القسم الأول
النوادر الأدبية
الثقلاء
آباء وأبناء
مع الحكماء
نوادر منوعة
القسم الثاني
في محاسن المحبوب
رباعيات
القسم الثالث
Unknown page
في وصف الشعر
القسم الرابع
في العزل
القسم الخامس
في بعض منظومات لجامع الكتاب
ملحق بالكتاب
القسم الأول
القسم الثاني
القسم الثالث
القسم الرابع
Unknown page
القسم الخامس
القسم السادس
المصادر
القسم الأول
النوادر الأدبية
الثقلاء
آباء وأبناء
مع الحكماء
نوادر منوعة
القسم الثاني
Unknown page
في محاسن المحبوب
رباعيات
القسم الثالث
في وصف الشعر
القسم الرابع
في العزل
القسم الخامس
في بعض منظومات لجامع الكتاب
ملحق بالكتاب
القسم الأول
Unknown page
القسم الثاني
القسم الثالث
القسم الرابع
القسم الخامس
القسم السادس
المصادر
النوادر المطربة
النوادر المطربة
تأليف
إبراهيم زيدان
Unknown page
القسم الأول
النوادر الأدبية
الأذكياء في مجلس عمر
كان زياد جالسا بمجلس عمر، فأملى عمر على كاتبه كتابا سرا، فكتب الكاتب خطأ، فقال زياد: يا أمير المؤمنين، إنه كتب غير ما أمليته، فتناول عمر الكتاب فوجد الأمر كما قال زياد، فقال عمر لزياد: من أين علمت هذا؟ قال زياد: سمعت كلامك ورأيت حركة قلمه فلم أر بينهما اتفاقا.
ذكاء بهلول
مر بهلول بقوم في أصل شجرة يستظلون بفيئها، فقال بعضهم لبعض: تعالوا حتى نسخر على بهلول، فلما اجتمعوا به قال أحدهم: يا بهلول، تصعد هذه الشجرة وتأخذ من الدراهم عشرة، قال: نعم، فأعطوه الدراهم، فصرها في كمه ثم قال: هاتوا سلما، فقالوا: لم يكن في شرطنا سلم، قال: إن شرطي هو دون شرطكم.
عندك كام سنة؟
قال رجل لهاشم بن القرطي: كم تعد؟ قال: من واحد إلى ألف ألف وأكثر، قال: لم أرد هذا، قال: فما أردت؟ فقال: كم تعد من السن؟ قال: اثنين وثلاثين سنا من أعلى وستة عشر من أسفل، قال: لم أرد هذا؟ قال: فما أردت؟ قال: كم لك من السنة؟ قال: ما لي منها شيء، كلها لله عز وجل، قال: فما سنك؟ قال: عظم، قال: فابن كم أنت؟ قال: ابن اثنين، أب وأم، قال: فكم أتى عليك؟ قال: لو أتى علي شيء لقتلني ، قال: فكيف أقول؟ قال: قل «كم مضى من عمرك».
الكرماء يد بيضاء
أتى روح ابن حاتم برجل كان متلصصا في الطريق، فأمر بقتله فقال: أصلح الله الأمير، لي عندك يد بيضاء، قال: وما هي؟ قال: إنك جئت يوما إلى مجمع موالينا «بني نهشل» والمجلس حافل، فلم يتحفز لك أحد، فقمت من مكاني، ثم جلست فيه، قال ابن حاتم: صدق، وأمر بإطلاقه، وولاه تلك الناحية وضمنه إياها.
Unknown page
هبة يزيد بن مزيد
قال بعضهم: كنا مع يزيد بن مزيد، فإذا نحن بصارخ في الليل ينادي قائلا: يا يزيد بن مزيد، فقال يزيد: علي بالصارخ، فلما جيء به قال له: ما حملك على النداء بهذا الاسم؟ فقال: نقبت دابتي ونفدت نفقتي وسمعت قول الشاعر فتمنيت به، فقال له: وما قال الشاعر؟ فأنشده:
إذا قيل من للمجد والجود والندى
فناد بصوت يا يزيد بن مزيد
فلما سمع مقاله هش له وقال: أتعرف يزيد بن مزيد؟ قال: لا ...
