بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الطهارة
قال أبو محمد عبد الله بن أبي زيد الفقيه: الحمدُ لله الذي بسَط نعمتَه، وأقام حُجَّتَه، وأظْهر حكمَته، وتمَّم إعْذارَه ونَذَارَته بمحمدٍ نبيِّه ﵇، فأَوْضَحَ به الدليلَ، وأنْهَج به السبيلَ، وأكْمَلَ به دِينَه، وأَوْضَح به شريعتَه، فبلَّغ إلى الناس ما أُرْسِلَ به إليهم، وبيَّن ما افْتَرَضَ اللهُ عليهم، وسَنَّ لهم وعَلَّمَهم، وأدَّبهم وأرْشَدَهم، ثم مضَى ﷺ حَمِيدًا فَقِيدًا، فأبْقَى كتابَ اللهِ لأُمَّتِه نُورًا مُبِينًا، وسُنَّته حِصْنًا حَصِينًا، وأصْحابَه حَبْلًا مَتِينًا، وجعل اللهُ سبحانه سَبِيلَهم الأَقْوَمَ، ومِنْهَاجَهم الأَسْلَمَ، وطَرِيقَتَهم الْمُثْلَى، واسْتِنْبَاطَهم الأَوْلَى، وتَوَاعَدَ مَن اتَّبَعَ غيرَ سَبِيلِهم أنْ ﴿نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ (النساء: ١١٥)، ووَسَّع لهم ولِمَن اتَّبَعَهم بإحْسان، في الاسْتِدْلالِ ممَّا أُجْمِلَ لهم مِن جَوَامِعِ الْكَلِم في كتابِه، وعلى لسانِ نبيِّه، وأَذِنَ لهم في الاجتهادِ في أحكامِهم، والحوادثِ
1 / 3
النَّازلةِ بهم، ممَّا ليس بِنَصٍّ عندهم في الكتابِ والسُّنَّةِ نَصًّا لا يُخْتَلَفُ في تَأْوِيلِهِ، وأَوْجَدَهم السَّبِيلَ إلى أنْ يَجِدُوا في الأُصول لكلِّ حادثةٍ مِثْلًا، ولكلِّ فَرْعٍ عندهم أَصْلًا، ووَسَّع له في اسْتِدْلالِهم، وعَمَّهم بالأجر في اخْتلافِهم، قال الله تعالى: ﴿فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آَتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا﴾ (الأنبياء: ٧٩)، وجعل ذلك لهذه الأُمَّةِ رَحْمَةً عَمَّهم بها، وتَوْسِعَةً وفضيلةً خَصَّهم بفَضْلِها، وجعل ما يَخْرُجُ عن اسْتِنْباطِهم، ويَتَّسِعُ فيه الاحْتمالُ في اسْتِدْلالِهم، ويَجْرِي به الاجتهادُ في حَوادثِهم، يَخْرُج إلى حلال بَيِّنٍ، أو حَرامٍ بَيِّنٍ، أو شُبْهَةٍ تُتَّقَى، وجعل الرسولُ ﵇ تَوَقِّيَ الشُّبُهاتِ أَبْرَأَ للمرءِ في سلامةِ دينهِ وعِرْضِه.
فالحمدُ للهِ الذي مَنَّ بِكِفَايتِه، وأَنْعَمَ بهدايتِه، ورَفَقَ بنا في التَّكْليفِ في عبادتِه، وجعل النجاةَ للمُتَأَخِّرين في اتِّباعِ سَبِيلِ المُتَقَدِّمين، ولم يُوَسِّعْ لِمَنْ بَعْدَهم أَنْ يَرْغَبَ عن إجْماعِهم، أو يَخْرُجَ عن اخْتلافِهم، أو يَعْدِلَ عن تَأْوِيلِهم وَمِنْهَاجِهم.
