مقدمة المحقق
١ - تعريف بالمؤلف:
ولد أحمد بن محمد بن أحمد المقري المكنى بأبي العباس والملقب بشهاب الدين سنة ٩٨٦ بمدينة تلمسان، وأصل أسرته من قرية مقرة - بفتح الميم وتشديد القاف المفتوحة - وقد بين حال هذه الأسرة وشئونها عندما تحدث عن جده الأعلى أحمد المقري حديثا ضافيا (في المجلد الخامس من النفح) . أما عن صلة الأسرة بتلمسان وصلته هو بها فقد قال (في المجلد السابع): " وبها ولدت أنا وأبي وجدي وجد جدي، وقرأت بها ونشأت إلى أن ارتحلت عنها في زمن الشبيبة إلى مدينة فاس سنة ١٠٠٩ ثم رجعت إليها آخر عام ١٠١٠ ثم عاودت الرجوع إلى فاس سنة ١٠١٣ إلى أن ارتحلت عنها للمشرق أواخر رمضان سنة ١٠٢٧ ... ".
إذن فإن أبا العباس المقري نشأ بتلمسان وطلب العلم فيها ... وكان من أهم شيوخه التلمسانيين عمه الشيخ سعيد المقري، ولما فارقها إلى فاس كان
1 / 1
في حدود الرابعة والعشرين من عمره، وفي فاس مضى يطلب العلم على شيوخها إلى أن حل فيها الفقيه إبراهيم بن محمد الآيسي أحد قواد السلطان أحمد المنصور الذهبي، فأعجب بالمقري الشاب واصطحبه معه إلى مراكش وقدمه إلى السلطان، وهناك التقى بابن القاضي وبأحمد باب التنبكي صاحب نيل الابتهاج وبغيرهما من علماء مراكش وأدبائها وكانت هذه الرحلة مادة كتابه " روضة الآس " الذي أخذ في كتابته حين عودته إلى فاس ومنها إلى بلده تلمسان، ليقدمه إلى السلطان المنصور، ولكن السلطان توفي (سنة ١٠١٢) والمقري ما يزال في بلده. ومع ذلك فإن الهجرة من تلمسان كانت قد ملكت عليه تفكيره فلم يلبث أن غادر مسقط رأسه نهائيًا إلى فاس (١٠١٣) وأقام فيها حوالي خمسة عشر عامًا؛ يقول في النفح: " وارتحلت منها إلى فاس حيث ملك الأشراف ممتد الرواق فشغلت بأمور الإمامة والفتوى والخطابة وغيرها ". والحق أن المقري أصبح في هذه الفترة من صدور العلماء المرموقين، ولكن اضطراب الأحوال أصبح في هذه الفترة من صدور العلماء المرموقين، ولكن اضطراب الأحوال في المغرب بعد وفاة المنصور الذهبي وصراع أبنائه على الحكم، وتعرض مدينة فاس نفسها لأعمال المد والجزر في تلك الظروف المتقلبة، كل ذلك لم يكن يكفل للقاطنين فيها شيئًا من الهدوء؛ ولم تكن بلاد المغرب حينئذ فريسة للأطماع الداخلية وحسب، بل تعرضت لغزوات الأسبان والبرتغاليين، وفي سنة ١٠١٦ كان المقري يشهد - عن كثب - انقطاع آخر صلة للعرب ببلاد الأندلس حين تفرقت الجالية الأندلسية تطلب لها مأوى في سلا وتونس وغيرهما من البلاد المغربية؛ وبعد ذلك بثلاث سنوات كان الأسبان (الإصبنيول) يستولون على مدينة العرائش في المغرب بمواطأة الشيخ المأمون أحد أبناء المنصور؛ ولقي هذا العمل استنكارًا من الناس، فلجأ الشيخ إلى الفقهاء ليفتوه في الأمر: لقد كان هو لاجئًا عند صاحب إسبانيا يطلب منه المعونة فوعده بها لقاء إعطائه العرائش
1 / 2
وما سمح له بمغادرة بلاد إسبانيا إلا بعد أن قدم له أولاده رهينة حتى يفي بوعده. فهل من حقه أن يفدي أولاده بهذا الثغر أم لا؟ وكان هذا السؤال امتحانا عسيرا للمتذممين من المفتين، ولذلك هرب جماعة منهم واختفوا عن الأنظار، وكان المقري واحدا من أولئك الذين لجأوا إلى الاختفاء.
غير أن هذه الحادثة لم تدفع بالمقري إلى مغادرة فاس، بل بقي فيها عدة سنوات أخرى، أحرز فيها منصب الإفتاء رسميا بعد وفاة شيخه محمد الهواري (١٠٢٢) . فهل ثمة من سبب مباشر دفعه إلى الرحلة عنها؟ يقول الأستاذ محمد حجي متابعا السيد الجنحاني: " وكان خروج المقري من فاس بسبب اتهامه بالميل إلى قبيلة شراكة (شراقة) في فسادها وبغيها أيام السلطان محمد الشيخ السعدي فارتحل إلى الشرق ... الخ "؛ ولكن المصادر لا تذكر شيئا عن هذا السبب، وكل ما قاله المقري نفسه " ثم ارتحلت بنية الحجاز، وجعلت إلى الحقيقة المجاز "، بل إنه استأذن عبد الله بن شيخ نفسه في السفر، فأذن له. غير أن إلصاق التهمة به ليس مستبعدًا، فقد كان المقري عند هذا السلطان خيلت لبعض سكان تلك المدينة أن المقري ضالع مع سلطانه ومع تلك القبيلة نفسها ضد الفاسين. وبغير ذلك - أو ما يشبهه - لا يمكن أن نفسر عدم عودة المقري إلى المغرب، مع شدة حنينه إلى وطنه وقسوة ما لقيه في الترحال، وخاصة ما لحقه من المضايقات أثناء وجوده في مصر.
