يعني الرؤاسي"١.
تكون على يد الإمامين الخليل ومن معه من البصريين، والرؤاسي ومن معه من الكوفيين بكل من البلدين مدرسة خاصة لها علم تنحاز إليه كل فرقة، وتتابعت الطبقات المتعاصرة من كلا البلدين.
فسطع في سماء البصرة نجوم متألقة تألف منها عقد الطبقة الرابعة بزعامة سيبويه الذي وُهب ملكة التصنيف والتنسيق، فأبدع كتابه على مثال لم يسبق إليه، ولم يدع للمتأخرين استدراكا عليه، وكان يعاصرها الطبقة الثانية الكوفية التي كان يقودها الكسائي الذي لم يأل جهدا حتى أخرج للناس مؤلفات استفادوا منها، وشد من أزره إقبال الدنيا عليه بعد اتصاله بالخلفاء والأمراء ببغداد، فاعتد٢ للكوفيين فيها متكأ وسعى سعيه حتى كون من الكوفيين جبهة قوية ثبتت أمام الجبهة البصرية ووقفت منها موقف الند للند، فإنه الذي يعتبر بحق المؤسس للمذهب الكوفي، ولولا هو لذهبت ريحهم ولما خفقت بنودهم٣ على بغداد التي عطفت عليهم من هذا الحين، ورفعت شأنهم، فاستفز ذلك البصريين لمناصبتهم أشد العداء وإشهار سلاح الخصام في وجوههم، وما زال كل من البلدين جد حريص على حوز قصب السبق رغبة في التغلب وحرصا على الإزراء بالآخر وتفانيا في الدنو من العباسيين، فاتسعت رواياته واستفاض تعليمه بين الدهماء٤ وازدادت تآليفه.
فالأخفش البصري شيخ الخامسة يصنف ويذيع على الناس ما أوتيه من علم، ومعاصره الفراء الكوفي أستاذ الثالثة تغمره عطايا المأمون وتحفزه إلى نشر العلم، وتتيح له أن يدون طوال الكتب التي راجت في بغداد والكوفة.
_________
١ راجع الفهرست الفن الثاني من المقالة الثانية، ونزهة الألبا ترجمة الرؤاسي ومعجم الأدبا ترجمته أيضا جـ١٨ ص١٢٢.
٢ اعتد: أي أعد.
٣ اضطربت أعلامهم وتحركت.
٤ الدهماء هنا: العدد الكثير وجماعة الناس.
1 / 37