباك في مفارقة التوائم الظاهرية. يتمثل الادعاء في أنه: بما أن مثال «المزاد» متماثل؛ فمن الممكن التفكير بنا، أنا وأنت، بوصفنا توءمين يختاران بنفس الطريقة. وفي ظل علمك بهذا، سوف تختار تقديم عطاء منخفض؛ فأنت تعلم أنني دائما سوف أفعل ما تفعل، وأن يتقدم كلانا بعطاء منخفض خير من أن يتقدم كلانا بعطاء مرتفع. غالبا ما تكون محاولات تبرير ادعاء التماثل قائمة على ما يعرف ب «مبدأ هارساني»، نسبة لجون هارساني (المولود عام 1920)؛ الاقتصادي والفيلسوف الحائز على جائزة نوبل. يزعم هذا المبدأ أن أي شخصين لديهما نفس المعلومات ونفس الخبرة سوف يتصرفان بالضرورة بنفس الشكل. وهذا المبدأ، الذي سأعود إليه في الفصل القادم، صحيح بشكل لا يحتاج للتكرار إذا عرفت الخبرات بحيث تضم كل شيء قد يجعل الإنسان مختلفا. ولكن ما مدى صلته بالأمر؟ ينبغي أن تتبين رأيك في كل من هذا المبدأ والمفارقة الظاهرية.
في الفصل الرابع، تناولت ما إذا كان بوسعنا معرفة أي شيء عن عدالة التوزيع من آلية ستار الجهل. والآن أتحول إلى آلية مشابهة؛ وهي «ستار الشك». تمثل آلية ستار الجهل غيابا مزعوما للمعرفة بشأن حقائق محددة بالفعل، مثل من أنت. أما ستار الشك فيمثل غيابا حقيقيا للمعرفة بشأن أحداث لم تقع بعد، مثل من سيجد النفط . هب أنني وأنت ننقب عن النفط، ويبدأ كل منا بثروة قيمتها صفر. إذا وجد كلانا النفط، أو لم يجد أي منا النفط، فسينتهي كل منا بنفس الثروة؛ ومن ثم لا تكون مسألة التوزيع أمرا مثيرا في كلتا الحالتين. تأمل بعد ذلك حالة يجد فيها واحد منا فقط، لا نعرف من هو، النفط دون الآخر؛ في تلك الحالة سوف يحوز واحد منا 2 مليون دولار، والآخر لا شيء.
سوف أفترض أن كلا منا لا يعبأ إلا بمكاسبه فقط، ومتجنب للمخاطرة. ولإضفاء طابع واقعي للمناقشة، سوف أفترض أن كلا منا يعين المنافع التالية:
0 دولار
0
مليون دولار
4
2 مليون دولار
6
قبل أن نبدأ؛ أي خلف ستار الشك، يمكننا بشكل مستقل اختيار قبول اتفاق لإعادة التوزيع مفاده: أن أيا منا يجد النفط سوف يقتسم العائدات بالتساوي مع الآخر. إذا فعلنا هذا، إذن، وهو الأمر المشروط بعثور أحدنا على النفط، فسوف يمتلك كل منا مليون دولار بشكل مضمون؛ ومن ثم منفعة قيمتها 4. وإذا لم نقبل اتفاقا كهذا، وهو ما سيكون عليه الحال إذا انسحب أي منا من الاتفاقية، إذن، ومرة أخرى شريطة عثور أحدنا على النفط، فسوف يملك كل منا إما مليوني دولار وإما لا شيء باحتمالية متساوية؛ ومن ثم منفعة قيمتها 3. وهكذا تكون مصفوفة العائد لهذه الإشكالية هي:
أ
ب
أ
4 : 4
3 : 3
ب
3 : 3
3 : 3
يبدو واضحا أن من العقلانية أن تختار إما (أ) وإما (ب)، ومن الواضح - بنفس الدرجة - أن اختيار كلينا ل (أ) هو اختيار مستدام، كما في اختيار كلينا ل (ب)، غير أن (أ) تتحكم بشكل واه في (ب) بالنسبة لكل منا؛ ومن ثم قد يكون منطقيا لكلينا اختيار (أ)؛ ومن ثم القبول باتفاق إعادة التوزيع.
أحيانا ما يزعم أن حقيقة أنه خلف ستار الشك سوف يختار الجميع الدخول في اتفاق لإعادة التوزيع تدعم إعادة التوزيع الإجباري للثروة بمجرد رفع هذا الستار، غير أن هذا الادعاء يبدو إشكاليا. وثمة تفسير بديل لهذا الادعاء هو أنه فقط يعبر عن الفكرة البديهية التي تقضي بأن الأشخاص المتجنبين للمخاطرة سوف يختارون طوعا التأمين بشروط عادلة. وينبغي لك أن تصنع تفسيرك الخاص. (6) ملخص
يتضمن الاختيار الاستراتيجي الاختيار بين أفعال تعتمد نتائجها على اختياري وكذلك اختيارك.
استجابتك المثلى حيال بعض الاحتمالات المتعلقة بأفعالي المحتملة، أي تلك المتعلقة بالأفعال التي قد أختارها، هي الفعل الذي يعظم منفعتك المتوقعة في ظل هذه الاحتمالات؛ فاستجاباتك المنطقية بشأن أفعالي المحتملة هي استجاباتك المثلى لبعض الاحتمالات الخاصة بهذه الأفعال.
يكون فعلك عقلانيا إذا كان استجابة منطقية لاستجاباتي المنطقية لاستجاباتك المنطقية لاستجاباتي المنطقية ...
يكون فعلك غير محكوم إذا لم يكن هناك فعل آخر يمنحك منفعة (متوقعة) أعلى، أيا كان الفعل (أو مجموعة الأفعال) التي أختارها، ويكون غير محكوم تكراريا إذا لم يكن محكوما بأي أفعال لي ليست محكومة بأي أفعال لك ليست محكومة بأي أفعال لي ليست محكومة بأي أفعال لك ...
يكون الفعل عقلانيا إذا، وفقط إذا، كان غير محكوم تكراريا.
أي زوج من الأفعال، واحد لي وواحد لك، يكون مستداما بشكل مشترك إذا كان فعلك هو استجابتك المثلى لفعلي، وفعلي هو استجابتي المثلى لفعلك.
إذا كان زوج من الأفعال مستداما بشكل مشترك، فإن كل مكون من مكوناته عقلاني، ولكن كل مكون قد يكون عقلانيا دون أن يكون الفعلان مستدامين بشكل مشترك.
قد يكون هناك الكثير من الأزواج المتناقضة من الأفعال المستدامة بشكل مشترك، أو لا يوجد أي منها.
الفصل السادس
الديمقراطية والديكتاتورية
أتحول الآن من مناقشة الاختيارات الفردية إلى مناقشة الاختيارات التي تتخذها مجموعة أنت أحد أعضائها. (1) الموقف «المجموعة» هي جمع لا يقل عن ثلاثة أفراد، مثل أسرة أو ناد أو أمة. ولسوف أركز على مجموعة مسافرين مكونة مني أنا وأنت ومونتمورنسي. على المجموعة الاختيار بشكل جماعي من قائمة مكونة من عناصر محددة. وتعتزم مجموعتنا تحديدا السفر معا، وعليها الاختيار من بين السفر «جوا»، و«بالسفينة»، و«السيارة». ولسوف أفترض أن كل شخص في المجموعة عقلاني بالمعنى الذي أرسيناه في الفصل الثاني. وهذا يعني أن كل شخص له تفضيلات فيما يتعلق بعناصر القائمة، ويمكنه بالفعل تصنيف هذه العناصر. على سبيل المثال، قد يكون نمط تصنيفاتنا:
أنت
أنا
مونتمورنسي
أ
ج
أ ب ج
ب
ب
ج
أ
لاحظ أن التعادل مسموح به؛ فعلى الرغم من أنك وأنا نصنف عنصرا مفردا في المقدمة، يصنف مونتمورنسي العناصر كلها في المقدمة.
سوف أتناول كيف أن اختيارات المجموعة تعكس تفضيلات أفرادها. وتعرف الطريقة التي توضع بها تفضيلات الأفراد في الحسبان في تحديد اختيارات المجموعة ب «دستور» المجموعة؛ إذ تحدد هذه الطريقة الاختيارات التي تتخذها المجموعة لكل نمط من تفضيلات أعضائها. وهناك نوعان من الأسئلة يمكننا طرحها بشأن الدساتير؛ الأول: هل تجمع اختيارات الأفراد بطريقة مقبولة؟ والثاني: هل الاختيارات التي تحددها مرضية؟ (2) الدساتير المقبولة
سوف أبدأ باستكشاف معنى أن تجمع الدساتير اختيارات الأفراد بطريقة مقبولة. ولعل أشهر الدساتير المعروفة هو الدستور الديمقراطي، والذي يعرف خلاف ذلك ب «قاعدة الأغلبية»، والتي تنص على أن المجموعة تختار عنصرا ما إذا ما صنفه على الأقل عدد من الأشخاص على رأس العناصر المتاحة كعدد الأشخاص الذين يصنفون أي عنصر محدد آخر في المقدمة.
ومن الأمثلة الواضحة لذلك النظام الانتخابي «الفوز للأكثر أصواتا»؛ فإذا حصل اليسار على 40 بالمائة من الأصوات، وحصل كل من الوسط واليمين على 30 بالمائة؛ إذن يتم اختيار اليسار. ولا يوجد شيء غير مرض - بشكل واضح - بشأن قاعدة الأغلبية فيما يتعلق بالطريقة التي تأخذ بها في الحسبان تفضيلات الأفراد (وإن كانت قد تعتريها مشكلات أخرى مثلما سنرى).
شكل : بطاقة اقتراع: في بالم بيتش أيضا - الحالة الغامضة للأوراق المعلقة.
غير أن هناك قواعد أخرى قد لا تبدو مقبولة للدرجة. تأمل «قاعدة بوردا»، التي سميت بهذا الاسم نسبة للضابط البحري والمنظر السياسي جان تشارلز دي بوردا (1733-1799). تنص هذه القاعدة على أن يعين كل شخص لكل عنصر في القائمة الكاملة، كدرجة، عدد العناصر التي يعتبر أنها أسوأ من ذلك العنصر، ويتم جمع هذه الدرجات، وتختار المجموعة العنصر الأعلى من حيث إجمالي الدرجات.
يشار إلى هذه القاعدة في السياق الانتخابي بأنها (نوع من) التمثيل النسبي. وكان دي بوردا قد اقترح، في ظل معارضة عنيفة من نابليون بونابرت، أن تستخدم هذه القاعدة في انتخابات «أكاديمية العلوم». ولتعرف السبب وراء معارضة نابليون بونابرت، تأمل المثال التالي. (2-1) مثال بوردا
لقد اخترنا استخدام قاعدة بوردا حين تكون تصنيفاتنا هي:
أنت
أنا
مونتمورنسي
أ
ج
أ ب ج
ب
أ
ج
ب
وعلينا الاختيار بين (أ) و(ج)، فنختار (أ)، علما بأن درجة (أ) هي 3، ودرجة (ج) هي 2، ودرجة (ب) هي 1. أما حين تكون تصنيفاتنا هي:
أنت
أنا
مونتمورنسي
أ
ج
أ ب ج
ج
ب
ب
أ
وعلينا الاختيار بين (أ) و(ج)، فنختار (ج)، علما بأن درجة (ج) 3، ودرجة (أ) 2، ودرجة (ب) 1.