1 / 3
وفي أواخر رمضان عام ١٠٢٧ غادر مدينة فاس متوجهًا إلى المشرق فوصل تطوان (تطاون) في ذي القعدة من ذلك العام، ومن هناك ركب السفينة التي عرجت به على تونس وسوسة حتى وصلت الإسكندرية، ومنها إلى القاهرة فالحجاز بحرًا، فوصل مكة في ذي القعدة من العام التالي وبقي فيها بعد العمرة ينتظر موسم الحج، ومنها توجه إلى المدينة لزيارة قبر الرسول (ص) ثم عاد إلى مصر (محرم ١٠٢٩) وفي شهر ربيع زار بيت المقدس وأخذ يتردد إلى مكة والمدينة حتى كان في عام ١٠٣٧ قد زار مكة خمس مرات والمدينة سبع مرات، وقد أوفى هذا الجانب تفصيلًا في كتابه «نفح الطيب»، قال: «وحصلت لي بالمجاورة فيها [مكة] المسرات، وأمليت فيها على قصد التبرك دروسًا عديدة، والله يحيل أيام العمر بالعود إليها مديدة، ووفدت على طيبة المعظمة ميممًا مناهجها السديدة سبع مرار، وأطفأت بالعود إليها ما بالأكباد الحرار، واستضاءت تلك الأنوار، وألفت بحضرته ﷺ بعض ما من الله به علي في ذلك الجوار، وأمليت الحديث النبوي بمرأى منه ﵊ ومسمع ... ثم أبت إلى مصر مفوضًا لله جميع الأمور، ملازمًا خدمة العلم الشريف بالأزهر المعمور، وكان عودي من الحجة الخامسة بصفر سنة ١٠٣٧ للهجرة» .
وفي أوائل رجب من العام المذكور قصد إلى زيارة بيت المقدس، فبلغه أواسط رجب وأقام فيه نحو خمسة وعشرين يومًا، وألقى عدة دروس بالأقصى والصخرة، وزار مقام الخليل إبراهيم ومزارات أخرى؛ وفي منتصف شعبان عزم على التوجه إلى دمشق، وهناك تلقاه المغاربة وأنزلوه في مكان لا يليق به، فأرسل إليه الأديب أحمد بن شاهين مفتاح المدرسة الجمقمقية، فلما شاهدها
1 / 4
أعجبته وتحول إليها؛ وقد أسهب في ذكر حاله بدمشق وما تلقاه به أهلها من حسن المعاملة، ويكفي هنا أن ننقل بعض ما قاله المحبي: «وأملي صحيح البخاري بالجامع تحت قبة النسر بعد صلاة الصبح، ولما كثر الناس بعد أيام خرج إلى صحن الجامع، تجاه القبة المعروفة بالباعونية، وحضره غالب أعيان عليماء دمشق، وأما الطلبة فلم يتخلف منهم أحد، وكان يوم ختمة حافلًا جدًا، اجتمع فيه الألوف من الناس، وعلت الأضواء بالبكاء، فنقلت حلقة الدرس إلى وسط الصحن، إلى الباب الذي يوضع فيه العلم النبوي في الجمعيات من رجب وشعبان ورمضان، وأتي له بكرسي الوعظ فصعد عليه، وتكلم بكلام في العقائد والحديث لم يسمع نظيره أبدًا، وتكلم على ترجمة البخاري ... وكانت الجلسة من طلوع الشمس إلى قريب الظهر ... ونزل عن الكرسي فازدحم الناس على تقبيل يده، وكان ذلك نهار الأربعاء سابع عشري رمضان سنة ١٠٣٧، ولم يتفق لغيره من العلماء الواردين إلى دمشق ما اتفق له من الحظوة وإقبال الناس» . وكانت إقامته بدمشق دون الأربعين يومًا، وقد خرج جمهور كبير من علمائها وأعيانها في وداعه، عندما اعتزم العودة إلى مصر.
وحدث تلميذ له كان يلازمه ويرافقه في تقلباته بدمشق وزياراته لمعالمها - وهو الشيخ مرز الشامي - قال: إنه ذهب معه ذات يوم لزيارة قبر الشيخ محيي الدين ابن العربي في خارج المدينة، قال: وكان خروجنا بعد صلاة الصبح، ووصلنا إلى المزارة عند طلوع الشمس، فلما جلسنا عنده قال لي الشيخ المقري: «إني ابتدأت عند خروجنا إلى الزيارة ختمة من القرآن لروح هذا الشيخ وقد ختمتها الآن - وهذا شيء مستغرب لقصر المدة التي تمت فيها الختمة.
وفي شوال من العام نفسه كان بمدينة غزة، فنزل فيها ضيفًا على الشيخ
1 / 5
الغصين، وكانت للمقري مكانة عند أمير غزة، فسأله تلميذه الشيخ عبد القادر ابن الشيخ الغصين أن يتوسط لدى الأمير بأن يسمح له ببناء بيت ببعض رحاب المسجد (إذ كانت دار الغصين بعيدة عن المسجد وكانت مهمته أن يقرأ ويقرئ في المسجد نفسه) فقال له المقري: لا بد من حضورك معي عند الدخول على الأمير، فلما دخلا عليه قدم المقري للأمير مقدمات في فضل بناء المساجد والمدارس، ثم أنني على الشيخ عبد القادر، وقال له: إنه من أهل العلم وليس ببلدكم مثله، وأراد أن تأذنوا له في بناء المساجد يقرأ فيه ويقرئ، فقال الباشا: مثلك لا يليق له البناء في المسجد ولكن هنا موضع نحبسه عليك - وهو موضع المدرسة - فكان إنشاء تلك المدرسة بفضل وساطة المقري؛ وقص الشيخ عبد القادر أيضًا حكاية تدل على تواضع المقري أثناء إقامته بغزة، وذلك أن الشيخ الغصين قال له: «يا سيدي أحمد إنا نشتهي الطعام المسمى عند المغاربة بالكسكس فهل في أصحابكم من يحسن صنعه؟» فما كان من المقري إلا أن صنعه لهم بنفسه؛ وكان عبد القادر يحتفظ بنسخة من كتاب شيخه المقري المسمى «إضاءة الدجنة بعقائد أهل السنة» وعليها تعليقات بخط المؤلف قيدها لدى مروره بمدينة غزة في تلك السفرة.
