146

Napoleon Fi Misr

نابوليون بونابارت في مصر

Genres

2

وفي هذه المدة بدأت الدولة العثمانية بتحريض من إنجلترا في مقاومة الفرنساويين بإيغار صدور المصريين عليهم، فأرسلت عدة منشورات، ووالت إرسال الرسل بالرسائل والكتب لأعيان البلاد وكبار القوم، ومن هذه المنشورات منشور طويل لم يذكره الجبرتي؛ لأن الفرنساويين صادروه وأحرقوه وقد وقفنا على صورة باللغة الفرنسية لنص ذلك المنشور، فرأينا من باب الفائدة التاريخية أن نأتي على أهم ما جاء فيه من عبارات الطعن على الفرنساويين، وتسفيه أحلامهم، والاستهزاء بمعتقداتهم، ويقول «لاكرو»: إن المطلع على هذا المنشور، وما فيه من الطعن على مبادئ الثورة الفرنسية، يرى من خلاله أنه كتب بقلم أوروبية. يشير بذلك إلى أنه كتب بإرشاد الإنكليز وبتعليماتهم؛ والمنشور مستفتح بالبسملة والصلاة على النبي محمد خاتم المرسلين، وعلى آله وأصحابه والتابعين إلى يوم الدين، ثم يقول:

إن الفرنساويين أباد الله ملكهم، ونكس أعلامهم، قوم كفار ملاعين، لا يؤمنون بالله واليوم الآخر، ولا يعتقدون في رسالة محمد

صلى الله عليه وسلم

ويسخرون من جميع الأديان، وينكرون البعث والنشور، وما كتب لعباده تعالى من الثواب والعقاب في الدار الآخرة، ويعتقدون أن المصادفة العمياء هي التي أوجدت هذا الكون وهي المتسلطة في الحياة والموت، وأن الإنسان متى وضع في التراب انحل جسمه ولا يعود إلى حياة ثانية يعاقب فيها، أو يثاب على عمله في الحياة الدنيا، ولهذا السبب هدموا كنائسهم، وخربوا معابدهم، وكسروا صلبانهم، وطردوا قساوسهم ورهبانهم، وعندهم أن كتب الأنبياء والمرسلين ليست إلا أكاذيب وخرافات ملفقة، وأن القرآن والتوراة والإنجيل، ليست إلا أساطير الأولين، ويعتقدون أن الأنبياء كموسى وعيسي ومحمد ليسوا إلا أفرادا امتازوا عن غيرهم قليلا ما، بمعنى أن الله سبحانه وتعالى لم يبعثهم برسالة، ولم يختصهم بنبوة، ولا يعتقد فيهم غير ذلك سوى الأغبياء والمفتونين، ومن رأيهم أن الناس قد خلقوا سواء ولهذا يجب أن يكونوا متساوين في الحرية، يعتقد الواحد منهم ما يشاء فيما يشاء.

وعلى أساس هذه المعتقدات الفاسدة، وضعوا لهم نظاما جديدا وشرائع شيطانية بها هدموا أساس المعتقدات الدينية، وأحلوا ما حرم الله وفتحوا للشهوات البشرية أبواب الفساد، فصاروا بذلك أمة همجية بعيدة عن الإنسانية لا تعرف غير الدعارة والشرور.

ومن مبادئ أولئك القوم الضالين إيقاع النفرة، وغرس بذور الخلاف بين الملوك والأمم، وخلق الأسباب للمشاكل والقلاقل بين العباد، ويوهمون الناس بأنهم أنصار الحرية، ويفهمونهم أنهم إخوان، وأنهم يعتقدون مثل ما يعتقدون، ويدخلون بذلك في صدور عباد الله أوهاما باطلة، ومطامع سافلة، وبذلك سقطوا في بحر لا ساحل له من الفضايح والقبائح، ولم تعد لهم ضمائر رادعة، ولا نفوس زاجرة، فالحيلة عندهم مهارة، والسلب شطارة، وسفك الدماء مهارة وجسارة، والكذب فصاحة ونباهة، ولقد ذبحوا وقتلوا وأهلكوا من قومهم من لا يدين بدينهم.

ولقد اهتزت جوانب أوروبا لهذه الطغمة الشريرة التي انتشرت كالذئاب الجائعة، تهاجم الأمم المطمئنة لهدم قواعد الحكومات؛ وإبادة الأديان، واختطاف النساء والأطفال، فسالت من جراء ذلك الدماء أنهارا، وفازوا في إخضاع الأمم التي رضخت لشرهم وخنعت لأمرهم!

فما أنتم فاعلون يا حماة الإسلام وأنصار الدين الحنيف؟ يا من تؤمنون برسالة محمد بن عبد الله! إن ألئك القوم الضالين قد ساء فألهم فظنوا المسلمين كأولئك الكفار المنافقين الذين صدقوهم واتبعوا مبادئهم الفاسدة، وغاب عنهم أن الإسلام محفور على صفحات قلوبنا، وأنه يجري مجرى الدم في عروقنا، فهل يمكن أن نترك ديننا الطاهر الحنيف، بعد أن أنار الله قلوبنا بنوره، وهدانا إلى الصراط المستقيم؟ كلا ثم كلا! إن الله سبحانه وتعالى لا يرضى لعباده المؤمنين أن يزعزع إيمانهم، وقد قال سبحانه وتعالى في كتابه العزيز

إن ينصركم الله فلا غالب لكم .

Unknown page