المشكلة في هذا المثال هي أن اختيار المجموعة بين (أ) و(ج) يتغير بتغير تصنيفاتنا، على الرغم من عدم تغير تفضيلات أي شخص بين (أ) و(ج)؛ فالاختيار بين (أ) و(ج) يعتمد على تصنيفنا للعنصر (ب) الخارج عن نطاق الأمر. وهذا يبدو غير مرض. على سبيل المثال، إذا تم حذف (ب) من القائمة الكاملة - لنقل بسبب الطقس العاصف - إذن فالاختيار بين (أ) و(ج) تحت كل نمط من التفضيلات في مثال بوردا يختلف عن الاختيار حين تكون (ب) في القائمة (عند حذف (ب)، يكون الاختيار تحت كل نمط من أنماط التفضيلات هو كلا من (أ) و(ج)، وكلاهما درجته 1). ولتجنب مثل تلك المشكلات، قد نشترط أن يعتمد اختيار المجموعة بين أي عنصرين فقط على تفضيلات الأفراد بين هذين العنصرين. وعلى نحو مساو، قد نشترط ألا يتغير اختيار المجموعة بين عنصرين استجابة لأي تغير في تفضيلات أي فرد يترك تصنيفه لهذين العنصرين بلا أي تغيير. وهذا الشرط هو «شرط الاستقلال».
سوف يبدو شرط الاستقلال واحدا من الشروط الدنيا لأي دستور. وحتى إذا استوفي، فقد لا ننعم بالسعادة الكاملة.
تأمل «القاعدة الأبجدية» التافهة نوعا ما، التي تنص على تصنيف عناصر القائمة بترتيب أبجدي، على أن تختار المجموعة العنصر المصنف على رأس العناصر المتاحة. من الواضح أن هذه القاعدة تستوفي شرط الاستقلال، غير أن إحدى المشكلات بشأن هذه القاعدة تكمن في عدم تعاملها مع العناصر بشكل متماثل. افترض، على سبيل المثال، أن الجميع يفضلون (د) على (ه)، وأيضا يفضلون (ص) على (س)؛ إذن سوف تختار المجموعة العنصر (د) من الزوج (د) و(ه)، ولكنهم لن يختاروا (ص) من الزوج (س) و(ص)، على الرغم من تصنيف الجميع لهذين العنصرين بنفس الطريقة المستخدمة في تصنيف العنصرين (د) و(ه). ولتلافي هذه المشكلة، قد نشترط أنه إذا قام الجميع بتصنيف العنصرين (د) و(ه) بنفس الطريقة التي يصنفون بها العنصرين (س) و(ص)، واختارت المجموعة العنصر (د) من الزوج الأول؛ فعليهم إذن اختيار (س) من الزوج الثاني. وهذا الشرط هو «شرط التعادلية». ويعد شرط التعادلية أقوى من شرط الاستقلال. إن التعادلية، أو الحياد، تشير ضمنا إلى الاستقلال، وهذا أمر نابع مباشرة من التعريفات. وكما رأينا، توضح القاعدة الأبجدية أن الاستقلال لا يشير ضمنا إلى التعادلية.
أتحول الآن إلى مشكلات محتملة من نوعية أخرى. ثمة مشكلة أخرى إضافية بشأن القاعدة الأبجدية هي أنها لا تحترم إجماع الآراء؛ فالمجموعة سوف تختار (س) من الزوج (س) و(ص) حتى إذا كان الجميع يفضلون (ص) على (س). وإذا كنا نريد أن نسمح لتفضيلات الأفراد بأن تشكل أهمية على الإطلاق، فسيبدو غريبا لو لم تحترم التفضيلات المجمع عليها حين تتحقق. ولتلافي هذه المشكلة، قد نشترط أنه حال تفضيل الجميع لعنصر على عنصر ثان، إذن تختار المجموعة العنصر الأول وحده من الاثنين. لاحظ أننا لا نشترط أن يقع الاختيار على الأول، فضلا عن اختياره بشكل منفرد، إذا كان العنصران يعتبران متساويين ولو من قبل شخص واحد. وهذا الشرط هو «شرط الإجماع».
سوف يبدو هذا الشرط أحد الاشتراطات الدنيا لأي دستور. وحتى إذا استوفي، فقد لا نسعد بشكل تام. تأمل «قاعدة باريتو»، نسبة للاقتصادي فيلفريدو باريتو (1848-1923)، التي تنص على أن المجموعة تختار عنصرا ما إذا لم يكن هناك عنصر آخر يفضله الجميع. ولنرى ما قد يمثل مشكلة في هذه القاعدة . تأمل المثال التالي. (2-2) مثال باريتو
لقد اخترنا استخدام قاعدة باريتو حين تكون تصنيفاتنا هي:
أنت
أنا
مونتمورنسي
أ
ب
أ
ب
أ
ج
ج
ج
ب
فإننا نختار كلا من (أ) و(ب). أما حين تكون تصنيفاتنا كالتالي:
أنت
أنا
مونتمورنسي
أ
أ ب
أ
ب
ج
ج
ج
ب
يظل اختيارنا هو كلا من (أ)، و(ب).
إن ما قد يعتبر خطأ في هذا المثال هو أن اختيار المجموعة لا يستجيب إيجابيا للتغيرات في تفضيلات المجموعة؛ فالعنصران (أ) و(ب) متعادلان تحت النمط الأول للتفضيلات، ويصعد (ب) نسبة إلى (أ) في تصنيفي، بينما تظل تصنيفاتك ومونتمورنسي بلا أي تغيير، غير أن (أ) تظل تختار تحت النمط الثاني. ولتجنب هذه المشكلة، قد نشترط أن: (1) يكون هناك نمط للتفضيلات يتم بموجبه اختيار كل عنصر، و(2) إذا تحرك عنصر ما لأعلى فيما يتصل بعنصر ثان في تصنيف أحد الأشخاص، بينما لا يتغير تصنيف أي شخص آخر؛ فحينئذ إذا كانت المجموعة قد اختارت العنصر الأول من البداية، فإنها تظل تختاره، وإذا كانت قد اختارت كلا العنصرين في البداية، فإنها الآن تختار الأول بمفرده. وهذا الشرط هو «شرط الاستجابة». ويعد شرط الاستجابة أقوى من شرط الإجماع. ومن السهل أن ترى أن الاستجابة تشير ضمنا إلى الإجماع. وكما رأينا، توضح قاعدة باريتو أن الإجماع لا يشير ضمنا إلى الاستجابة.
إذن لدينا أربعة شروط فيما يتعلق بالطريقة التي تؤخذ بها تفضيلات الأفراد في الاعتبار: التعادلية وشكلها الأضعف المتمثل في الاستقلال، والاستجابة وشكلها الأضعف المتمثل في الإجماع. ولسوف أطلق على التعادلية والاستجابة «شرطين قويين»، وشكليهما الأضعف - الاستقلال والإجماع - «شرطين ضعيفين». وهذه الشروط الأربعة معا متسقة. ومن السهل أن ترى أن قاعدة الأغلبية تستوفيها جميعا. كذلك يعد الشرطان الضعيفان مستقلين، شأنهما شأن الشرطين القويين. ومن السهل أن تجد قاعدة تستوفي شرط الاستقلال، ولكن ليس الإجماع، وأخرى تستوفي الإجماع ولكن ليس الاستقلال. بالمثل، من السهل أن تجد قاعدة تستوفي شرط التعادلية دون شرط الاستجابة، وأخرى تستوفي شرط الاستجابة دون شرط التعادلية. (3) الدساتير المعقولة
حتى الآن ناقشت فقط السؤال الأول من السؤالين اللذين نستطيع طرحهما بشأن الدساتير: هل تضم تفضيلات الأفراد بطريقة مقبولة؟ والآن أتحول إلى السؤال الثاني: هل الاختيارات التي تحددها مرضية؟ سوف أحاول الإجابة من خلال التساؤل عما إذا كانت الاختيارات التي تتخذها معقولة أو عقلانية، بالمعنيين الموضحين في الفصل الثاني. وعلى وجه التحديد، سوف أنظر ما إذا كان بوسعنا توصيف الدساتير التي تستوفي الشروط المتنوعة، وأيها ينتج اختيارات معقولة أو عقلانية، كما قد يكون الحال.
قبل القيام بذلك، سوف أتحول سريعا إلى قاعدة الأغلبية - ولو فقط لكونها معروفة للغاية - والتي تنص على أن المجموعة تختار عنصرا ما إذا قام عدد كبير من الناس بتصنيفه في المقدمة على أي عنصر آخر. كما رأينا، تستوفي قاعدة الأغلبية الشرطين القويين، وكذلك تستوفي اشتراطا آخر إضافيا؛ ألا وهو معاملة الناس معاملة سواء؛ بمعنى أنه إذا تبادل شخصان تصنيفاتهما، يظل اختيار المجموعة كما هو بلا تغيير. وهذا الاشتراط هو «شرط المجهولية».
والحق أن قاعدة الأغلبية لا تستوفي فقط هذه الشروط الثلاثة، بل إنها القاعدة الوحيدة التي تفعل هذا. وهكذا يصبح لدينا توصيف كامل؛ فالدستور يستوفي شروط التعادلية والاستجابة والمجهولية إذا، وفقط إذا، كان قاعدة الأغلبية.
ربما يكون هذا التوصيف كاملا، ولكن هل له أية أهمية؟ الإجابة بوضوح وبلا لبس هي لا. وهذا لا يعزى فقط إلى أن هذه القاعدة قد تخفق في إنتاج اختيارات عقلانية أو حتى معقولة، بل قد تخفق في إنتاج أي اختيارات على الإطلاق. ولرؤية هذا، تأمل المثال التالي. (3-1) مثال الأغلبية
لقد اخترنا استخدام قاعدة الأغلبية حين تكون تصنيفاتنا:
أنت
أنا
مونتمورنسي
أ
ج
ب
ب
أ
ج
ج
ب
أ
لا يوجد عنصر يمكننا اختياره؛ فاثنان منا يصنفان (أ) فوق (ب)؛ ومن ثم لا يمكننا اختيار (ب) (سواء بمفردها أو مع أي عنصر آخر)، فيما يصنف اثنان منا (ب) فوق (ج)؛ ومن ثم لا يمكننا اختيار (ج)، واثنان منا يصنفان (ج) فوق (أ)؛ ومن ثم لا يمكننا اختيار (أ).
وهذه ليست بالمشكلة الهينة؛ فلعلك تذكر من مناقشة الفصل الأول أن عدم اختيار أي عنصر (على عكس اختيار عنصر يسمى «لا شيء» أو «الوضع الراهن») لا معنى له. ومن ثم قد تكون قاعدة الأغلبية عقيمة لا معنى لها. ولا بد أن ننظر أكثر إن كنا نرغب في قاعدة مضمونة النجاح من الأساس، فضلا عن إنتاج اختيارات عقلانية أو مقبولة.