عاد المقري إلى مصر رغم إعجابه بدمشق وأهلها، وكان أثناء إقامته الطويلة بمصر قد تزوج امرأة من عائلة السادة الوفائية، رزق منها بنتًا، توفيت عام ١٠٣٨، ويبدو أن العلاقة بينه وبين زوجته لم تكن موشحة بالوفاق، مما اضطره إلى تطليقها؛ وقد زادت هذه الحادثة من تنغيص حياته بمصر، ويقول الخفاجي: إنه وجد بمصر الحسد والنفاق، وتجارة الآداب ليس لها بسوقها نفاق، وفيما كان يزمع الهجرة من مصر ليستطون الشام، وافته منيته في جمادي الآخرة
1 / 6
سنة ١٠٤١.
٢ - مؤلفات المقري
ترك المقري عددًا من المؤلفات، وفي ما يلي ثبت بأسماء بعضها:
١ - روضة الآس العاطرة الأنفاس في ذكر من لقيته من أعلام الحضرتين مراكش وفاس، ألفه حوالي ١٠١١ - ١٠١٢ ليقدمه إلى المنصور أحمد الذهبي (طبع بالمطبعة الملكية بالرباط عام ١٩٤٦ بتحقيق الأستاذ عبد الوهاب بن منصور) .
٢ - أزهار الرياض في أخبار عياض، ألفه أثناء إقامته بفاس ١٠١٣ - ١٠٢٧ ولم يطبع منه إلا ثلاثة أجزاء بتحقيق الأساتذة مصطفى السقا وإبراهيم الأبياري وعبد الحفيظ شلبي (القاهرة ١٩٣٩ - ١٩٤٢) .
٣ - إضاءة الدجنة بعقائد أهل السنة، منظومة بدأ بتأليفها أثناء زيارته للحجاز سنة ١٩٢٩ ودرسها في الحرمين الشريفين، وأتمها في القاهرة سنة ١٦٣٠، وقد قال عبد القادر الغصين إنه كان السبب في تأليفها، قال: " فإني كنت أقرأ عليه صغر الشيخ السنوسي بمصر، فسألنا منه نظمًا في العقائد، فكان كلما قرأ درسًا نظمه فيقرأه غدًا كذلك إلى أن ختمه " وكانت عند عبد القادر نسخة منها عليها تعليقات للمقري، ومن جملة ما كتبه على حاشيتها، عند قوله " وكان إتمامي له في القاهرة ": " هو جملة التاريخ لأن عدة حروفة بالجمل ١٠٣٦ وكتب المقري في آخر تلك النسخة ما نصه: " يقول مؤلف هذه العقيدة العبد الفقير أحمد المقري المالكي - جبره الله - إني صححت هذه النسخة جهد استطاعتي
1 / 7
وأصلحت فيها ما عثرت عليه، وقد كتب من هذه العقيدة فيما علمت بمصر المحروسة والشام والحجاز والمغرب نيف على ألف نسخة، ولله الحمد، وكتبت خطي على نحو المائتي منها، وقد كتبها غالب طلبة مكة لما قرأتها هناك، وأهل بيت المقدس لما قرأتها به أيضًا، وأهل دمشق حين درستها بها، وأخذ منها أصحابنا إلى المغرب والصعيد نسخًا، وكتب لي بعض أصحابنا بالصعيد أنه كتب منها هناك نيف على مائة نسخة، وكذلك برشيد والإسكندرية، جعلها الله خالصة لوجهه الكريم، وكتب لشوال سنة ١٣٧ " (طبعت بمصر سنة ١٣٠٤ بهامش شرح العقيدة السنوسية للشيخ عليش) .
٤ - ادحاف المغرم المغرى في شرح السنوسية الصغرى، وقد تقدم (رقم: ٣) أنه كان يدرس السنوسية لطلبته بمصر (ومن شرحه لها نسختان بالخزانة الملكية بالرباط رقم ٣٥٤٤، ٥٩٢٨) .
٥ - أجوبة على مسائل أرسلها إليه أستاذه محمد بن أبي بكر الدلائي سماها " أعمال الذهن والفكر في المسائل المتنوعة الأجناس ... " (توجد ضمن كتاب البدور الضاوية بخزانة الرباط) .
٦ - حاشية على شرح أم البراهين للسنوسي (ذكرها المحبي واليواقيت) .
٧ - عرف النشق من أخبار دمشق (ذكره المحبي، ولعله كان مشروعًا لم يتم) .
٨ - شرح مقدمة ابن خلدون (ذكره حاجي خليفة ٢: ١٠٦) .
٩ - قطف المهتصر في شرح المختصر، شرح على حاشية مختصر خليل (ذكره المحبي) .
