Nakabat
النكبات: خلاصة تاريخ سورية منذ العهد الأول بعد الطوفان إلى عهد الجمهورية بلبنان
Genres
وقد كان الأمير بشير ينفذ أوامر إبراهيم فيمن خرجوا عليه، فحمل على أهالي عكار والحصن وصافيتا حملات موفقة، وغزا جبال النصيرية ففتحها وأحرق عسكره ثمانين قرية من قراها. صرنا في القرن التاسع عشر ولا تزال فطرتنا فطرة الحثيين والفينيقيين والشركس والتراكمين.
أما سيد الجميع إبراهيم فقد أرهق الناس بالضرائب، وضرب على أيدي أصحاب الإقطاعات فقضى على سيادتهم ونفوذهم، ووضع قانونا للتجنيد الإجباري وشرع في تنفيذه، فنفر منه جميع السوريين، الخاصة منهم والعامة.
وقد أبى دروز حوران تجنيد أولادهم، فأرسل عليهم الفاتح الحملة تلو الأخرى، وفيها من أبناء لبنان (كما فعلت الدولة المنتدبة أمس في مرجعيون وراشيا)، فاشتد الغل بين الفريقين.
وبعد أن رد الدروز تلك الحملات مدحورة، صمم إبراهيم على تسميم الآبار بمحلول السليماني؛ ليحملهم على هجر الديار، فعلموا بذلك ونزحوا إلى إقليم البلان.
وكانت السياسة الأوروبية آخذة في التطور والتلون على عادتها، فاتفقت إنكلترة وفرنسة
6
على إبراهيم (كما اتفقتا أمس على الثوار السوريين)، وضربت المدرعات البريطانية عكا، فقام إذ ذاك الموارنة الذين كانوا مع الفاتح المصري يلبون دعوة رؤسائهم الدينيين والمدنيين، للعمل الذي فيه إرضاء «الأم الحنون»، وصون مصالح أصحاب الإقطاعات.
نعم، انقلبت فرنسة على إبراهيم فانقلب الرؤساء المحترمون معها، وقام المشايخ والأمراء، النكديون واللمعيون وبعض الشهابيين، يشقون عصا الطاعة على الحكومة المصرية، لا دفاعا عن حقوق الأمة، بل استرجاعا لحقوقهم الإقطاعية التي كانت قد أبطلت وكادت تزول.
مساكين من ينقادون للإكليروس والأمراء. ظن اللبنانيون أنهم يسترضون الدولة في نهوضهم مع من نهضوا، ليخرجوا الفاتح المصري من البلاد، ولكن انقلابهم لم يغنهم لدى الترك شيئا. قد كتب ما كتب.
بعد خروج إبراهيم باشا وسقوط الإمارة الشهابية (1842م)، وبعد تعيين عمر باشا النمساوي حاكما على لبنان، وإجماع اللبنانيين على رفضه وإصرارهم على أن يكون الحاكم وطنيا، قسمت الدولة البلاد، عملا برأي حكومة النمسة، إلى قائمقاميتين: جنوبية وشمالية، يحكم الأولى أمير أرسلاني، ويحكم الثانية أمير لمعي . فوسعت شقة الخلاف بين الدروز والنصارى، وطفقت تضرم بواسطة عمالها نيران الفتن الطائفية، فدارت الدوائر لأول مرة على الأقليتين المسيحية والإسماعيلية (وهؤلاء الإسماعيليون أو العلويون هم إخوان الموارنة في حب الأجانب وفي البلاء).
Unknown page