30

Nayazik Fi Tarikh

النيازك في التاريخ الإنساني

Genres

وامتدادا للخلط، بين النيازك والصواعق، يشير بعض المؤرخين العرب إلى النيازك على أنها صواعق، ضمن تسجيلاتهم للأحداث الطبيعية التي كانت تحدث بين الفينة والأخرى. ومن الأمثلة على ذلك بعض الأحداث النيزكية التي ورد ذكرها في كتاب «البداية والنهاية» لابن كثير بوصفها صواعق. ففي معرض تأريخه لأحداث سنة 679ه/1280م، يذكر حادثة وقوع صاعقة على الجبل الأحمر شرق القاهرة، فأصابت حجرا فأحرقته، وكونت نتيجة لذلك حديدا، حيث يورد:

20 «ووقعت صاعقة بالإسكندرية وأخرى في يومها تحت الجبل الأحمر على صخرة فأحرقتها فأخذ ذلك الحديد فسبك فخرج منه أواقي بالرطل المصري.» ويورد بعض المؤرخين نفس الحدث، مثل اليونيني (قطب الدين أبو الفتح موسى بن محمد اليونيني، المتوفى سنة 726ه) في كتابه «ذيل مرآة الزمان»؛ والسيوطي (جلال الدين عبد الرحمن السيوطي (849-911ه))، في كتابه «حسن المحاضرة»؛ وابن حبيب (بدر الدين الحسن بن عمر بن الحسن بن عمر بن حبيب، المتوفى سنة 779ه/1377م) في كتابه «تذكرة النبيه في أيام المنصور وبنيه»، الذي وصف الحدث ضمن أحداث سنة 679ه/1280م:

21 «ووقع بالجبل الأحمر ظاهر القاهرة صاعقة على حجر فأحرقته، وأخذ من ذلك الحجر قطعة وسبكت فظهر منها قطعة حديد زنتها أواقي من الكيل المصري.» ويبدو جليا من هذا الوصف أن الصاعقة المقصودة هنا تشير صراحة إلى سقوط نيزك حديدي.

وتخلط بعض التسجيلات التاريخية بين الصواعق والنيازك، خلطا يصعب معه التفريق بين الظاهرتين؛ فلا يستبين المرء إن كان الحدث صاعقة أم نيزكا. فعلى سبيل المثال، يجد القارئ لكتاب «عقد الجمان في مرآة أهل الزمان» لبدر الدين العيني (محمد بن أحمد بن موسى بن أحمد (762-855ه/1360-1451م))، يجد نفسه حائرا في تفسير حادثة صاعقة ورد ذكرها ضمن أحداث سنة 691ه/1292م، وهل هي نيزك أم صاعقة عادية؟ حيث يصف:

22 «واتفق يوما أن الأمير بدر الدين بيدرا كان جالسا وقد تقدم الفراش ليمد السماط بين يديه وإذا بصاعقة قد نزلت بخيمته فنفذت من الخيمة ووقعت على ظهر الفراش فقصمته نصفين ووقع إلى الأرض، ونفر كل من كان واقفا وغاصت الصاعقة في الأرض، وقام بيدرا وفي قلبه رجفة عظيمة.» فالوصف قد يعني سقوط أحجار نيزكية اخترقت الخيمة، وقسمت الفراش، وغاصت في الأرض، وفي نفس الوقت قد ينطبق على صاعقة عادية. وكذلك ما أورده ابن الأثير (عز الدين أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد أبي عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني، المعروف بابن الأثير (555-630ه))، في كتابه «الكامل في التاريخ» من حدث ظهور سحابة كثيفة سنة 411ه، على ما كان يعرف آنذاك بإفريقية؛ إذ يذكر في معرض عرضه لما حدث من حوادث بإفريقية في تلك السنة:

23 «وفيها، في ربيع الآخر، نشأت بإفريقية أيضا سحابة شديدة البرق والرعد، فأمطرت حجارة كثيرة ما رأى الناس أكبر منها، فهلك كل من أصابه شيء منها.» وقد أورد القزويني (زكريا بن محمد القزويني (506-682ه/1203-1283م))، ذات الحدث نقلا عن ابن الأثير، في كتابه «عجائب المخلوقات والحيوانات وغرائب الموجودات»:

24 «وحكى أبو الحسن علي بن الأثير الجزري (هكذا ذكر اسم ابن الأثير) في تاريخه أنه نشأت بإفريقية في سنة إحدى عشرة وأربعمائة سحابة شديدة الرعد والبرق، فأمطرت حجارة كثيرة وأهلكت كل من أصابته.» باعتباره من الغرائب. والسحابة الواردة في هذا الخبر قد تفسر على أنها سحابة مائية عادية، سقط منها برد كبير الحجم نسبيا، لكن يمكن أيضا تفسيرها على أنها سحابة نشأت من انفجار نيزك كبير الحجم نسبيا في الجو، وسقطت شظاياه على الأرض على هيئة أحجار، في ظاهرة قريبة الشبه بما حدث في عام 1511م، على سهل «لومباردي» بالقرب من ميلان إيطاليا، والذي سبق وصفه في الفصل الأول من هذا الكتاب. (2) بعض مؤرخي العرب الذين حفلوا بالنيازك

للشيخ الرئيس ابن سينا (أبو علي حسين بن عبد الله بن سينا (980-1037م))، الريادة في تسجيل ووصف النيازك الساقطة من السماء، بل أيضا دراستها في كتابه الكبير أو موسوعته الكبرى «الشفاء» التي تتضمن جزءا (أسماه فنا) من أجزاء كتاب الطبيعيات، بعنوان «الفن الخامس من الطبيعيات: المعادن والآثار العلوية ». ومما يؤسف له أن هذا الجزء من كتاب الطبيعيات، الخاص بالمعادن والآثار العلوية، غير شائع كبقية أجزاء الطبيعيات التي أعيد طبعها بالقاهرة. ففي هذا الجزء، الذي يعد من بواكير الدراسات العلمية الخاصة بعلوم الأرض، يسجل ابن سينا حادثة سقوط نيزك كبير في سنة 396ه/1004م، على منطقة «جوزجانان» [جورجان - جوزجان - جرجان] التي تقع الآن ضمن حدود أفغانستان، فيما سوف يتم ذكره فيما بعد. وقد أورده البيروني (أبو الريحان محمد بن أحمد البيروني (362-440ه))، الذي عاصر الحدث، في كتابه «الجماهر في معرفة الجواهر»، لكنه اعتبره من مواد أرضية. وورد ذكر الحدث في العديد من المؤلفات العربية اللاحقة، نقلا عن وصف الشيخ الرئيس ابن سينا، مثل كتاب القزويني «عجائب المخلوقات والحيوانات وغرائب الموجودات»، وكتاب ابن إياس (محمد بن أحمد بن إياس الحنفي (1448-1523م))، «بدائع الزهور في وقائع الدهور». ولذكر ابن إياس لهذا الحدث (الذي يفصل بينه أكثر من 500 عام) دلالة مهمة على اعتبار ما قدمه ابن سينا من وصف بهذا الخصوص، هو المرجع الرئيسي للتفريق بين الصاعقة الحقيقية والصاعقة غير الحقيقية، وكذلك الاهتمام بالنيازك باعتبارها ظاهرة طبيعية تقدم نوعا جيدا من الحديد الذي يتم تشكيله واستعماله في صناعة مشغولات قيمة.

