فقال الصوت: عليكم بإخلاء الخنادق حالا لتشغلها فصيلة الجوركا القادمة، فتردد القائد وبينما هو في حيرة من الائتمار بهذا الأمر خطر على باله خاطر، فقال للطارق: أجبني حالا، إذا كنت أنت من جنود الجوركا فما هو اسم الباخرة التي أتت بفرقتك إلى فرنسا؟
فلم يستطع الطارق الجواب؛ لأنه كان جنديا ألمانيا متنكرا بزي الجوركا وفر هاربا بأسرع من لمح البصر غير أن رصاص الجوركا أدركه قبل أن يتوارى عن الأبصار.
ولولا سرعة خاطر قائدهم لكانت الجنود الألمانية المتربصة قريبا منهم قد فتكت بهم وهم خارجون من الخنادق. •••
الحرب في الفضاء (كيف قتل الطيار بيجو؟): الحرب الجوية من مبتدع الحرب العظمى وهي على حداثة عهدها وقلة استعداد المتحاربين لها لا تقل هولا عن أشد الحروب البرية والبحرية، وقد رأينا أن نصف إحدى معاركها الأخيرة ليكون الناس على بينة من سيرها فاخترنا المعركة التي قتل فيها المسيو بيجو الطيار الفرنسي الشهير؛ لأنها كانت أطول معركة جرت في الهواء.
فقد نشرت الصحف الفرنسوية أيام هذه المعركة خلاصة تقارير الطيارين الألمانيين على المعركة التي قتل فيها الطيار بيجو وزادت عليها أقوال أحد الضباط الفرنسويين الذين شهدوها فآثرنا إجمال ذلك فيما يلي:
قال الضابط الألماني بيليتنز: «ذهبت مع الطيار كاندلسكي لتصوير استحكامات العدو في بلفور، فقابلنا الحصون بنار حامية، ثم رأينا نقطا سوداء ترتفع عن الأرض وما مضى ثوان حتى صار الطيار بيجو على مقربة منا، وكنا جميعا واثقين بتفوق طيارتنا المصفحة والمسلحة بأحدث انواع المتراليوز وعالمين أن العدو لا يحجم عن الدنو منها لأن منظرها الخارجي لا يدل على أنها من الطيارات المتينة الصنع، فخففنا السير وأعددنا معدات الدفاع، ولما وصل بيجو إلى بعد خمسين مترا منا أصلانا نارا حامية ورغب في الارتفاع فوقنا فصوبت مدفع المتراليوز نحوه وجعلت أطلق القنابل فوقه وتحته لأمنعه عن الحركة، ولكنه خرج بسرعة هائلة من منطقة النار وانقض علينا انقضاض الصاعقة وهو يطلق قنابل مدفعه الصغير من غير انقطاع فأصابت إحدى قنابله غلاف المحرك والتصقت به فخفت أن يكون قد تعطل وأمرت كاندلسكي بالعودة حالا خوفا من السقوط في خطوط الفرنسويين، فامتثل الأمر وقفل راجعا بينما كنت أطلق القنابل عل الطيار الذي حلق فوقنا.
وكنت أتوقع انفجار البنزين في طيارتنا من ثانية إلى ثانية فنسيت أمر العدو ولم أعد أكترث له، وقد وصلنا سالمين إلى خطوطنا فقلنا إن المعركة كانت سجالا ولم نعلم عظم الفوز الذي أحرزناه إلا من أنباء فرنسا، والظاهر أن القنبلة التي أصابت بيجو كانت القنبلة الأخيرة التي أطلقتها عليه بعدما قفلنا عائدين.
وفي اليوم التالي عدت مع صديقي كاندلسكي إلى المكان الذي سقط فيه بيجو ورمينا إكليلا من الزهر اعترافا منا بشجاعته وبسالته.»
الفضل للطيارة لا للطيارين: وقال الطيار كاندلسكي في تقريره: «لقد انتصرنا على بيجو الشهير ويكفينا ذلك فخرا، على أن الفضل كل الفضل لمنعة طيارتي المصفحة التي لا تؤثر فيها القنابل ولمدفعي المتراليوز اللذين تحملهما، وقد اغتر بيجو بمنظرها الخارجي فظنها طيارة عادية ولم يحجم عن الدنو منها.»
معركة 25 دقيقة: وقال أحد الضباط الفرنسويين الذين شهدوا المعركة من حصون بلفور الخارجية: «جاء كاندلسكي وبيليتز لرسم حصون بلفور، وكان الطيار بيجو دائما على تمام الأهبة والاستعداد لمطاردة العدو فحلق في الفضاء بسرعة كلية واتجهت إليه الأنظار وكلنا على ثقة بانتصاره الأكيد وهلاك الطيارين الألمانيين، وكان العدو على علو ألفي متر ينتظر وصول طيارة بيجو برباطة جأش، وقد شهدنا جميعنا المعركة بدقائقها وكنا نتوقع سقوط طيارة العدو من ثانية إلى ثانية لأن بيجو اشتهر بفن الطيران كما اشتهر بحسن الرماية.
Unknown page