قال: أنا هو يزيد، وأمر له بفرس أبلق كان معجبا به وبألف درهم وصرفه.
أكرم الأمة
دخل جعيفران - واسمه جعفر بن علي كركزي - على أبي دلف فأنشده:
يا أكرم الأمة موجودا
ويا أعز الناس مفقودا
Unknown page
لما سألت الناس عن سيد
أصبح بين الناس محمودا
قالوا جميعا إنه قاسم
أشبه آباء له صيدا
لو عبد الناس سوى ربهم
لكنت في العالم معبودا
فقال له: أحسنت يا غلام، أعطه ألف درهم، فقال: أيها الأمير، وما أصنع بها؟ مر الغلام يأخذها ويعطيني منها كل يوم عشرة دنانير إلى أن تنفد، قال أبو دلف: أعطوه الألف، ومتى جاء أعطوه ما سأل، فأكب جعيفران على يديه يقبلهما وخرج شاكرا حامدا.
مروءة ابن جعفر
كان عبد الله بن جعفر من الأجواد الذين يعمون بجودهم طوائف العباد، فانتهى به إلى الإفلاس وضيق عليه، إلى أن سأله رجل فقال له: إن حالتي متغيرة بجفوة السلطان وحوادث الزمان، ولكنني أعطيك ما أمكنني، فأعطاه رداء كان عليه، ثم دخل منزله وقال: اللهم استرني بالموت، فما مر بعد دعوته إلا أيام حتى مرض ومات.
لله در بني سليم
Unknown page
وفد عمرو بن معدي كرب الزبيدي على مجاشع بن مسعود السلمي، وكان بين عمرو وبني سليم حروب في الجاهلية، فقدم عليه في البصرة يسأله الصلة، فقال له: اذكر حاجتك، فقال له: حاجتي صلة مثلي، فأعطاه عشر آلاف درهم وفرسا من بنات الغبراء وسيفا جرارا ودرعا حصينة وغلاما خبازا، فلما خرج من عنده قال له أهل المجلس: كيف وجدت حاجتك؟ قال: لله در بني سليم، ما أشد في الهجاء لفاءها وأكثر في الأواء عطاءها وأثبت في المكرمات بناها.
الكريم والعاشق
رجع أسماء بن خارجة يوما إلى داره فرأى فتى بالباب جالسا فقال: ما أجلسك هاهنا؟ قال: خير، قال: والله لتخبرني، قال: جئت سائلا أهل هذه الدار ما آكل، فخرجت إلي جارية اختطفت قلبي وسلبت عقلي، فأنا جالس لعلها تخرج ثانية فأنظر إليها، قال: أتعرفها إذا رأيتها؟ قال: نعم فدعا كل من في الدار من الجواري وجعل يعرضهم عليه واحدة بعد أخرى حتى مرت الجارية، فقال: هذه فقال: قف مكانك حتى أخرج إليك، ثم دخل وخرج والجارية معه فقال للفتى: إنما أبطأت عليك لأنها لم تكن لي إنما كانت لإحدى بناتي، ولم أزل بها حتى ابتعتها منها، خذ بيدها فإني قد وهبتها لك، وهذه الألف أصلح بها من شأنك.
