وهذا الأمر مؤرخ في 27 أغسطس 1916 وهو محفوظ الآن حجة دامغة على الألمانيين تشهد بتعهدهم القسوة والفظاعة ومخالفتهم لقواعد الحضارة والمدنية للمعاهدات التي وافقت عليها دولتهم وأمضاها مندوبوها؛ فإن ألمانيا أمضت معاهدة الهاي المبرمة في 18 أكتوبر سنة 1907 وإليك ما نصت عليه المادتان 4 و23 من موادها:
المادة 4: يكون أسرى الحرب تحت تصرف الحكومة التي تأسرهم، ولكنهم لا يكونون تحت تصرف الأشخاص أو الفيالق التي أسرتهم.
ويجب معاملة الأسرى بالرفق والإنسانية.
المادة 23: يحظر قتل أو جرح العدو الذي يلقي سلاحه، أو يعدم وسائل الدفاع فيسلم إلى عدوه ولا يجوز إباء قبول تسليم العدو.
هذا ما فعله جنود الألمان إزاء المعاهدات التي أمضوها والعرف الجاري بين الأمم المتمدنة فأين هم من شمائل ذلك الشاعر العربي الذي قال منذ نحو ألف ومائتي سنة:
ولا نقتل الأسرى ولكن نفكهم؟ •••
ونشرت جريدة الأنفاليد العسكرية خبرا مؤداه أن أربعة من جنودنا وقعوا أسرى في قبضة الألمانيين، ثم أطلقوا سراحهم بعدما قطعوا ألسنتهم فارتاب الروسيون في الخبر لعظم فظاعته ولظنهم أن القرن العشرين يبرأ من أناس يرتكبون مثل هذه الفظائع المنكرة.
وقد كنا من جملة المرتابين في صحة الخبر مع أنه صدر من الألمانيين ولذلك أغفلنا نشره حتى لا نصدع آذان القراء بذكره.
ولكن مرت الأيام تباعا والفظائع تتلو الفظائع وأقوال شهود العيان والمصادر الرسمية تؤيد أن الألمانيين يرتكبون مع جنودنا فظائع لم تخطر لقوم آبدين على بال.
فمن ذلك ما حدث قرب قرية بابو شكينسه التابعة لولاية فيلنا فقد عثر جنودنا على جثة الجندي نيقولا ينكا مشوهة تشويها فظيعا؛ فقد صلم الألمانيون أذنيه وقطعوا بعض أعضائه وجدعوا أنفه ووجدوا في صدره وبطنه 15 طعنة، وقد أثبت الكشف الطبي أن جميع هذه الفظائع ارتكبها أولئك الوحوش في هذا الجندي وهو في قيد الحياة. •••
Unknown page