. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
_________
ومِمَّا ذكره ابن القيِّم في كتابه «جلاء الأفهام» (ص:٣٣١ - ٣٣٣) للاحتجاج للقائلِين بدخول أزواجه ﷺ في آل بيته قوله: «قال هؤلاء: وإنَّما دخل الأزواجُ في الآل وخصوصًا أزواجُ النَّبِيِّ ﷺ تشبيهًا لذلك بالنَّسَب؛ لأنَّ اتِّصالَهُنَّ بالنَّبِيِّ ﷺ غيرُ مرتفع، وهنَّ محرَّماتٌ على غيرِه في حياتِه وبعد مَمَاتِه، وهنَّ زوجاتُه في الدنيا والآخرة، فالسَّببُ الذي لهنَّ بالنَّبِيِّ ﷺ قائمٌ مقامَ النَّسَب، وقد نصَّ النَّبِيُّ ﷺ على الصلاةِ عليهنَّ، ولهذا كان القولُ الصحيح - وهو منصوص الإمام أحمد ﵀ أنَّ الصَّدقةَ تحرُمُ عليهنَّ؛ لأنَّها أوساخُ الناسِ، وقد صان اللهُ سبحانه ذلك الجَنَابَ الرَّفيع، وآلَه مِن كلِّ أوساخِ بَنِي آدَم.
ويا لله العجب! كيف يدخلُ أزواجُه في قوله ﷺ: (اللَّهمَّ اجعل رزقَ آل محمَّد قوتًا)، وقوله في الأضحية: (اللَّهمَّ هذا عن محمد وآل محمد)، وفي قول عائشة ﵁: (ما شبع آلُ رسول الله ﷺ من خُبز بُرٍّ)، وفي قول المصلِّي: (اللَّهمَّ صلِّ على محمد وعلى آل محمد)، ولا يَدخُلْنَ في قوله: (إنَّ الصَّدقة لا تَحلُّ لمحمَّد ولا لآل محمَّد)، مع كونِها من أوساخِ الناس، فأزواجُ رسولِ الله ﷺ أولى بالصِّيانةِ عنها والبُعدِ منها؟!
فإن قيل: لو كانت الصَّدقةُ حرامًا عليهنَّ لَحَرُمت على مواليهنَّ، كما أنَّها لَمَّا حرُمت على بَنِي هاشِم حرُمَت على موالِيهم، وقد ثبت في الصحيح أنَّ بريرةَ تُصُدِّق عليها بلَحمٍ فأكلته، ولَم يُحرِّمه النَّبِيُّ ﷺ، وهي مولاةٌ لعائشة ﵂.
قيل: هذا هو شبهةُ مَن أباحَها لأزواج النَّبِيِّ ﷺ.
وجوابُ هذه الشُّبهةِ أنَّ تحريمَ الصَّدقةِ على أزواجِ النَّبِيِّ ﷺ ليس بطريق الأصالةِ، وإنَّما هو تَبَعٌ لتَحريمها عليه ﷺ، وإلاَّ فالصَّدقةُ حلالٌ لهنَّ قبل اتِّصالِهنَّ به، فهنَّ فرعٌ في هذا التحريمِ، والتحريمُ على المولَى فرعُ التَّحريمِ على سيِّدِه، فلمَّا كان التَّحريمُ على بَنِي هاشِم أصلًا استتبَع ذلك مواليهم، ولَمَّا كان التَّحريمُ على أزواجِ النَّبِيِّ ﷺ تَبَعًا لَم يَقْوَ ذلك على استِتْبَاعِ مواليهنَّ؛ لأنَّه فرعٌ عن فرعٍ.
قالوا: وقد قال الله تعالى: ﴿يَا نِسَآءَ النَّبِيِّ مَن يَاتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ﴾ وساق الآيات إلى قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنءَايَاتِ اللهِ وَالحِكْمَةِ﴾، ثم قال: فدخَلْنَ في أهل البيت؛ لأنَّ هذا الخطابَ كلَّه في سياق ذِكرهنَّ، فلا يجوز إخراجُهنَّ مِن شيءٍ منه، والله أعلم».
ويدلُّ على تحريم الصَّدقة على موالِي بَنِي هاشِم ما رواه أبو داود في سننه (١٦٥٠)، والترمذي (٦٥٧)، والنسائي (٢٦١١) بإسنادٍ صحيح - واللفظ لأبي داود - عن أبي رافع: «أنَّ النَّبِيَّ ﷺ بعث رجلًا على الصَّدقة مِن بَنِي مخزوم، فقال لأبي رافع: اصْحَبنِي فإنَّك تُصيبُ منها، قال: حتى آتِي رسولَ الله ﷺ فأسأله، فأتاه فسأله، فقال: مولَى القوم مِن أنفسِهم، وإنَّا لا تَحِلُّ لنا الصَّدقة».]. وانظر أيضًا جلاء الأفهام (ص/٢١٠) وما بعدها، ومقالة: " آلُ البَيْتِ" للشيخ: عثمان الخميس.
1 / 19