سوف أبدأ بالاشتراط الخاص بأن ينتج الدستور اختيارات معقولة. نحن نعلم أننا إذا اشترطنا أن تكون الاختيارات الجماعية معقولة، فلا يمكننا أيضا أن نفرض الشرطين القويين وشرط المجهولية؛ لأن القاعدة الوحيدة التي تستوفي هذه الشروط هي قاعدة الأغلبية، وهذه ليست قاعدة معقولة. إذن لا بد أن نخفف من شيء ما. سوف أنظر أولا ما يحدث إذا ما استبدلنا الشرطين الضعيفين بالشرطين القويين، ثم أتناول ما يحدث إذا ما تخلينا عن شرط المجهولية. (لن أتناول أيضا التخلي عن الحد الأدنى من متطلبات الشرطين الضعيفين.)
لنرى ما يحدث إذا ما استبدلنا الشرطين الضعيفين بالشرطين القويين، عد إلى قاعدة باريتو التي تنص على أن المجموعة تختار عنصرا ما إذا لم يكن هناك أي عنصر آخر محل تفضيل من الجميع. وكما أشرت من قبل، تستوفي هذه القاعدة بوضوح شرط الإجماع والمجهولية، وتستوفي، بوضوح مساو، شرطي الاستقلال والمجهولية، ولكن هل هي معقولة؟ لعلك تذكر من الفصل الثاني أن الاختيار يكون معقولا إذا كانت العناصر المختارة، في ظل وجود علاقة ما من علاقات «جيد على الأقل مثل»، هي تلك التي تكون جيدة على الأقل مثل كل عنصر آخر (ويكون عقلانيا إذا كانت هذه العلاقة متعدية). وبموجب قاعدة باريتو، يوجد بالفعل علاقة كهذه؛ فعنصر ما يكون أفضل من ثان إذا فضل الجميع الأول، وإذا لم ينل أي عنصر تفضيلا بالإجماع على الآخر، فإن الاثنين سواء.
قد نلاحظ عرضا أن هذه العلاقة ليست متعدية؛ ومن ثم فإن اختيار المجموعة غير عقلاني. ولرؤية هذا، عد إلى مثال «باريتو» الذي كانت التصنيفات (الأولية) فيه:
أنت
أنا
مونتمورنسي
أ
ب
أ
ب
أ
ج
ج
ج
ب
نحن هنا نختار كلا من (أ) و(ب) من بين (أ) و(ب)، وكلا من (ب) و(ج) من بين (ب) و(ج)، ولكن نختار (أ) بمفردها من بين (أ) و(ج). وهكذا تكون علاقة «جيد على الأقل مثل» كالتالي: (أ) مساو ل (ب) (ب) مساو ل (ج) (أ) مساو ل (ج)
وهي علاقة غير متعدية بشكل واضح.
غير أن قاعدة باريتو تنتج اختيارات معقولة، وتستوفي الشروط. والحق أن العكس أيضا صحيح؛ فلدينا توصيف كامل؛ ألا وهو: أن الدستور الذي ينتج اختيارات معقولة يستوفي شروط الاستقلال والإجماع والمجهولية إذا، وفقط إذا، كان قاعدة باريتو.
ولاستطلاع ما يحدث إذا ما تخلينا عن شرط المجهولية، ولكن احتفظنا بالشرطين القويين، فسوف أقدم مفهوم رأس السلطة. أنت رأس السلطة في دستور ما إذا كانت المجموعة دائما ما تختار العناصر التي تصنفها على رأس العناصر المتاحة، وتختار هذه العناصر وحدها ما لم يصنف الآخرون جميعا عناصر أخرى في المقدمة، وفي تلك الحالة تختار المجموعة هذه العناصر أيضا. والدستور المصحوب برأس للسلطة، والذي لا بد بالضرورة أن يكون متفردا، يسمى «سلطويا». ويوضح المثال التالي هذا الدستور. (3-2) مثال رأس السلطة
نختار هنا استخدام قاعدة رأس السلطة، وفي حالتنا هذه أنت رأس السلطة، وتصنيفاتنا كالتالي:
أنت
أنا
مونتمورنسي
أ
ج
ب
ب
أ
ج
ج
ب
أ
حين يتعين علينا الاختيار من بين (أ) و(ب)، نختار (أ)؛ إذ إنك تصنف (أ) في المقدمة بينما بقيتنا لا يصنف (ب) بالإجماع فوق (أ)، وحين يتعين علينا الاختيار من بين (ب) و(ج)، يقع اختيارنا على (ب) لأسباب مماثلة، وحين يتعين علينا الاختيار من بين (أ) و(ج)، نختار كلا من (أ) و(ج)؛ إذ إنك تصنف (أ) في المقدمة بينما أنا ومونتمورنسي نصنف (ج) فوق (أ). أما حين يتعين علينا الاختيار من القائمة الكاملة، فنختار (أ)؛ إذ إنك تصنف (أ) في المقدمة بينما لا يصنف بقيتنا بالإجماع أي عنصر آخر في المقدمة.
لاحظ أن اختيار المجموعة في هذا المثال معقول؛ وعليه تكون علاقة «جيد على الأقل مثل» كالتالي: (أ) أفضل من (ب) (ب) أفضل من (ج) (أ) مساو ل (ج)
غير أن هذه العلاقة غير متعدية؛ ومن ثم فإن اختيار المجموعة، مرة أخرى، غير عقلاني. وبشكل عام ، قد تكون الاختيارات التي تحددها القواعد السلطوية معقولة، ولكن لا يمكن ضمان أن تكون عقلانية.
يمكننا الآن أن نذكر ما يحدث إذا احتفظنا بالشرطين القويين. إن الصورة كئيبة؛ فأي دستور ينتج اختيارات معقولة ويستوفي شرطي التعادلية والاستجابة لا بد أن يكون سلطويا.
إذا اشترطنا أن يكون اختيار المجموعة معقولا، كما يجب أن نفعل بكل تأكيد، فإن المجال المتاح أمامنا محدود. فإذا أردنا الاحتفاظ بشرط المجهولية (والشرطين القويين)، فليس أمامنا سوى قاعدة «باريتو»، وإذا أردنا الاحتفاظ بالشرطين القويين، فليس أمامنا سوى قاعدة سلطوية. إن قاعدة باريتو لا بأس بها إلى حد معين، ولكنها لا تستمر طويلا؛ فبخلاف الحدث المستبعد من اتفاق الجميع على عنصر ما، سوف تختار دوما كلا العنصرين من أي زوج من العناصر، وهو ما لا يسدي عونا كثيرا. أما القواعد السلطوية، على الجانب الآخر، فتذهب إلى بعيد؛ إذ تختار بشكل شبه دائم عنصرا واحدا فقط، ولكن إذا لم تكن أنت رأس السلطة، فهل كنت سترغب في أن تحيا تحت قاعدة كهذه؟ (4) الدساتير العقلانية
أتناول الآن ما يحدث إذا عززنا اشتراط أن يكون اختيار المجموعة معقولا ليصبح اشتراطا بأن يكون عقلانيا. إذا كنا سنستوفي هذا الاشتراط الأقوى، فسيكون علينا تخفيف أحد الشرطين القويين أو كليهما. وهذا يعزى إلى أن الدساتير التي تستوفي الشرطين القويين وتنتج اختيارات معقولة، أي سلطوية، لا يمكن ضمان أن تنتج اختيارات عقلانية. وسوف أستكمل الطريق لنهايته وأستبدل كلا الشرطين الضعيفين بنظيريهما القويين؛ فهذا من شأنه أن يتركنا مع الحد الأدنى من الاشتراطات لدستور مقبول.
ولاستطلاع ما يحدث في هذه الحالة، سوف أقدم مفهوم الديكتاتور. أنت ديكتاتور تحت دستور ما إذا كانت المجموعة دائما ما تختار بالضبط العناصر التي تصنفها على رأس العناصر المتاحة. والدستور المصحوب بديكتاتور، والذي لا بد بالضرورة أن يكون متفردا، يسمى «ديكتاتوريا». يبدو واضحا أن الديكتاتور رأس السلطة، ولكن رأس السلطة قد لا يكون ديكتاتورا. وثمة مثال واضح للدستور الديكتاتوري هو ذلك الذي تكون فيه اختيارات المجموعة هي نفس اختياراتك دوما. وبما أنك عقلاني، فإن هذه القاعدة تنتج اختيارات عقلانية.
يمكننا الآن أن نذكر ما يحدث إذا فرضنا فقط أقل حد من الشرطين الضعيفين. وقتها ستبدو الصورة أكثر كآبة؛ فأي دستور ينتج اختيارات عقلانية ويستوفي شرطي الاستقلال والإجماع لا بد أن يكون ديكتاتوريا.
تعرف هذه النتيجة بنظرية آرو للاستحالة، نسبة لكينيث آرو (المولود عام 1921)؛ عالم الاقتصاد والفيلسوف الحائز على جائزة نوبل (وتسمى نظرية الاستحالة؛ نظرا لإمكانية تفسيرها بأنها القول بأن من المستحيل امتلاك الخصائص الأربع: العقلانية، والاستقلال، والإجماع، وعدم الديكتاتورية). وتعد هذه إحدى أكثر النتائج أهمية وإزعاجا في نظرية الاختيار؛ فهي تعني ضمنا، على سبيل المثال، أن كل الحديث المثار بشأن «الصالح القومي» لغو فارغ (بخلاف الحدث المستبعد المتمثل في اتفاق الجميع، والذي سيكون في هذه الحالة مجرد إطناب لا لزوم له).
والعلاقات بين نظرية الاستحالة والمفاهيم الأخرى الموجودة في هذا الفصل موضحة بالشكل.
شكل : خريطة للاختيار الجماعي: تمثل علامات الجمع المجموعات، وتمثل الأسهم المزدوجة التكافؤ، فيما تمثل الأسهم الفردية التبعات الضمنية.
ونظرا للدور المحوري لنظرية الاستحالة، ولتوضيح نوعية الحجة المستخدمة في نظرية الاختيار، سأقدم دليلا هذه المرة فقط. وإذا لم تكن مهتما بتلك المسألة، يمكنك تجاهلها بأمان والتوجه إلى نهاية هذا القسم.
يتكون الدليل من أربع مراحل. وتتمثل الاستراتيجية في افتراض العقلانية والاستقلال (ضمنيا فقط)، والإجماع، وعدم الديكتاتورية، ثم توضيح ظهور تناقض كنتيجة لذلك. وهذا التناقض يشير ضمنا إلى أن من المستحيل امتلاك جميع هذه الخصائص.
أولا: سوف أقوم بتعريف مجموعة فرعية من الأشخاص داخل المجموعة بأنهم «جادون» فيما يتعلق بزوج ما من العناصر، إذا وقع اختيار المجموعة على العنصر الأول فقط من هذا الزوج، كلما كان كل من في المجموعة الفرعية يفضل الأول، فيما يفضل الآخرون جميعا الثاني. ولسوف أوضح أنه إذا كانت مجموعة فرعية ما جادة بشأن زوج من العناصر، فإنها جادة أيضا بشأن جميع الأزواج. افترض أن مجموعة فرعية ما جادة بشأن الزوج (د) و(ه)، وتأمل التصنيفات الآتية للعناصر الأربعة الخاصة بجميع أفراد المجموعة الفرعية والآخرين:
المجموعة الفرعية
الآخرون
س
ه
د
ص
ه
س
ص
د
تختار المجموعة الأساسية (س) فقط من الزوج (س) و(د) بداعي الإجماع، وتختار (د) فقط من الزوج (د) و(ه)؛ نظرا لجدية المجموعة الفرعية بشأن هذا الزوج، وتختار (ه) فقط من الزوج (ه) و(ص) بداعي الإجماع. وعلى ذلك، تختار المجموعة العنصر (س) فقط من الزوج (س) و(ص)؛ لأنه اختيار عقلاني. ولما كان جميع من في المجموعة الفرعية يفضلون (س) على (ص)، فيما يفضل الآخرون جميعا (ص) على (س)؛ فإن هذا يعني أن المجموعة الفرعية جادة بشأن (س) و(ص). ولما كان (س) و(ص) مطلقين، فإن المجموعة الفرعية جادة بشأن كل أزواج العناصر.
