ويغدو به من حضنها من تعانق
ولم يزل في اليمن إلى أن عزل ذلك الوالي وانتقل أهل بثينة إلى ناحية الشام فرجع إليهم، فشكا أكابر الحي إلى أبيه وكان ذا مال وفضل وقدر في أهله، فناشدوه الله وسألوه كف ابنه عن فتاتهم وعن تشببه بها وما يفضحهم به بين الناس، فوعدهم كفه ومنعه ما استطاع ثم انصرفوا، فدعا به وقال له: يا بني حتى متى أنت راتع في ظلالك؟ ألا تأنف من أن تتعلق في ذات بعل يخلو بها وينكحها وأنت عنها بمعزل تغرك بأقوالها وخداعها وتريك الصفاء والمودة وهي مضمرة لبعلها ما تضمره الحرة لمن ملكها، فيكون قولها لك تعليلا وغرورا، فإذا انصرفت عنها عادت إلى بعلها على جري عادتها. إن هذا لذل وخيم، ولا أعرف أخيب سهما ولا أضيع عمرا منك، فأنشدك الله إلا كففت وتأملت في أمرك، فإنك تعلم أن ما قلته حق، ولو كان إليها سبيل لبذلت ما أملكه فيها، ولكن هذا أمر قد فات واستبد به من قدر له، وفي النساء عوض، فقال له جميل: الرأي ما رأيت، والقول كما قلت، ولكن هل رأيت قبلي أحدا قدر أن يدفع هواه عن قلبه، أو ملك أن يسلي نفسه، أو استطاع أن يدفع ما قضي عليه، والله لو قدرت أن أمحو ذكرها من قلبي أو أزيل شخصها عن عيني لفعلت، ولا سبيل إلى ذلك وإنما هو بلاء بليت به لحين قد أتيح لي، ولكن أنا أمتنع من طروق هذا الحي والإلمام به ولو مت كمدا، وهذا جهدي ومبلغ ما أقدر عليه، وقام وهو يبكي فبكى أبوه ومن حضر جزعا لما رأوا منه من حب بثينة، ثم أنشد:
ألا من لقلب لا يمل فيذهل
أفق فالتعزي عن بثينة أجمل
سلا كل ذي ود علمت مكانه
وأنت بها حتى الممات موكل
فما هكذا أحببت من كان قبلها
ولا هكذا فيما مضى كنت تفعل
فيا قلب دع ذكرى بثينة إنها
وإن كنت تهواها تضن وتبخل
Unknown page