إكرام النفس
قال الأصمعي: اجتزت في بعض سكك الكوفة، فإذا برجل قد خرج من الحي وعلى كتفه جرة وهو ينشد ويقول:
وأكرم نفسي إنني إن أهنتها
وحقك لم تكرم على أحد بعدي
فقلت له: تكرمها بمثل هذا، فقال: نعم، وأستغني عن سفيه مثلك إذا سألته يقول صفح الله لك، فقلت: تراه عرفني، فأسرعت فصاح بي يا أصمعي، فالتفت إليه فقال:
لنقل الصخر من قلل الجبال
أحب إلي من منن الرجال
Unknown page
يقول الناس كسب فيه عار
وكل العار في ذل السؤال
الثقلاء
الثقيل والدواء
قيل لمحمد بن زكريا الرازي: أيهما أمر؟ الثقيل المبرم أم شرب الدواء الكريه الرائحة المر الطعم؟ فقال: ما أكسب الدواء إن أعقبه الشفاء، فإن مجالسة الثقيل تجلب الإسقام وتحل الأجسام وتورث الأحزان وتؤلم الأبدان وتهد الأركان، وشرب الدواء يجلو الأجسام ويحلل الإسقام ويدفع الأحزان وينشط الكسلان ويقوي الأبدان.
الضيف الثقيل
دخل ثقيل على الصاحب بن عباد فأطال الجلوس وأبرم في المحادثة، فكتب الصاحب رقعة وأعطاه إياها فقرأها فإذا فيها:
إن كنت تزعم أن الدار تملكها
حتى نقوم فنبغي غيرها دارا
أو كنت تعلم الدار أملكها
Unknown page
فقم لكي تذهب الأشجان والعارا
وثقيل آخر
قصد حماد الراوية دار مطيع إياس، فكتب إليه يسأله الدخول عليه:
هل لذي حاجة إليك سبيل
لا يطيل الجلوس فيمن يطيل
فلما قرأها أجابه:
أنت يا صاحب الكتاب ثقيل
وكثير من الثقيل القليل
آباء وأبناء
عدي بن حاتم وابنه
Unknown page
حكي أن عدي بن حاتم الطائي أقام مأدبة فقال لولده - وكان صغيرا -: يا ولدي، أقم على الباب، وأذن لمن تعرف وامنع من لا تعرف، فقال: والله لا يكون أول شيء وليته من أمر الدنيا منع أحد عن طعام، فقال عدي: والله يا ولدي أنت أكرم مني وأفطن، افتحوا الباب لمن شاء فليدخل.
أعرابي يرثي ولده
إذا ما دعوت الصبر بعدك والبكا
أجاب البكا طوعا ولم يجب الصبر
فإن تقطعي منك الرجاء فإنه
سيبقى عليك الحزن ما بقي الدهر
وقال آخر:
بني لئن ضنت جفون بمائها
لقد قرحت مني عليك جفون
دفنت بكفي بعض نفسي فأصبحت
Unknown page
وللنفس منها دافن ودفين
وأعرابي آخر يرثي ابنه
مات ابن الأعرابي فاشتد حزنه عليه، وكان الأعرابي يكنى به فقيل له: لو صبرت لكان عظم ثوابك، فقال:
بأبي وأمي من عبأت حنوطه
بيدي وودعني بمساء شبابه
كيف السلو وكيف صبري بعده
وإذا دعيت فإنما أكنى به
الأم الثكلى
قيل لأعرابية مات ولدها: ما أحسن عزائك؟ قالت: إن فقدي إياه أمتني فقد كل سواه، وإن مصيبتي به هونت علي المصائب بعده، ثم أنشدت تقول:
كنت السواد لناظري
Unknown page
فعمي عليك الناظر
من شاء بعدك فليمت
فعليك كنت أحاذر
ليت المنازل والديا
ر حفائر ومقابر
إني وغيري لا محا
لة حيث صرت لصائر
مع الحكماء
كاتب ونديم
فاخر كاتب نديما فقال: أنا للجد وأنت للهزل، أنا للحرب وأنت للسلم، أنا للشدة وأنت للذة، فقال له نديم: أنا للنعمة وأنت للخدمة، أنا للحضرة وأنت للمهنة، تقوم وأنا جالس، وتحتشم وأنا مؤانس، تذوب لراحتي وتشقى لما فيه سعادتي، وأنا شريك وأنت معين، كما أنك تابع وأنا قرين.