ثانيا: سوف أعرف مجموعة فرعية داخل المجموعة الأساسية بأنهم «حاسمون»، إذا كانت المجموعة الأساسية، بالنسبة لجميع أزواج العناصر، تختار العنصر الأول وحده من أي زوج من العناصر، كلما كان جميع أفراد المجموعة الفرعية يفضلون العنصر الأول (بصرف النظر عن تفضيلات الآخرين). ولسوف أوضح أنه إذا كانت مجموعة فرعية ما جادة (بشأن أي زوج من العناصر)، فإنها تكون حاسمة. افترض أن مجموعة فرعية ما جادة وتأمل التصنيفات التالية لثلاثة عناصر، والخاصة بجميع أفراد المجموعة الفرعية، والآخرين:
المجموعة الفرعية
الآخرون
س
ص
ص
س/ع
ع
حيث (س/ع) تعني أن (س) و(ع) قد يصنفان بأي شكل. الآن تختار المجموعة الأساسية (س) وحدها من (س) و(ص)؛ نظرا لجدية المجموعة الفرعية، وتختار (ص) وحدها من (ص) و(ع) بداعي الإجماع. وعلى ذلك، تختار (س) وحدها من (س) و(ع)؛ لأنه اختيار عقلاني. ولما كان جميع أفراد المجموعة الفرعية يفضلون (س) على (ع)، وقد يكون للآخرين جميعا تفضيلات ما بين (س) و(ع )؛ فإن المجموعة الفرعية حاسمة.
ثالثا: سوف أبين أنه إذا لم تكن مجموعة من الناس حاسمة، فإن إضافة شخص آخر إلى المجموعة لن يجعلها كذلك؛ فنظرا لأن أية مجموعة فرعية تضم شخصا واحدا فقط لا يمكن أن تكون حاسمة، وإلا فسيكون هذا الشخص ديكتاتورا، فإن هناك بعض المجموعات الفرعية غير الحاسمة. اختر مجموعة فرعية كهذه، وفردا ليس ضمن هذه المجموعة، وتأمل التصنيفات التالية لثلاثة عناصر، والخاصة بجميع أفراد تلك المجموعة، والفرد، وجميع الأفراد الآخرين:
المجموعة الفرعية
الفرد
الآخرون
س
ع
ص
ص
س
ع
ع
ص
س
لا يمكن للمجموعة الأساسية الآن اختيار (ع) وحدها من (ص) و(ع)؛ نظرا لأن الفرد ليس حاسما؛ ومن ثم تختار (ص)، ليس بمفردها بالضرورة، من (ص) و(ع)، ولا يمكنها اختيار (س) وحدها من (س) و(ع)؛ لأن المجموعة الفرعية ليست حاسمة؛ ومن ثم تختار (ع)، ليس بمفردها بالضرورة، من (س) و(ع). وعلى ذلك، تختار (ص)، ليس بمفردها بالضرورة، من (س) و(ص)؛ لأنه اختيار عقلاني. ولما كان الجميع في المجموعة الفرعية المكبرة التي تكونت عن طريق إضافة الفرد إلى المجموعة الفرعية الأصلية يفضلون (س) على (ص)، فإن المجموعة الفرعية الكبيرة ليست حاسمة.
وأخيرا: أقوم ببيان التناقض. فإذا أضفنا فردا إلى مجموعات فرعية غير حاسمة لعدد كبير بما يكفي من المرات، يصبح لدينا المجموعة الأساسية بأكملها كمجموعة غير حاسمة، ولكن المجموعة بأكملها لا بد أن تكون حاسمة بسبب الإجماع. وهذا التناقض إنما يعني ضمنا أن من المستحيل أن تحوز جميع الخصائص الأربع: العقلانية، والاستقلال، والإجماع، وعدم الديكتاتورية. وهكذا يكتمل الدليل. (5) بعض الإضافات
لعل أكثر الانتقادات وضوحا لنظرية الاستحالة أنها لا تتيح أي دور ل «قوة التفضيلات»؛ فتفضيلي (س) على (ص) له نفس أهمية تفضيلك (ص) على (س)، على الرغم من أن امتلاك (س) لا يعني أي شيء يذكر لي، في حين أن امتلاك (ص) بمنزلة مسألة حياة أو موت بالنسبة لك. وتعد هذه إحدى عواقب شرط الاستقلال، الذي يقضي بأن اختيار المجموعة بين العنصرين (س) و(ص) يعتمد فقط على تفضيلات الأفراد بين (س) و(ع). ولهذا الشرط مكونان؛ الأول: أن اختيار المجموعة لا يعتمد على تصنيفات الأفراد بين (س) أو (ص) وعنصر ثالث، والثاني: أنه لا يعتمد على أي جانب من جوانب توجهات الأفراد إزاء (س ) أو (ص) بخلاف تصنيفاتهم، ولا يعتمد - بشكل خاص - على أي قوى لتفضيلاتهم أو منافعهم.
لقد تعرضنا بالفعل للتبرير الأساسي للمكون الأول في سياق مثال بوردا. في ذلك المثال كان الاختيار بين عنصرين يعتقد أنه معتمد على ما كان في القائمة الكاملة، إلى جانب هذين العنصرين، ولكن ما تضمه القائمة الكاملة هو أمر مطلق. فهل ندرج السفر بالحمار إذا لم نكن نعرف ما إن كان هناك أي حمير متاحة أم لا؟ هل ندرج السفر باستخدام تقنية لم تطور بعد؟ إذا فعلنا ذلك، فكيف نحدد كل التقنيات التي لم تطور؟
يبدو المكون الثاني، في ظاهره، غير ذي أهمية؛ فنحن نعلم من الفصل الثاني أن التفضيلات والمنافع قابلة للتبادل. ولا غرابة في أن نظرية الاستحالة تظل سارية إذا ما أعدنا تفسيرها في إطار المنافع دون مزيد من القيود، ولكنها لم تكن ستسري لو أننا استطعنا تقييد المنافع بطريقة من شأنها أن تجعل منافعك ومنافعي قابلة للقياس في إطار ما، وقابلة للمقارنة إحداها مع الأخرى؛ أي لو استطعنا أن نأخذ في الاعتبار قوى التفضيلات. على سبيل المثال، يستطيع الدستور أن يقضي بأن تختار المجموعة العنصر الذي يعظم المنفعة الإجمالية. ومن السهل أن ترى أن هذا الاختيار سيكون عقلانيا، ويستوفي شرط الإجماع والمكون الأول من شرط الاستقلال، وغير ديكتاتوري. وتعرف هذه المقاربة لاختيار المجموعة بالنفعية: «تحقيق أكبر قدر من السعادة لأكبر عدد من الناس.» وكان أول من طرح هذه الفكرة الفيلسوف جيرمي بنثام (1748-1832). وسوف أعود إلى هذه المقاربة في سياق عدالة التوزيع.
إن نظرية الاستحالة ليست النتيجة المزعجة الوحيدة في مجال اختيار المجموعة. ولسوف أقدم نتيجتين أخريين بإيجاز. وتشمل هاتان النتيجتان الليبرالية والتلاعب.
تعني الليبرالية ضمنا أن كلا منا ينبغي أن يكون له مجال محمي. على سبيل المثال، ينبغي أن يعود الأمر لك في تحديد ما إذا كنت ترغب في قراءة هيوم أو كانط خلال الرحلة، شريطة أن تعد بألا تناقش ما تقرؤه مع بقيتنا. دعنا نستعض عن عناصر القائمة الثلاثة؛ الطيران والسفينة والسيارة، بالعناصر الستة التالية:
الطيران بينما تقرأ هيوم
الطيران بينما تقرأ كانط
السفينة بينما تقرأ هيوم
السفينة بينما تقرأ كانط
السيارة بينما تقرأ هيوم
السيارة بينما تقرأ كانط
سوف تعني الليبرالية ضمنا أن الاختيار بين «الطيران بينما تقرأ هيوم» (ط ه)، و«الطيران بينما تقرأ كانط» (ط ك)، يجب أن يكون مآله لك. وبمزيد من الدقة، سيعني هذا ضمنا أنك حاسم فيما يتعلق بمثل هذه الأزواج من العناصر؛ بمعنى أن اختيار المجموعة بين (ط ه) و(ط ك) يكون (ط ه) إذا كنت تفضل (ط ه)، ويكون (ط ك) إذا كنت تفضل (ط ك)، مع اشتراطات مماثلة للاختيارات بين أزواج العناصر الأخرى ذات الصلة. وكحد أدنى، تعطي الليبرالية شخصين على الأقل مجالا محميا (لاحظ أنه حتى تحت وطأة الديكتاتورية يكون للشخص الواحد مجال محمي). إذن سوف أقول إن أي دستور يستوفي «شرط الليبرالية»، ما دام هناك على الأقل شخصان حاسمان فيما يتعلق بزوج واحد على الأقل من العناصر لكل منهما. وهذا بالفعل أدنى حد؛ فأصغر عدد معتبر من الناس فقط هم من يشترط أن يكون لهم مجال محمي، وكل مجال من مجالاتهم يكون صغيرا بقدر الإمكان.
إن النتيجة المزعجة تتمثل في عدم اتساق الليبرالية مع أي شيء تقريبا؛ فما من دستور ينتج اختيارات معقولة ويستوفي شرطي الإجماع والليبرالية. لاحظ أن المعقولية فقط، وليست العقلانية، هي المفترضة، وأن واحدا فقط من الشرطين الضعيفين هو المطلوب.
أما النتيجة الثانية المزعجة، فهي أكثر عملية في جوهرها. من المعروف جيدا أن الناس قد يصوتون بشكل استراتيجي في الانتخابات؛ بمعنى أنهم حتى إذا كانوا يفضلون اليسار على الوسط، فقد يصوتون للوسط لإقصاء اليمين. هل يتعلق مثل هذا التلاعب بالعملية الانتخابية بشكل محدد، أم أنه أكثر تغلغلا من ذلك؟ لعلك تذكر أن أي دستور ما هو إلا تحديد للطريقة التي تحدد بها تفضيلات الأفراد اختيارات المجموعة. أما وقد ظهرت إمكانية التلاعب، فنحن بحاجة إلى مفهوم مماثل؛ ألا وهو «نظام التصويت»، وهو تحديد للطريقة التي تحدد بها تفضيلات الأفراد المقدمة اختيارات المجموعة؛ علما بأن هذه التفضيلات المقدمة قد تكون أو لا تكون حقيقية. وأي نظام تصويتي يكون «قابلا للتلاعب»، إذا كان هناك، بالنسبة لنمط ما من التفضيلات الحقيقية، شخص واحد على الأقل يستطيع الحصول على عنصر أفضل بالقائمة، بتقديم تفضيلات مختلفة عن تفضيلاته الحقيقية حين يقدم الآخرون جميعا تفضيلاتهم الحقيقية (بالمثل، يعد النظام التصويتي قابلا للتلاعب إذا لم يكن تقديم الجميع لتفضيلاتهم مستداما بالمعنى الموضح في الفصل الخامس).
