سليمان بن عبد الملك وعمر بن عبد العزيز
قال سليمان بن عبد الملك لعمر بن عبد العزيز - وقد أعجبه سلطانه: كيف ترى ما نحن فيه؟ فقال عمر: سرور لولا أنه غرور، وحرم لولا أنه عدم، وملك لولا أنه هلك، وحياة لولا أنه موت، ونعيم لولا أنه عذاب أليم! فظهر في وجه سليمان الكآبة من كلام عمر، ولم ينتفع بنفسه بعد ذلك.
مروءة عمر بن عبد العزيز
قام عمر بن عبد العزيز يوما وأصلح السراج لجلسائه، فقال أحدهم: ألا أمرتني يا أمير المؤمنين، فكنت أكفيك إصلاحه؟ فقال: ليس من المروءة أن يستخدم المرء جليسه، قمت وأنا عمر ورجعت وأنا عمر.
عمر بن عبد العزيز والسكارى
قال المدائني: بينما أبرهة بن الصباح الكندي عند عمر بن عبد العزيز وإذا بفتية سكارى لهم جمال وحشمة، فأمر عمر بضربهم، فقال أبرهة: بالله أيها الأمير، لا تفضح هؤلاء بمصرنا. فقال: إني أقيم الحق فيهم وفي غيرهم واحدا. فقال أبرهة: يا غلام آتني من شرابهم في القدح فناوله قدحا فشمه وشربه، وقال: أصلح الله الأمير، ما نشرب في بيوتنا على عادتنا إلا من هذا. قال: أطلقوهم. فلما خرج أبرهة قيل له: أتشرب الخمر؟! قال: الله يعلم أني ما شربتها قط، ولكن كرهت أن يفضح مثل هؤلاء في بلدة أنا فيها.
عمر بن عبد العزيز والحسن البصري
كتب عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة إلى الحسن بن أبي الحسن البصري أن يكتب إليه بصفة الإمام العادل، فكتب إليه:
اعلم يا أمير المؤمنين، أن الله جعل الإمام العادل قوام كل مائل، وقصد كل جائز، وصلاح كل فاسد، وقوة كل ضعيف، ونصفة كل مظلوم، ومفزع كل ملهوف، والإمام العادل - يا أمير المؤمنين - كالراعي الشفيق على إبله، الرفيق الذي يرتاد له أطيب المرعى، ويذودها عن مراتع التهلكة، ويحميها من السباع، ويكتنفها من أذى الحر والقر، والإمام العادل - يا أمير المؤمنين - كالأب الحاني على ولده، يسعى لهم صغارا، ويعينهم كبارا، يكتسب لهم حياته، ويذخر لهم بعد مماته، والإمام العدل - يا أمير المؤمنين - كالأم الشفيقة البرة الرفيقة بولدها، حملته كرها ووضعته كرها، وربته طفلا، تسهر بسهره، وتسكن بسكونه، ترضعه تارة وتفطمه أخرى، وتفرح بعافيته وتغتم بشكايته، والإمام العدل - يا أمير المؤمنين - وصي اليتامى، وناصر المساكين، يربي صغيرهم، ويحمي كبيرهم، والإمام العدل - يا أمير المؤمنين - كالقلب بين الجوانح؛ تصلح الجوانح بصلاحه، وتفسد بفساده، والإمام العدل - يا أمير المؤمنين - هو القائم بين الله وبين عباده، ويسمع كلام الله، ويسمعهم، وينظر إلى الله، ويريهم، وينقاد إلى الله، ويقودهم، فلا تكن يا أمير المؤمنين، فيما ملكك الله كعبد ائتمنه سيده واستحفظه ماله وعياله؛ فبدد المال وشرد العيال، فأفقر أهله، وفرق ماله، واعلم - يا أمير المؤمنين - أن الله أنزل الحدود؛ ليزجر بها عن الخبائث والفواحش، فكيف إذا أتاها من بابها؟! وأن الله أنزل القصاص حياة لعباده، فكيف إذا قتلهم من يقتص لهم؟! فاذكر يا أمير المؤمنين الموت وما بعده، وقلة أشياعك عنده وأنصارك عليه، فتزود له لما بعده من الفزع الأكبر، واعلم يا أمير المؤمنين، أن لك منزلا غير منزلك الذي أنت فيه، يطول فيه ثواؤك، ويفارقك أحباؤك، يسلمونك في قصره فريدا وحيدا، فتزود لهما، يصحبك يوم يفر المرء من أخيه، وأمه وأبيه، وصاحبه وبنيه، واذكر - يا أمير المؤمنين - إذا بعث من في القبور، وحصل ما في الصدور، فالأسرار ظاهرة، والكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، فالآن - يا أمير المؤمنين - وأنت في مهل قبل حلول الأجل، وانقطاع الأمل، لا تحكم - يا أمير المؤمنين - في عباد الله حكم الجاهلين، ولا تسلك بهم سبيل الظالمين، ولا تسلط المستكبرين على المستضعفين؛ فإنهم لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة، فتبوء بأوزارك وأوزار مع أوزارك، وتحمل أثقالك وأثقالا مع أثقالك، ولا يغرنك الذين يتنعمون بما فيه بؤسك، ويأكلون الطيبات في دنياهم بإذهاب طيباتك في آخرتك، لا تنظر إلى قدرتك اليوم، ولكن انظر إلى قدرتك غدا وأنت مأسور في حبائل الموت، وموقوف بين يدي الله في مجمع من الملائكة والنبيين والمرسلين، وقد عنت الوجوه للحي القيوم، إني - يا أمير المؤمنين - وإن لم أبلغ بعظتي ما بلغه أولو النهى من قبلي فلم آلك شفقة ونصحا، فأنزل كتابي إليك كمداوي حبيبه، يسقيه الأدوية الكريهة؛ لما يرجو له في ذلك من العافية والصحة، والسلام.
عمر بن عبد العزيز والعجوز
Unknown page