138

Napoleon Fi Misr

نابوليون بونابارت في مصر

Genres

ويقول المعلم نقولا الترك أيضا: «إن نابوليون وجد من بين أولئك المقبوض عليهم أثنان من أعضاء المجلس العالي، فبعد قتلهما أمر بإلغاء المجلس.» ولا ندري من كان من أولئك المشايخ في المجلس العالي الذي يشير إليه وكلهم ما عدا الشيخ الجوسقي من متوسطي المدرسين الذين يقرءون الدروس في الأزهر وفي غيره من المساجد مثل المشهد الحسيني وزاوية الجوهرية وجامع الكردي، ويظهر من تراجمهم أنهم كانوا من أهل التقوى والصلاح والابتعاد عن المشاكل، أما الشيخ سليمان الجوسقي فكان من ذوي المطامع وأهل المشاغبات، وتاريخه من الأمور العجيبة ولذا رأيت أن أذكره بشيء من التفصيل؛ لأنه يرسم لنا صورة من حياة ذلك العصر.

الجوسقي نسبة إلى الجوسق وهي على الأغلب بلدة في مديرية الشرقية،

5

قال عنه الجبرتي أنه ولي شيخا على العميان بزاويتهم المعروفة الآن بالشنواني فسار فيهم بصرامة وجبروت، وجمع بجاههم أموالا عظيمة وعقارات، فكان يشتري غلال المستحقين المعطلة بالأبعاد «كأن يكون لأحد الناس استحقاق في وقف ما في جهة من جهات القطر البعيدة يستولي عليها الملتزمون من المماليك ولا يدفعون للمستحقين شيئا، فيأتي الشيخ الجوسقي ويبتاع من المستحقين غلتهم»، بدون الطفيف ويخرج كشوفاتها وتحاويلها على الملتزمين، ويطالبهم بها كيلا وعينا، ومن عصى منهم بعث إليه بالجيوش الجرارة من العميان فلا يجد بدا من الدفع!! وله أعوان يرسلهم إلى الملتزمين بالجهة القبلية، يأتون إليه بالسفن المشحونة بالغلال والمعاونات «بدل الغلة» من السمن والعسل والسكر والزيت وغير ذلك، ويبيعها في سني الغلاء بالسواحل والرقع

6

بأقصى القيمة ويطحن منها على طواحينه دقيقا ويبيع خلاصته في البطط

7

بحارة اليهود، ويعجن نخالته خبزا لفقراء العميان يقتاتون به مع ما يجمعون من الشحاذة في طوافهم بالليل وأطراف النهار بالأسواق والأزقة، وتغنيهم بالمدائح والخرافات، وقراءة القرآن في البيوت ومساطب الشوارع وغير ذلك ومن مات منهم ورثة الشيخ الجوسقي، وكثير من أولئك العميان الشحاذين من ترك ثروة طيبة فصار الشيخ بذلك من ذوي اليسار والنفوذ تخشى سطوته، وتسمع كلمته يركب البغال وأتباعه محدقون به، وعلى رواية الجبرتي أنه «تزوج الفتيات الجميلات واشترى السراري البيض والحبش والسود، وكان يقرض الأكابر المقادير الوافرة من المال، ليكون له عليهم الفضل والمنة، ولم يزل حتى حمله التفاخر في زمن الفرنسيس على إثارة الفتنة التي أصابته وغيره وقتل فيمن قتل بالقلعة، ولا يعلم له قبر.» ومن غريب أمر الشيخ الجبرتي أنه لما ذكر وفاة المشايخ الآخرين كان يختم ترجمة كل واحد منهم بقوله: «اتهم في إثارة الفتنة وقتل شهيدا.» أما عن الشيخ الجوسقي فلم يرض أن يقول عنه: «مات شهيدا»!!

والثالث من سلسلة انتقامات الفرنساويين ما رواه كتاب الفرنساويين في كتبهم ومذكراتهم من أن نابوليون أصدر أمره للضابطين كروازبيه

Croizier

Unknown page