201

لذاتها تعقل ولذاتها أيضا تعقل كل ماهية مجردة تتصل بها ولا تفارقها فهي بذاتها عاقل ومعقول فقد فهمت أن نفس كونه معقولا وعاقلا لا يوجب أن يكون إثنان في الذات ولا اثنان في الاعتبار أيضا فإنه ليس تحصيل الأمرين إلا اعتبار أن له ماهية مجردة هي ذاته وأن ماهية مجردة هي ذاته له وههنا تقديم وتأخير في ترتيب المعاني والغرض المحصل شيء واحد بلا قسمة فقد بان أن كونه عاقلا ومعقولا لا يوجب فيه كثرة البتة.

فصل في أنه بذاته معشوق وعاشق ولذيذ وملتذ وأن اللذة هي إدراك الخير الملائم

ولا يمكن أن يكون جمال أو بهاء فوق أن تكون الماهية عقلية محضة خيرية محضة بريئة عن كل واحد من أنحاء النقص واحدة من كل جهة والواجب الوجود له الجمال والبهاء المحض وهو مبدأ كل اعتدال لأن كل اعتدال هو في كثرة تركيب أو مزاج فيحدث وحدة في كثرته وجمال كل شيء وبهاؤه هو أن يكون على ما يجب له فكيف جمال ما يكون على ما يجب في الوجود الواجب وكل جمال ملائم وخير مدرك فهو محبوب ومعشوق ومبدأ إدراكه إما الحس وإما الخيال وإما الوهم وإما الظن وإما العقل وكلما كان الادراك أشد إكتناها وأشد تحقيقا والمدرك أجمل وأشرف ذاتا فأحباب القوة المدركة إياه والتذاذها به أكثر فالواجب الوجود الي في غاية الجمال والكمال والبهاء والذي يعقل ذاته بتلك الغاية في البهاء والجمال وبتمام التعقل ويتعقل العاقل والمعقول على أنهما واحد بالحقيقة يكون ذاته لذاته أعظم عاشق ومعشوق وأعظم لاذ وملتذ فإن اللذة ليست إلا إدراك الملائم من جهة ما هو ملائم فالحسية منها إحساس بالملائم والعقلية تعقل الملائم والأول أفضل مدرك بأفضل إدراك لأفضل مدرك فهو أفضل لاذ وملتذ ويكون ذلك أمرا لا يقاس إليه شيء وليس عندنا لهذه المعاني أسام غير هذه الاسامي فمن استشنعها إستعمل غيرها ويجب أن تعلم أن إدراك العقل للمعقول أقوى من إدراك الحس للمحسوس لأنه أعني العقل يعقل ويدرك الأمر الباقي الكلي ويتحد به ويصير هو هو على وجه ما ويدركه بكنهه لا بظاهره وليس كذلك الحس للمحسوس واللذة التي تجب لنا بأن نتعقل ملائما هي فوق التي تكون لنا بأن نحس ملائما ولا نسبة بينهما ولكنه قد يعرض أن تكون القوة الدراكة لا تستلذ بما يجب أن تستلذ به لعوارض كما أن المريض لا يستلذ الحلو ويكرهه لعارض فكذلك يجب أن تعلم من حالنا ما دمنا في البدن فإنا لا نجد إذا حصل لقوتنا العقلية كما لها بالفعل من اللذة ما

Page 201