1 / 8
١٠ - فتح المتعال في مدح النعال (طبع بالهند)؛ ولما اطلع الرحالة أبو سالم العياشي على كتاب بمكة اسمه " منتهى السول من مدح الرسول " ووجد فيه مجموعة من الشعر في مثال نعل الرسول (ص) قال: " ولم يطلع على هذا التأليف شيح مشايخنا الحافظ سيدي أبو العباس أحمد المقري، مع سعة حفظه وكثرة اطلاعه ومبالغته في التنقير والتفتيش عما قيل في النعل، ولم يلغ لمن قبل عصره إلا على عدد أقل من هذا بكثير، وغالب ما أودعه في كتابه " فتح المتعال في مدح النعال " كلامه وكلام أهل عصره، ولو اطلع على هذا الكتاب لاغتبط به كثيرًا ".
١١ - وكان المقري قد ختم كتابه السابق برجز في النعال الشريفة ثم أفرده في نسخة بعث بها إلى شيخه الدلائي (المخطوط رقم ٥٦٥ بالخزانة العامة بالرباط) ولعله المسمى " النفحات العنبرية في نعل خير البرية ".
١٢ - وللمقري أراجيز كثيرة أخرى منها " أزهار الكمامة في شرف العمامة " (الخزانة العامة بالرباط؛ المخطوطة ٩٨٤د) .
١٣ - والدر الثمين في أسماء الهادي الأمين (ذكره المحبي واليواقيت) .
١٤ - ورجز " نيل المرام المغتبط لطالب المخمس الخالي الوسط " (مخطوطة الرباط ٢٨٧٨ ك) .
١٥ - البلدة والنشأة (ذكره المحبي واليواقيت) .
١٦ - الغث والسمين والرث والثمين (ذكره في اليواقيت) .
١٧ - حسن الثنا في العفو عمن جنى (طبع بمصر في ٤٧ ص؛ دون تاريخ) .
١٨ - الأصفياء (ذكره أحمد الشاهيني في رسالة بعث بها إلى المقري) .
١٩ - الشفاء في بديع الاكتفاء (ذكره أحمد الشاهيني في رسالته) .
1 / 9
٢٠ - القواعد السرية في حل مشكلات الشجرة النعمانية.
٢١ - النمط الأكمل في ذكر المستقبل.
٢٢ - أرجوزة في الإمامة.
٢٣ - نظم في علم الجدول (ذكره في اليواقيت) .
٢٤ - وذكر في النفح أنه كان يزمع تأليف كتاب في تلمسان يسميه: «أنواء نيسان في أنباء تلمسان» ويبدو أنه لم يحقق ذلك.
٢٥ - شرح له على قصيدة «سبحان من قسم الحظوظ» (ذكره في اليواقيت) .
٢٦ - ونسبت له المصادر كتاب «الجمان من مختصر أخبار الزمان» إلا أن الأستاذ الجنحاني يشك في نسبة هذا الكتاب إليه.
٢٧ - رسالة «إتحاف أهل السيادة بضوابط حروف الزيادة» (ذكرها في النفح ٣: ٤٥٧ ولعله لم يفردها) .
٢٨ - وأخيرًا كتاب «نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب» الذي سأتحدث عنه في ما يلي:
٣ - كتاب نفح الطيب:
حدثنا المقري في مقدمة كتابه عن جميع المرحلة التي سبقت تهممه لتأليف هذا الكتاب، ومنه نفهم أنه ثمرة لزيارته التي قام بها لدمشق، فقد حدث تلامذته فيها عن لسان الدين ومكانته السياسية والأدبية فأثار في نفوسهم حب الاستطلاع إلى مزيد من البيان عنه، وكان أحمد الشاهيني المدرس بالجمقمقية
1 / 10
أشدهم إلحاحًا في ذلك، ولهذا نزل المقري عند رغبته، ووعده «بالشروع في المطلب عند الوصول إلى القاهرة المعزية»، وبعد أن قطع في العمل شوطًا بدا له أن هناك صعوبات لا يستطيع التغلب عليها، فخامره التردد من جديد، وعاود ابن شاهين الإلحاح وكان اطلع على بعض ما جمعه المقري، فأحس بخيبة أمله لأن المقري لم يدرج في فاتحة الكتاب المجموع ما دار بينها من محاوره، مما اضطر المقري إلى معاودة العمل على نسق جديد، وتخصيص قسم من المقدمة ومن الكتاب لذكر دمشق وأصحابه فيها، وكان في البداية يزمع أن يسميه «عرف الطيب في التعريف بالوزير ابن الخطيب» فلما رأى أن المادة التي اجتمعت لديه قد استفاضت بحيث شملت تاريخ الأندلس وأدبها غير اسم الكتاب وجعله «نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب وذكر وزيرها لسان الدين ابن الخطيب» . وعلى هذا النحو أصبح الكتاب قسمين: قسم خاص بالأندلس عامة وقسم خاص بلسان الدين وما يتعلق به من شئون. وفي كل قسم من هذين القسمين ثمانية فصول. وقد فرغ من كتابته «عشية يوم الأحد المسفر صباحها عن ٢٧ رمضان سنة ١٠٣٨ بالقاهرة» ثم ألحق فيه كثيرًا في السنة التالية بعدها فيكون جميعه في آخر ذي الحجة الحرام تتمة سنة ١٠٣٩.
والحق أن زيارة المقري لدمشق كانت ارتباطًا «بوعد» ساعد المقري على إنجاز الكتاب، ولكني أرجح أن فكرة الكتاب كانت تجول في ذهنه، قبل ذلك؛ لأسباب منها:
١ - أن إعجابه بلسان الدين ابن الخطيب، بحيث يقلده في طريقته الإنشائية ويحفظ الكثير من رسائله وشعره، كان قمينًا بدفعه إلى كتابه مؤلف عنه، وخاصة لإحساسه بالغربة والوحشة اللتين أحس بهما «مثله الأعلى» حينما لجأ إلى المغرب.
