فصل في أن واجب الوجود بذاته عقل وعاقل ومعقول
وإذ قد ثبت واجب الوجود " فنقول " إنه بذاته عقل وعاقل ومعقول أما أنه معقول الماهية فلأنك تعرف أن طبيعة الوجود بما هي طبيعة الوجود وطبيعة أقسام الوجود بما هي كذلك غير ممتنع عليها أن تعقل وإنما يعرض لها أن لا تعقل إذا كانت في المادة أو مكنونة بعوارض المادة فإنها من حيث هي كذلك محسوسة أو متخيلة وظهر فيما سلف أن ذلك الوجود إذا جرد عن هذا العائق كان وجودا وماهية معقولة وكل ما هو بذاته مجرد عن المادة والعوارض فهو بذاته معقول والأول واجب الوجود مجرد عن المادة وعوارض المادة فهو بما هو هوية مجردة عقل وبما يعتبر له من أن هويته المجردة لذاته فهو معقول لذاته وبما يعتبر له من أن ذاته لها هوية مجردة هو عاقل ذاته فإن المعقول هو الذي ماهيته المجردة لشيء والعاقل هو الذي له ماهية مجردة لشيء وليس في شرط هذا الشيء أن يكون هو أواخر بل شيء مطلقا والشيء المطلق أعم من أن يكون هو أو غيره كما سنوضح فالأول لأن له ماهية مجردة لشيء هو عاقل وبما ماهيته مجردة لشيء هو معقول وهذا الشيء هو ذاته فهو عاقل بأن له الماهية المجردة التي لشيء هو ذاته ومعقول بأن ماهيته المجردة هي لشيء هو ذاته فكل من تفكر قليلا علم أن العاقل يقتضي شيئا معقولا وهذا الاقتضاء لا يتضمن أن ذلك الشيء آخر أو هو وأيضا فإن المحرك يقتضي شيئا متحركا وهذا الاقتضاء نفسه ليس يوجب أن يكون شيئا آخر بل نوعا آخر من البحث يوجب ذلك ولذلك لم يمتنع أن نتصور شيئا يتحرك بذاته إلى وقت أن يقوم البرهان على امتناعه ولم يكن نفس تصور المحرك والمتحرك يوجب ذلك إذ كان المتحرك يوجب أن يكون له شيء يتحرك هو عنه بلا شرط أنه آخر أو هو أو المحرك يوجب أن يكون له شيء متحرك عنه بلا شرط أنه آخر أو هو ولذلك المضافات تعرف أنيتها لأمر آخر لا لنفس النسبة والاضافة المفروضة في الذهن فإنا نعلم يقينا " أن لنا قوة نعقل بها الأشياء " فإما أن تكون القوة التي تعقل هذا المعنى هي هذه القوة نفسها فتكون هي بعينها تعقل ذاتها فيثبت المطلوب أو تعقل ذلك بقوة أخرى فتكون لنا قوتان قوة نعقل بها الأشياء وقوة نعقل بها هذه القوة ثم يتسلسل الكلام إلى غير النهاية فيكون فينا قوى تعقل الأشياء بلا نهاية بالفعل ولكن هذا محال. فقد بان أن المعقول لا يوجب أن يكون معقول شيء آخر وبهذا يبين أنه ليس يقتضي العاقل أن يكون عاقل شيء آخر بل كل ما يوجد له الماهية المجردة فهو عاقل وكل ما هو ماهية متجردة توجد لشيء فهو معقول وإذا كانت هذه الماهية
Page 200