تتمثل النتيجة المزعجة في أن جميع نظم التصويت، في الواقع، قابلة للتلاعب. ولتحري الدقة، فإن كل نظام تصويت غير ديكتاتوري قابل للتلاعب. لاحظ أنه حتى الشروط الضعيفة غير مطلوبة؛ فعمليات التصويت معيبة بطبيعتها.
إذن لا بد أن تكون جميع الاختيارات الجماعية إما ديكتاتورية وإما تنتهك بعض الاشتراطات الأساسية للغاية، ولا بد ألا تكون تحررية إلى أقصى الحدود، ولا بد أن تكون مفتوحة للتلاعب. كيف ينبغي أن نستجيب لهذه النتائج الكئيبة؟ تتمثل استجابة الشخص التحرري في اتخاذ أكبر عدد ممكن من الاختيارات بشكل فردي، واللجوء للاختيار الجماعي فقط حين لا يكون هناك مناص من هذا. أما استجابة الشخص المستبد، فتتمثل في تفويض السلطة لديكتاتور أبوي، أو «ملك فيلسوف»، بحسب المفهوم الأفلاطوني. ثمة استجابة ثالثة هي التركيز على ما هو «صواب»، والذي لا يعتمد على آراء الناس، بدلا من التركيز على ما هو «جيد»، والذي يعتمد على آراء الناس. ولكن هذه مجرد ثلاث استجابات محتملة. وعليك، كالمعتاد، أن تصوغ استجابتك الخاصة.
سوف أختتم هذا الجزء بالإشارة إلى أن الإطار الشكلي للاختيار الجماعي يمكن استخدامه أيضا لاستكشاف بعض جوانب الاختيار الفردي. لنفترض أنك بصدد اختيار مهنة: «مهندس معماري» أو «مصرفي» أو «كاهن». هناك خصائص عديدة تبحث عنها في أي مهنة : الدخل، والمرونة، والإشباع. فتقوم بتصنيف المهن وفقا لمرغوبيتها طبقا لكل خاصية، على سبيل المثال:
الدخل
المرونة
الإشباع
ب
ج
ج
أ
أ
أ
ج
ب
ب
وتجد أن اختيارك لا بد أن يستوفي اشتراطين؛ الأول: ضرورة أن يعتمد اختيارك بين أي مهنتين فقط على التصنيفات المختلفة لهاتين المهنتين (وهو ما يماثل شرط الاستقلال)، والثاني: أنه إذا جاء تصنيف مهنة ما فوق أخرى ثانية وفقا لجميع الخصائص، فينبغي أن تختار الأولى (وهو ما يماثل شرط الإجماع). هنا تخبرنا نظرية الاستحالة أنك إذا اخترت بعقلانية، فسوف يكون عليك أن تتجاهل جميع الخصائص عدا واحدة (وهو ما يماثل الديكتاتورية). ومرة أخرى، هذه ليست بنتيجة مرضية. (6) بعض الإضافات الأخرى
لا شيء ذا أهمية يتغير بمعنى شكلي إذا دخل الزمن إلى الصورة، غير أن دخول الزمن، فيما يتعلق بمسألة التفسير، يتيح إمكانية ظهور ديكتاتور متناوب. تخبرنا نظرية الاستحالة أن الدستور الوحيد الذي ينتج اختيارات عقلانية ويستوفي شرطي الاستقلال والإجماع هو دستور الديكتاتورية. ولكن ما الذي يعيب الديكتاتورية؟ ما يعيبها أن الديكتاتور يمكنه قمع الآخرين جميعا. ولكن ماذا سيحدث لو تم تناوب دور الديكتاتور بشكل لا متناه؟ فلو أنك الديكتاتور اليوم، سأكون أنا الديكتاتور غدا، وهكذا. سوف تحذر من قمعي؛ لأنك تعرف أنني قد أقمعك فيما بعد، وهكذا. وتسري النظرية الشعبية التي وردت في الفصل الخامس هنا؛ ففي سياق الاختيار الاستراتيجي، تخبرنا النظرية الشعبية أن التكرار اللانهائي يحول المنافسة إلى تعاون، وفي سياق الاختيار الجماعي تخبرنا أن التناوب اللانهائي يحول الديكتاتورية القمعية إلى ديكتاتورية حميدة. والمثال على مثل هذا التناوب يوجد في دستور الاتحاد الأوروبي، الذي ينص على أن الرئيس، الذي لديه في الواقع سلطات ديكتاتورية على أجندة الأعمال، يتم تناوبه وفقا لدورة محددة سلفا مدتها ستة أشهر. لاحظ أن التناوب ليس متاحا في الديمقراطية؛ فهناك الكثير من الديكتاتوريين المحتملين، ولكن لا يوجد سوى أغلبية محتملة واحدة فقط. وبمقتضى الديمقراطية، سيكون قمع الأقلية في صالح الأغلبية دوما. وثمة مثال على ذلك هنا نجده في المحاذير المفروضة على الرياضات الخارجية.
أتحول الآن إلى الحبكة الثانوية الخاصة بتوزيع الثروة. يمكننا، في إطار شكلي، التعبير عن مسألة عدالة التوزيع في إطار الاختيار الجماعي من خلال تفسير عناصر القوائم المختلفة كتوزيعات مختلفة للثروة، غير أن هذا ينطوي، من ناحية التفسير، على بعض الخلط بين تفضيلات الأشخاص وقيمهم؛ فقد يكون تفضيلك هو تعظيم ثروتك، فيما قد تقول قيمك إن الثروة ينبغي أن توزع بشكل عادل. تعكس الاختيارات الجماعية تفضيلات الأشخاص. ومن المتوقع أن تعكس عدالة التوزيع، إن عكست أي شيء، قيم الأشخاص، غير أننا إذا فسرنا مسألة عدالة التوزيع بهذا الشكل، فإن نظرية الاستحالة تخبرنا أنه لا توجد طريقة مقبولة للاختيار بين مختلف التوزيعات؛ فلا يمكن تبرير إعادة التوزيع.
وسواء وضعنا مسألة عدالة التوزيع في إطار الاختيار الجماعي أم لا، فهناك صلة واضحة بين الاثنين. فكما أشرت، تسري نظرية الاستحالة لو استطعنا الاستفادة من المنافع القابلة للقياس بشكل ما، والقابلة للمقارنة فيما بين الأشخاص. وكما رأينا مرارا في فصول سابقة، تعتمد الحجة المؤيدة لإعادة التوزيع، سواء بشكل ضمني أو صريح، على كون المنافع قابلة للقياس والمقارنة؛ فعلينا أن نعيد التوزيع منك إلي؛ لأنني «أسوأ حالا» منك (مبدأ الفرق لرولس الذي تعرضنا له في الفصل الرابع)، أو لأنني سوف «أكسب» أكثر مما سوف «تخسره» (نفعية بنثام). وكما يشير الاقتصادي كينيث بينمور (المولود عام 1940):
لو أنني على حق في أن مقارنات المنفعة بين الأشخاص لا يمكن عقدها، لما كان هناك جدوى، في اعتقادي، من تأليف كتاب عن الأخلاق العقلانية؛ فالأخلاق حينها، كما يصر هاموند وهارساني وكثيرون آخرون، كانت ستصبح موضوعا دون محتوى جوهري.
لعل أكثر المحاولات تماسكا لاشتقاق منافع قابلة للقياس وقابلة للمقارنة فيما بين الأشخاص هي «نظرية المراقب المثالي»، ويرجع الفضل فيها إلى جون هارساني، الذي تعرضنا له في الفصل الخامس. تخيل نفسك خلف ستار الجهل الذي ورد في الفصل الرابع؛ أي في «الوضع الأصلي». أنت تعلم العناصر الموجودة في القائمة، ولكنك لا تعلم أي دور ستجد نفسك فيه. على سبيل المثال ، أنت تعلم أن بإمكان المجموعة اختيار السفر «جوا» أو «بالسفينة» أو «السيارة»، ولكنك لا تعلم ما إن كنت ستكون نفسك، أم أنا، أم مونتمورنسي، ولديك خلف الستار تفضيلات فيما يتعلق ب «أزواج العنصر-الدور»؛ أي فيما يتعلق بعلاقات العناصر والأدوار. وهذا يعني أن بوسعك مقارنة «السفر جوا بينما تكون نفسك» (أو «ج ص») مع «السفر بالسفينة بينما تكون أنا» (أو «س س») وهكذا، وقد تفضل (ج ص) على (س س)، أو (س س) على (ج ص)، أو تكون على الحياد بين الاثنين. هذه التفضيلات هي «تفضيلاتك التقمصية»، وهي ليست كتفضيلاتك الشخصية التي تقارن فيها ببساطة بين السفر «جوا» والسفر عبر «السفينة» وهكذا.
على الرغم من عدم معرفتك أي دور سوف تشغله، فإنك تعرف الاحتمالات. إذن، ولكونك عقلانيا بالمعنى الذي طرحناه في الفصل الثالث، تقوم بتعيين احتمالات للأدوار وللمنافع العددية، تمثل تفضيلاتك التقمصية، لأزواج العناصر-الأدوار. على سبيل المثال، قد تعين منافع عددية كالتالي: (ج ص)
4 (ج س)
2 (س ص)
1 (س س)
0
يمكننا تفسير زيادة المنفعة التي تعينها ل (ج ص) عن تلك التي تعينها ل (س ص) بأنها المنفعة الإضافية لك من تغيير السفر «بالسفينة» إلى السفر «جوا» وهكذا. في هذه الحالة، تكون المنفعة الإضافية لك من تغيير السفر «بالسفينة» إلى السفر «جوا» (والتي تبلغ 3) أكبر من نفس المنفعة لي (والتي تبلغ 2). وقد يعكس هذا، على سبيل المثال، حقيقة أنك تعاني من دوار البحر، ولكنني لا أعاني منه. علاوة على ذلك، وكما نعرف من طرح الفصل الثالث، فالمنفعة الإضافية لك أكبر من نظيرتها بالنسبة لي مهما قمت بتعيين منافع عددية. يبدو إذن أننا قد استطعنا مقارنة منفعتك بمنفعتي بطريقة منطقية.
غير أننا لم نصل إلى هذا بعد؛ فمقارنة المنفعة بين الأشخاص التي عقدناها هي مقارنتك أنت؛ فهي مستمدة من تفضيلاتك التقمصية. وقد تكون مقارنة مونتمورنسي مختلفة كليا؛ فبناء على تفضيلاته التقمصية قد تكون المنفعة الإضافية لك أقل من نظيرتها بالنسبة لي. وللتغلب على هذه المشكلة، لا بد أن نلجأ إلى مبدأ هارساني الذي تعرضنا له في الفصل الخامس. يزعم هذا المبدأ أن أي شخصين لديهما نفس المعلومات ونفس الخبرات سوف يتصرفان بالضرورة بالطريقة نفسها؛ فخلف الستار نمتلك أنا وأنت نفس المعلومات، فيما نتجرد من كل الخبرات، ووفقا لذلك يكون لدينا نفس التفضيلات التقمصية؛ ومن ثم نعقد نفس المقارنات بين الأشخاص. وأخيرا نتمكن من مقارنة منفعتك مع منفعتي بطريقة منطقية، ويمكننا استخدام تلك المعلومات للهروب من قيود نظرية الاستحالة، وقد نستطيع أيضا استخدامها لتبرير إعادة توزيع الثروة.