1 / 11
٢ - أن مثل هذا الكتاب كان كفيلًا بأن ينفس عنه كربه، ويعود به من خلال أشعار الحنين ومن خلال التاريخ الماضي والقريب إلى وطنه، عودة نفسية وروحية.
٣ - أن المنهج للتأليف في لسان الدين كان سهلًا مفتوح المسارب أمام عينيه لأنه قد مارس مثل هذا المنهج حينما كتب عن القاضي عياض كتابًا سماه «أزهار الرياض» .
٤ - أن انفصام آخر الروابط الإسلامية من الأندلس لم يكن قد مضى عليه إلا سنوات، فكانت صورة «المأساة» ما تزال تلح على مخيلة المقري، وكان الربط بين الماضي والحاضر من الأمور التي تعين على التذكر والتذكير والعبرة في آن واحد؛ وكل من درس «نفح الطيب» بتأمل، سيشعر بهذه الناحية، ويكفينا مثلًا على ذلك تلك الوقفة الطويلة التي وقفها المقري وهو يستعيد صورة المنصور بن أبي عامر الذي يمثل البطولة العربية بالأندلس في أوجها.
٥ - كان المقري كغيره من المغاربة يحس مدى إهمال المشارقة للتراث الأندلسي والمغربي، وكان ذلك الإهمال في القديم للاعتداد بالثقافة المشرقية، أما في عصر المقري فكان سببه ضعف الثقافة عامة، وحسبك أن تجد لسان الدين - وهو من هو في المغرب والأندلس - محتاجًا إلى من يعرف المشارقة به ويحدثهم عن أخباره؛ ولهذا وجد المقري أن كتابه مؤلف جامع شامل تحقق هذا الغرض، وكان في البدء يزمع أن يقصره على لسان الدين، ثم وجد أن صورة لسان الدين لا يمكن أن تتضح إلا على محمل من التطور الأدبي والسياسي في الأندلس. وفي الوقت نفسه كان الكتاب يحقق تبيان الصلة الثقافية بين المشرق والمغرب، ولهذا خصص جزءًا كبيرًا من كتابه للرحلتين: رحلة المغاربة إلى الشرق ورحلة المشارقة إلى الأندلس والمغرب، وفي هذه الناحية الثانية كان المقري يحس أنه حلقة في تلك السلسلة الطويلة، وكأنه في مقدمة الكتاب وفي بعض
1 / 12
فصوله الأخرى سجل طرفًا من رحلة، كما سجل أسلافه من قبل أخبار تنقلاتهم. وبذلك أسعفه مؤلفه هذا على أن يحقق ما قد نسميه «نزعة مغربية» وهي نزعة لا تقتصر على الرحلة وإنما كانت تشمل نقل التراث المغربي الخالص والأندلسي إلى المشارقة.
ولست أرى المقري مغاليًا أو مترسمًا لتقليد معين حين يعلن عن تهيبه من الإقدام على هذا التأليف؛ نعم كان المنهج أول الأمر واضحًا في مخيلته، ولكنه ما إن بدأ العمل حتى واجهته أكبر صعوبة يمكن أن تواجه من يتصدى لذلك، أعني ندرة المصادر الأندلسية والمغربية في المشرق. ولسنا ننكر أن الرجل كان ذا ذاكرة قوية، ولكن الذاكرة القوية لا يمكن أن تسعفه في كل وجه، ولو كانت كذلك حقًا لأنقذته من التكرار الكثير الذي يقع في صفحات متقاربات أحيانًا، ثم هناك أشياء قد اختلت عن صورتها الأولى في ذاكرته لأنه حفظها حفظها منذ عهد بعيد، وإذن فما العمل؟ إن كل من يقرأ النفح يحس أن المقري لم يكن لديه نسخة من الذخيرة أو من المقتبس أو من زاد المسافر أو من الصلة لابن بشكوال، ولم يتح له أن يطلع على صلة الصلة والذيل والتكملة والحلة السيراء وتحفة القادم وجذوة المقتبس ومعجم أصحاب الصدفي ... إلخ؛ وإذا رأيته يذكر هذه الكتب فهو إنما ينقل عنها بالواسطة. ولهذا كله انقض على مصادر معينة فأسرف في النقل عنها لأنه لا يملك سواها، فقد وجد لديه من مؤلفات ابن سعيد المغرب والقدح المعلى (أو اختصار القدح) ووجد للسان الدين نفسه الإحاطة وللفتح ابن خاقان المطمع والقلائد، وكان بين يديه كتاب ابن الفرضي في العلماء والرواة وكتاب المطرب لابن دحية ودرر السمط وكتاب التكملة لابن الأبار، وتاريخ ابن خلدون ونيل الابتهاج لشيخه أحمد بابا، وأمعن في التفتيش عن كل ما دونه المشارقة من أخبار الأندلس فاستعان بابن خلكان وبالخريدة وبكتاب بدائع البدائه لابن ظافر، ونقل أكثر ما فيها من حكايات وأخبار أندلسية، وكان مما جرأه على الاضطلاع بذلك العبء، أنه كان قد نقل كثيرًا من المادة
1 / 13
اللازمة (أصالة أو استطرادًا) في كتابه أزهار الرياض وروضة الآس، فارتاحت نفسه إلى إعادة جملة غير قليلة من مادة كتابيه هذين.
