ومر النبي
صلى الله عليه وسلم
بقوم يربعون حجرا فقال: «إن أشدكم من ملك نفسه عند الغضب»، وقيل: الكظم يدفع محذور الندم كالماء يطفيء حر الضرم. وقال أحدهم: كظم يتردد في حلقي أحب إلي من نقص أجده في خلقي، وقال الله تعالى:
إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون (الأعراف : 201)، قيل لحكيم: أي الأحمال أثقل؟ فقال: الغضب. وقيل لأبي عباد: أي أبعد من الرشاد السكران أم الغضبان؟ فقال: الغضبان لا يعذره أحد في ذنب يجترمه وما أكثر ما يغدر السكران. وقيل: من غضب من غير ذنب رضي من غير عذر. وقيل: من فاته الدين والمروءة فرأس ماله الغضب. وقال حكيم: إياك وعزة الغضب، فإنها تصير بك إلى ذل الاعتذار، وقيل: أسرع الناس رضى أسرعهم غضبا كالحطب أسرعه خمودا أسرعه وقودا. وشتم حليم سفيها وهو ساكت، فقال: إياك أعني، فقال: وعنك أغضي. وقيل: من كرم أصله لان قلبه. وقيل: من أمارات الكرم الرحمة، ومن أمارات اللؤم القسوة، وقال الله تعالى في العفو:
وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم (النور: 22)، وقال أيضا:
خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين (الأعراف: 199). وقال الأحنف: إياكم وحمية الأوغاد، قيل: وما حميتهم؟ قال: يرون العفو مغرما والبخل مغنما، وقيل: من شكر الموهوب العفو عن الذنوب والاحتمال قبر العيوب، وقيل: لذة العفو أطيب من لذة التشفي لأن لذة العفو يتبعها حمد العاقبة ولذة التشفي يتبعها غم الندامة، وقيل للإسكندر: أي شيء أنت به أسر مما ملكت؟ قال: مكافأة من أحسن إلي بأكثر من إحسانه وعفوي عمن أساء بعد قدرتي عليه. وقال المأمون: الحلم يحسن بالملوك إلا في ثلاثة قادح - في ملك ومتعرض لحرمة ومذيع لسر. وقال السفاح: الحلم يحسن إلا ما أوضع الدين وأوهن السلطان. وقال الإمام عمر: لئن يخطئ الإمام في العفو خير له من أن يخطئ في العقوبة. وقال الإمام علي: إذا قدرت على العدو فاجعل العفو شكر قدرتك. ظفر الإسكندر ببعض الملوك فقال له: ما أصنع بك، قال: ما يجمل بالكرام أن يصنعوه إذا ظفروا، فخلى سبيله ورده إلى مملكته. ولما ظفر أنوشروان ببزرجمهر، قال: الحمد لله الذي أظفرني بك، فقال: كافئ من أعطاك ما تحب بما يحب.
وقال معاوية: العقوبة ألأم حالات ذي القدرة. وقال حكيم: من شفى غيظه لم يجب شكره. وقيل: التشفي طرف من الجزع فمن رضي أن لا يكون بينه وبين الظالم إلا ستر رقيق وحجاب ضعيف فلينصف. وقيل: عفو العزيز أعز له وعفو الذليل أذل له. وقال بعض الملوك: إنما نملك الأجساد دون النيات ونحكم بالعدل لا بالهوى ونفحص عن الأعمال لا عن السرائر، وقال النبي
صلى الله عليه وسلم : «ألا أخبركم بشركم من أكل وحده وضرب عبده ومنع رفده، ألا أخبركم بشر من ذلك، من لا يقبل معذرة ولا يقبل عثرة». وقيل: لا عيب مع إقرار ولا ذنب مع استعفاء. سمع حكيم رجلا يقول: ذنب الإصرار أولى بالاغتفار، فقال: صدق والله ليس فضل من عفا عن السهو القليل كمن عفا عن العمد الجليل. وقال ابن المعتز: تجاوز عن مذنب لم يسلك بالإقرار طريقا حتى اتخذ من رجائك رفيقا، وقال الفضل بن مروان لرجل عاتبه: بلغني أنك تبغضني، فلم ينكر الرجل وقال: أنت كما قال الشاعر:
فإنك كالدنيا نذم صروفها
ونوسعها ذما ونحن عبيدها
Unknown page