وَقد اخْتُلِفَ في إجْماعِ مَن كان بالمدينةِ من الصَّدْرِ الأوَّل، وفي اجْتماعِ الجمهورِ مِن كلِّ قَرْن، والذي ذهبْنا إليه أنَّ ذلك لا يَسَع خِلاَفُه، كالإجْمَاعِ الذي يُخَالَفُ فيه، وإن كان هذا مَقْطُوعًا به، ولا يُقْطَعُ بالأوَّل وقد أَوْرَدْنا لذلك ولِمَا يُشْبِهُه كتابًا سَمَّيْنَاه (كتابَ الاقْتِدَاء)، وقُلْنَا:
1 / 4
إنه ليس لأحدٍ أَنْ يُحْدِثَ قولًا أو تَأْويلًا لم يَسْبِقْهُ به سَلَفٌ، وإنه إذا ثَبَت عن صاحبٍ قَوْلٌ لا يُحْفَظُ عن غيرِه من الصحابةِ خِلاَفٌ له ولا وِفَاقٌ، أنَّه لا يسَع خِلافُه. وقال ذلك معَنا الشافعيُّ، وأهلُ العراقِ، فكلُّ قولٍ نَقُولُه، وتأويلٍ مِنْ مُجْمَلٍ نَتَأَوَّلُه، فعَن سَلَفٍ سَابقٍ قُلْنَا، أو مِن أَصْلٍ من الأصول المذكورةِ اسْتَنْبَطْنَا.
عَصَمَنَا اللهُ وإيَّاكم من الهَوَى، والعُدولِ عن الطريقةِ المُثْلَى، وصلَّى اللهُ على محمدٍ نبيِّه، وعلَى آلِه وسلَّم.
أمَّا بعد، يسَّرنا اللهُ وإيَّاكم لرعايةِ حُقُوقِه، وهدانا إلى توفيقِه، فقد انْتَهَى إليَّ ما رغبتَ فيه، مِنْ جَمْعِ النَّوادرِ والزِّيادات علَى ما في (المُدَوَّنة) مِن غيرِها من الأُمَّهات، مِن مَسائلِ مالكٍ وأصحابِه، وذكرْتَ ما كَثُرَ عليك مِن دَواوِينِهم، مَع رَغْبَتِك في نوادرِها وفوائدِها، وشَرْحِ مُشْكِلٍ في بعضها، واخْتلافٍ من الأقاويلِ يشتملُ عليه كثيرٌ منها، وهي مع ذلك فأكثرُها بعضُها مِنْ بعضٍ يتَكَرَّر في بَسْطِها، ويُبْسَط على كَثْرَةِ التَّبْيِين فيها، ولَعَمْرِي إنَّ العنايةَ بقليلِ ذلك كُلِّه وكثيرِه محمودةٌ، والخيرَ في ذلك كلِّه مَأْمولٌ، والحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وكُلٍّ ينْتَهِي إلى ما يُسِّرَ إليه، وأُعِين عليه، وذلك مِن اللهِ سبحانَه حكمةٌ يَنْفَعُ بها، ورحمةٌ وَسَّع فيها، وعنايةٌ يَأْجُرُ عليها، ودرجةٌ إن شاء اللهُ يَرْفَعُ بها مَنْ صَحَّتْ مَقَاصِدُه فيها، بارَك الله لنا ولك فيما يَسَّرنا إليه
والعلمُ لا يأْتِي إلاَّ بالعنايةِ والمُباحثةِ والمُلازمةِ، مع هدايةِ اللهِ وتَوْفِيقِه، قال أبو الدَّرْدَاء: العلمُ بالتَّعَلُّمِ، والحِلْمُ بالتَّحَلُّم. وقال ابنُ المُسَيَّب: إنْ كنتُ
1 / 5