وورد تسجيل الأحداث النيزكية في عدد من كتب التأريخ والأدب العربية؛ فعلى سبيل المثال، يسجل كتاب «تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام» للمؤرخ الذهبي (شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن الذهبي) كثيرا من حوادث وقوع الصواعق وانقضاض الكواكب. وفي كتاب «المنتظم» لابن الجوزي عدد كبير من تسجيلات الأحداث النيزكية. ومن الطريف أن ابن الجوزي يقدم وصفا يمكن من خلاله التمييز بين ما يمكن اعتباره نيازك، وبين المذنبات، وبين الصواعق. ويأتي ابن الأثير في المرتبة الثانية - بعد ابن الجوزي - في اهتمامه بتسجيل الأحداث النيزكية؛ إذ سجل أكثر من 22 حدثا خلال 22 سنة مختلفة، في كتابه «الكامل في التاريخ». ويعتبر ابن الأثير من أكثر المؤرخين اهتماما بالأحداث التي ظهرت فيها المذنبات، أو انقضت فيها النيازك على الأرض. ويورد المؤرخ الفقيه ابن العماد (أبو الفلاح عبد الحي بن أحمد بن محمد العكري الحنبلي الدمشقي، المتوفى سنة 1089ه) بعض الأحداث النيزكية، في كتابه «شذرات الذهب في أخبار من ذهب». ويسهم ابن كثير في تسجيل قدر معقول من الأحداث النيزكية في كتابه «البداية والنهاية»، نقلا عمن سبقوه من المؤرخين خاصة ابن الجوزي. وللنويري إسهام مهم في مجال رصد الأحداث النيزكية، بل يميز بين المذنبات باعتبارها أجساما (نجوما) تظهر في السماء في أوقات معينة، وتستمر في الظهور فترات طويلة نسبيا (عادة بضعة أيام) ثم تختفي، وبين النيازك باعتبارها أجساما تسقط على الأرض، وتصاحبها ظواهر محددة، كالأصوات والأضواء القوية، والرجة العنيفة التي تحدث من جراء ارتطامها بالأرض، وذلك في كتابه القيم «نهاية الأرب في فنون الأدب»، الذي يعد موسوعة ضخمة تلخص التراث العربي بشقيه الأدبي والتاريخي. ومن الأحداث النيزكية المهمة التي انفرد بتسجيلها حدث نيزكي كبير، ضمن تأريخه لأحداث سنة 637ه، وهو ما سوف يأتي ذكره.

ويورد اليونيني (قطب الدين أبو الفتح موسى بن محمد اليونيني، المتوفى سنة 726ه) في كتابه «ذيل مرآة الزمان» حدث صاعقة (نيزك) الجبل الأحمر شرق القاهرة، ولعلي بن الحسن الخزرجي، المتوفى سنة 812ه/1410م، إسهام في تسجيل بعض حوادث سقوط النيازك، منها حادثة فريدة لسقوط نيزك على الأراضي اليمنية في سنة 792ه/1388م، يذكره في معرض تأريخه لأهم أحداث تلك السنة، ضمن كتابه «العقود اللؤلئية في تاريخ الدولة الرسولية». ويورد الرحالة «ابن بطوطة» (أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم (703ه/1304م-779ه/1377م))، في كتابه «رحلة ابن بطوطة المسماة تحفة النظار في غرائب الأمصار» الذي يسجل فيه مشاهداته خلال رحلته الشهيرة في العديد من الأمصار، وصفا لنيزك شاهده في مدينة «بركي» من أعمال البلاد التركية. ولأبي المحاسن، يوسف بن تغري بردي الأتابكي (813-874ه)، إسهام أيضا في تسجيل بعض الأحداث النيزكية، في كتابه المعروف «النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة». ويورد السيوطي في كتابيه «تاريخ الخلفاء» و«حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة»، بعض الأحداث التي انقضت فيها الكواكب على الأرض. ويلمس المؤرخ ابن إياس بعضا من الأحداث النيزكية في كتابه «بدائع الزهور في وقائع الدهور ». وللعيدروس (عبد القادر بن شيخ بن عبد الله بن شيخ بن عبد الله العيدروس، المؤرخ والباحث اليمني، 978-1038ه/1570-1638م) في مؤلفه النادر «النور السافر عن أخبار القرن العاشر»، الذي فرغ من كتابته سنة 1012ه؛ إسهام مهم في مجال تسجيل الأحداث النيزكية على الأراضي اليمنية. وفي السطور التالية عرض لبعض حوادث سقوط النيازك المدونة في بعض كتب التراث العربي التي أمكن الاطلاع عليها، مرتبة ترتيبا زمنيا، من الأقدم للأحدث، بالسنوات الهجرية.

Unknown page