الفصل التاسع
المشاغل الحربية في ذاك الوقت
ليس من غرض هذا المؤلف أن نشرح المعارك والانتصارات التي خلدت ذكر البطل الكورسيكي، على أننا لا نرى بأسا في إيراد موجز للمشاغل الحربية العظمى التي كانت تشغل نابوليون أيام بعث بتلك الكتب الغرامية ونظر في أموره العيلية؛ لأن إظهار تلك المشاغل يجعل العبرة أبلغ وأقوى، ويقرنها بفائدة تاريخية. قال القومندان كلود برجيه في تاريخه ما صفوته أنه لما سافر نابوليون إلى إيطاليا ليستلم القيادة من الجنرال شرير - كما تقدم - كانت الحالة الخارجية تهدد فرنسا بالخطر، أجل إن جنود الجمهورية كانت تدافع عن حدودنا الشمالية دفاعا جميلا سنيا، ولكن فرنسا كانت ترى أمامها عدوتين شديدتين؛ أولاهما إنكلترا المعتصمة في جزرها، والثانية النمسا الملتهبة شوقا إلى طلب الثأر، وكان نخبة القواد النمسويين يقولون ويكررون: «إن إيطاليا ستكون قبرا للجنود الفرنسوية.»
ولما وصل نابوليون إلى مدينة نيس - حيث كان معسكر الجيش العام - رأى فيه القواد أوجيرو ولاهارب وبرتييه وماسينا وسرورييه، وكلهم من الذين قادوا الجحافل وخاضوا العجاج، فجعلوا ينظرون بعين الاستخفاف إلى الجنرال الضئيل النحيل الذي قدم ليتولى القيادة العامة، وكان عدد الجيش الفرنسوي لا يتجاوز ستة وثلاثين ألف رجل، وكانت ملابسه قديمة ورواتبه متأخرة، في حين أن الجنود النمسوية وحلفاءها أبناء بيومون كانوا أربعة وثمانين ألفا مسلحين بثلاث مائة مدفع ومعهم قوة كبيرة من الفرسان، فكان كل جندي فرنسوي مضطرا وهو على تلك الحال إلى مقاومة ثلاثة من الأعداء الحاصلين على الغذاء والكساء.
ولكن الجنرال نابوليون كان يعرف ما تنطوي عليه ضلوع الفرنسوي من العزيمة والحماسة، ويعرف كيف يستنهض تلك العزيمة ويثير تلك الحماسة، فجمع قواده وجنوده وأراهم من أعالي الألب السهول الخصيبة في بيمون ولومبارديا وحرضهم قائلا:
يا جنود جيش إيطاليا، إن الحكومة تريد لكم خيرا كثيرا ولكنها لا تجد إليه سبيلا، وإن صبركم وشجاعتكم لمما يكسبكم الفخر ولكنهما لا يجلبان المنافع ولا يكسبان المجد، وها أنا أنزل بكم اليوم إلى أخصب سهول العالم فتجدون المدن العظيمة والأقاليم الغنية وتحرزون معها الفخر والمجد والغنى، فيا أيها الجنود هل تنقصكم البسالة فتتقاعدون؟
فما انتهى نابوليون حتى تفتحت له قلوب القواد والجنود قبل فتح تلك السهول.
ونحن نتساءل هنا: أصاحب هذا القول هو نفسه كاتب تلك المكاتيب التي قرأناها؟
وكان هم نابوليون في ذاك الوقت أن يشطر أعداءه شطرين ويضرب كل فريق منهما على حدة، فأمر الكولونيل رامبون بأن يدخل حصن مونتجيو بقوة لا تزيد عن 1200 رجل، وبأن يقطع طريق مونتلنوت على النمسويين، فأتى من الشجاعة عجبا عجابا هو ورجاله، وصدوا حملات النمسويين ثلاث مرات، وفي إبان الهجمة الثانية التفت إلى رجاله قائلا: «إن القائد العام يطلب إلينا الثبات حتى النهاية، فأقسموا أنكم تموتون ولا تتركون الحصن.» فصاحوا: «إنا لمقسمون ...» وبفضل ذاك الدفاع العجيب تمكن نابوليون من التقدم ومن ضرب النمسويين ضربة مزقت شملهم. وكان القسم الآخر من الأعداء - أي جنود بيومون - إلى يسار نابوليون، فوكل إلى بعض قواده الإجهاز على القوات النمسوية التي عادت فتجمعت، والتفت هو إلى الجنرال كولي قائد جيش بيومون فشطره واضطره إلى التقهقر تاركا بين أيدي الفرنسويين 3000 أسير أضافها إلى 9000 من النمسويين و21 راية و31 مدفعا.
ولما بلغ ملك سردينيا خبر هذا النصر التمس هدنة من الجنرال بونابارت، فدهشت أوروبا إذ علمت أن جيشا فرنسويا لا يزيد عن ثلث أعدائه اضطرهم إلى طلب المهادنة.
Unknown page