لم ينقض هذا الطور حتى وفق العلماء إلى وضع طائفة كبيرة من أصوله بعثتهم إلى التزيد فيها، فاختمرت بينهم فكرة التعليل التي كان أول متجه لها ابن أبي إسحاق، كما أنه أول من نشط للقياس، وأعمل فكره فيه وخرج مسائل كثيرة عليه، ووافقه عليه عيسى بن عمر، وخالفهما بعض معاصريهما فانفسح ميدان القول في هذا العلم وأنس الناس به وتداولوه في كتبهم التي كانت تساير روح هذا العهد فقد كانت مزيجا من النحو والصرف واللغة والأدب وما إلى ذلك من علوم اللغة العربية لأن هذه الفروع كانت متداخلة آخذا بعضها بحجز بعض لقرب الوشيجة بينها في الغرض والمقصد، فكان الأديب حينذاك نحويا صرفيا لغويا، والنحوي أديبا لغويا صرفيا وهكذا، يحملنا على هذا ما روي لنا عنهم في نقاشهم ومحاوراتهم وإن لم تصلنا مؤلفاتهم التي طارت بها عواصف الأيام، ونالها ما نال أربابها من الزوال، وصدق المتنبي في قوله:
تتخلف الآثار عن أصحابها ... حينا ويدركها الفناء فتتبع
نعم، أخذت هذه الفروع تمتاز بعضها من بعض في البحث والتدوين من أوائل الطور تدريجيا حتى اشتهر بعض العلماء بالنحو وأشير إلى آخر باللغة ودواليك.
1 / 34