أبو حنيفة والأعرابي
قال يحيى بن جعفر: سمعت أبا حنيفة يقول: احتجت إلى ماء بالبادية، فجاءني أعرابي ومعه قربة من أهله، فأبى أن يبيعها إلا بخمسة دراهم، فدفعت إليه خمسة دراهم، وقبضت القربة، ثم قلت: يا أعرابي ما رأيك في السويق؟ فقال: هات. فأعطيته سويقا ملتوتا بالزيت، فجعل يأكل حتى امتلأ، ثم عطش، فطلب شربة، فقلت: بخمسة دراهم. فلم أنقصه من خمسة دراهم على قدر من ماء، فاسترددت الخمسة، وبقي معي الماء.
عضد الدولة ومستودع العقد والعطار
قال ابن الجوزي: بلغني أن رجلا قدم إلى بغداد للحج، وكان معه عقد من الحب يساوي ألف دينار، فاجتهد في بيعه، فلم يتفق له، فجاء إلى عطار موصوف بالخير فأودعه إياه، ثم حج وعاد فأتاه بهدية، فقال له العطار: من أنت؟ وما هذا؟ فقال: أنا صاحب العقد الذي أودعتك إياه. فما كلمه حتى رفسه رفسة رماه عن دكانه، وقال: تدعي علي مثل هذه الدعوى ؟! فاجتمع الناس للحاج وقالوا: ويلك! هذا الرجل خير ما لحقت من تدعي عليه مثل هذه الدعوى! فتحير الحاج، فما زادوه إلا شتما وضربا، فقيل له: لو ذهبت إلى عضد الدولة فله في هذه الأشياء فراسة. فكتب قصته ورفعها لعضد الدولة، فصاح به فجاء، فسأله عن حاله، فأخبره بالقصة، فقال: اذهب إلى العطار بكرة واقعد؛ فإن منعك فاقعد على دكة تقابله من بكرة إلى المغرب ولا تكلمه، وافعل هكذا ثلاثة أيام، فإني أمر عليك في اليوم الرابع وأقف وأسلم عليك فلا تقم لي، ولا ترد علي السلام، وجواب ما أسألك عنه، فإذا انصرفت فأعد عليه ذكر العقد، ثم أعلمني ما يقول لك، فإن أعطاكه فجئ به إلي.
قال: فجاء إلى دكان العطار ليجلس فمنعه، فجلس بمقابلته ثلاثة أيام، فلما كان في اليوم الرابع اجتاز عضد الدولة في موكبه العظيم، فلما رأى الخراساني وقف وقال: سلام عليكم. فقال الخراساني ولم يتحرك: وعليكم السلام. فقال: يا أخي، تقدم فإنك لا تأتي إلينا ولا تعرض حوائجك علينا! فقال كما اتفق ولم يتبعه الكلام، وعضد الدولة يسأله وقد وقف ووقف العسكر كله، والعطار قد أغمي عليه من الخوف، فلما انصرف التفت العطار إلى الحاج، فقال: ويحك متى أودعتني هذا العقد؟ وفي أي شيء كان ملفوفا؟ فذكرني لعلي أذكره! فقال: من صفته كذا وكذا، فقام ومشى ثم هز جرة عنده فوقع العقد، فقال: كنت نسيت ولم تذكرني الحال ما ذكرت! فأخذ العقد ثم قال: وأي فائدة لي في أن أعلم عضد الدولة؟ ثم قال في نفسه لعله يشتريه، فذهب إليه فأعلمه، فبعث به مع الحاجب إلى دكان العطار، فعلق العقد في عنق العطار، وصلبه بباب الدكان، ونودي عليه: هذا جزاء من استودع فجحد. فلما ذهب النهار أخذ الحاجب العقد فسلمه إلى الحاج، وقال: اذهب.
مصعب بن الزبير والمرأة
كان مصعب بن الزبير من أحسن الناس وجها، وكان جالسا بفناء داره يوما بالبصرة، فجاءت امرأة فوقفت تلح النظر إليه، فقال: ما وقوفك يا أمة الله؟ فقالت: طفئ مصباحنا فجئنا نقتبس من وجهك مصباحا!
آكل المشمش والطبيب
بينما كان أحد الخبازين يخبز في تنوره بمدينة دمشق؛ إذ عبر عليه رجل يبيع المشمش، فاشترى منه، وجعل يأكل بالخبز الحار، فلما فرغ سقط مغشيا عليه، فنظروا فإذا هو ميت، فجعلوا يتربصون به، ويحملون له الأطباء، فيلمسون دلائله ومواضع الحياة منه، فقضوا بأنه ميت، فغسل وكفن وحمل إلى الجبانة، فبينما هم خارجون من باب المدينة استقبلهم طبيب يقال له: البيرودي وكان حاذقا ماهرا، فسمع الناس يلهجون بقصته، فقال لهم: أنزلوه حتى أراه. فجعل يقلبه وينظر أمارات الحياة التي يعرفها، ثم فتح فمه وأسقاه شيئا فتقيأ، واندفع ما هنالك يسيل، وإذا بالرجل قد فتح عينيه وتكلم وعاد كما كان إلى دكانه.
عبد الله بن جعفر والغلام
Unknown page