لأسيرُ الليالي والأيام في طلب الحديث الواحد. وقد كان يرحل إلى المدينة في المسألة الواحدة. وقد عُنِي موسى صَلَّى الله عليه في طلب المزيد من العلم إلى ما عندَه، وقال: ﴿هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا﴾ (الكهف: ٦٦)، وأوصى لقمان ابنه بمجالسة العلماء ومزاحمتهم بالرُّكَبِ. قال مالك: أقمت خمس عشرة سنة أغدو من منزلي إلى ابن هرمز، فأقيم عنده إلى صلاة الظهر. مع ملازمته لغيره، وكثرة عنايته. وأقام ابن القاسم متغَرِّبًا عن وطنه عشرين سنة في رحلتيه، ثم لم يرجع حتى مات مالك. ومما روي عن النبي ﷺ أنَّه قال: «مَنْهُومَانِ لاَ يَشْبَعَانِ؛ مَنْهُومٌ فِي الْعِلْمِ لاَ يَشْبَعُ مِنْهُ، وَمَنْهُومٌ فِي دُنْيَا لاَ يَشْبَعُ مِنْهَا». قال ابن مسعود: لا يستويان؛ المنهوم في العلم يزداد به خشية الرحمن، والمنهوم في المال يُؤَدِّيه إلى طُغيان. وفي بعض الحديث: «اللَّهُمَّ لاَ فَقْرٌ يُنْسِينِي، ولا غِنًى يُطْغِينِي».
1 / 6
وقيل: إن طالب العلم يحتاج إلى البكور فيه، واستدامة الصبر على طلبه، وشدة الحرص عليه، وإذا كان الحريص لا يُقْلِعُ، والمنهومُ لا يَشْبَعُ، والحوادثُ تَحُولُ دون الأمل، فصرف الجُهْد والهِمَّةِ إلى ما يُتَعَجَّلُ بَرَكَتُه، مِن التَّفَقُّه في دينِ الله، وتتأجَّلُ غِبْطَتُه مِن العملِ به، أوْلَى مِن الاستكثار من الأسفار بلا تفَقُّهٍ، والتَّحَلِّي بغير تَحْقيقٍ.
قال الحسن: إن هذا الدين ليس بالتحلي ولا بالتمنِّي، ولكن ما وَقَرَ في القلوب، وصَدَّقَتْه الأعمال. قال ابن هرمز: ما طَلَبْنا هذا الأَمْرَ حَقَّ طَلَبِه. قال غيره: وأرْجَى الناسِ في نَيْلِ ما يَبْقَى مَن جَدَّ في طَلَبِه، واسْتَدامَ الصبرَ عليه وأوْطَنَه. وممَّا تَمَثَّل به سَحْنُون:
أَخْلِقُ بِذِي الصَّبْرِ أنْ يَحْظَى بِحَاجَتِهِ ... ومُدْمِنِ الْقَرْعِ لِلأَبْوَابِ أَنْ يَلِجَا
وتمثَّل غَيرُه في حَمْلِ الأسْفارِ بلا تَفَقُّهٍ، فقال:
1 / 7
زَوَامِلُ لِلأَسْفَارِ لا عِلْمَ عِنْدَهُمْ ... بِجَيِّدِهَا إِلاَّ كَعِلْمِ الأَبَاعِرِ
لَعَمْرُكَ مَا تَدْري المَطِيُّ إِذا غَدَا ... بِأَحمالِهِ أَوْ رَاحَ مَا فِي الغَرَائِرِ