هذه الصورة قد تخيل للقارئ أن الجهد في تأليف النفح لم يتعد تكديس المادة من المصادر التي تيسرت حينئذ للمؤلف. ولكن من الجور على المقري ألا نعترف له بفضله الكبير وهو قدرته - رغم الاستطرادات - على تسخير مادته لتصوير الحياة السياسية والاجتماعية والأدبية بالأندلس وحرصه على أن يستنفذ من يد النسيان والضياع كثيرًا من الأخبار عن الأندلس والمغرب؛ وما يزال قسم كبير من كتابه منقولًا عن أصول ضاعت ومستوعبًا لأصول أخرى لا نجدها في سواه. وقد ظهر كثير من المصادر التي نقل عنها في خلال الأعوام المائة الأخيرة، إلا أن ظهورها لم ينقص من قيمة النفح كثيرًا، بل إن وجود النفح كان بمثابة الوثيقة النافعة في تحقيق تلك المصادر. وعلى سبيل المثال أقول: إن المقري قد اعتمد كثيرًا على المغرب لابن سعيد ولكن المقارنة الأولية بين نص المغرب المنشور ونص النفح تدلنا على أن المقري اعتمد نسخة أوفى بكثير من هذه التي لدينا؛ كذلك نقل كثيرًا عن المطمح ولكن اعتماده على المطمح الكبير الذي لا نعرفه حتى اليوم يجعل نقوله نسخة متفردة في عدة أمور. والأمر يبدو على وجه أوضح إذا تساءلنا أين هو الطالع السعيد، والروض الأريض، وجنة الرضى، وكتب المقري الجد والأزهار المنثورة وغيرها من الكتب الكثيرة التي استعان بها المقري في هذا التأليف؟ إن كتاب النفح قد اتخذ الطابع «الموسوعي» الذي يجعله مغنيًا عن عشرات الكتب لصعوبة الرجوع إلى تلك الكتب مجتمعة في نطاق، هذا إذا بالغنا في التفاؤل وقدرنا أن جميع مصادر النفح ستكون ذات يوم في متناول أيدي الدارسين.
٤ - تحقيق نفح الطيب:
لهذه القيمة التي لا يزال هذا الكتاب يتمتع بها رأيت أن أتولاه بالتحقيق
1 / 14
العلمي. ومع أن نفح الطيب أقدم كتاب أندلسي ظهر للنور وعرفته المطبعة العربية وكان مصدرًا لأكثر ما عرفه المشارقة عن الأندلس في مدى مائة عام أو أكثر فإنه لم ينل من عناية المحققين ما ينبغي له، وخير طبعة ظهرت منه هي تلك التي تولاها بالعناية كل من دوزي ودوجا وكريل ورأيت (ليدن: ١٨٥٥) فقد اعتمد هؤلاء المستشرقين على النسخ الخطية التي توفرت لهم في باريس ولندن وأكسفورد وغوطة وبرلين وكوبنهاجن وبطرسبرج، ونشروا الكتاب في قسمين يحتوي كل قسم على جزءين وألحقوا بذلك جزءًا صغيرًا يضم الفهارس والتصويبات، ومع أن هذه الطبعة لم تشمل إلا القسم الأول من النفح، فليس ذلك مما يحول بيننا وبين كلمة إنصاف لهؤلاء المحققين، ذلك أنهم توخوا الدقة في مقارنة المخطوطات واجتهدوا في مراجعة نصوص النفح على ما تيسر لديهم حينئذ من مصادر، فجاء الكتاب ذا طابع علمي موثق. ولهذا اعتبرت الطبعة أصلًا معتمدًا، وأشرت إليها في حواشي الطبعة الجديدة باسم أشهرهم في الدراسات الأندلسية وهو «دوزي»، ولم أحاول أن أعيد النظر في المخطوطات التي اعتمدوها ثقة مني بأمانتهم التي تبلغ حد التزمت في إثبات الفروق بين مختلف النسخ الخطية.
وقد طبع النفح عدة طبعات في المشرق كان أولها طبعة بولاق سنة ١٢٧٩، وهي على ما فيها من جهد مليئة بالخطأ، وليس فيها ما في الطبعة الأوروبية من دقة علمية؛ ثم كان آخر الطبعات المشرقية طبعة المكتبة التجارية بإشراف الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد (القاهرة: ١٩٤٩)، وقد أفاد فيها من الطبعة الأوروبية ومن الطبعات المشرقية، فجاءت في صورة مقبولة نوعًا ما، ولذلك أبحت لنفسي أن أشير إليها باسم «التجارية» إشارات قليلة، وإن كنت لا أعدها أصلًا لأنها لم تعتمد على نسخ خطية.
وفي سبيل أن أوفر لهذه النشرة الجديدة ما تتطلبه الأمانة العلمية من جهد راجعت النفح على كل ما استطعت الحصول عليه من مصادره - خطية كانت
1 / 15
أو مطبوعة - وسيجد القارئ في الحواشي والجزء الخاص بالفهارس أنني راجعت في سبيل ذلك عشرات الكتب، ورصدت نقل المقري على نحو يكشف عن أصول كتابه حتى حين يصمت عن ذكر تلك الأصول؛ وترجمت للأعلام ترجمات قصيرة أو أشرت إلى مصادر ترجمهم، وشرحت ما اعتقدت أن الشرح فيه ضروري، ولم أستكثر من الشروح اللغوية لأن ذلك يخرج الكتاب - وهو ضخم بطبيعته - إلى حجم كبير جدًا. وأثبت فروق القراءات، لا حيث يكون الخطأ واضحًا، بل حيث تكون القراءة ذات وجه مقبول. وزودت الكتاب بفهارس شاملة، لكي يكون الانتفاع به ميسرًا، فإن كثرة الاستطراد فيه وتشعب أجزائه تجعل الإفادة منه - دون فهارس تفصيلية - أمرًا بالغ العسر. وأبحت لنفسي ترقيم بعض فقرات هذا الكتاب ووضع عناوين لأجزائه، كي أسهل على القارئ والباحث استعماله ومراجعته.
