شجاعة الفتاة إميلينان مورو في معركة لوس: إن هذه الفتاة الفرنسوية ذاعت شهرتها بما أتته من فعال الأبطال، وتحرير الخبر أنه لما حمل الإنكليز حملتهم الصادقة على الألمان في مدينة لوس ودحروهم فيها كانت صاحبة هذه السيرة واقفة على سطح منزلها تومئ إليهم بإشارات عرفوها، فكانت إشارتها سببا في إصابة طبجيتهم للمرمى، ولما دخل الإنكليز المدينة نزلت عن سطح منزلها شاهرة مسدسا بيدها وكان الجرحى في الطريق أكواما؛ فجعلت تساعد الجرحى الإنكليز وتنقل بعضا منهم إلى منزلها وتعتني بهم اعتناء الأم الحنون، وأبصرت جنديين ألمانيين كانا مختبئين في مكان وهما يصوبان بندقيتهما إلى العساكر الإنكليز فرمتهما بالرصاص فأردتهما، وأبصرت ثلاثة جنود ألمان مختبئين في قبو فانقضت عليهم بقذائف اليد فجرحتهم جروحا بالغة، وقد نوهت الجريدة الفرنسية الرسمية بذكرها ومحضتها ثناء كثيرا، ومما يذكر في هذا المقام أيضا أن الجنود الإنكليز لما دخلوا المدينة ظافرين كانت هي قبلة أنظارهم فتألبوا حولها وأنشدوا أغنية «الله يحفظ الملك» فردت عليهم بإنشادها المرسيلييز فأخذت الحماسة منهم وسكروا بنشوة الفوز والظفر وجعلوها موضع ثنائهم وإعجابهم. •••
ذهب جنديان فرنسويان للاستقاء من عين في واد فلما قربا من العين رأيا أمامهما جنديين ألمانيين فتوارى الأربعة وراء الصخور، وأخذوا يتخاطبون واتفقوا على أن يأخذوا جميعا الماء دون أن يغدر فريق منهم بالآخر، فاستقوا وعادوا إلى معسكراتهم بالخبر فأمر القواد بألا ينزل أحد إلى الوادي. •••
حكاية عن الملك ألبرت: صممت زوجة جندي فرنسوي من فرقة المدفعية تزوجت به حديثا أن تزوره حيث هو في خط القتال الأمامي في فلاندر، وكان قد شهد معركتي المارن والإين فغادرت باريس إلى دنكرك، وجعلت تسعى جهدها لتعطى جوازا باجتياز منطقة الحرب فحالت مصائب جمة دونهما، ولكنها لم تأل جهدا في تذليلها حتى بلغت معسكرات البلجيكيين في مركبة من المركبات التي يستعملها الفلاحون هناك، وقصدت مركز الرئاسة، وواجهت كبير ضباط الجيش وقصت عليه أمرها وطلبت منه أن يسمح لها بالوصول إلى زوجها فاستقبلها الضابط بالإكرام، ولكنه اعتذر إليها وأفهمها أن ما تطلبه لا يسعه إجابتها إليه؛ فجعلت تجادله وكان ضابطا طويل القامة واقفا يسمع ما دار بينهما ولكنه كان مكبا على درس خريطة أمامه فالتفت إلى المرأة، وقال لها: «انتظري قليلا تري زوجك.» ثم تناول سماعة التلفون وجعل يتكلم؛ فارتمت المرأة على يديه تقبلهما وعيناها تذرفان الدمع فرحا وابتهاجا، ولم تمض ساعتان حتى أقبل زوجها فكان اللقاء من أعظم ما وقعت عين عليه، وقد طفح قلبا الزوجين سرورا وفرحا، قال الجندي لزوجته ولقد جعلت أضرب أخماسا لأسداس لما صدرت إلي الأوامر بمغادرة صفوف القتال فقد كنت في الخنادق ووطيس القتال حاميا فلم أعلم السبب في استقدامي، فقصت عليه زوجته ما كان ووصفت له ذلك الضابط الشهم الذي مهد لهما سبيل المقابلة، فصرخ زوجها: «يا لله لقد كان هو الملك ألبرت نفسه.» •••
الملكة مرغريتا: هي أم ملك إيطاليا، قالوا إن إمبراطور ألمانيا كتب إليها (قبل دخول إيطاليا الحرب) يلتمس منها أن تستعمل ما لها من نفوذ وسلطة على ابنها لتظل إيطاليا على الحياد فردت عليه قائلة: «ليس لبيت سافوي إلا حاكم واحد.» وقد تناقلت الصحف الأوروبية هذا الخبر والرد المفحم عليه مطرية الملكة وقائلة فيها كل كلمة حسناء. •••
