Nakabat
النكبات: خلاصة تاريخ سورية منذ العهد الأول بعد الطوفان إلى عهد الجمهورية بلبنان
Genres
فالظلم في العهد غير العربي، الظلم المنظم، تنفذ أحكامه القوة القاهرة، وتساعد في التنفيذ، لمال أو جاه أو نكاية، عرب غسان وتنوخ، هم السبب في دوام السيادة الأجنبية. أجل، قد استولى الرومان على البلاد بواسطة أمرائها والمتنفذين من أبنائها.
والظلم هو السبب الأول والأهم في زوال الدول العربية. وإليك البرهان، كان حكم الخلفاء حكما فرديا أوتوقراطيا، يرتكز على عصبية من العصبيات المتعددة، لا على الجنسية العربية الشاملة لكل العصبيات؛ لذلك لم يتمكن الخلفاء الأمويون من إخماد الفتن الناشئة عن العصبيات المعادية لها في العراق؛ ولذلك لم يتمكن الخلفاء العباسيون من التغلب على العصبيات التي استعرت نيرانها بعد سقوط الأمويين في بلاد الشام.
إنه في الإجمال لحكم ظالم، لا عدل فيه لغير العصبية المرتكز عليها. ومثل هذا العدل هو نوع آخر من الظلم، إلا أن الحكومة الظالمة التي تفتقر إلى قوة إدارية وجندية منظمة، والتي ينخر في أصولها سوس العصبيات، تظل متزعزعة، ولا تلبث أن تسقط وتضمحل.
يقول المؤرخ إن ابن طولون (مثلا) كان على جانب من العدل وحسن السيرة، وإنه فكر كثيرا في عمران مملكته «حتى زاد خراجها».
زاد خراجها؟! وهل في ذلك دليل على العمران؟ أما حان لنا أن ننظر إلى حوادث التاريخ من وجهة حديثة عالية عامة؟ إني أسألك: كيف كان يصرف الخراج؟ وإذا كنت في عمل يشغلك عن بحث مثل هذه المسائل فأنا أجيب عنك: كان الخليفة، إذا كان من الصالحين، يصرف قسما كبيرا من الخراج في بناء المساجد والمدارس المسجدية. وإذا كان كالوليد بن يزيد أو كهارون الرشيد، فمعظم الخراج إنما هو لنفسه ولأهله ولمحظياته وعبيده المقربين منه. وإذا كان كبيرا كمعاوية أو ظالما كعبد الملك بن مروان، فبيت المال في نظره إنما هو لشراء الأنصار وتسكين الأعداء.
أما الناس - العدد الأكبر من الأمة - أولئك الذين يدفعون الخراج ، ويأكلون الكرباج، ثم يحملون السلاح للجهاد؛ فدعهم يعيشون في جهلهم وأوساخهم وأمراضهم وشقائهم المستمر.
وأرسل الله القرامطة على هذه الممالك تأديبا وتطهيرا ، فقام الحكام يسوقون إلى القتال أولئك الذين يدفعون الخراج ويأكلون الكرباج. إلى الجهاد! إلى الجحيم! حملوا السلاح ليردوا القرامطة عن أمرائهم وحكامهم، وما كان القرامطة بأشر من أولئك الظالمين.
أتعجب بعد ذلك إذا قيل في الإخشيد الأول إن في زوال ملكه فرحا للعالم؟!
وهذا سيف الدولة علي بن حمدان عدو الروم وخصم الإخشيد، سيف الدولة الذي حكم وحارب من سنة 333 إلى سنة 356 (945-967م)، فكان مظفرا سعيدا في حروبه كلها، وجائرا كل الجور على رعيته. سيف الدولة الذي «اشتد بكاء الناس عليه ومنه» كما يقول الأزدي. وقال صاحب الخطط، الذي يعود إلى النزاهة التاريخية، بعد أن يكون قد تعب بها وأركبها مطية الغرض، إن سيف الدولة «كان يخرب قرية ليجيز شاعرا مدحه بقصيدة.»
وكان قاضيه أبو الحصين يقول: «كل من هلك، فلسيف الدولة ما ترك!» وأدرك القدر القاضي أبا الحصين، فقتل في إحدى المعارك، فداسه سيف الدولة بحصانه قائلا: «لا رضي الله عنك؛ فإنك كنت تفتح لي أبواب الظلم.»
Unknown page