Unknown page
معلم المعلم
قال عمر بن عتبة لمعلم ولده: ليكن أول إصلاحك لولدي إصلاحك لنفسك؛ فإن عيونهم معقودة بعينيك، فالحسن عندهم ما أحببت والقبيح عندهم ما تركت، علمهم كتاب الله ولا تملهم منه فيتركوه ولا تتركهم فيه فيهجروه، روهم من الحديث أشرفه ومن الشعر أعفه، ولا تنقلهم من علم إلى علم حتى يحكموه؛ فإن ازدحام الكلام في القلب مشغل للفهم، وعلمهم سنن الحكماء وجنبهم محادثة السفهاء، ولا تتكل على عذر مني لك، فقد اتكلت على كفاية منك.
معافى ومبتلى
مرض عمر بن العلاء فدخل عليه رجل من أصحابه فقال له: أريد أن أساهرك الليلة قال له: أنت معافى وأنا مبتلى، فالعافية لا تدعك تسهر والبلاء لا يدعني أن أنام، وأسأل الله أن يهب لأهل العافية الشكر، ولأهل البلاء الصبر.
الراهب
قال عمر البناني: مررت براهب في مقبرة وفي كفه اليمنى حصى أبيض وفي اليسرى حصى أسود، فقلت: يا راهب، ماذا تصنع هاهنا؟ فقال: إذا فقدت قلبي أتيت المقابر فاعتبرت بمن فيها، قال: وما هذه الحصى التي في كفك؟ قال: أما الحصى الأبيض فإذا عملت حسنة ألقيت واحدة منها في الأسود، وإذا عملت سيئة ألقيت من هذا الأسود واحدة في الأبيض، فإذا كان الليل نظرت، فإن زادت الحسنات على السيئات أفطرت وقمت إلى وردي، وإن زادت السيئات على الحسنات لم آكل طعاما ولم أشرب شرابا في تلك الليلة، هذه هي حالتي والسلام.
الزاهد
قال محمد بن رافع: أقبلت من بلاد الشام، فبينما أنا في بعض الطريق رأيت فتى عليه جبة من صوف وبيده ركوة فقلت: أين تريد؟ قال: لا أدري، قلت: من أين جئت؟ قال : لا أدري، فظننته موسوسا، فقلت: من خلفك؟ فاصفر لونه حتى خيل كفه قد صبغ بالزعفران، ثم قال: حلفني من لا يغيب عنه مثقال ذرة مما في الأرض والسماء، فقلت: رحمك الله، أنا من إخوانك، وممن يأنس إلى أمثالك فلا تقبض مني، فقال: إني والله أود لو جاز لي نزل القفار حتى أنفرد في واد سحيق صعب المنال أو في غابة لعلي أجد قلبي ساعة يسلو عن الدنيا وأهلها.
فقلت: وما جنت عليك الدنيا حتى استحقت منك هذا البغض؟ فقال: جناياتها العمى عن جناياتها، فقلت: هل من دواء تعالج به من هذا العمى؟ فقال: ما أراك على هذا العلاج، فاستعمل الدواء أصبره.
فقلت: صف دواء لطيفا، قال: فما دوائك؟ قلت: حب الدنيا، فتبسم وقال: أي داء أعظم من هذا، ولكن أشرب السموم الطرية والمكاره الصعبة، قلت: ثم ماذا؟ قال: ثم الوحشة التي لا أنس فيها والفرقة التي لا اجتماع معها.
Unknown page
قلت: ثم ماذا؟ قال: السلوى عما تريد والصبر عما تحب، فإن أردت فاستعمل هذا وإلا فتأخر واحذر الغش؛ فإنه كقطع الليل المظلم، قلت له: دلني على عمل يقربني إلى الله عز وجل، فقال: يا أخي، قد نظرت في جميع العبادات فلم أر أفضل من البر والإحسان، ثم غاب عني ولم أره.