وكان يُقالُ: لا يؤْخَذُ العلم من كُتُبِيٍّ، ولا القرآنُ من مُصْحَفِيٍّ. وإنْ كانت الكتبُ في آخرِ الزمانِ خزائنُ العلوم؛ فإنَّ مَفاتيحَ مَغالِقِها الصُّدورُ، وقد كان العِلْمُ في الصَّدْرِ الأوَّل خزائِنُه الصدورُ ولم تكن كُتُبٌ، وصار في آخِرِ الزمانِ أكثرُه في الكتبِ وأقَلُّه في الصدور، وكثُرت الكتبُ بالشَّرْح والتَّأْلِيد والتَّفْسير لِمَا قال أهلُ المدينةِ وكَثُر التَّقْصير، وإن كان مُتَقَدِّمُو أهلِ المدينةِ أقلَّ تَكَلُّفًا مِن غيرِهم، وكانوا أَعْلَمَ الناس بالأُصولِ مِن الأحكامِ والسُّنَنِ، وما تكلَّم فيه الصحابةُ ومَن بعدَهم من التَّأويل، وما اخْتَلَفُوا من الحوادث، وإنَّما وُلِّفَتِ الكتبُ في القرن الثالث. قال مالك: لم يكنْ عندَ ابن شهاب كتابٌ إلاَّ كتابٌ فيه نَسَبُ قومِه. وكان عند أبي قلابة حِمْلُ بغْلٍ كتبًا، وإنَّما كَثُرَ حَمْلُ الفِقْهِ عن أهل المدينة على قِلَّةِ تكَلُّفِهم للتأليف والتأليد لحاجة الناس إليهم، ولم يضعْ مالك كتابًا غير الموطَّأ، لَمَّا سأله المنصور في تأليفه، فاقتصد فيه، ولم يُكْثِر، وأنت كما ترى قلة تكلفه قد نُقِلَ عنه إلى العراق نحوٌ من سبعين ألف مسألة. قال شيوخ البغداديين: هذا غيرُ ما زاد علينا أهلُ العراق ومصر والمغرب؛ لأن أهل الآفاق كانوا يقصدون إليه رحلة وبحثًا في الفقه والحديث، مع قصد الأمراء وغيرهم من بلده وسائر البلدان، في النوازل وغيرها، فكثُرت الحاجة إليه، هذا مع كثرة توَقُّفه في الفتوى، والهروب منها، وكثرة قوله: لا أدري. فتأمَّلْ هذا
1 / 8
كلَّه يدُلُّك على جلالة حال الرَّجُل في ذلك العصر الذي كان فيه خيار الناس وكثرة الرغبة إليه، واجتماع القول على نقائه وتمامه، واختيارهم لاختياره، وذلك لما تأكَّد عند أهل العصر من جلالته في الدين، والنفاذ في الفقه والحديث، وجودة العقل والسلامة من الريب، وقد ذكرنا في كتاب (الذبِّ) عن غير شيء من مذاهبه بعض مناقبه وأحواله، ومَحَلَّه عند أئمَّة الناس في عصره، جعلنا الله وإيَّاكم ممَّن اتَّبع سبيل الذين مَضَوْا بإحسان.
وإن كان مَن تقدَّم أهل المدينة يكرهون تأليد السُّؤَال، قال مالك: لم يكن الذين مضوا أكثر الناس مسائل، وأُراهم إنَّما يكرهون التكلُّف إلى ما ينتهي إلى التنطُّع، ولا يكرهون ما يُبَيَّنُ به للمتَعَلِّم مُشْكِلًا، وما يَعرِض من النوازل، وكان يقال: إذا نزل الشيء أُعِينَ عليه صاحبه، ولعمري إن السؤال يفتح العلم. قال ابن شهاب: العلم خزائن ويفتحها السؤال. وقال غيره: السؤال نصف العلم. قال ابن عباس: يُحْتاجُ للعلم لسانٌ سئولٌ، وقلب عَقُولٌ. وربما قال زيد بن أسلم لبعض من يخلط في سؤاله: اذهب فتعَلَّمْ تَسَل، ثم تأتي.
