له. وأن هذه الأمور لما توسع العلماء فيها بعد وسموا كلامهم نحوا سحبوا اسم النحو على ما كان قبل من أبي الأسود، وقالوا: إنه واضع النحو للشبه في الأساس بين ما صنع وما صنعوا، وربما لم يكن هو يعرف اسم النحو بتاتا. إنما الذي كان له الفضل الأكبر في ذلك الخليل بن أحمد ذو العقل الجبار المبتكر الذي قل أن يوجد له نظير في علماء ذلك العصر وهو الذي عمل النحو الذي نعرفه إلي اليوم"١.
نعم، نحن لا ننكر ما للخليل من الفضل لا على النحو بل على كثير من علوم اللغة العربية، وستعرف آثاره في ترجمته إن شاء الله تعالى، لكنا مع ذلك على رأينا الأول.
فليس بغريب على أبي الأسود الذي أوتي العلم الواسع أن يلهم هذا الفن ويضع تعاليمه التي يسار عليها وينسج على منوالها، ولا ندعي أنه قد وفق إليه على غرار ما نراه في كتبنا من تعريفات ومصطلحات وتقاسيم، فإن طبيعة عهده السابق على عصر المقننين تقتضي مجرد اتجاهه إلى أبواب هذا العلم إجمالا حسبما تقتضيه الفطرة العربية على وفق ما ورد في مختلف الروايات الكثيرة التى صرحت بنسبة الوضع إليه فقط دون تعرض إلى التفصيل، وذلك كاف في اعتباره المؤسس له.
نعم، قد تطور بمسايرة الزمن، وأضيف إليه من كل طبقة بعد أخرى ما ضخمه وصيره فنا مستكمل الدعائم، مرتب الأبواب، منظم التقاسيم، مع التعاريف التي امتازت بها الأبواب، والتقاسيم والاصطلاحات العلمية الخاصة، إلا أنه مما لا يختلف فيه اثنان أن النهضة بهذا العلم في تلك النواحي كان عمادها الخليل بن أحمد، فمن عهده انتظم شتاته، والتأم عقده، واتخذ تعليمه دوره الفني كما ستقف على ذلك من أطواره، ومع هذا فإن عناصره الأساسية التي اهتدى إليها أبو الأسود بتعليم الإمام علي وإقراره لم تتغير ولم تتبدل.
_________
١ ضحى الإسلام ج٢ ص٢٨٦ وما بعدها.
1 / 27