من مناظرات الطور الثالث:
ومن أشهر المناظرات فيه مناظرات المبرد وثعلب، ولنكتف بواحدة منها بين المبرد وثعلب.
اختلف المبرد وثعلب بخضرة الأمير محمد بن عبد الله بن طاهر بن الحسين -الذي كان ينفق معظم وقته في البحوث العلمية، وكان يهوى المناظرات، فكثر ما جمع له بين علماء الفريقين- البصري والكوفي، في قول امرئ القيس:
لها متنتان خظاتا كما ... أكب على ساعديه النمر١
فقال ثعلب: "إنه خظتا" كما يقال غزتا إلا أنه رد الألف التي كانت ساقطة في الواحد لتاء التأنيث الساكنة لما تحركت التاء لأجل ألف التثنية، ومسوغ ذلك ضرورة النظم، وقال المبرد: "إنه خظاتان" فحذف نون المثنى للإضافة إلى "كما" فثعلب يرى أن الكلمة "فعل" وأن الألف الثانية فيها اسم، والمبرد يخالفه في الأمرين فالكلمة "اسم" والألف الثانية حرف علامة المثنى، أما الألف الأولى عندهما فهي لام الكلمة سواء أكانت فعلا كما يرى ثعلب أم اسما كما يرى المبرد، ولما طال تلاحيهما٢ بحضرة الأمير قال ثعلب للأمير: أيصح أن يقال: مررت بالزيدين ظريفي عمرو؟ فيضاف نعت
_________
١ المتنتان: في القاموس متنا الظهر مكتنفا الصلب "ويؤنث"، وخظانا إن كانت فعلا فالفعل من باب سما وفي القاموس خظا لحمه اكتنز، وإن كانت اسما مثنى فالمفرد خظاة، وفي الصحاح لحم خظاة بظاء مكتنز، وقوله كما أكب على ساعديه النمر يريد لها متنتان كساعدي النمر البارك في صلابتهما، والبيت في وصف فرسه من قصيدة طويلة.
٢ أي: تنازعهما ومجادلة أحدهما الآخر.
1 / 48