28

Nayazik Fi Tarikh

النيازك في التاريخ الإنساني

Genres

5 «... الصاعقة تذيب الذهب والفضة في الصرة ولا تحرق الخرقة المصرورين فيها، قال المحقق الشريف في شرح المواقف: قد أخبرنا أهل التواتر بأن الصاعقة وقعت بشيراز على قبة الشيخ الكبير أبي عبد الله الحفيف، فأذابت قنديلا فيها ولم تحرق فيها شيئا، والسبب في ذلك أن تلك النار لغاية لطافتها تنفذ في المتخلل، وهي سريعة الحركة جدا فلا يبقى فيه ريثما، وأما الأجسام المندمجة فتنفذ فيها في زمان أكثر، فيبقى فيها قدرا يعتد به فتذيبها.» [في هذا التعريف إشارة إلى علوم فيزيائية، يجدر أن يتصدى لها الباحثون في هذا المجال.] وفي كتاب «الأزمنة والأمكنة» للمرزوقي:

6 «فأما الصاعقة في اللغة فهي الواقع الشديد من صوت الرعد يسقط معه قطعة من نار ... وقال الخليل: الصاعقة: صوت العذاب. وقال بعضهم: نار ريحية وريح نارية وذلك أنها إذا وقعت في الخشب أحرقته وأشعلته. وإذا وقعت على ذهب أو فضة أحمته وأذابته. وهذا الفعل من أفعال النار. قال: فيقول: إنها وإن كانت نارا فليست بالنار الحرية بل هي نار لهبانية. وذلك أنها إذا سقطت على الأرض لم يوجد جمرها بل يرى ذلك الموضع الذي تقع فيه الصاعقة كثير الدخان متصدعا. وهذه من خواص النار والريح، والصاعقة أيضا ألطف من جميع النار اللهبانية التي عندنا، وذلك أن النار التي عندنا لا تنفذ في الحيطان ولا في الأرضين. والصاعقة تنفذ في كل جوهر محسوس، وهي لا تبصر لأنها بلطافتها تفوت أبصارنا، لكن أفعالها تبصر، ولسرعة حركتها تجاوز الوقت الذي يمكن أن يكون فيه البصر. والصاعقة تكون لعلتين؛ إما لاكتمان النار في الغمام وإفلاتها بغتة، وإما لاكتمان الريح في الغمام واحتكاكها به وشدة خروجها بغتة، وفي مجيئها إلى الأرض تصير نارا، كما ترى ذلك في الرصاص إذا رمي بالمقلاع، فإنه يسخن بمحاكة الهواء ويلتهب ويذوب.» وفي كتاب «نهاية الأرب في فنون الأدب»، للنويري (أحمد بن عبد الوهاب بن محمد بن عبد الدائم القرشي التميمي البكري شهاب الدين النويري (677-733ه/1278-1333م)):

7 «وأما الصواعق فهي ما قاله الزمخشري في تفسيره: الصاعقة قصفة في رعد ينقض معها شقة من نار. وقالوا: إنها تنقدح من السحاب إذا اصطكت أجرامه. وهي نار لطيفة حديدة (حادة) لا تمر بشيء إلا أتت عليه، إلا أنها مع حدتها سريعة الخمود. على أنها متى سقطت على نخلة أحرقت عاليها. وقال صاحب كتاب مناهج الفكر ومباهج العبر في كتابه: ومن عجيب شأنها أنها تحرق ما في الكيس، ولا تحرق الكيس؛ وإن احترق فإنما يحترق باحتراق ما ذاب فيه. قال: وهي إذا سقطت على جبل أو حجر كلسته ونفذته (ربما يشير هنا إلى أحجار الصاعقة)، وإذا سقطت في بحر غاصت فيه وأحرقت ما لاقت من جوانبه.» وفي كتاب «الحيوان» يذكر الجاحظ (الجاحظ، أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (163-255ه/780-869م))، في معرض حديثه عن الصواعق:

8 «الصواعق وما قيل فيها: ومتى كان البخار حارا يابسا قدح وقذف بالنار التي تسمى الصاعقة، إذا اجتمعت تلك القوى في موضع منه، فإن كانت القوى ريحا كان لها صوت، وإن كانت نارا كانت لها صواعق، حتى زعم كثير من الناس أن بعض السيوف من خبث نيران الصواعق، وذلك شائع على أفواه الأعراب والشعراء.»

ووردت تسجيلات الأحداث التي وقعت فيها الصواعق في كثير من كتب المؤرخين العرب ضمن الأحداث التاريخية المهمة. وتناقلها المؤرخون عن بعضهم البعض، باعتبارها أحداثا جديرة بالتسجيل، لما أصابت من ضرر امتد للإنسان، والحيوان، والزروع، والمنشآت. ومن الأمثلة على ذلك، المؤرخ ابن الجوزي (أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن عبيد الله بن عبد الله بن حمادي بن أحمد بن جعفر، المتوفى سنة 597ه) الذي يورد عددا من حوادث سقوط الصواعق ضمن تأريخه للأحداث التي وقعت في زمانه والأزمنة السابقة في كتابه «المنتظم في تاريخ الملوك والأمم»؛ ففي معرض تأريخه لأحداث سنة 403ه/1012م، يذكر:

9 «وفي شعبان وقعت بالكوفة صاعقة في أثناء رعد وبرق فسقطت على حائط فرمت به.» وفي تأريخه لأحداث سنة 442ه/1051م يذكر:

10 «ووقعت في ليلة الجمعة ثاني رمضان صاعقة في حلة نور الدولة على خيمة لبعض العرب كان فيها رجلان، فأحرقت نصفها ورأس أحد الرجلين ونصف بدنه ويدا واحدة ورجلا واحدة فمات، وسقط الآخر مغشيا عليه لم يتكلم يومين وليلة ثم أفاق، وعصفت ريح شديدة وجاء مطر جود فقلعت رواسن دار الخلافة على دجلة.» ويذكر ضمن أحداث 470ه/1077م:

11 «فمن الحوادث فيها أنه وقعت صاعقة في شهر ربيع الأول في محلة التوثة من الجانب الغربي على نخلتين من مسجد فأحرقتهما، فصعد الناس فأطفئوا النار بعد أن اشتعل من سعفهما وكربهما وليفهما، فرمي به، فأخذه الصبيان وهو يشتعل في أيديهم كالشمع.» ويروى في معرض سرده أحداث سنة 479ه/1086م:

12 «وفي رجب وقعت صاعقة في خان الخليفة المقابل لباب النوبي فأحرقت جزءا من كنيسة الخان وفتتت أسطوانة حتى صارت رميما، وسقط منها مثل كباب القطن الكبار نارا فخر الناس على وجوههم، وسقطت أخرى بخرابة ابن جردة فقتلت غلاما تركيا، وسقطت أخرى على جبل آمد فصار رمادا، ووقعت صواعق في البرية لا تحصى في ديار الشام.» ويذكر ضمن أحداث سنة 569ه/1173م:

13 «وفي ربيع الأول وقعت صاعقة في نخلة بالجانب الغربي فاشتعلت النخلة.» ويذكر ضمن أحداث سنة 571ه/1175م:

Unknown page