نعم الصديق
يحكى أن رجلا أراد صحبة إنسان فسأل بعض أصدقائه عنه فأنشده:
كريم يميت السر حتى كأنه
إذا استخبروه عن حديثك جاهله
ويبدي لكم حبا شديدا وهيبة
وللناس أشغال وحبك شاغله
قال مثل هذا ينبغي أن تناط بمحبته القلوب ويطلع على خفايا السرائر والغيوب.
ذل المعصية وعز الطاعة
قال أبو علي الدقاق: ظهرت علة ليعقوب بن الليث أعيت الأطباء فقالوا له: في ولايتك رجل صالح يسمى سهيل بن عبد الله، لو دعا لك لعل الله سبحانه يستجيب له، فاستحضره وقال له: ادع الله سبحانه وتعالى لي، فقال سهيل: كيف يستجيب الله دعائي فيك وفي حبسك مظلوم؟ فأطلق كل من كان في حبسه، فقال سهيل عندئذ: اللهم كما أريته ذل المعصية فأره عز الطاعة، وخرج عنه فعوفي بعد مدة، واستدعى سهيل وعرض عليه مالا فأبى أخذه.
Unknown page
الراهب وحب الدنيا
قال عبد الواحد بن زيد: مررت بصومعة راهب من رهبان الصين، فناديته: يا راهب، فلم يجبني، فناديته ثانية فلم يجبني، فناديته ثالثة فأشرف علي وقال: يا هذا، ما أنا براهب، إنما الراهب من رهب الله عز وجل في سمائه وعظمه في كبريائه ورضي بقضائه وحمده على آلائه وشكره على نعمائه وتواضع لعظمته وذل لعزته واستسلم لقدرته وخضع لهيبته وفكر في حسابه وعقابه، فنهاره صائم وليله قائم، قد أسهره ذكر النار ومسألة الجبار، فذلك هو الراهب، أما أنا فكلب عقور، حبست نفسي بهذه الصومعة لأبعد عن الناس لئلا أعقرهم بلساني، فقلت: يا راهب، ما الذي قطع الخلق عن الله عز وجل بعد أن عرفوه؟ فقال: يا أخي، لم يقطع الخلق عن الله عز وجل بعد أن عرفوه إلا حب الدنيا وزينتها لأنها محل الذنوب والمعاصي، والعاقل من رمى بها عن قلبه وتاب إلى الله من ذنبه وأقبل على ما يقربه من ربه.
عبد الله بن طاهر والرجل
وقف رجل لعبد الله بن طاهر في طريقه فناشده أن يقف له حتى ينشده ثلاثة أبيات، فوقف وقال له: قل فأنشد:
إذا قيل أي فتى تعلمون
أهش إلى الضرب بالذابل
وأضرب للقرن يوم الوغى
وأطعم في الزمن الماحل
أشارت إليك أكف الأنام
إشارة غرقى إلى ساحل
Unknown page
فأمر له بخمسين ألف درهم وانصرف.
سحنون والخصال الأربع
قال أحد الصالحين: رأيت سحنون بالطواف وهو يتماثل، فقبضت على يده وقلت: يا شيخ، بحق موقفك بين يديه، ألا أخبرتني بالأمر الذي أوصلك إليه؟ فلما سمع بذكر الموقف بين يديه سقط مغشيا عليه، فلما أفاق أنشد:
ومكتئب لح السقام بجسمه
كذا قلبه بين القلوب سقيم
يحق له لو مات خوفا ولوعة
فموقفه يوم الحساب عظيم
ثم قال: يا أخي، أخذت نفسي بأربع خصال أحكمتها، فأما الخصلة الأولى أني أمت مني ما كان حيا وهو هوى النفس، وأحييت مني ما كان ميتا وهو القلب.
