ويجوز للشاعر المولّد التّصغير في الشّعر من غيرِ ضرورة لمعان في التصغير نذكرُها.
أما التّصغيرُ فعلى أربعة أقسام: قسْمٌ للتحقير كقولَك: رُجَيْلٌ، وقسمٌ للتقليل في المجموع كقولَك: أُجَيْمالٌ، وقسمٌ للتّعظيم كقول عمر ﵁ كُنَيْفٌ مُلئَ علمًا. وقال حُباب: أنا جُذَيْلُها المُحَكَّك وعُذَيْقها المُرجَّب. وقال لَبيد:
دُوَيْهيّةٌ تصْفَرُّ منها الأنامِلُ
وقسم للتقريب وذلك في الظروف نحو قولك: فُوَيْقٌ وقُدَيدِمة وقال امرؤ القيس:
ضَليع إذا استَدْبَرْتَه سدّ فرْجَه ... بضافٍ فوَيْقَ الأرضِ ليسَ بأعزَلِ
وقال الأعشى:
أبلِغْ يزيدَ بني شيبانَ مألُكةً ... أبا ثُبَيْتٍ أما تنفَكُّ تأتَكِلُ
وقال زهير:
فأمّا ما فُويْقَ العِقْدِ منها ... فمِنْ أدْماءَ مرْتَعُها خلاءُ
وقال أبو زُبيد الطائي:
يا ابنَ أمّي ويا شُقَيِّقَ نفْسي ... أنتَ خلَّيْتَني لأمرٍ شديدِ
وربما حقّروا فعلَ التعجُّبِ للَحاقِه بالأسماءِ إذ عدم تصرُّفُه، ومعنى التَحقير المبالغة في الاستحسان، كما قال:
يا ما أحَيسِنَ غِزْلانًا عرَضْنَ لنا
ويجوز استعمالُ غَدْوٍ في موضِع غدٍ، كقول الشاعر:
وما الناسُ إلا كالدّيارِ وأهلِهابها يومَ حلّوها وغَدْوًا بلاقعُويجوز استعمال ليْتي في موضع ليتني كقول الشاعر:
كمُنْيَةِ جابرٍ إذ قال لَيْتي ... أصادِفُه وأفقِدُ بعضَ مالي
ويجوز استعمال عِمْ صباحًا في موضع أنعِمْ صباحًا كقول الشاعر:
أتَوْا ناري فقلت مَنونَ أنتُمْ ... فقالوا: الجِنُّ، قلت: عِموا ظَلاما
ويجوز التّرخيمُ في غير النداءِ للضرورة كما قال الشاعِر:
لَنِعمَ الفتى تعْشو الى ضوءِ نارِه ... طَريفُ بنُ مالٍ ليلةَ الجوعِ والخَصَرْ
يريد طريفَ بنَ مالكٍ فرخّم في غير النداء، كما قال الآخر:
وهذا رِدائي عندَه يَستعيرُه ... ليَسْلُبَني عِزّي أمال بنَ حنْظَل
أراد حنظلة فرخّم وهو غيرُ مُنادى. وأما الترخيم في النداء فقد جاء منه في أشعارهم ما لا يُحيط به الإحصاءُ. قال الشاعر:
يا مَرْوَ إنّ مطيّتي محْبوسةٌ ... ترجو الحِباءَ وربُّها لمْ ييأسِ
يريد يا مروانُ. وقال آخر:
فقُلتُم تعالَ يا يَزي بنَ مخَرّمِ ... فقلتُ لكمْ إني حَليفُ صُداءِ
يريدُ يا يزيد. وقال آخر:
يا حارِ لا أُرْمَيَنْ منكُم بداهيةٍ
أراد يا حارِث، وقد جاءَ عنهم إبدالُ الحرف المتحرك بحرف لا تجري فيه الحركة، وهو من الضرورات التي لا تجوز للشاعر المولّدِ ولا هي بالمستحسنة. قال الشاعر:
له أشاريرُ من لحْمٍ تُتَمِّرُه ... من الثّعالي ووخْزٌ من أرانيها
أراد الثعالب فأبدلَ من الباء ياءً، وكذلك أراد أرانبها فأبدل الياء من الباء. ومثله:
ومَنْهَلٍ ليس به حَوازِقُ ... ولضَفادي جمِّهِ نَقانِقُ
يريد الضفادع.
ويجوز للشاعر المولّدِ استعمالُ الماضي في موضع المُستقبل واستعمال المستقبل في موضع الماضي. فأما استعمال الماضي في موضع المستقبل فكقوله تعالى: (ونادى أصحابُ النارِ أصحابَ الجنّةِ أنْ أفيضوا علَيْنا من الماء) والمعنى وإذْ ينادي أصحابُ النارِ. وأما استعمالُ المستَقبل في موضع المضي فكقوله تعالى: (ففريقًا كذّبْتُمْ وفريقًا تقتلون)، أراد فريقًا قتلْتُمْ. ومثله (ما يَعبدونَ إلا كما يعبُدُ آباؤهُم من قَبلُ) أوقعَ يعبد موضِعَ عَبدَ. وقال الطِّرمّاح:
وإني لآتيكُم تشَكُّرَ ما مضَى ... من الأمسِ واستيجابَ ما كان في غَدِ
وضع كان في موضع يكون. وقال زيادٌ الأعْجَم:
وانْضَحْ جوانبَ قبرِه بدِمائِها ... فلقَدْ يكونُ أخا دَمٍ وذبائِحِ
وضع يكونُ في موضع كان.
1 / 49