على أن كل ذلك لم يكن ليعطي لهذا العمل صبغة فارقة لو لم أعتمد على عدد من مخطوطات النفح نفسه أعانتي كثيرًا في التحري والتدقيق، وقد راعيت أن تكون هذه المخطوطات مما لم يطلع عليه محققو الطبعة الأوروبية، وهذا ثبت بتلك النسخ التي اعتمدتها:
١ - النسخة «ك» وهي من المكتبة الكتانية التي ضمت إلى الخزانة العامة بالرباط (ورقمها: ٢٣٩٤ك) وتقع في ٢٨٦ ورقة، تمثل أول ورقتين منها فهرستًا لأهم الموضوعات التي وردت فيها، ويبدأ النص فيها على الورقة الثالثة، وفي كل صفحة من صفحاتها ٢١ سطرًا ومعدل الكلمات في السطر الواحد ١١ كلمة؛ وهي مكتوبة بخط مغربي جيد (أندلسي) كثير التشجير وعلى هوامشها عناوين للموضوعات، وهي أكثر المخطوطات اتفاقًا مع الطبعات المشرقية؛ وتنتهي عند آخر الباب الرابع من القسم الأول حسب تقسيمات المؤلف.
٢ - النسخة «ج» وهي رقم ٧٦٨ ج بالخزانة العامة بالرباط؛ وتقع في ٢٠٥ ورقات إلا أن ما يخص النفح منها ينتهي عند الورقة ١٨٣ ويمثل ما بعد
1 / 16
هذه الورقة قطعة من كتاب «أنس السمير في نقائض الفرزدق وجرير» وقطعة من الذخيرة تمثل ترجمته ابن عمار. وتحتوي كل صفحة منها ٣٣ سطرًا، مكتوبة بخط مغربيس دقيق جدًا، وقد سماها ناسخها الجزء الأول من النفح إذ جاء في آخرها: «انتهى ما وجد في الجزء الأول من نفح الطيب ويتلوه في الجزء الثاني: ولما سألني في الإجازة الفاضل الأديب الشيخ محمد بن علي ابن مولانا عالم الشام الشهير الذكر شيخ الإسلام سيدي ومولاي عمر المعماري حفظه الله ... إلخ بحول الله وحسن عونه؛ وكان الفراغ منه ضحى ثامن شهر رمضان سنة ١٠٧٧ وذلك بحضرة مراكش ... على يد الفقير إلى رحمة القدير محمد بن عمر الدعوغي ...» . وتعد هذه النسخة قيمة لقدمها ودقتها، وهي أقرب إلى نسخة ق (التي سيأتي وصفها) من نسخة ك.
٣ - النسخة «ط» رقم ٢٦٨ ك بالخزانة العامة بالرباط وهي في ٢٧٨ ورقة، في كل صفحة ٢٥ سطرًا، وقد كتبت بخط مغربي واضح خال من المد والتعريج، ومجموع ما تحتويه يساوي ما اشتملت عليه نسخة «ك»، غير أنها أقرب المخطوطات إلى «ق»، حتى في القراءات الخاطئة.
٤ - النسخة «م» وهي رقم ٤٣٠ ك، بالخزانة العامة بالرباط وتضم ٢٨٦ ورقة، في كل صفحة منها ٢٤ سطرًا، وخطها أيضًا مغربي واضح، والقلم الذي كتبت به مستعرض قليلًا، بالنسبة للمخطوطات الأخرى، وهي تبدأ بالباب السابع من القسم الأول وتنتهي بنهايته، ويسميها ناسخها «الجزء الثالث» من الكتاب. وتتميز هذه المخطوطة عما عداها بحذف المكرر وبالتمهيد المسهب في التقديم للأشعار، وبإيراد زيادات - وخاصة في أشعار الزهد - لا ترد في غيرها من المخطوطات، ويبدو من مجمل النظر فيها أن ناسخها حاول أن يتحكم في نص النفح بالحذف والزيادة، وأن ذلك ليس من صنع المقري نفسه.
٥ - النسخة «ب» وهي نسخة خاصة كانت في ملك العلامة المحقق الصديق إبراهيم الكتاني، فلما علم - حفظه الله - بأنني أنوي تحقيق النفح
1 / 17
قدمها إلي، مشكور الفضل مذكورًا بالخير، ولعل هذه النسخة في الأصل كانت كسابقتها إذ أنها تبدأ بالباب السابع من القسم الأول، إلا أنها مبتورة من آخرها، ولم يبق منها إلا ١٦٥ ورقة، وفي كل صفحة منها ٢٩ سطرًا، وخطها مغربي في غاية الجمال والوضح، وقد عاثت الأرضة في صفحاتها بشدة، كما أن بعض الصفحات فيها خال تمامًا من الكتابة.
٦ - النسخة «ص» وهي رقم ٢١٦ ق بالخزانة العامة بالرباط وأصلها من مكتبة الزاوية الناصرية وتقع في ٢٩٠ ورقة، وفي كل صفحة من صفحاتها ٣١ سطرًا، وخطها مشرقي نسخي، والاهتمام بالشكل فيها مقصور على النصوص الشعرية، وتسمى «الجزء الثالث من النفح» وتبدأ بالباب الثامن من القسم الأول وتستمر حتى نهاية الباب الرابع من القسم الثاني؛ وهي قريبة النسب (دون الخط) بأصل النسخة «ك»، وتقع وسطًا بين الطبعات المشرقية ونسخة «ق» .
