Nakabat
النكبات: خلاصة تاريخ سورية منذ العهد الأول بعد الطوفان إلى عهد الجمهورية بلبنان
Genres
الفصل الرابع
الاحتلال السلوقي
بعد وفاة الإسكندر في بابل (323ق.م)، اقتسم قواده مملكته الشاسعة: فكانت سورية الشمالية وما دونها شرقا إلى حدود الهند، حصة سلوقس نيكاتور؛ أي الفاتح. واستولى بطليموس على مصر، وعلى فلسطين وما يليها شرقا وشمالا.
كانت بابل في البدء عاصمة الدولة السلوقية، فنقلها سلوقس بعد عشر سنوات إلى أنطاكية، ليتمكن من محاربة أعدائه في الغرب.
تأسست هذه الدولة سنة 312 قبل المسيح، وبلغت ذروة المجد في عهد أنطيوخس الثالث الملقب بالكبير (223)، الذي حكم خمسا وثلاثين سنة، وبسط سيادته على البلاد السورية كلها ما عدا البتراء وما يجاورها، التي كانت يومئذ في حوزة الأنباط. وقد أغضب أنطيوخس الكبير الرومانيين بسياسته وحروبه، فحملهم على التدخل في أمور الشرق، فجر ذلك فيما بعد إلى الفتوحات الرومانية التي قضت على الدولة السلوقية.
بيد أن هذه الدولة ظلت قائمة على أركان متزعزعة أكثر من مائة سنة بعد أنطيوخس الكبير، وقد كانت خصوصا في هذه الحال، وإجمالا في كل أحوالها، مثل الدول التي تقدمتها ظلما واستبدادا.
إلا أنها لم تكن محض استعمارية أو صرف يونانية؛ فقد قسم السلاقسة البلاد إلى مقاطعات يحكمها حكام يعينهم الملك، وكانت الوظائف الصغيرة بيد أناس من الوطنيين، وكان الجيش المرابط من أهل البلاد، إلا أن ضباطه يونانيون.
قال المؤرخ: «كانت دولة السلاقسة دولة حرب ونزاع، فغدت الشام في حالة بؤس ونحس، رومة تطالبها ببسط سلطانها عليها، ومصر تحاربها لتضمها إليها، وأهل فارس يجتاحونها، فمنيت البلاد بضعف الحال وقلة الرجال.»
وقد تفككت تلك الدولة في آخر عهدها لما قام فيها من الحروب الأهلية بين الإخوان وأبناء العم الطامعين كلهم بالملك، فخرجت صور وصيدا وغيرهما من مدن الساحل على أنطاكية، وأعلنت استقلالها.
ورفع أهل الشام أصواتهم شاكين محتجين، ثم استنجدوا وقد ضاق ذرعهم، بأجنبي على أجنبي. أجل، قد استغاث الدمشقيون بتغران ملك أرمينية، فأغاثهم وأنقذهم من السلاقسة (83ق.م)، وحكم الشام بعد ذلك ثماني عشرة سنة كانت اللاحقة للسابقة عينا: سبحان الله! لقد أنسانا الأرمني ظلم السلوقي!
Unknown page