فاعتمد على شيوخه فيما استشهدوا به، ونسب الإنشاد إليه، وعلى نفسه فيما سمعه بأذنه.
ولم يتخذ أحد من العلماء إغفاله للنسبة سبيلا للطعن عليه، على حين أنه أخرج للناس كتابه والعلماء كثير، والعناية بهذا العلم وتهذيبه وكيدة، ولعل ذلك لأن العلماء في ذلك الحين كانوا على علم بها لقرب العهد، فإن العلماء بعدئذ تطلعوا إلى معرفة الشعراء وبحثوا عنهم، قال الجرمي: "نظرت في كتاب سيبويه فإذا فيه ألف وخمسون بيتا، فأما ألف بيت فعرفت أسماء قائليها فأثبتها، وأما خمسون فلم أعرف أسماء قائليها" ويروي مثل هذا الخبر عن المازني وهما متعاصران، فالنسبة المذكورة الآن في الكتاب حادثة بعد سيبويه إما من الجرمي أو المازني، وسميت الأبيات الخمسون بين العلماء بأبيات سيبويه الخمسين المجهولة القائل، ونسبة الشعر للشاعر الصادرة من الجرمي أو المازني لم تشمل الألف كلها في الكتاب المطبوع بين أيدينا، ولا أدري سببا في ذكر القائل في بعض دون بعض، فقد كان في تعيين النسبة للألف كلها إعلان كاف عن الخمسين المجهولة، فليس وراء المعلوم إلا المجهول، والمهم إنما هو الوصول لمعرفة هذه الأبيات المجهولة الخمسين، وقد استعنت خزانة الأدب للبغدادي في الوصول إليها، فعملت منها بالنص اثنين وثلاثين، وسأذكرها لك مع الإشارة في الهامش إلى موطن كل منها في سيبويه وفي خزانة الأدب، غير أن بيتا منها قد اهتدى البحاثة الشنقيطي إلى اسم قائله في كتابه "الحماسة السنية" وهو قوله:
.................................. ... أفبعد كندة تمدحن قبيلا١
فإن قائله امرؤ القيس، وهذا عجز البيت، والبيت كله:
قالت فطيمة حل شعرك مدحه ... أفبعد كندة تمدحن قبيلا
ومعنى البيت: "حل" تخفيف "حلئ" من حلأه إذا طرده عن الماء،
_________
١ راجع الكتاب جـ٢ ص١٥١ وخزانة الأدب شاهد ٩٤٣.
1 / 72