قال أبو محمد: وذكرت -وفَّقنا الله وإيَّاك إلى مَحَابِّه- ما كَثُرَ من الكتب مع ما قلَّ من الحرص والرغبة، وضَعُفَ من الطلب والعناية، والحاجة إلى ما افترق في كثرة الكتب من شرح وتفسير وزيادة معنًى شديدة، ورَغِبْتَ في أن نستثير العزيمة وتفتح بابًا إلى شدَّة الرغبة بما رغبتَ فيه من اختصار ما افترق من ذلك في أُمَّهات الدواوين من تآليف المتعقِّبين، وذكرْتَ أن ما في
1 / 9
كتاب محمد بن إبراهيم ابن الْمَوَّاز، والكتاب المستخرج من الأسمعة، استخراج العتبي، والكتب المسماة الواضحة والسماع المضاف إليها المنسوبة إلى ابن حبيب، والكتب المسماة المَجْمُوعَة المنسوبة إلى ابن عبدوس، والكتب الفقهية من تأليف محمد ابن سحنون، أن هذه الدواوين تشتمل على أكثر ما رَغِبْتَ فيه من النوادر
1 / 10
والزيادات، ورغبتَ في استخراج ذلك منها وجَمْعِه باختصار من اللفظ في طلب المعنى، وتقصِّي ذلك وإن انبسط بعض البسط، والقناعة بما يُذْكَرُ في أحدها عن تكراره، والزيادة إليه ما زاد في غيره؛ ليكون ذلك كتابًا جامعًا لما افترق في هذه الدواوين من الفوائد، وغرائب المسائل، وزيادات المعاني على ما في المدونة، وليكون لمن جمَعه مع المدونة أو مع مختصرها مَقْنَعٌ بهما، وغِنًى بالاقتصار عليهما؛ لتَجْمع بذلك رغبَتُه، وتيتجمَّ همَّتُه، وتعظم مع قلَّة العناية بالجمع فائدته، وقد رغبتُ في العناية بذلك، لِمَا رَجَوْتُ إن شاء الله من بركة ذلك، والنفع له لمن رسمه، ولكل من تعلَّمه، وأنا أفي لك، إن شاء الله، بنوادر هذه الدواوين المذكورة، وأذكر ما أمكنني وحضرني من غيرها، وبالله نستعين في ذلك، وإيَّاه نستخير فيه، ونستمدُّه توفيقه وعصمته، ونسأله نفع ذلك وبركته، وصَلَّى الله على نبيه محمد وعلى آله وسلَّم.
واعْلَم أن أسعد الناس بهذا الكتاب مَن تقدمت له عناية، واتسعت له رواية؛ لأنه يشتمل على كثير من اختلاف علماء المالكيين، ولا يسَعُ الاختيار من الاختلاف للمُتَعلِّم ولا للمُقَصِّر، ومَن لم يكن فيه مَحْمَل الاختيار للقول لتقصيره فله في اختيار المتعقِّبين من أصحابنا من نُقَّادِهم مَقْنَعٌ، مِثْل
1 / 11
سحنون، وأصبغ، وعيسى بن دينار ومن بعدهم، مثل: ابن الْمَوَّاز، وابن عبدوس، وابن سحنون، وابن الْمَوَّاز أكثرهم تكلُّفًا للاختيارات، وليس يبلغ ابن حبيب في اختياره، وقوَّة رواياته مبلغ مَن ذكرنا، والله يهدي إلى سواء السبيل.
وأنا أذكر لك رواياتي في هذه الدواوين، فأما المُسْتَخْرَجَة من السماعات فقد حدَّثني بها أبو بكر بن محمد، عن يحيى بن عبد العزيز، عن العتبي محمد بن أحمد.
وأما المَجْمُوعَة فقد حدَّثَني بها حبيب بن الرَّبِيع، عن محمد بن بسطام، عن محمد بن عبدوس، عن سحنون، عن رجال مالك.
1 / 12
وأما كتب ابن الْمَوَّاز فروايتي عن درَّاس بن إسماعيل، عن علي بن عبد الله بن أبي مطر، عن محمد بن إبراهيم بن الْمَوَّاز، وبعضها عند عليٍّ إجازة. وأما الواضحة، والسماع فروايتي عن عبد الله بن مسرور، عن يوسف بن يحيى المغامي، عن عبد الملك بن حبيب.
