كلَمْعِ أيدي مثاكيلٍ مسَلَّبةٍ ... يُبْدينَ ضَرْسَ بناتِ الدهرِ والخُطُبِ
يريدُ الخطوبَ فحذفَ الواو واجتزأ بالضمة.
ويجوز تسكين الحروف التي يليها الضّمّاتُ والكسراتُ نحو: عضُد وفَخِذ، فيقال: عضْدٌ وفَخْذٌ، قال الأخطل:
أنتم خِيارُ قرَيشٍ عند نسبتِها ... وأهلُ بَطْحائِها الأثْرَوْنَ والفَرَعُ
أراد الفَرْعَ فحرّك الراء. وقال الأُقَيشِر الأسدي:
إنّما نشربُ من أموالنا ... فسَلوا الشُرْطيَّ ما هذا الغَصَبْ
أراد الشُرَطيَّ بتحريك الراء. ويقال في علِمَ: عَلْمَ، وفي كرُمَ: كَرْمَ، وفي رَجُل: رَجْلٌ، وفي ضُرِبَ: ضُرْبَ، وفي عُصِرَ عُصْرَ. قال الشاعر:
لو عُصْرَ منها البانُ والمِسكُ انعصَرْ
ويقال في مثلا انطَلِقْ: انطَلْقَ، تنقُل حركة اللام الى القاف وسكون القاف الى اللام، كقول الشاعر:
ألا رُبّ مولودٍ وليس له أبٌ ... وذي ولدٍ لمْ يلْدَهُ أبوانِ
فحرّك الدالَ بالفتح لما أسْكنَ اللام. فأما قول الآخر، وهو من أبيات الكتاب:
قواطنًا مكّةَ من وُرْقِ الحَمي
ويروى أوالِفًا فإنّه أرادَ الحمامَ فحذفَ الألفَ فبقي الحمَمْ، فاجتمعَ حرفان من جنس واحدٍ فأبدَلَ الميمَ الثانيةَ ياءً كما قالوا: تظنّيْتُ بأدَلوا الياءَ من النون. وهذا إنما يجوز استعمالُه ضرورةً في الحِمام خاصّةً نقلًا، ولا يجوز القياسُ عليه في الحمار ولا فيما أشبَه ذلك لأنه شاذّ. ومما حُذِف الألفُ فيه وهو في المفتوح قليلٌ لخفّةِ الألف، قول الشاعر:
مثلُ النَقا لبَّدَهُ صَوْبُ الطِلل
يريدُ الطِلالَ فحذفَ الألِفَ. وقال أبو عثمان في قوله تعالى: (يا أبَتَ) أراد: يا أبتاهُ، فحذفَ الألِف. وقد ضاعف الشاعرُ ما لا يجوزُ أن يُضاعَفَ في غير الشعرِ للضرورة، قال قَنْعَب:
مَهْلًا أعاذِلَ قد جرّبْتِ من خُلُقي ... أنّي أجودُ لأقوامٍ وإنْ ضَنِفوا
وقال الراجز:
الحمدُ لله العليِّ الأجْلَلِ
وإنما الوجهُ الصحيح ضنّوا والعليُّ الأجَلُّ. وكل هذه الضرورات إنما يُرَخَّصُ للشاعر في استعمالها عند مضايقِ الكلام واعتياصِ المَرام، لأن الشعرَ مُحِلُّ ارتكابِ الضرورات، واستعمال المحظورات. وقد ألحقَ الشاعرُ نونَ الجمع مع الاسمِ المُضمَر، وهو من الضرورات التي لم تُستَحسَن، فقال في مثل الضّارِبوهُ الضّاربونَه، والخائِفوه: الخائِفونَه، والآمِروهُ الآمِرونَه. قال الشاعر:
همُ القائلون الخيْرَ والآمِرونَهُ ... إذا ما خَشُوا من مُحْدَثِ الأمرِ مُفظِعا
فأما حذفُ الإعراب فلا يجوز للعربيّ فضْلًا عن المولّد قال الراجز:
إذا اعوجَجْنَ قلتُ صاحبْ قَوِّمِ ... بالدّوِّ أمثالَ السفينِ العُوَّمِ
وأنشد سيبويه:
فاليومَ أشرَبْ غيرَ مُستَحْقِبٍ ... إثْمًا من الله ولا واغِلِ
يريدُ: أشربُ، فحذفَ الضمّة وهو لحْن، والروايةُ الصحيحة فيه: فاليوم فاشْرَبْ غيرَ مُستَحْقِبٍ.
وأما قطعُ ألِف الوصْلِ فلا يجوز للشاعر المولّدِ استعماله لأنه لحْنٌ وإن كان العربي قد فعل ذلك. قال جميل:
ألا لا أرى إثنينِ أحسَنَ شيمةً ... على حَدَثانِ الدّهْرِ مني ومن جُملِ
فقطعَ ألِفَ اثنين وهي ألِفُ وصلٍ.
ويجوز زيادةُ الياءِ فيما كان على وزن مفاعِل فيصير فاعيل مثلُ مساجد ودراهِم فقالوا: مساجيد ودَراهيم. وسبب ذلك أن الشاعر إذا احتاجَ الى إقامة الوزن بطّلَ الحركة فأنشأ عنها حرْفًا من جِنسِها. قال الشاعر يصفُ ناقةً:
تنْفي يَداها الحَصا في كلِّ هاجِرةٍ ... نفْيَ الدّراهيمِ تنْقادُ الصياريفِ
وكذاك قولُ ابن هَرْمة: يمُنْتَزاحٍ، يريدُ بمُنْتَزَحٍ من النَزْحِ وقول الآخر: فانظُورُ، أي فانظُرُ.
وقد بيّن النحويون ذلك وشرحوه، وقد جاء في مثل المِفْتاح: المِفْتَح، وفي مثل التأميل: التأمال، وفي مثل الكَلْكَل: الكَلْكال. وهذا يجوز للشاعر المولّد استعماله إذا نقله نقلًا لأنها لغة القوم ولهم التصرُّف فيها، وليس لنا القياس عليها بل نستعمِل ما ورد عنهم نقْلًا. قال الراجز:
أقولُ إذْ خرّت على الكَلْكالِ ... يا ناقتي ما جُلتِ من مَجالِ
1 / 48