٧ - النسخة «ق» وهي نسخة خاصة يملكها الصديق الكريم والكتبي المفاضل الأستاذ قاسم الرجب صاحب مكتبة المثنى ببغداد، وقد تفضل مبادرًا فأعارنيها حين أعلمته أني أقوم بتحقيق الكتاب، وتقع هذه النسخة في ٥١١ ورقة، وهي نسخة كاملة تضم جميع مادة النفح بقسيمه، وفي كل صفحة من صفحاتها ٥١ سطرًا، وقد كتبت بخط نسخ مشرقي جميل وجعلت عناوينها الكبرى والصغرى بالحبر الأحمر، غير أن ناسخها يسهو عند تشابه النهايات، فيسقط مرات أسطرًا كاملة؛ كما أن الخطأ الناشئ عن تصوير الكلمة لتطابق صورة الأصل الذي كان ينقل عنه، يتفشى فيها، ومع ذلك فهي من أشد النسخ قربًا من المتن المثبت في طبعة دوزي. وناسخها هو أحمد بن محمد الحمومي العطار، فرغ من نسخها «عشية يوم الأربعاء المسفر صباحها عن الرابع والعشرين أو الثالث والعشرين لذي القعدة الحرام من شهور سنة ١١٣٠» بمنزله الكائن بمحلة القيمرية من دمشق الشام - وقد قام بكتابتها برسم السيد محمد عاصم أفندي
1 / 18
ابن المرحوم السيد عبد المعطي أفندي الشهير نسبه الكريم بالفلاقسي -.
٨ - «المقتطفات» وهي أوراق كتب عليها «قطعة من تاريخ الأندلس» وتحمل رقم ٤٢١ إسكوريال وأكثر المادة فيها مأخوذة من نفح الطيب، ولكني لم أفردها برمز لأني غير واثق أنها تمثل جزءًا من ذلك الكتاب دون زيادات من كتب أخرى؛ وهي في ١٤٣ صفحة، في كل صفحة ٣٠ سطرًا، وتحتوي على الأخبار التاريخية مثل ترجمة عبد الرحمن الداخل وأخبار المنصور بن أبي عامر والمعتمد بن عباد ومطولات القصائد كقصيدة ابن مقانا الأشبوني وقصائد ابن حمديس في المباني وقصائد لابن زيدون وقصيدة لسان الدين السينية المفتوحة وتشبه أن تكون «مسودة» أصلية، إذ مادتها غير مرتبطة، وتضم من أخبار المشرق قطعة كبيرة عن الناصر بن المنصور وشعره.
وحقيق بي بعد هذا كله، أن أعترف بجميل كل من له فضل على هذا العمل، فأتقدم بوافر الشكر لعدد من الأصدقاء، أخص بالذكر منهم الأستاذ إبراهيم الكتاني الذي قدم إلي النسخة «ب» هدية خالصة، والأستاذ قاسم الرجب الذي كانت نسخته (ق) معتمدي الأول في التحقيق، والأستاذ عبد الله الرجراجي مدير الخزانة العامة بالرباط الذي ذلل لي صعوبات جمة حين أذن بتصوير كل نسخ النفح الموجودة بالخزانة العامة، فلولا حمية هؤلاء الأصدقاء في خدمة العلم لما استطعت أن أستمد الثقة المسعفة على المضي لبلوغ غاية شاقة.
ويطيب لي أن أنوه بالعون العملي المخلص الذي تلقيته من اثنين من تلامذتي يدرسان في مرحلة الماجستير هما الآنسة وداد القاضي التي تعمل في حقل العلم ببصيرة نافذة وروح علمية سامية والسيد يوسف محمد عبد الله أحد اللامعين من أبناء جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية، فقد تكبدا معي - بصبر لا يعرف الكلل ودقة تستحق التقدير والإعجاب - عناء المراجعة للأصول وإعداد الفهارس العامة والنظر في النص قبل ذهابه إلى المطبعة نهائيًا، وبذلًا في ذلك من جهدهما ما لا أفيه حقه من الشكر، جزاهما الله عني كل خير، وضوأ مستقبلهما الذي أرجوه لهما
1 / 19
ويرجوانه لنفسيهما بهدي العلم وبركاته.
وما أظنني أتجاوز الواقع في شيء حين أنسب أكثر ما في هذا العمل من خير إلى جهود صديقين عزيزين: هما الأستاذ أنطوان صادر (صاحب دار صادر) والأستاذ مصطفى دمشقية، فأما الأول فقد ضحى براحته ووقته في رعاية هذا العمل خطوة بعد خطوة، وقد آلى على نفسه أن يشمله بروح الإتقان وبراعة الإخراج مهما يكلفه ذلك من بذل ومشقة، وأما الثاني فإن عداوته للخطإ وسهره في تحري الصواب وإعماله النظر النافذة والقلم السديد في صفحات الكتاب أثناء الطبع، قد حقق ما أتيح له من التجويد الواضح الذي يستحق الثناء العاطر والشكر الجزيل.
فأما ما قد يكون هنالك من هفوات فإني أتحمل وزرها وحدي، غير خجل بها، وإن تمنيت السلامة منها، بعد أن قدمت ما في طاقتي في مدة تزيد على عامين، انصرفت فيهما عن كثير من الشئون، لإنجاز هذا العمل على نحو مقبول، مطمئنًا إلى أن باب العصمة مرتج دون بني الإنسان، راضيًا أن يكون الخطأ القليل علامة على إحراز الصواب الكثير.
والله من وراء القصد وهو حسبي ونعم الوكيل.
بيروت في ٢٠ شباط (فبراير) ١٩٦٨ إحسان عباس
1 / 20