وأما كتب ابن سَحْنُون، فعن محمد بن موسى، عن أبيه، عن ابن
1 / 13
سَحْنُون، وبعضها عن محمد بن مسرور، عن غير واحد من أصحاب ابن سَحْنُون، عنه.
ومختصر ابن عبد الحكم حدَّثني به محمد بن مسرور، عن المقدام، عن عبد الله. وما ذكرت فيه لبكر بن العلاء، وأبي بكر الأبهري، وأبي
1 / 14
إسحاق بن الْقُرْطِيِّ فقد كتبوا إلي به، وكلُّ ما ذكرت فيه عن ابن الجهم فقد أُخْبِرْتُ به عنه به، وكل من ذكرت فيه من غير ذلك فبروايات عندي يكثر ذكرها.
1 / 15
في غسل اليد قبل دخولها في الإناء، وتوضُّئ
النساء قبل الرجال، أو بعدهم من إناء
واحد، وذِكْر التسمية عندَ الوُضوء، ومَسْح
الوجه بالمنديل
من الواضحة وغيرها: نهى رسول الله ﷺ المستيقط من نومه أَنْ يُدخل يده في وَضوء حتى يغسلها، فقيل: إن ذلك لِمَا لعلَّه قد مسَّ من نجاسة خرجت منه لا يعلم بها، أو غير نجاسة من ما يُتَقَذَّر. وقيل أيضًا: وقد يكون ذلك لأن أكثرهم كان يستجمر بالحجارة، وقد يمَسُّ موضع ذلك. والله أعلم.
قال ابن حبيب: وقال الحسن: معنى ذلك في الجُنُب من احتلام. قال ابن حبيب: أو جُنُب لا يدري ما أصابت يده من ذلك، فإن أدخل هذا يده قبل أَنْ يغسلها أفسد الماء.
وقال مالك: ينبغي لكل متوضِّئ أن لا يدع غَسل يده عند وُضوئه، قبل أَنْ يُدخلها في الإناء على كل حال.
قال مالك في المختصر والمَجْمُوعَة، فِي مَنْ أدخل يده في الإناء قبل أَنْ يغسلها، من جُنُب أو حائض، ومن مسَّ فرجه، أو أنثييه في نوم، فلا يفسد الماء، وإن كان قليلًا، إلاَّ أَنْ يُوقن بنجاسة في يده، ولا ينبغي له ذلك وإن كانت يده طاهرة، وكذلك مَن انْتَقَضَ وُضوؤه.
ومن المَجْمُوعَة: روى ابن القاسم، وابن وهب، عن مالك في الجُنُب
1 / 16
يَمَسُّ فرجَه بيمينه، ثم يُدخلها في الإناء قبل أَنْ يغسلها، ولا يعلم أنَّه أصابت يده شيئًا، قال: يُبْدِلُ ذلك الماء، وما ينبغي له أَنْ يَمَسَّ فرجه بيمينه.
ومن الْعُتْبِيَّة قال ابن القاسم، عن مالك فِي مَنْ قام من النوم، فيُدخل يده في إنائه، قال: لا بأس به ومثله الجَرَّةُ يستيقظ أهل البيت، فيغرفون منها، ويُدخلون أيديهم.
قال أشهب: استحبَّ مالك للمتوضِّئ أَنْ يُفْرِغ على يده اليمنى، ثم يغسلها. وذكره ابن نافع، عن مالك في المَجْمُوعَة.
قال عيسى عن ابن القاسم: أَحَبُّ إليَّ كما جاء في الحديث، يُفْرِغُ على يديه فيغسلهما ثلاثًا، فإن غسل يمينه، ثم أدخلها في الإناء أجزأه.
قال ابن حبيب يغسل اليمنى ثم يُفْرِغُ بها على اليسرى في الاستنجاء، ثم يغسلها فيُنَقِّيها من الاستنجاء، ثم يتمضمض، ويستنشق.
