وخالفت الأشاعرة كافة العقلاء في هذه المسألة حيث حكموا بأن الله تعالى يرى للبشر أما الفلاسفة والمعتزلة والإمامية فإنكارهم لرؤيته ظاهر لا يشك فيه وأما المشبهة والمجسمة فإنهم إنما جوزوا رؤيته تعالى لأنه عندهم جسم وهو مقابل للرائي فلهذا خالفت الأشاعرة باقي العقلاء وخالفوا الضرورة (1) أيضا فإن الضرورة قاضية بأن ما ليس بجسم ولا حال في الجسم ولا في جهة ولا مكان ولا حيز ولا يكون مقابلا ولا في حكم المقابل فإنه لا يمكن رؤيته ومن كابر في ذلك فقد أنكر الحكم الضروري وكان في ارتكاب هذه المقابلة سوفسطائيا. وخالفوا أيضا آيات الكتاب العزيز الدالة على امتناع رؤيته تعالى قال عز من قائل لا تدركه الأبصار (2) تمدح بذلك لأنه ذكره بين مدحين فيكون مدحا لقبح إدخال ما لا يتعلق بالمدح بين مدحين فإنه لا يحسن أن يقال فلان عالم فاضل يأكل الخبز زاهد ورع وإذا مدح بنفي الإبصار له كان ثبوته له نقصا والنقص عليه تعالى محال
(1) أقول: من راجع كتاب: «الابانة في أصول الديانة»- ص 5 و6 لأبي الحسن الأشعري رئيس الأشاعرة، يظهر له أنه لم يأت بمذهب جديد، يمتاز عن مذاهب المتكلمين من أهل الحديث 5 وقد صرح في كتابه هذا بأن ما يعتقده، وما أظهره من أصول العقائد، كله كان تبعا لأحمد بن حنبل، وتقليد له، وأفرط في تعظيمه، وتجاوز الحد بالغلو فيه. وقال عبد الكريم الشهرستاني في الملل والنحل/ ج 1 ص 93: «حتى انتهى الزمان إلي عبد الله بن سعيد الكلابي وأبي العباس القلانسي، والحارث بن أسد المحاسبي، وهؤلاء كانوا من جملة السلف، إلا أنهم باشروا علم الكلام، وأيدوا عقائد السلف بحجج كلامية، وبراهين أصولية، فأيد أبو الحسن الأشعري مقالتهم بمناهج كلامية، وصار ذلك مذهبا جديدا لأهل السنة والجماعة، وانتقلت سمة الصفاتية إلى الأشعرية». انتهى. وذكر بذلك محمد كرد علي في الجزء السادس من كتابه: خطط الشام. والمشبهة والمجسمة من المتكلمين هم الصفاتية. وتبع الأشعري في ذلك أحمد بن حنبل وأتباعه. (راجع الملل والنحل/ ج 1 ص 92 إلى 108، وحاشية الكستلي المطبوع في هامش شرح العقائد التفتازاني ص 70).
(2) الاعراف: 103
Page 47