وبمزيد من الدقة، يمكننا القول بأن المنفعة الإجمالية سوف تزداد من خلال إعادة توزيع للثروة من هؤلاء الذين يحظون بمنفعة حدية منخفضة للثروة، المفترض غالبا أنهم الأثرياء، إلى هؤلاء الذين يحظون بمنفعة حدية مرتفعة، المفترض غالبا أنهم الفقراء، وهي الحالة التي لا تتغير فيها الثروة الإجمالية كنتيجة لإعادة التوزيع هذه (وسواء أكان هذا يقدم أي تبرير أخلاقي أم لا، تلك مسألة أخرى منفصلة)، غير أننا لا نستطيع بعد قول أي شيء عن الحالة الأكثر إثارة التي فيها تتضمن عمليات إعادة التوزيع المختلفة إجماليات مختلفة، وهو ما سيكون عليه الحال لو أن التوزيعات قد حدثت بطريقة تتطلب مشاركتنا، وأن تمنح بعض التوزيعات حوافز أكبر للمشاركة من غيرها. وللحديث عن هذه الحالة، لا بد أن نتقدم بالقصة لمدى أبعد.
لا بد أن نضع افتراضين آخرين؛ الأول: أنك تعتبر كل دور محتملا بنفس القدر؛ هذا يعني ضمنا أنه إذا كان هناك عدد (ن) من الأدوار، تكون الاحتمالية التي تعينها لكل منها هي (ن/1). أما الافتراض الثاني، فيعرف ب «مبدأ القبول». يقضي هذا المبدأ بأن تفضيلاتك التقمصية بشأن أزواج العنصر-الدور التي يكون دورك فيها هو دوري أنا؛ هي نفسها تفضيلاتي التقمصية بشأن العناصر المماثلة؛ على سبيل المثال، أنت تفضل (أ س) على (ب س) إذا، وفقط إذا، كنت أنا أفضل (أ) على (ب).
إذن فأنت تختار خلف ستار الجهل بشكل عقلاني بالمعنى الموضح في الفصل الثالث؛ فأنت تختار العنصر الذي يعظم منفعتك المتوقعة. وعند حساب هذا تكون الاحتمالات ذات الصلة هي الاحتمالات المعينة لكل دور، والمنافع ذات الصلة هي المنافع المعينة لكل زوج من أزواج العنصر-الدور بموجب التفضيلات التقمصية المشتركة. وبسبب الافتراض الأول، تكون هذه الاحتمالات جميعا ن/1، وبسبب الافتراض الثاني يمكننا الاستعاضة عن هذه المنافع بالمنافع المعينة لكل عنصر يقع تحت التفضيلات الشخصية للشخص القائم بالدور ذي الصلة. إذن فتعظيم المنفعة المتوقعة يعني تعظيم المنفعة (الشخصية) الإجمالية مضروبة في (ن/1)، وهو ذاته تعظيم المنفعة الإجمالية. وهذه هي النفعية؛ ضرورة إعادة توزيع الثروة من أجل تعظيم المنفعة الإجمالية.
ثمة نقد مباشر لهذه النظرية يكمن في قابلية الاختيارات للملاحظة، على الأقل من حيث المبدأ، في حين لا يسري ذلك على التفضيلات؛ فأنت تحدد تفضيلاتك بين أي عنصرين من خلال مساءلة نفسك أيا من الاثنين ستختار. وليس واضحا كيف ستختار، حتى كتجربة فكرية، بين «السفر جوا بينما تكون نفسك» و«السفر بالسفينة بينما تكون إياي». يرتبط بهذا صعوبة تبرير مبدأ هارساني. فلم لا يمكنك تفضيل السفر «جوا» على السفر «بالسفينة» (على سبيل المثال؛ لأنه يخلق مزيدا من الوظائف) أيا كان دورك، وأفضل أنا السفر «بالسفينة» على السفر «جوا» (على سبيل المثال؛ لأنه يسبب تلوثا أقل) أيا كان دوري؟
ربما نلاحظ أيضا أنه حتى لو كانت إعادة التوزيع من هؤلاء ذوي المنفعة الحدية القليلة للثروة إلى هؤلاء ذوي المنفعة الحدية العالية لها ما يبررها، فإن ذلك في حد ذاته لن يبرر إعادة التوزيع من الأغنياء إلى الفقراء. فلو كان للأغنياء منفعة حدية أعلى (على سبيل المثال، بسبب الرغبة القهرية في الرفاهيات، أو - مثل رينتون - حاجة إدمانية للهيروين)؛ لتطلب ذلك إعادة التوزيع من الفقراء للأغنياء.
علاوة على ذلك، حتى لو كانت النظرية سليمة فقد كانت ستخاطب ما يختاره الأشخاص، وربما هو «جيد»، ولكن ليس ما هو «صواب»؛ فحقيقة أنها تزيد المنفعة - لو كانت تلك حقيقة - لا توفر في حد ذاتها تبريرا للأخذ منك وإعطائي. ثمة رأي بديل هو ذلك الذي تعرضنا له في الفصل الرابع، من أن إعادة التوزيع تكون عادلة إذا كانت نتاج أفعال إرادية، وليس أي سبب آخر.
ويخلص بينمور، الذي يعد مؤيدا لأهداف نظرية المراقب المثالي، كما رأينا، بعد استطلاع هذا عن قرب إلى أنه:
ليس لدينا أي خيار سوى الاعتماد على مقياس مجمع عليه قائم بالفعل في المجتمع قيد الدراسة ، إذا كنا نريد أن يتوافر معيار مشترك لمقارنة المنافع بين الأفراد؛ فمحاولة هارساني الشجاعة للدفع بأن ظروف الموقف الأصلي تخلق مثل هذا المعيار تبدو لي مفتقدة تماما للإقناع عند استطلاعها عن كثب.
وإذا كان هناك «مقياس مجمع عليه قائم بالفعل في المجتمع»، فليس هناك حاجة جمة للمقارنات بين الأشخاص؛ وإذا لم يكن، فإن نظرية المراقب المثالي تبدو قليلة النفع في تبرير مثل هذه المقارنات (قد نلاحظ بشكل عابر أنه إذا كان بينمور محقا على كلا الصعيدين، فإن «الأخلاق مادة دون محتوى جوهري»).
لا بد أن تصوغ رؤيتك الخاصة بشأن حجة نظرية المراقب المثالي. فإذا كنت قانعا بها، تفقد نظرية الاستحالة تحكمها، وأيضا تصبح إعادة التوزيع مبررة. أما إذا لم تكن على استعداد لابتلاعها، إذن فلا بد إما أن تجد حجة أفضل لتبرير المقارنات بين الأشخاص، وإما أن تقبل نظرية الاستحالة وتنسى إعادة التوزيع.
أخيرا، عليك أن تلاحظ أن الطرح الخاص بعدالة التوزيع في هذا الكتاب كان معنيا فقط بمسألة ما إذا كان بإمكان نظرية الاختيار تقديم أي تبرير لإعادة التوزيع. إن حقيقة أن النظرية لا تدعم إعادة التوزيع كثيرا لا تعني عدم وجود حجج أخرى قد توفر هذا الدعم (على الرغم من أن معظم المحاولات الجادة لتبرير إعادة التوزيع، في الواقع، كانت قائمة على نظرية الاختيار). علاوة على ذلك، الطرح الوارد بهذا الكتاب معني فقط بإعادة التوزيع الإجبارية؛ فهو لا يذكر شيئا، أيا ما كان، عن إعادة التوزيع الإرادية. وبالعودة إلى نقطة بدايتنا في الفصل الأول نقول: «لا يتنافى مع العقل بالنسبة لي أن أختار أن أهلك تماما كي أمنع أقل قدر من الانزعاج عن هندي.» (7) ملخص
يستطلع اختيار المجموعة خصائص الدساتير؛ أي الطرق التي «تؤخذ بها تفضيلات الأفراد في الاعتبار في تحديد اختيارات المجموعة.»
يقضي شرط الاستقلال بأن اختيار المجموعة بين عنصرين لا يتغير استجابة لأي تغير في تفضيلات أي فرد يترك تصنيفه لهذين العنصرين بلا أي تغيير.
يقضي شرط التعادلية بأنه إذا قام الجميع بتصنيف العنصرين (د) و (ه) بنفس طريقة تصنيفهم للعنصرين (س) و(ص)، ووقع اختيار المجموعة على (د) من الزوج الأول؛ فإنها تختار (س) من الزوج الثاني.
يقضي شرط الإجماع بأنه إذا فضل الجميع عنصرا على ثان، تختار المجموعة العنصر الأول فقط من العنصرين.
يقضي شرط الاستجابة بأنه: (1) هناك نمط ما للتفضيلات يتم اختيار كل عنصر بموجبه، و(2) إذا صعد عنصر ما لأعلى بالنسبة لعنصر ثان في تصنيف أحد الأشخاص، بينما لا يحدث أي تغيير في تصنيف أي شخص آخر، وإذا كانت المجموعة قد اختارت في الأساس العنصر الأول؛ فإنها تستمر في اختياره، وإذا كانت قد اختارت كلا العنصرين؛ فإنها تختار الأول فقط الآن.
شرط التعادلية أقوى من شرط الاستقلال، وشرط الاستجابة أقوى من شرط الإجماع.
يوصف دستور ما بأنه سلطوي إذا كانت المجموعة تختار دوما العناصر التي يصنفها فرد معين (رأس السلطة) على رأس العناصر المتاحة، وتختار هذه العناصر فقط ما لم يصنف الآخرون جميعا عناصر أخرى في المقدمة، وفي هذه الحالة تختار المجموعة هذه العناصر أيضا.
أي دستور ينتج اختيارات معقولة ويستوفي شرطي التعادلية والاستجابة هو بالضرورة دستور سلطوي.
يوصف أي دستور بأنه ديكتاتوري إذا كان اختيار المجموعة يقع دوما على العناصر التي يصنفها فرد معين (الديكتاتور) على رأس العناصر المتاحة.
أي دستور ينتج اختيارات عقلانية ويستوفي شرطي الاستقلال والإجماع هو دستور ديكتاتوري بالضرورة.
مسرد المصطلحات
القاعدة الأبجدية:
تصنف عناصر القائمة بترتيب أبجدي، وتختار المجموعة العنصر المصنف على رأس العناصر المتاحة.
شرط المجهولية:
يقضي هذا الشرط بأنه إذا تبادل شخصان تصنيفاتهما، يبقى اختيار المجموعة بلا تغيير.
الاستجابة المثلى:
استجابتك المثلى لاحتمالات معينة بشأن أفعالي المحتملة هو الفعل الذي يعظم منفعتك المتوقعة في ظل هذه الاحتمالات.
قاعدة بوردا:
يقوم كل شخص بإعطاء كل عنصر في القائمة الكاملة، كدرجة، عدد العناصر التي يعتبر أنها أسوأ من ذلك العنصر، ويتم جمع هذه الدرجات وتختار المجموعة العنصر الأعلى من حيث إجمالي الدرجات.