قال عبد الملك بن الحسن، في الْعُتْبِيَّة، عن ابن وهب: ومن
1 / 17
استنجى ثم قطر منه بول، فحلب ذَكَرَه، فليعد غسل يده قبل أَنْ يُدخلها في الإناء، وكذلك مَن أتَمَّ وضوءه، ثم خرج منه ريح، قاله مالك استحبابًا. وقال أشهب: ليس ذلك عليه إن لم تُصِبْ يده نجاسة، وعَهْدُه بالماء قريب، إلاَّ أَنْ يبعد ذلك.
قال أبو زيد، عن ابن القاسم: ولو أحدث بعد غسل وجهه ويديه، فليُفْرِغ على يده، ثم يأتنف الوضوء. قال عنه عيسى: ذلك أَحَبُّ إِلَيَّ.
ومن المَجْمُوعَة، قال ابن وهب، وابن نافع، عن مالك، في المتوضِّئ يخرُج منه ريح ويده طاهرة، فيريد الوضوء، قال: يغسل يده أَحَبُّ إليَّ.
قال عنه ابن نافع: إلاَّ أَنْ يكون عهده بالماء قريبًا.
قال ابن وهب: وقد قال قبل ذلك: لا بأس أَنْ يُدخلها إذا كانت طاهرة.
قال عنه عليٌّ: إذا توضَّأ وغسل يديه، ثم قطر منه بول، أو خرَج منه ريح، فليغسل يده، أفضل في الاحتياط، وإن لم يفعل فذلك واسع.
قال عنه ابن نافع فيها، وفي الْعُتْبِيَّة، فِي مَنْ وجد نهرًا سائلًا، أو غديرًا، ولا يجد ما يأخذ به منه لِيَصُبَّ على يده، فيُدخل يده فيه، ولا يأخذ بفيه، وليس ذلك من عمل الناس أَنْ يأخذ بفيه فيَصُبَّه على يديه.
ومن الْعُتْبِيَّة، قال موسى بن معاوية، عن ابن القاسم، في الرَّجُل
1 / 18
يَرِدُ الحوض فيه الماء، وليس معه إلاَّ ثوب نجس، وليس معه ما يأخذ به، ويده قَذرة، أيتيمَّم ولا يُدخل يده فيه، أو يدخل يده فيه ويتوضَّأ؟ قال: يَحتال إما بثوب وإما بفيه، أو ما قدر عليه، فإن لم يقدر على حيلة فلا أدري ما أقول فيها، إلاَّ أَنْ يكون ماء كثيرًا مَعِينًا، فلا بأس أَنْ يغتسل فيه.
ومن المَجْمُوعَة، قال ابن نافع، عن مالك، في الخدم يُدخلون أيديهم في الماء من غير غَسل، قال: لا يَضُرُّ ذلك الماء.
قال عنه عليٌّ: قال ابن عمر: كان النساء والرجال يتوضَّأون من إناء واحد بعهد النبي ﵇. قال مالك: يتوضَّأ الرجال، ثم يأتي النساء فيتوضَّأون.
قال عنه ابن وهب: كان لزيد بن أسلم مِرْكَنٌ يتوضَّأ منه هو وأهله، وكان
1 / 19
مثله لسعد بن أبي وقاص، قال: وربما توضَّأنا بفضلهن.
قال مالك: ولا خير في هذا التقَزُّز والتنجُّس، وأَحَبُّ إليَّ أَنْ يكون لهم قدح يغرفون به.
قال عليٌّ: قال مالك: ما أعرف التسمية في الوضوء. وأنكرها، واستحبَّ ذلك علي بن زياد، وقاله سفيان.
قال ابن حبيب: وما روي: «أنه لا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يُسَمِّ اللهَ». أراه يعني أَنْ يكون نيَّتُه، ويحتمل تسمية الله سبحانه في ابتدائه، وأَحَبُّ إليَّ أَنْ يسمِّي، وقد روي ذلك.
