مقدمة لجامع الكتاب
ما العاشق إلا غصن مورق أزهر في خلاله الحب فأثمر حلو العفاف، فهو لا يرتاح إلا إلى طير يشكو نوى إلفه، ولا يروق له في واسع الفلاة إلا تنسم ريح الصبا الحاملة شذا الحبيب ، فلله ما أحلى الحب إذا توشى ببرد الصفا، وما أبهى سناه إذا استمد من لظى القلب الطاهر نورا ساطعا بهيا؛ فهو لعمري السلم المؤدية إلى العلياء التي لا يرتقيها إلا قوم أنزلت على قلوبهم آيات العفاف، بل الروح السارية في النسيم سرى الصفاء في الهوى العذري أو الإقدام في قلب الفارس الشجاع، وحسبه وصفا أنه يطرق القلوب فيدمث الأخلاق، ويغشى الفؤاد فيوحي إليه شمائل تغني عن الشمول، ولله در ابن الفارض حيث يقول:
وبالحدق استغنيت عن قدحي ومن
شمائلها لا من شمولي نشوتي
وإليك ما جاء في العشق وذويه ملخصا من أقوال العرب:
قال العيني: سألت أعرابيا عن العشق فقال: هو أظهر من أن يخفى، وأخفى من أن يرى، كامن كمون النار في الحجر، إن قدحته أورى، وإن تركته توارى.
وقيل: لو لم يكن للعشق إلا أنه يشجع الجبان، ويصفي الأذهان، ويبعث حزم العاجز لكفاه شرفا.
قيل لرجل: ابنك قد عشق، فقال: عذب قلبه، وأبكى طرفه، وأطال سقمه.
وقيل: ذنوب العشاق ذنوب اضطرار لا اختيار، وما كان كذلك لم يستحق عقوبة.
وقال عبد الله بن جندب: خرجت فرأيت فتاة حسناء كأن وجهها الفضة فتمثلت بقول قيس بن ذريح:
Unknown page