فصل في أن العالم واحد وأنه لا يمكن التعدد
وأقول إن الأجسام بما هي أجسام لا يمتنع عليها الاتصال فإذا إن كانت أجسام لا تتصل فلعله لأن صورها صور تتمانع أن تتحد فيكون بينها منافرة في الطبع فإذا الأجسام البسيطة المتشابهة الصور ليس يمتنع عليها الاتصال أو الانفصال بحسب مقتضى طبائعها وإذا فرضت متصلة تحيزت إلى حيز واحد وصار مكانها واحدا وإذا افترقت وقوتها تلك القوة بعينها فمكانها ذلك المكان بعينه الذي صارت إليه في حال الاتصال إذ قلنا أنه لا يمكن أن يكون لجسم واحد مكانان طبيعيان فإذا الأجسام المتشابهة الصور والقوى حيزها الطبيعي واحد وجهتها الطبيعية واحدة فبين من هذا أنه لا يكون أرضان في وسطين من عالمين وناران في أفقين محيطين من عالمين فإنه ليس توجد أرض بالطبع إلا في عالم واحد وكذلك النار وسائر الأجرام: وإذا كانت الأمكنة الأولى للأجسام البسيطة وكانت أمكنة البسائط إذا انتهت فهناك تنتهي أمكنة الأجسام كلها وكانت البسيطة إذا كانت على مقتضى طبائعها وأشكالها الطبيعية كانت مستديرة إذ الشكل الطبيعي للبسيط مستدير فيجب أن يكون الكل كرة واحدة ثم إن وجد عالم آخر كان أيضا مستديرا ووقع بينهما الخلاء ضرورة فيكون فرض الممكن وهو كون الأجسام على مقتضى طبائعها قد لزم منه محال وهو وجود الخلاء ومحال أن يلزم ممكنا محال فبين من هذا أنه لا يمكن أن يكون عالم آخر غير هذا العالم بل العالم واحد ولأنا لسنا في أفقه لأنا نحن في حيز الأجسام التي من شأنها أن تتحرك بالاستقامة فواجب أن يكون أفق العالم حيث الجسم الذي ليس من شأنه أن يتحرك على الاستقامة بل هو الجسم الذي بالقياس إليه تكون جهات الحركات المستقيمة وهذا الجسم يجب أن يكون بسيطا لأنه لو كان مركبا كانت له أجزاء منها ركب وكانت قابلة للحركة إلى الاجتماع والانفصال وذلك في الاستقامة وكان أيضا قد تقررت الجهات قبله للبسائط - وهذا كله محال وإذا كان بسيطا كانت أجزاؤه متشابهة وأجزاء ما يلاقيه وأجزاء مكانه كذلك فلم تكن بعض الأجزاء أولى بأن تختص ببعض أجزاء المكان وبالجملة لم يكن بعض الأوضاع أولى به من بعضها ولم يجب أن يكون شيء منها له طبيعيا فإنه لا يخلو إما أن يتخصص جزء من المتمكن بذلك الجزء بعينه من المكان لطبيعته فقط أو لطبيعته وعارض مخصص مثل اختصاص هذا الجزء من الأرض بهذا الجزء من المكان لأنه حدث هناك فأوجب طبعه الاختصاص به لامتناع حركته عن الحيز الطبيعي أو لأنه كان وقع خارجا عن حيزه وقوعا يحاذي به هذا الجزء من
Page 114