المنفعة العددية:
هي منفعة تستخدم في خاصية المنفعة المتوقعة، وهي أيضا، على نحو مساو، منفعة تحتفظ بخاصيتها التمثيلية فقط حين يتم تحويلها بطريقة خطية.
اليقين التقريبي:
اليقين التقريبي لرهان مالي هو المبلغ المالي الذي لو ضمنت امتلاكه لاعتبرته مساويا للرهان.
الرهان المركب:
هو رهان تكون جوائزه عبارة عن رهانات أيضا.
دستور:
الدستور الخاص بمجموعة ما يحدد الطريقة التي تؤخذ بها تفضيلات الأعضاء في الاعتبار عند تحديد اختيارات المجموعة.
شرط الاستمرارية:
يقضي هذا الشرط بأنك إذا فضلت رهانا على ثان، وفضلت الثاني على ثالث؛ فإن هناك مزيجا ما من الرهانين الأول والثالث تعتبره مساويا للثاني.
شرط التقليص:
يقضي هذا الشرط بأنك إذا اخترت عنصرا ما من قائمة، وظل هذا العنصر متوافرا في قائمة أكثر محدودية؛ فإنك تختاره أيضا من القائمة المحدودة.
حاسمة:
توصف مجموعة من الأشخاص داخل مجموعة أكبر بأنها حاسمة، إذا اختارت المجموعة الأساسية، بالنسبة لجميع أزواج العناصر، العنصر الأول فقط من زوج ما كلما فضل جميع أفراد المجموعة الفرعية العنصر الأول (بغض النظر عن تفضيلات الآخرين جميعا).
رهان محدد القيمة:
هو رهان له جائزة واحدة (محددة) فقط.
ديكتاتوري:
يوصف دستور ما بأنه ديكتاتوري إذا كان اختيار المجموعة يقع دوما على العناصر التي يصنفها فرد معين (الديكتاتور) على رأس العناصر المتاحة.
عدالة التوزيع:
هي المبادئ التي تحدد توزيع الثروة الجيد أو الصائب. على سبيل المثال، المبدأ الذي يقضي بوجوب الحد من التباين في الثروة إلى أقل مستوى، أو على نحو مكافئ، يقضي بوجوب أن يكون توزيع الثروة نابعا من أفعال إرادية.
جادة:
توصف مجموعة من الأشخاص داخل مجموعة أكبر بأنها جادة بشأن زوج من العناصر، إذا وقع اختيار المجموعة الأساسية على العنصر الأول فقط من هذا الزوج، كلما كان الجميع في المجموعة الفرعية يفضلون الأول، فيما يفضل الآخرون جميعا العنصر الثاني .
التفضيلات التقمصية:
هي تفضيلات متعلقة بأزواج العنصر-الدور.
شرط التوسع:
يقضي هذا الشرط بأنك إذا اخترت عنصرا ما في اختيارات مزدوجة مع كل عنصر آخر في القائمة، فإنك تختاره، وإن لم يكن بالضرورة منفردا، من القائمة الكاملة.
المنفعة المتوقعة:
يتم إيجاد المنفعة المتوقعة لرهان ما عن طريق ضرب منفعة كل جائزة في الاحتمالية المرتبطة بتلك الجائزة وجمع هذه الأرقام.
خاصية المنفعة المتوقعة:
يكون للتفضيلات بشأن الرهانات خاصية المنفعة المتوقعة إذا كنت تفضل رهانا على ثان إذا، وفقط إذا، كان له منفعة متوقعة أعلى.
القيمة المتوقعة:
يتم إيجاد القيمة المتوقعة لرهان مالي عن طريق ضرب كل جائزة في احتماليتها وجمع الأرقام الناتجة.
مفسر بترتيب للتفضيلات:
يفسر اختيارك بترتيب للتفضيلات إذا كان مفسرا بعلاقة تفضيل متعدية.
مفسر بعلاقة تفضيل:
يفسر اختيارك بعلاقة تفضيل إذا كانت العناصر التي تختارها من قائمة ما، وهذا بالنسبة لعلاقة ما من علاقات «جيد على الأقل مثل»، هي تلك التي تكون بالضبط جيدة على الأقل مثل كل عنصر آخر في القائمة.
عادل:
يكون الرهان عادلا إذا كانت قيمته المتوقعة صفرا.
مجموعة:
المجموعة هي جمع لا يقل عن ثلاثة أشخاص.
مبدأ هارساني:
هو الزعم بأن أي شخصين لديهما نفس المعلومات ونفس الخبرات سوف يتصرفان بالضرورة بالطريقة نفسها.
نظرية المراقب المثالي:
هي اختيار تخيلي من وراء ستار الجهل، مع معرفة العناصر الموجودة في القائمة والأدوار القائمة، ولكن دون معرفة أي دور سوف تجد نفسك فيه.
شرط الحيادية:
يقضي هذا الشرط بأنه حال تفضيلك رهانا على آخر في حالة ما، فإنك تفضله في جميع الحالات.
شرط الاستقلال:
يقضي هذا الشرط بأن اختيار المجموعة بين عنصرين لا يتغير استجابة لأي تغير في تفضيلات أي فرد يترك تصنيفه لهذين العنصرين بلا أي تغيير.
أزواج العنصر-الدور:
هي علاقات بين العناصر والأدوار.
غير محكوم تكراريا:
يوصف فعلك بأنه غير محكوم تكراريا إذا لم يكن محكوما بأي أفعال لي ليست محكومة بأي أفعال لك ليست محكومة بأي أفعال لي ليست محكومة بأي أفعال لك ...
شرط الليبرالية:
يقضي هذا الشرط بأن يكون هناك على الأقل شخصان حاسمان بشأن زوج من العناصر على الأقل لكل منهما.
خطي:
تحول المنافع بشكل خطي حين يتم ضربها في أي عدد موجب (أو قسمتها عليه) أو حين يضاف إليها (أو يطرح منها) أي عدد.
قاعدة الأغلبية:
تختار المجموعة عنصرا ما إذا صنفه عدد كبير من الناس على الأقل على رأس العناصر المتاحة مثلما يصنفون أي عنصر آخر معين في المقدمة.
قابل للتلاعب:
يوصف النظام التصويتي بأنه قابل للتلاعب إذا كان هناك، بالنسبة لنمط ما للتفضيلات الحقيقية، شخص واحد على الأقل يستطيع الحصول على عنصر أفضل بالقائمة بتقديم تفضيلات تختلف عن تفضيلاته الحقيقية حين يقوم الآخرون جميعا بتقديم تفضيلاتهم الحقيقية.
المنفعة الحدية:
هي المنفعة الإضافية المعينة لوحدة إضافية للثروة.
قائمة:
هي تجميعة للعناصر التي لا بد من الاختيار منها موضوعة بحيث يجب اختيار شيء منها.
المزيج:
مزيج الرهانين (س) و(ص) هو رهان جوائزه هي كل جوائز (س) و(ص)، والاحتمالات المرتبطة بجوائز الرهان (س) هي جوائزه الأصلية مضروبة في وزن الرهان (س) داخل المزيج، والشيء نفسه بالنسبة لاحتمالات الرهان (ص).
أكثر تجنبا للمخاطرة:
أنت أكثر تجنبا للمخاطرة مني إذا كنت مستعدا لقبول أي رهان أنت مستعد لقبوله، ولكن ليس العكس.
شرط التعادلية:
يقضي هذا الشرط بأنه إذا قام الجميع بتصنيف العنصرين (د) و(ه) بنفس طريقة تصنيفهم للعنصرين (س) و(ص)، ووقع اختيار المجموعة على (د) من الزوج الأول، فإنها تختار (س) من الثاني.
المنفعة الترتيبية:
هي منفعة تحتفظ بخاصيتها التمثيلية عند تحويلها بأي طريقة تصاعدية.
مزدوج:
في الاختيار المزدوج يقع اختيارك على عنصر مع عنصر ثان إذا اخترت الأول، غير منفرد بالضرورة، حين تتألف قائمتك من هذين العنصرين فقط.
قاعدة باريتو:
تختار المجموعة عنصرا ما إذا لم يكن هناك أي عنصر آخر يفضله الجميع.
سلطوي:
يوصف الدستور بأنه سلطوي إذا كان اختيار المجموعة يقع دوما على العناصر التي يصنفها شخص معين (رأس السلطة) على رأس العناصر المتاحة، وتختار تلك العناصر وحدها ما لم يصنف الآخرون جميعا عناصر أخرى في المقدمة، وفي هذه الحالة تختار المجموعة هذه العناصر أيضا.
مصفوفة العائد:
توازي صفوف المصفوفة أفعالك فيما توازي أعمدتها أفعالي؛ والمدخل لكل صف وعمود هو النتيجة مصاغة في صورة منفعتك تليها منفعتي، إذا كان اختيارك هو فعل الصف واختياري هو فعل العمود.
استجابات منطقية:
استجاباتك المنطقية لأفعالي المحتملة هي استجاباتك المثلى لبعض الاحتمالات بشأن هذه الأفعال.
أفعال محتملة:
أفعالك المحتملة هي كل الأفعال التي قد تختارها.
ترتيب الأفضلية:
هي علاقة تفضيل متعدية.
علاقة التفضيل:
هي تحديد، بالنسبة لأي عنصرين في قائمة ما، ما إذا كان الأول جيدا على الأقل مثل الثاني، أو ما إذا كان الثاني جيدا على الأقل مثل الأول (أو كليهما).
التفضيلات:
هي ترتيبات الأفضلية.
مبدأ القبول:
هو الزعم بأن تفضيلاتك التقمصية بشأن أزواج العنصر-الدور، التي يكون فيها دورك هو أنا؛ هي نفسها تفضيلاتي التقمصية بشأن العناصر المناظرة.
احتمالية:
احتمالية نتيجة ما هي عبارة عن رقم، ما بين صفر و1، يحدد مدى احتمالية وقوع النتيجة.
رهان الاحتمالية:
هو قائمة بالجوائز المحتملة مقترن بكل منها احتمالية معينة.
عقلاني (فعل):
يكون فعلك عقلانيا إذا كان استجابة منطقية لاستجاباتي المنطقية لاستجاباتك المنطقية لاستجاباتي المنطقية ...
عقلاني (اختيار):
يكون اختيارك (في ظل اليقين) عقلانيا إذا كان يستوفي شرط الإيضاح.
عقلاني (تفضيل):
تكون تفضيلاتك بشأن الرهانات عقلانية إذا كانت تستوفي شرطي الاستبدال والاستمرارية.
معقول:
يكون الاختيار معقولا إذا كان مستوفيا شرطي التقليص والتوسع.
شرط الاستجابة:
يقضي هذا الشرط بأنه: (أ) هناك نمط ما للتفضيلات يتم بموجبه اختيار كل عنصر، و(ب) إذا صعد عنصر ما لأعلى بالنسبة لعنصر ثان في تصنيف أحد الأشخاص، بينما لا يطرأ أي تغيير على تصنيفات أي شخص آخر، وإذا كانت المجموعة قد اختارت العنصر الأول من الأساس، فإنها تظل تختاره، وإذا كانت قد اختارت كلا العنصرين من الأساس، فإنها الآن تختار الأول منفردا.