قال غيره: ولا يأتي من طريق يصِحُّ، والتسمية في كل شيء حسنة.
ومن المَجْمُوعَة قال ابن نافع، عن مالك: وَلا بَأْسَ بالسواك بعد الوضوء.
قال عنه عليٌّ: لا بأس بالوضوء بفضل السواك.
قال في المختصر: ومَن تسوَّك بأصبعه فلا بأس أَنْ يُعِيدَ في وضوئه.
قال عنه ابن نافع في المَجْمُوعَة: وأَحَبُّ إليَّ أَنْ يغسلها، وأرجو أَنْ يكون واسعًا.
قال ابن حبيب: ويُكْرَهُ السواك بعُود الرُّمَّان والريحان.
ومن الْعُتْبِيَّة، والمجموع، قال ابن القاسم، عن مالك: وإذا لم
1 / 20
يَجِد سواكًا فالأصبع يجزئ من السواك.
ومن المَجْمُوعَة، قال ابن القاسم عن مالك: قال محمد بن يحيى بن حَبَّان: أدركتُ رجالًا من أهل العلم، تكون معهم أسوكة يتسوَّكون بها لكل صلاة.
قال في الْعُتْبِيَّة ابن القاسم، عن مالك: لا بأس أَنْ يمسح وجهه بخرقة من ماء الوضوء، وإنِّي لأفعله. قيل: نهى عنه بلال بن عبد الله بن عمر. فأنكر ذلك، وقال: ولو قاله بلال أيؤخذ ذلك منه!
قال عنه عليٌّ في المَجْمُوعَة، قال: قلت أَفَيَفْعَلُ ذلك قبل غَسْل رجليه، ثم يغسل رجليه بعد؟ قال: نعم، وإني لأفعل ذلك.
في الاستنجاء والاستجمار، واستقبال القبلة
للبخلاء والوطء، وذكر الارتياد للحاجة،
وذكر الوسوسة والاستنكاح
من المختصر قال مالك: لا تُسْتَقْبَلُ القبلة، ولا تُسْتَدْبَرُ لبول، أو غائط، في الفلاة، والسطوح التي يَقر أَنْ ينحرف فيها، فأما المراحيض التي عُمِلَت فلا بأس بذلك فيها.
1 / 21
قال غيره: وقد رأى ابن عمر النبي ﷺ على لبنتين مستقبل بيت المقدس لحاجته.
قال ابن حبيب: قال عطاء ك ويُكْره أَنْ يطأ الرَّجُل امرأته مستقبل القبلة. قال ابن حبيب: يعني إذا أصحر بذلك.
ويُكره أَنْ يتغوَّط في ظلال الجُدُر والشجر وقارعة الطريق، وضَفَّة الماء، وقربه، ولا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض.
قال غيره: ويستتر بما وجد من هدف أو جدار أو حائط نخل.
قال ابن حبيب: ولا يُكره البول قائمًا في الموضع الدَّمِثِ لا يتطاير، وَلا بَأْسَ بالبول في الماء الجاري، ويُكره في الراكد وإن كثر، ويُكره أَنْ يبول في المَهْوَاةِ، وليبل دونها، ويجري إليها، وذلك من ناحية الجانِّ ومساكنها. وَلا بَأْسَ أَنْ يبول في موضع غُسله إن أتبعه ماء، وكان منحدرًا. واللذان يذهبان إلى الخلاء فليتباعدا، وكُره أَنْ يتقاربا.
وفي كتاب آخر: ويُكره أَنْ يتحدَّث على طرفيهما، ولا يتكلَّم الرَّجُل على طرفه.
ومن المَجْمُوعَة قال ابن نافع: وبال ابن عمر قائمًا من كِبَرٍ، وبال ابن المسيب قائمًا.
قال غيره: وبال النبي ﷺ قائمًا. ونهى أَنْ يَأْخُذَ فَرْجَه
1 / 22