مخالفة الجبرية للحكم الضروري ومنها مخالفة الحكم الضروري الحاصل لكل أحد عند ما يطلب من غيره أن يفعل فعلا فإنه يعلم بالضرورة أن ذلك الفعل يصدر عنه ولهذا يتلطف في استدعاء الفعل منه بكل لطيفة ويعظه ويزجره عن تركه ويحتال عليه بكل حيلة ويعده ويتوعده على تركه وينهاه عن فعل ما يكرهه ويعنفه على فعله ويتعجب من فعله ذلك ويستطرفه ويتعجب العقلاء من فعله وهذا كله دليل على فعله. ويعلم بالضرورة الفرق بين أمره بالقيام وبين أمره بإيجاد السماوات والكواكب ولو لا أن العلم الضروري حاصل بكوننا موجدين لأفعالنا لما صح ذلك.
مخالفة الجبرية لإجماع الأنبياء
ومنها مخالفة إجماع الأنبياء والرسل فإنه لا خلاف في أن الأنبياء أجمعوا على أن الله تعالى أمر عباده ببعض الأفعال كالصلاة والصوم نهج الحق ص : 114و نهى عن بعضها كالظلم والجور ولا يصح ذلك إذا لم يكن العبد موجدا إذ كيف يصح أن يقال له ائت بفعل الإيمان والصاة ولا تأت بالكفر والزناء مع أن الفاعل لهذه الأفعال والتارك لها هو غيره فإن الأمر بالفعل يتضمن الإخبار عن كون المأمور قادرا عليه حتى لو لم يكن المأمور قادرا على المأمور به لمرض أو سبب آخر ثم أمره فإن العقلاء يتعجبون منه وينسبونه إلى الحمق والجهل والجنون ويقولون إنك لتعلم أنه لا يقدر على ذلك ثم تأمره به ولو صح هذا لصح أن يبعث الله رسولا إلى الجمادات مع الكتاب فيبلغ إليها ما ذكرناه ثم إنه تعالى يخلق الحياة في تلك الجمادات ويعاقبها لأجل أنها لم تمتثل أمر الرسول وذلك معلوم البطلان ببديهة العقل.
Page 65