Naql Ila Ibdac Card
من النقل إلى الإبداع (المجلد الثاني التحول): (١)
Genres
وإذا كانت فكرة المحاكاة فكرة رئيسية عند أرسطو فإنها فقط كانت المهماز، الدافع والمثير والمنبه للعارض كي يحتويها في مفهوم التخييل. وهو مفهوم رئيسي في الفلسفة لتفسير النبوة، ظل مستمرا عند الحكماء وعلماء البلاغة القدماء حتى المفسرين المحدثين.
114
وشتان ما بين الاثنين؛ المحاكاة تقليد للطبيعة بينما التخييل تعبير عما في النفس. المحاكاة تقليد، والتخييل إبداع. لذلك لا يمكن أن يكون التخييل محاكاة وإن كان محتويا لها. المحاكاة تفسير للفن والتخييل تفسير للواقع الاجتماعي. هدف المحاكاة الصنعة، وهدف التخييل التأثير في النفس من أجل التغير الاجتماعي، مقياس الصدق في المحاكاة التطابق مع الطبيعة، وفي التخييل الصدق مع النفس. لم يضع ابن سينا التخييل في مواجهة المحاكاة دليلا على تردده بين الحاجة إلى إثبات الطبيعة الخيالية غير المنطقية للشعر وبين الرغبة في إلحاقه بالمنطق، بل لأنه ينقل النص الأرسطي ويقرؤه ويعيد إنتاجه من بيئة ثقافية إلى بيئة ثقافية أخرى.
115
لم يرد لفظ «التخييل» في ترجمة متى. ويستعمله ابن سينا بدلا من لفظ المحاكاة مبررا ذلك بأن الكلام المخيل موجه إلى مخاطبة الغير مثل الجدل عندما يريد إقناع الغير اعتمادا على مقدمات مقبولة عند العلماء والخطابة اعتمادا على مقدمات مقبولة عند الجمهور، والشعر اعتمادا على إيقاع المعاني في نفوس السامعين؛ فالتخييل الشعرى مثل التصديق الجدلي الخطابي. وإذا خاطب الجدل والخطابة الفكر فإن الشعر يخاطب الانفصال نظرا لارتباط الشعر بالنفس. ليست المحاكاة عند ابن سينا تقليدا، بل تصويرا للمعاني المتخيلة.
116
والتخييل أمر خارج عن التصديق المنطقي، مطابقة الفكر لنفسه أو التصديق العلمي، مطابقة الفكر للواقع؛ حيث إن التخييل إحداث انفصال في النفس. الأول تطابق مع العقل أو مع الواقع، والثاني تطابق مع النفس. الأول تعريف الحقيقة الرياضية أو العلمية والثاني تعريفها الفلسفي. الأول تعريفها الموضوعي والثاني تعريفها الذاتي.
117
في التخييل صدق وكذب؛ صدق إذا حدث تأثير في النفس وكذب إذا لم يحدث. ويمكن حصر تخييلات الخطابة دون الشعر؛ فالخطيب ملزم بالتصديقات المظنونة والمقبولة عند الجمهور. أما الشاعر فله أن يبتدع ما يشاء ليحدث في النفس الانفصال المطلوب. بل إن الابتداع هو ما يطلب منه ليحدث هذا الانفعال وإذا كان الإبداع في الشعر فكيف تكون الفلسفة نقلا؟ إن تقريب ابن سينا بين التصديق والتخييل ليس ابتعادا عن أرسطو لأن أرسطو ليس مقياسا، والنقل ليس معيارا للإبداع بل اقترابا من الموروث.
118
Unknown page