وأما الثانية: فإني أحضرت ما كان غائبا عني وهو حظي من دار الآخرة، وغيبت عني ما كان عندي حاضرا وهو نصيبي من الدنيا.
وأما الثالثة: فإني أبقيت ما كان فانيا عندي وهو النفي وأفنيت ما كان باقيا عندي وهو الهوى.
Unknown page
وأما الرابعة: فإني آمنت بالأمر الذي منه تستوحشون وفررت من الأمر الذي إليه تشتكون، ثم ولى عني يقول:
روحي إليك بكلها قد أقبلت
لو كان فيك هلاكها ما أقلعت
تبكي عليك تخوفا وتلهفا
حتى يقال من البكاء تقطعت
زاهد في الطريق
قال بعضهم رأيت في طريق مكة فتى يتبختر في مشيته كأنه صحن داره، فقلت له: ما هذه المشية يا فتى؟ فقال: هذه مشية الفتيان خدام الرحمن، ثم أنشد:
أتيه بك افتخارا غير أني
أذوب من المهابة عند ذكرك
ولو أني قدرت لمت شوقا
Unknown page
وإجلالا لأجل عظيم قدرك
فقلت له: وأين زادك وراحلتك؟ فنظر إلي منكرا قولي ثم قال: أرأيت عبدا ضعيفا قاصدا مولى كريما حمل إلى بيته طعاما وشرابا؟ فلو فعل ذلك لأمر الخدام بطرده عن بابه، إن المولى جلت قدرته لما دعاني إلى القصد إليه أورثني حسن التوكل عليه، ثم غاب عني وما رأيته بعد.
خير الدواء
مر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في أحد شوارع البصرة، فإذا هو بحلة كبيرة والناس حولها يمدون إليها الأعناق ويشخصون إليها الأحداق، فمضى إليهم ينظر ما سبب اجتماعهم، فإذا فيهم شاب حسن الشباب نقي الثياب عليه هيئة الوقار وسكينة الأخيار وهو جالس على كرسي والناس يأتون بقوارير من الماء وهو يداوي المرضى ويصف لكل واحد منهم ما يوافقه من أنواع الدواء، فتقدم إليه وقال: عليك السلام أيها الطبيب ورحمة الله وبركاته، هل عندك شيء من أدوية الذنوب فقد أعيا الناس دواؤها؟ فرفع الطبيب رأسه بعدما رد السلام وقال: أتعرف أدوية الذنوب بارك الله فيك؟ قال: نعم، قال: صف وبالله التوفيق، قال: تذهب إلى بستان الإيمان فتأخذ من «عروق» حسن النية ومن «حب» الندامة و«ورق» التدبير و «بذر» الورع و«ثمر» العفة و«أغصان» اليقين و«لب» الإخلاص و«قشور» الاجتهاد و«عروق» التوكل و«أكمام» الاعتبار و«ترياق» التواضع، تأخذ هذه الأدوية بقلب حاضر وافركها بأنامل من التصديق وكف من التوفيق، ثم نضعها في «طبق» التحقيق، ثم نغسلها بماء الدموع، ونضعها في «قدر» الرجاء، ثم توقد عليها بنار الشوق حتى ترغي زبد الحكمة، ثم نفرغها في «صحاف» الرضا، وتروح عليها بمراوح الاستغفار ينعقد لك من ذلك «شربة» جيدة تشربها في مكان لا يراك فيه أحد غير الله، فإن ذلك يزيل عنك الذنوب حتى لا يبقى عليك ذنب، ثم أنشأ الطبيب يقول:
يا خاطب الحوراء في خدرها
شمر فتقوى الله من نهرها
وكن مجدا ولا تكن وانيا
وجاهد النفس على سيرها
ثم شهق شهقة فارق بها الحياة الدنيا: فقال والله إنك لطبيب الدنيا وطبيب الآخرة، ثم أمر بتجهيزه ودفنه.
داء ودواء
Unknown page