وذلكم أنّ ذُلَّ الجارِ حالَفَكُمْ ... وأن أنْفَكُمُ لا تأنَفُ الأنَفا
وقال آخر:
وقد باكَرَتْنا أمُّ بكْرٍ تلومُنا ... وليسَ علينا اللومُ فيه كبيرُ
وأنشدَ ثعلبُ عن عما بن أبي تمام الأعرابي:
تَفَقْعَسَ حتى فاتَهُ المجدُ فَقْعَسٌ ... وأعْيا بنو عَيّا وضَلّ المُضَلِّلُ
هذه قبائل. ومنه:
التجنيسُ المُقارب
ومعناهُ أنه يُقاربُ التجنيسَ وليس بتجنيس، كما قال محمدُ بن عبد الملِك الأسَديّ:
ردَّ الخليطُ أيانِقًا وجِمالا ... وأرادَ جيرتُك الغَداةَ زِيالا
ردّ وأراد يُشبهُ التجنيس للتقارب وليسَ بتجنيس.
وقال القِطاميّ:
كأنّ الناسَ كلَّهُمُ لأمٍّ ... ونحنُ لعلّةٍ علَتِ ارتفاعا
وقال الأعرابي:
أخو شُقّةٍ يشتاقُه المجدُ فُرصةً ... الى أهلِهِ أو ذمةً ليس تُخْفَرُ
وقال أبو قيسٍ بن الأسلت:
أعدَدْتُ للأعداءِ فَضْفاضَة ... مَوضونَةَ كالنّهْي بالقاعِ
ومثلُهُ قولُ قيس بن زهير:
يُعدّونَ للأعداءِ كُلَّ طِمِرّةٍ ... وأجردَ محبوكِ الخصائلِ صِلْدِمِ
وقال لبيد:
لو كان غيري، سُلَيْمى، اليومَ غيّرهُ ... وقعُ الحوادثِ إلا الصّارمُ الذَّكَرُ
سُلَيمى، اسم امرأة وهو مُنادَى، ومعناهُ: لو كان غيري، غيْر الصارم الذكر، غيّرَهُ وقعُ الحوادث. فرفع الصارمَ الذّكرَ على الصفة. كما قيل:
وكلُّ أخٍ مُفارقُهُ أخوهُ ... لعمرُ أبيكَ، إلا الفَرْقَدانِ
وقال سعيد بن عبد الرحمن بن حسّان:
تلافيت عثْرَتَه بعد ما ... تمالى الموالي على قَتْله
وقال كعبٌ الأشقريّ:
ودُرْنا كما دارَتْ على قُطبِها الرَّحا ... ودرّتْ على هامِ الرجالِ الصفائحُ
وقال زهيرُ بن أبي سُلمى:
كأنّ عيني وقد سالَ السَّليلُ بهِمْ ... وجيرَةٌ ما هُمُ لو أنّهُمْ أمَمُ
هذا البيت أدخلَهُ ابنُ المعتز في المجنَّس المَحْضِ. وأنا ما رأيته من ذلك الباب لأن السّليل من الانسلالِ وهو الخروج من الشيء، كما تقول انسلّ الرجلُ من ثوبِه إذا خرج منهُ، وسالَ الماءُ يسيلُ من السيلان وهو الجَرْي، ومنه السّيْلُ وهو الماءُ المُتدافِع. وهذا التجنيسُ متقاربٌ متشابهُ غير محضٍ. وابن قُدامة تبعَ ابن المعتز في ذلك. وقال ركّاضٌ الأسدي:
رأتْكَ تُسيرُ العِيرَ في سَوْرَةِ الضُّحى ... إليها فقالتْ سمْعُ أذنيَ قائِلُهْ
تسيرُ وسَوْرة مُقارِبٌ للتجنيس ومنه:
تجنيس المعنى
وهو أن يأتي الشياعر بألفاظٍ يدلّ معناها على الجناس وإن لم يذكره. قال الشاعر يمدحُ المُهلَّب:
حَدا بأبي أمِّ الرِّيال فأجفلتْ ... نَعامتُه من عارِضٍ يتهلَّبُ
يذكرُ فِعْلَ المهلَّبِ بقَطريّ بن الفُجاءةَ، وكان قَطَريّ يلقبُ أبا نعامة فأراد أن يقول: حَدا بأبي نعامة فأجْفَلتْ نعامتُهُ أي روحُه فلم يستقِمْ له فقال بأبي أم الرئال النعامة، وهو جمع رأْل. وقال حُريثُ بن مُحَفِّض المازني:
فإنْ يأتِنا يرجِعْ سُوَيْدٌ ووجهه ... عليهِ حِبابا غُبرَةٍ وقَتامِ
أراد أن يقول: سَواد فلم يمكنه فقال غُبْرَةٌ وقَتامُ، وهما أسودان. وقال الشّمّاخ:
وما أرْوى وإنْ كرُمَتْ علينا ... بأدنى من موقّفةٍ حَرونِ
ويُروى حَزون أي هي بالحَزَن من الأرضِ وهو ما غلُظَ وارتفع من الأرض، وأرْوى امرأة، والموقَّفةُ الحَرون أروى من الوحشِ وبها سُمّيت المرأةُ، فلم يمكنْهُ أن يأتي باسْمها فأتى بصفتِها كأنّه قال: وما أروى هذه بأدنى من أرْوِيّة الوحشِ. وقال الكندي:
قولا لدودانَ عَبيدِ العَصا ... ما غرّكُمْ بالأسدِ الباسلِ
دُودان من بني أسد، يُقال لهم عَبيدُ العَصا فكأنه أرادَ قُولا لبني أسد، ما غرّكُم بالأسَدِ البايل. وقال المطرودُ الخُزاعي:
الضاربينَ الكَبشَ يَبْرُقُ بَيْضُهُ ... والمانعينَ البيضَ بالأسيافِ
1 / 13