قال أحدهم: اجتزت في بعض أسفاري حي بني عذرة فنزلت في بعض بيوته فرأيت جارية قد ألبست من الجمال حلة الكمال فأعجبني حسنها وكمالها، فخرجت في بعض الأيام أدور في الحي وإذا أنا بشاب حسن الوجه عليه أثر الوجد أضعف من الهلال وأنحل من الخلال وهو يوقد نارا تحت قدر ويردد أبياتا ودموعه تجري على خديه فسمعته يقول:
فلا عنك لي صبر ولا فيك حيلة
ولا منك لي بد ولا عنك مهرب
ولي ألف باب قد عرفت طريقها
ولكن بلا قلب إلى أين أذهب
فلو كان لي قلبان عشت بواحد
وأفردت قلبا في هواك يعذب
فسألت عن الشاب وشأنه فقيل لي: يهوى الجارية التي أنت نازل بيت أبيها وهي محتجبة عنه منذ أعوام، فرجعت إلى البيت وذكرت لها ما رأيت، فقالت: صلاح حاله في أن لا يراني، فحسبت أن امتناعها فتنة فيها فما زلت أقسم حتى أظهرت القبول مكرهة، فلما قبلت ذلك مني قلت: أنجزي الآن وعدك فدتك روحي، فقالت: تقدمني فإني سائرة في إثرك، فأسرعت عند الغلام وقلت: أبشر بحضور من تريد فإنها مقبلة نحوك الآن، فبينا أنا أتكلم معه إذ خرجت من خبائها مقبلة تجر أذيالها وقد أثارت الريح غبار أقدامها حتى ستر الغبار شخصها، فقلت للشاب: ها هي قد أقبلت، فلما نظر إلى الغبار صعق وخر على نار أمامه فما أقعدته إلا وقد أخذت النار من صدره ووجهه، فرجعت الجارية وهي تقول: من لا يطيق غبار نعالنا كيف يطيق مطالعة جمالنا.
كناس بني عذرة
قال الأصمعي: بينا أنا سائر في أحياء بني عذرة إذ سمعت صوتا يقول:
Unknown page