شهيد الشهامة والإنسانية: نروي هنا حادثة جرت فعلا في ميدان الحرب، وهي تشهد بإنسانية وشهامة وإنكار نفس لم يسمع بها من قبل، وتحرير الخبر أن فرقة ألمانية هجمت على الإنكليز في خنادقهم في فرنسا يريدون الاستيلاء عليها عنوة، فثبت لهم هؤلاء وصدوهم واضطروهم إلى الجلاء والرجوع القهقرى إلى مخابئهم بعد أن حملوهم خسارة عظيمة، وبينما هم يتقهقرون أخذوا معهم من سقط من جرحاهم ونسوا جنديا لم ينتهبوا إليه إلا بعد أن اجتازوا مسافة فعاد رفيق له يريد رفعه وأخذه فانهال عليه رصاص الإنكليز فخر صريعا، وشاهد ذلك ضابط الفرقة الإنكليزية فرق قلبه للجريح وأمر جنوده بالكف عن إطلاق الرصاص، ثم ترك الخندق وأسرع إلى الجريح عدوه فرفعه على كتفه وسار به نحو خنادق الألمان، فلم يصل إلى منتصف الطريق حتى انهال عليه رصاص الألمان الذين ظنوا أن في الأمر حيلة، ولكن الإنكليزي لم ينثن عزمه بل بلغ استحكامات أعدائه وأدى التحية العسكرية وسلم إليهم رفيقهم وأراد أن يقفل راجعا فأوقفه الضابط الألماني وأمر رجاله بأداء التحية العسكرية له، ثم نزع من صدره وسام الصليب الحديدي وعلقه على صدر الضابط الإنكليزي وسمح له بالرجوع - على أن الضابط الإنكليزي لم يقو على احتمال جراحه فسقط وأسلم الروح قبل أن يجتاز نصف المسافة بين الخندقين فراح شهيد إنسانيته وإنكار نفسه. •••
روت جريدة «زحلة الفتاة» اللبنانية واقعة حال غريبة في بابها قالت: في سنة 1916 كان أحد ضباط الأتراك في زحلة وهو شاب لم يبلغ الخامسة والعشرين من العمر يمرن فرقته لمقاومة العدو، وكان بين أنفار تلك الفرقة نفر تجاوز الخمسين من عمره لا يعلم كيف يجري التعليمات العسكرية فكان الضابط يضربه ضربا مؤلما كلما أخطأ، وكان الكهل يذرف الدموع السخية ويقول لضابطه ارأف بي وبضعفي يا مولاي فليس في استطاعتي أن أجري ما تأمرني بإجرائه وأنا أتجاوز الخمسين من سني، وزد على ذلك فإن اضطراب بالي يمنعني من الانتباه لكل ما تأمر به، ولو كنت مكاني لما أمكنك أن تكون على غير ما أنا عليه؛ فإنني رجل بائس أناخ علي الدهر بكلكله؛ فلقد كان لي ولد وحيد سلخته عن قلبي الدولة العثمانية منذ عشر سنوات وأدخلته في سلك جنديتها، ومنذ ذلك الحين لم أقف له على أثر، ولقد اضطررت إلى ترك أملاكي عرضة للسلب والنهب وكذلك امرأتي العجوز فقد أبقيتها وحدها بلا معين، وأخذ الكهل يجهش بالبكاء فرثى الضابط المعلم لحاله وسأله: ما اسمك؟ فقال له: فلان، فقال: وما اسم ابنك الذي سلخته عن قلبك الدولة؟ فقال: فلان، فقال: وما اسم القرية التي تنتسب إليها؟ فقال له: هي قرية في غوطة الشام، فارتمى الضابط الشاب على يدي النفر الكهل وأخذ يقبلها ويبكي قائلا: أنت أبي وأنا ابنك، وفي الحال أسرع واستأذن لوالده من القائد في العودة إلى بيته فأذن له. •••
المرشال فوش وهجوم الانتصار: نكتب فيما يلي حادثة واقعية ننقلها عن أوثق المصادر تنويرا للأذهان وإعجابا بعناية الله الذي يؤتي النصر لمن يشاء ويبعده عمن يشاء:
تناقلت الألسن في فرنسا بل في أوروبا جمعاء في أثناء الحرب الكلام عن تكريس الجيوش الفرنسوية لقلب يسوع الأقدس وذهبوا في تأويله مذاهب مختلفة فأثبته البعض مصدقين وأنكره البعض هازئين، غير أن الواقع خلاف ما ينكرون ونحن مثبتونه هنا كما جرى: منذ 2 يونيو سنة 1918 إلى 17 أكتوبر كان مقر أركان حرب المرشال فوش في قصر «بومبون» على مقربة من مرمان بمقاطعة «السين والمارن» وفي هذا القصر ألقيت إلى فوش عصا المرشالية في 2 أغسطس من تلك السنة.
في هذا القصر أعدت آخر خطط مواقع المارن الأخيرة التي كانت فاتحة الفوز العظيم، وعلى مسيرة بضع مئات من الأمتار كانت قرية بومبون الصغيرة فكان القائد الكبير عندما يسمع صوت جرس الكنيسة يوم الأحد يدق مستدعيا المؤمنين إلى الصلاة يترك القصر قاصدا إلى الكنيسة على رجليه فيحضر القداس بين جماعة المؤمنين لا يميزهم عنه سوى خشوعه العميق، ومتى انتهى القداس خرج وأخذ يتحدث مع أولئك الرجال وما فيهم إلا كل مسن كثير الأيام فيسائلهم عن أحوالهم وشئونهم، ثم يعود إلى مقره، وإذا كانت الأشغال عليه ماسة ركب أوتومبيله إلى الكنيسة.
قال الواقف على هذه الأخبار: ومن عجيب ما يذكر أن الألمان ما فاتهم قط معرفة مراكز أركان الحرب؛ ولذلك كانوا يمطرونها صباح مساء وابل القنابل ويرسلون إليها أسراب الطيارات توقع عليها القذائف المتنوعة الأشكال، إلا أنه لم يحدث قط أن طيارة حامت فوق بومبون فأزعجت أو أرعبت أو ألقت قنبلة في غضون إقامة المرشال فوش فيها وكانت المدة أربعة أشهر ونصفا.
Unknown page