دعا جميل يوما وهو في مصر رجلا فقال له: هل لك في أخذ كل ما أخلفه على أن تفعل شيئا أعهده إليك؟ قال: سمعا وطاعة، قال: إذا أنا مت فخذ حلتي هذه وأبقها جانبا وخذ ما بقي لك وارحل إلى رهط بني الأحب من عذرة وهم رهط بثينة، فإذا صرت إليهم فاركب ناقتي والبس حلتي واشققها، ثم اعتل قمة عالية وأنشد هذه الأبيات دون خشية لائم وأنشد:
صدع النعي وما كنى بجميل
وثوى بمصر ثواء غير قفول
ولقد أجر الذيل في وادي القرى
نشوان بين مزارع ونخيل
قومي بثينة فاندبي بعويل
وابكي خليلك دون كل خليل
وبعد ذلك قضى نحبه فواراه بالتراب وأتى رهط بثينة وفعل ما أمره به جميل، فما أتم الأبيات حتى برزت إليه امرأة يتبعها نسوة قد فاقت عليهن طولا وبرزت أمامهن كالبدر في دجنة وهي تختال في بردها فقالت: يا هذا، والله لئن كنت صادقا لقد قتلتني، ولئن كنت كاذبا لقد فضحتني، قال: والله ما أنا إلا صادق وأخرج حلته، فلما رأتها صاحت بأعلى صوتها وصكت وجهها واجتمع نساء الحي يبكين معها ويندبنه حتى صعقت، فمكثت مغشيا عليها ساعة ثم قامت وهي تقول:
وإن سلوي عن جميل لساعة
من الدهر ما حانت ولا حان حينها
Unknown page