وفي الثالث من شهر يناير سار نابوليون ومعه بعض القواد والجنود في اتجاه وادي الطمبلات، وهناك أبصر برجل يسير على هجين يحمل رسالة، ولما رأى الرجل الجنود الفرنسية حاول الاختفاء والابتعاد، وكانت الرسائل التي معه من إبراهيم بك والجزار باشا إلى مصر معلنة بابتداء المعارك على حدود سوريا وبأن جيش الجزار دخل الأراضي المصرية، وأن مقدمة هذا الجيش احتلت قلعة العريش، وهي تعمل في تحصين القلعة لتكون قادرة على الدفاع.
وفي هذه الأثناء وصلت مراكب من جدة إلى السويس حاملة مقدارا عظيما من البن وبضائع الهند فاجتاز بونابرت الصحراء وعاد إلى السويس، وكانت حملة هذه المراكب تبلغ نحو أربعمائة أو خمسمائة طن، وجاءت أيضا قافلة من القاهرة وأصبحت مدينة السويس كمدينة هندية وقابل بونابرت التجار الذين عادوا من الهند، وبعد ذلك سار من السويس إلى الصالحية، وأخذ في إقامة الاستحكامات فيها استعدادا للحملة على سوريا.
هوامش
الفصل الرابع عشر
المدة الثانية
الحملة الفرنساوية على الشام
1
ندخل الآن في المدة الثانية من الدور الثالث، وهي عبارة عن الزمن الذي قضاه نابوليون في غارته على الديار الشامية إلى أن عاد إلى القاهرة يائسا من تحقيق أحلامه في بلاد الشرق، وقد سبق لنا القول إن الدولة العليا اتحدت مع إنكلترا وروسيا على محاربة فرنسا وإخراج جنودها من أرض مصر، فأعلن الباب العالي الحرب على فرنسا رسميا في 21 ربيع الأول سنة 1213 الموافق 2 سبتمبر سنة 1798، والحق يقال: إن نابوليون كان أبعد نظرا من جميع رجال السياسة في فرنسا؛ لأنه فكر في إمكان قيام الدولة العلية عليه، فحسب لذلك ما حسب من سوء العواقب قبل أن يبرح فرنسا بحملته، بدليل أنه كتب من إيطاليا إلى مسيو تالليران (Talleyrand)
وزير الأمور الخارجية بتاريخ 13 سبتمبر سنة 1797 «أي: قبل إعلان الدولة العثمانية الحرب على فرنسا بسنة كاملة» خطابا محفوظا الآن بوزارة الخارجية يطلب منه اتخاذ الوسائل اللازمة لإرضاء الباب العالي وحمله على قبول الاحتلال الفرنساوي لمصر، بل وزاد نابوليون في ذلك إذ طلب من تالليران أن يذهب بنفسه إلى الآستانة ليبذل ما أوتي من حكمة ودهاء للتأثير على رجال الدولة العلية.
إلا أن تالليران لم يكن في الحقيقة صافي النية نحو نابوليون، كما يشهد بذلك تاريخه معه حتى بعد ارتقاء نابوليون إلى عرش فرنسا، وطالما أظهر نابوليون الحقد عليه وطعن في ذمته وإخلاصه في مذكراته وأحاديثه في سانت هيلانة، ولذلك لم يذهب تالليران إلى الآستانة، قال «ميو» في مقدمة كتابه: «ولما كان نابوليون يحب دائما أن يشرك الرجال معه فيما يذهب إليه من الأخطار
Unknown page