شرط الإيضاح:
يقضي هذا الشرط بأنك إذا اخترت عنصرا ما في حين يتوافر عنصر ثان، فإنك تختار الأول كلما اخترت الثاني وكان الأول متوافرا.
متجنب للمخاطرة:
أنت متجنب للمخاطرة بالنسبة لرهان ما إذا كنت تفضل القيمة المتوقعة للرهان المضمون على الرهان ذاته.
مقدار تجنب المخاطرة:
مقدار تجنبك للمخاطرة عند مستوى ما للثروة هو المعدل النسبي لانخفاض انحدار المخطط البياني لمخطط منفعتك عند هذا المستوى.
علاوة المخاطرة:
علاوة المخاطرة لرهان ما هي حاصل طرح القيمة المتوقعة من يقينها التقريبي.
أكثر مخاطرة:
يكون رهان عادل ما أكثر مخاطرة من رهان ثان إذا كان الأول مساويا للثاني مضافا إليه رهان عادل واحد أو أكثر. وبشكل عام، يكون رهان ما أكثر مخاطرة من رهان ثان إذا كان الجزء الخطر (الذي يعد رهانا عادلا) من الرهان الأول أكثر مخاطرة من نظيره في الرهان الثاني.
الجزء الخطر:
الجزء الخطر من رهان ما هو خفض الرهان بكل جوائزه بمقدار قيمته المتوقعة.
الحالة:
هي تحديد لكل شيء ذي صلة باختيارك ولست على يقين منه.
رهان الحالة:
هي قائمة بالجوائز المحتملة يقترن بكل منها تحديد للحالة التي سوف يتم تلقيها فيها.
المنفعة المتوقعة الذاتية المعتمدة على الحالة:
يتم إيجاد المنفعة المتوقعة الذاتية المعتمدة على الحالة لرهان ما بضرب منفعة كل جائزة، في الحالة التي يتم تلقيها فيها، في الاحتمالية الذاتية المرتبطة بتلك الحالة، ثم جمع هذه الأرقام.
خاصية المنفعة المتوقعة الذاتية المعتمدة على الحالة:
يكون للتفضيلات بشأن الرهانات خاصية المنفعة المتوقعة الذاتية المعتمدة على الحالة إذا كنت تفضل رهانا على رهان ثان إذا، وفقط إذا، كان له منفعة متوقعة ذاتية أعلى معتمدة على الحالة.
الشرطان القويان:
هما شرطا التعادلية والاستجابة.
المنفعة المتوقعة الذاتية:
يتم إيجاد المنفعة المتوقعة الذاتية لرهان ما بضرب منفعة كل جائزة في الاحتمالية الذاتية المرتبطة بالحالة التي يتم تلقي الجائزة فيها، ثم جمع هذه الأرقام.
خاصية المنفعة المتوقعة الذاتية:
يكون للتفضيلات بشأن الرهانات خاصية المنفعة المتوقعة الذاتية (الكاملة) إذا كنت تفضل رهانا على رهان ثان إذا، وفقط إذا، كان للرهان منفعة متوقعة ذاتية أعلى (غير معتمدة على الحالة).
شرط الاستبدال:
يقضي هذا الشرط بأنك إذا كنت تفضل رهانا على رهان ثان، فإنك تفضل أي مزيج من الرهان الأول ورهان ما ثالث على أي مزيج من الرهان الثاني والثالث بنفس الأوزان.
مستدام:
يكون زوج ما من الأفعال، واحد لك وواحد لي، مستداما بشكل مشترك؛ إذا كان فعلك هو استجابتك المثلى لفعلي، وفعلي هو استجابتي المثلى لفعلك.
متعد:
تكون علاقة «جيد على الأقل مثل» متعدية عندما يكون (س) جيدا على الأقل مثل (ع)، إذا كان (س) جيدا على الأقل مثل (ص)، و(ص) جيدا على الأقل مثل (ع).
شرط الإجماع:
يقضي هذا الشرط بأنه حال تفضيل الجميع عنصرا على عنصر ثان، تختار المجموعة العنصر الأول وحده من الاثنين.
غير محكوم:
يكون فعلك غير محكوم إذا لم يكن هناك فعل يمنحك منفعة (متوقعة) أعلى أيا كان الفعل (أو مجموعة الأفعال) الذي أختاره.
منفعة:
المنافع هي أرقام تعين للعناصر بحيث يكون لعنصر ما منفعة أكبر من عنصر ثان إذا، وفقط إذا، كان الأول أفضل من الثاني.
تعظيم المنفعة:
يعظم اختيارك المنفعة إذا كانت العناصر التي تختارها، بالنسبة لعملية تعيين للمنفعة، هي بالضبط تلك العناصر التي تكون منفعتها كبيرة على الأقل مثل منفعة كل عنصر آخر.
مخطط المنفعة:
مخطط منفعة الثروة يعين المنفعة الخاصة بكل مستوى للثروة.
ستار الجهل:
يمثل ستار الجهل غيابا مصطنعا للمعرفة بشأن حقائق محسومة بالفعل، والتي تعين، على وجه التحديد، الدور الذي تشغله.
ستار الشك:
يمثل ستار الشك غيابا حقيقيا للمعرفة بشأن أحداث لم تقع بعد، مثل القدر الذي ستكون عليه ثروتك.
نظام تصويت:
يحدد النظام التصويتي لمجموعة ما الطريقة التي تؤخذ بها تفضيلات الأفراد المقدمة (ولكن ليست الحقيقية بالضرورة) في الحسبان في تحديد اختيارات المجموعة.
الشرطان الضعيفان:
هما شرطا الاستقلال والإجماع.
قراءات إضافية
Non-technical overviews of choice theory are provided by Elster and by Hargreaves Heap
et al. ; an overview of the subplot of distributive justice is provided by Roemer. Further reading relating to individual chapters is given below .
تمهيد
The Einstein quotation is from pp. ix-x .
الفصل الأول
The concept of rational choice begins with Aristotle; the origin of its more formal treatment may be ascribed, more arbitrarily, to Robbins. The
Trainspotting
quotations are from pp. 3-5 and from p. 106 of Hodge (with each occurrence of 'fucking’ omitted); the Aristotle quotations are from p. 139; and the Hume quotations are from pp. 266-7 (with abbreviations completed and emphasis omitted) .
الفصل الثاني
The formal treatment of choice under certainty originates with Samuelson. Proofs of all the claims made in the main discussion may be found in Fishburn (chapters 2 and 3) or in Suzumura (chapter 2) .
الفصل الثالث
The formal treatment of choice where probabilities are given originates with von Neumann and Morgenstern; that where probabilities must be inferred originates with Savage, or, in the framework employed in this chapter, with Anscombe and Aumann. The Nozick quotation is from
Socratic Puzzles , p. 48. Proofs of all the claims made in the main discussion may be found in Fishburn (chapters 8 and 12) or in Kreps (chapters 5 and 7); those relating to the case where probabilities are not given involve some serious mathematics .
الفصل الرابع
The formal treatment of risk aversion originates with Pratt. The Rawls quotation is from p. 62; and the Nozick quotation is from
Anarchy , pp. 149-50 (with emphasis omitted). Proofs of all the claims made in the main discussion may be found in Arrow’s
Essays (chapter 3) or in Kreps (chapter 6); those relating to the measure of risk aversion involve some serious mathematics .
الفصل الخامس
The formal treatment of individual rationality in a strategic setting originates with Bernheim and with Pearce; that of jointly sustainable choice in such a setting originates with Nash. The Hume quotation is from pp. 334-5 (with abbreviations completed). Proofs of all the claims made in the main discussion may be found in Fudenberg and Tirole (chapters 1 and 2) or in Osborne and Rubinstein (chapters 2 and 4); those relating to the equivalence between strategic rationality and freedom from iterative dominance, and to the existence of mixed strategy equilibria, involve some serious mathematics .
الفصل السادس
The formal treatment of group choice originates with Arrow’s
Social Choice . The Binmore quotations are from pp. 283 and 300 (with references and emphasis omitted). The proof of the impossibility theorem follows that of Allingham, pp. 23-5. Proofs of all the claims made in the main discussion may be found in Sen (chapters 3*-6*) or in Suzumura (chapters 3-7) .
المراجع
M. Allingham,
Value (Macmillan, 1983) .
F. J. Anscombe and R. J. Aumann, 'A Definition of Subjective
Annals of Mathematical Statistics , 34 (1963), 199-205 .
Aristotle,
The Nicomachean Ethics , tr. D. Ross, rev. J. L. Ackrill and J. O. Urmson (Oxford University Press, 1998) .
K. J. Arrow,
Essays in the Theory of Risk Bearing (North Holland, 1974) . ---
Social Choice and Individual Values (Wiley, 1951) .
B. D. Bernheim, 'Rationalizable Strategic Behavior’,
Econometrica , 52 (1984), 1007-28 .
K. G. Binmore,
(MIT Press, 1994) .
A. Einstein,
Relativity , tr. R. W. Lawson (Routledge, 2001) .
J. Elster (ed.),
Rational Choice (Blackwell, 1986) .
Utility Theory for Decision Making (Wiley, 1970) .
J. Fudenberg and J. Tirole,
Game Theory (MIT Press, 1991) .
S. Hargreaves Heap, M. Hollis, B. Lyons, R. Sugden, and A. Weale,
The Theory of Choice: A Critical Guide (Blackwell, 1992) .
J. Hodge,
Trainspotting (Faber & Faber, 1996) .
D. Hume,
A Treatise of Human Nature , ed. D. F. and M. J. Norton (Oxford University Press, 2000) .
D. M. Kreps,
Notes on the Theory of Choice (Westview, 1988) .
J. F. Nash, 'Non-cooperative Games’,
Annals of Mathematics , 54 (1951), 286-95 .
J. von Neumann and O. Morgenstern,
The Theory of Games and Economic Behavior (Princeton University
.
R. Nozick,
Anarchy, State, and Utopia (Basil Blackwell, 1974) . ---
Socratic Puzzles (Harvard University Press, 1997) .
M. J. Osborne and A. Rubinstein,
A Course in Game Theory (MIT Press, 1994) .
D. G. Pearce, 'Rationalizable Strategic Behavior and the
Econometrica , 52 (1984), 1029-50 .
R. W. Pratt, 'Risk Aversion in the Small and in the Large’,
Econometrica , 32 (1964), 122-36 .
J. Rawls,
A Theory of Justice (Oxford University Press, 1972) .
L. Robbins,
An Essay on the Nature and Significance of Economic Science (Macmillan, 1932) .
J. E. Roemer,
Theories of Distributive Justice (Harvard University Press, 1996) .
Foundations of Economic Analysis (Harvard University Press, 1947) .
L. J. Savage,
Foundations of Statistics (Wiley, 1954) .
A. K. Sen,
Collective Choice and Social Welfare (Oliver & Boyd, 1970) .
K. Suzumura,
Rational Choice, Collective Decisions, and Social Welfare (Cambridge University Press, 1983) .
مصادر الصور
(1-1) Ashmolean Museum, Oxford . (1-2) Bodleian Library, University of Oxford . (2-1) Ashmolean Museum, Oxford . (3-2) Satellite Information Services, London . (4-2) © Corbis . (5-1) Ashmolean Museum, Oxford . (6-1) AP Photo .
Unknown page