والثالث أنه إن لم يقل وبضع كل واحدة مهر للأخرى لم يبطل واختاره الجد رحمه الله وهذا قول الشافعي والقاضي وقال إنه لا يختلف الأصحاب في بطلان نكاح الشغار وإن لم يقل «وبضع كل واحدة مهر للأخرى» وقد ذكروا في حديث ابن عمر في تفسير الشغار أن يقول «وبضع كل واحدة مهر للأخرى» وهذا لا يعرف لا في الصحاح ولا في السنن.
قلت هذا في الحقيقة موافقة لأبي حنيفة على صحة نكاح الشغار لأن الناس في العادة لا يعقدون نكاح الشغار بهذا اللفظ ولا كانوا في الجاهلية يعقدون بهذا اللفظ والصحابة والتابعون الذين فسروا نكاح الشغار لم يقيدوه بهذا اللفظ بل في حديث معاوية أنه جعله شغارا مع ذكر الصداق.
وسبب ذلك أن العلة التي قصدها الشارع وهي إشغاره عن الصداق لما كانت مهدرة عندهم صحح أولئك النكاح وهؤلاء رأوا النص وأقوال الصحابة تدل على فساده فعللوه بالتشريك.
ورأوا أن هذه العلة إنما تستقيم إذا صرح بجعل بضع كل واحدة صداقا للأخرى وإلا فمع الإطلاق كل منهما زوج الآخر بشرط فاسد فيبطل الشرط ويجب مهر المثل وهذا إلزام لكل منهما ما لم يلتزمه هو ولا ألزمه به الشارع فإنه لم يلتزم إنكاح وليته إلا بأن تنكح الأخرى والزوج لم يلتزم نكاح الزوجة إلا بأن يسلم له بضعها في مقابلة بضع وليته فلا الولي ولا المرأة ولا الزوج رضوا بنكاح مجرد عن نكاح مع وجوب مهر المثل وإذا كان هذا لم يلتزموه والذي التزموه باطل في الشرع كان النكاح باطلا لأن نكاحا بنكاح لا يجوز.
والأصل الذي راعوه أن شرط إخلاء النكاح عن المهر يصح معه النكاح ويجب معه مهر المثل كما لو تزوجها ولم يفرض لها مهرا وأين نفي مهر المثل من المسكوت عن فرضه ومعلوم أنه في الإجارة لو نفى الأجرة لكانت عارية ولو سكت عن فرضها وجبت أجرة المثل فالنكاح المطلق يحمل على العادة المعروفة وهو وجوب الصداق كالإجارة المطلقة والبيع المطلق.
Page 193