Nakabat
النكبات: خلاصة تاريخ سورية منذ العهد الأول بعد الطوفان إلى عهد الجمهورية بلبنان
Genres
وهم أيضا أجدادنا!
الفصل العاشر
الصليبيون
ها إننا في دور السلجوقيين والتركمان، الذين حكموا الشام حقبا من الزمن، وفاقوا الدول الكلبية في الجور والفساد. والعجيب من أمرهم أنه لم يكن يهمهم غير «إعلاء كلمة الله»!
هاكم السلطان آلب أرسلان الذي حمل كفنه في الحروب، وما حمل في سبيل تلك «الكلمة» غير السيف، يفتح حلب (463ه/1071م)، وهي من بلاد المسلمين لا من بلاد الروم، ثم يحمل على الروم ليكفر عن ذنوبه في حلب، فيكسرهم ويأسر ملكهم، ثم يموت مطعونا بخنجر أحد أعدائه المسلمين «إعلاء لكلمة الله»!
وهذا أتسز بن أوق أحد كبار التركمان، اسم أعجمي عجيب، وشخصية بربرية أعجب، حاصر أتسز دمشق مرارا فظفر بها (468ه/1076م)، فكان الفتح وكان الخراب المبين. «خربت دمشق وأعمالها، وخلت الأماكن من قاطنيها، والغوطة من فلاحيها، وهان على الناس ترك الديار والأملاك»، لما قاسوه من مظالم هذا الأتسز بن أوق!
وما كان خيرا منه بنو أتابك وبنو أرتق الملوك المماليك الذين ختموا مظالم الأجيال في أواخر القرن الخامس للهجرة. ختموها! قل: خرجوا من مسرحها.
وبدت إذ ذاك طلائع الطامة الكبرى في هذه الديار السورية، طلائع الحروب الصليبية التي استمرت في حالة متقطعة مائتي سنة (490-690ه/1096-1290م).
هو عهد الظلمات في أوروبة، أو هي الأحقاب المظلمة، كما تدعى هناك. وقد كانت ظلماتهم أشد من ظلماتنا، وكذلك الظلامات. أما الأسباب، الأسباب كلها هنا وهناك، فهي تنحصر في ثلاثة: الجهل، والطمع، والتعصب الديني.
نعم ، قد جرت الدماء البشرية أنهرا باسم الدين، وهدمت موارد الحياة وصروحها باسم الدين، وزرعت الأرض عظاما إنسانية باسم الدين، وامتلأ الفضاء سما وظلاما باسم الدين، وتناسلت الشعوب بالغل والشنآن من أجل الدين.
Unknown page