Nafha Zakiyya
النفحة الزكية في تاريخ مصر وأخبار الدولة الإسلامية
Genres
فخلفه عمه محمد سعيد باشا رابع أولاد محمد علي باشا، وكان مولده سنة 1237ه، فأجرى كثيرا من الإصلاحات والتعديلات المفيدة لإدارة البلاد، فعدل الضرائب، واسترجع الأطيان من الملتزمين إلى أربابها، وطهر ترعة المحمودية، وأتم السكك الحديدية والخطوط التلغرافية التي ابتدأها سلفه، وساعد كل المساعدة على مشروع حفر قنال السويس، ثم توفي بسكندرية سنة 1279ه، ودفن بها.
فخلفه إسماعيل باشا ابن إبراهيم باشا ابن محمد علي باشا، وكان مولده سنة 1246ه، فبذل ما في وسعه لامتداد التجارة وازدياد الصناعة وتمدن البلاد؛ فملأ أرض مصر بالسكك الحديدية والخطوط التلغرافية، وحفر الترع ومد مجاري المياه بشوارع القاهرة والإسكندرية، وأضاء شوارعهما بالأنوار الغازية، ووسع فابريقات السكر التي أسسها سعيد باشا بالوجه القبلي، وأسس معمل الورق ببولاق ومعامل البارود والأسلحة الصغيرة بقرب طرة ولكنه لم يستعملها، وأنشأ الكتبخانة الخديوية التي بدرب الجماميز والمتحف المصري الذي كان ببولاق، ونقل الآن بسراي الجيزة الخديوية، وابتنى المباني الفاخرة كالأوبرا الخديوية بالقاهرة وتياترو زيزينيا بالإسكندرية وغير ذلك، وساعد على انتشار الزراعة، ونظم المدارس على أساسات وطيدة وأصول متينة، وأسس المحاكم المختلطة للنظر في الدعاوى بين الأجانب والوطنيين، وافتتح قنال السويس بالطريقة الرسمية بحضور جم غفير من أمراء وملوك أوروبا، وفي سنة 1282ه نال من الباب العالي خطا شريفا يأذن له بأن تكون حكومة مصر وراثية في عائلته مباشرة، وفي السنة التالية نال من إنعام جلالة السلطان عبد العزيز لقب خديوي، وهو أول من نال هذا اللقب الذي هو أرفع رتب وزراء الدولة، ثم جاءه في سنة 1290ه الفرمان الشاهاني يخول له كل الحقوق المعطاة لرتبة الخديوية؛ وهي حقوق الوراثة لأول أبنائه، والاستقلال بالأحكام الإدارية، وعقد المعاهدات مع الدول الأجنبية، واستقراض القروض، وزيادة الجيش أو تقليله بحسب اللزوم، وتقدير الجزية التي تدفع للدولة بمبلغ 150000 كيس.
ثم إن الأعمال التي أجراها إسماعيل باشا بمصر، وإن كانت أفادت البلاد بهجة ورونقا، وعادت عليها بالمنافع التجارية والصحية، إلا أنها كلفت الحكومة مصاريف لا قدرة لها عليها، فاضطرت إلى أخذ السلف من الدول الأجنبية، حتى أوجب ذلك تداخل تلك الدول في أمور المالية، فالتزم إسماعيل باشا بتسليم إدارة البلاد إلى مجلس نظار دخل فيه عضوان أجنبيان أحدهما فرنساوي والآخر إنجليزي، ثم رغب التخلص منهما، فأسقط تلك الوزارة وأبدلها بوزارة كلها وطنيون، فكان ذلك باعثا على إقالته من الحكومة المصرية، فتنازل عنها سنة 1296ه لأكبر أولاده أفندينا المعظم محمد توفيق باشا المولود في سنة 1269ه.
فلما قام بأعباء الملك هذا الخديوي المعظم ذلل جميع المصاعب الخارجية والمعضلات الداخلية بحزمه وعزمه، وابتدأت مصر في أيامه في أن تدخل في دور جديد من السعادة وحسن الرفاهية بعد تخليصها من ديونها بواسطة قانون التصفية، ومع حصول الحوادث المهمة والخطوب المدلهمة أثناء ولاية جنابه العالي؛ كالثورة العرابية والحروب السودانية والأمراض الوبائية، المعلوم تفاصيل ذلك كله بما يغنينا عن بيانه هنا، فإنه لم ينفك عن إصلاح البلاد ورفاهية العباد، وتشييد دعائم الأمان في أنحاء البلدان، وتنظيم المالية والإدارة والعسكرية؛ فأسس مجلس الشورى، وأمر بإنشاء المحاكم الأهلية ليخرج أهلها من الاستبداد ورق العبودية، وقد خفف الضرائب على الأهالي، وأمر بتقسيط الأموال الأميرية على أقساط عديدة بحسب مواسم المحصولات؛ رغبة منه في تسهيل دفعها على المزارعين، وقد أنشأ كثيرا من الترع والطرق الزراعية لتسهيل المواصلات التجارية وازدياد ثروة البلاد، وشيد كثيرا من المدارس، وسن لها اللوائح والقوانين التي من شأنها تحسين حالة التعليم وترقي المعارف، وخصص المبالغ الوافرة لتحسين حالة الكتبخانة الخديوية، وقد ألغى العونة أي السخرة التي كانت حملا ثقيلا على عاتق المصريين من عهد الفراعنة إلى الآن، وله كثير من المآثر البهية والأخلاق المرضية، والفضائل العديدة والمناقب الحميدة، التي لا يسع هذا المختصر تفصيلها، ثم أدركته الوفاة، رحمة الله عليه، فمات وهو في سن التاسعة والثلاثين من عمره في يوم الخميس 7 جمادى الآخرة سنة 1309ه/7 يناير سنة 1892م عقب مرض مكث به سبعة أيام، فخلفه على كرسي الحكومة المصرية أكبر أنجاله أفندينا المعظم عباس باشا حلمي الثاني خديونا الحالي المولود في غرة جمادى الآخرة سنة 1292ه/14 يوليو سنة 1874م أيد الله تعالى ملكه بالعز والإقبال، وأدام أيامه مكللة بالخير والفلاح، مؤيدة بالفوز والنجاح، آمين.
Unknown page