104

Nafahat Rayhana

نفحة الريحانة ورشحة طلاء الحانة

وهذا على أسلوب أبيات عبد المحسن الصُّوري المشهورة، وهي: بالَّذي ألهَمَ تَعْذِي ... بِي ثناياكَ العِذابَا والَّذي ألبَسَ خَدَّيْ ... كَ مِن الوردِ نِقابَا والَّذي صَيَّرَ حَظِّي ... منكَ هجرًا واجتِنابَا يا غَزَالًا صادَ باللَّحْ ... ظِ فُؤادِي فأَصابَا ما الَّذي قالَتْهُ عَيْنَا ... كَ لقلبي فأجابَا محمد بن حسين، المعروف بابن عين الملك، بالقاق لعوبٌ بأطراف الكلام، مُفوِّقٌ لسهام الأقلام. يستفيد من القطا فضل هداية، وهو في اللوم أضلُّ من ابن داية. زيُّه غريب، وكلُّه أسود غربيب. أوحش حالًا من الليل، وأكثر انفرادًا من سهيل. طالما جاب السَّباسب أردية، وخاض النَّوائب أودية. متنقِّلًا من بقعة إلى بقعة، وطائرًا من رقعة إلى رقعة. حتى حصَّ جناحه الكبر، ووقف من سوء بخته على يقين الخبر. هناك كرّ على وكر عشيرته وحاميته، ومعشَّش قاذفته بهُجرها وراميته. وقد رأيته وشعره شاب، لكن شِعرَه ما شاب، وهو في الشِّعر نصيب الوقت، وحاله حاله في الإقصاء والمقت. ومناظيمه لا تخلو من ألفاظٍ عذاب، إلا أهاجيه فإنها سوط عذاب. وقد بلغني أشياء منها، عارضتْني لكثرة فحشها فأعرضت عنها. وأما غيرها من لوامعه فما أوردته أوردته، وإذا استهجنتُ شيئًا إليه رددته. فإني كفوَّارة الماء، لا أقبل إلا السَّيَّال الرقيق، وغيري كالمنخل، يمسك النُّخالة ويخرج الدقيق. فمن شعره قوله في دولاب ماء: ودولابِ روضٍ قد شجانا أنينُه ... وحرَّك منَّا لوعةً ضِمنَها حبُّ ولكنَّه في بحرِ عشقٍ جهالةٍ ... يدورُ على قلبٍ وليس له قلبُ وقوله، من قصيدة مطلعها: سقى الخُزامَى باللَّوى والأقاحْ ... من عارضٍ أبلجَ سجْلِ النَّواحْ حتَّى تراها وهي مُخضلَّةٌ ... تغصُّ ريَّا بالزُّلالِ القُراحْ معاهدٌ للأنسِ كانت وهلْ ... لي وقفةٌ بين جنوبِ البطاحْ أيَّام في قوسِ الصِّبا مَنزعٌ ... وللملاهي غدوة لا رواحْ والظَّبيةُ الأدماءُ لي منيةٌ ... وحبَّذا مرضى العيون الصحاحْ لم أنس يومَ الطَّلحِ إذ ودَّعتْ ... وأدمتِ القلبَ بغير الجراحْ يا وقفةً لم يُبقِ فيها النَّوى ... إلا ظنونًا ليس فيها نجاحْ يا قلبُ حدْ بي عن طريقِ الهوى ... ففي مناجاةِ المعالي ارتياحْ قالرَّاحُ والراحةُ ذلُّ الفتى ... والعزُّ في شربِ ضريب اللِّقاحْ القاضي إبراهيم الغزَّالي فتى مداعبةٍ ومجون، طبعه بالخلاعة معجون. إذا تكلم ببنت شفة، تعدُّ من غيره سفه. لا يستفزُّه قيلٌ ولا قال، وكل عثرةٍ منه تقال. وله جامعيَّة بنانٍ وبيان، وهو فيها سفينة نوحٍ أو جامع سفيان. إلا أنه كان في شعره متخلِّفًا، وعن أهل طبقته متخلفًا. لأنه ينبو عن السهل القريب، ولا يستعمل إلا المتنافر الغريب. وربما ندرت له أبياتٌ في مرام، فكانت كرميةٍ من غير رام. أستغفر الله، نعم هو في هجائه، مجيدٌ ولو بازدراء حجائه، لعوبٌ حتى بيأسه ورجائه. يطلع هزله جدًّا، ويرهف حديدته حدًّا. فمما استخرجته من حلوه وحامضه، وصرَّحت فيه بأمر واضحه وغامضه. قوله: يا من ملكوا جوانحي مع لبِّي ... ما اعتدتُ شكايةً فحالي يُنبي لا زلتُ مشاهدًا بحالي تلفًا ... إن كان سواكمْ ثوى في قلبي ومن أهاجيه، قوله في إسماعيل بن جمال الدين الجُرشي: بالله قلْ لغليظِ الطَّبعِ عنِّيَ ما ... أنكرتَه من فلانٍ كي ترى عجبا فلم تجد غير أنِّي لم أنِكهُ لما ... قد عفتهُ منه قدمًا كان ذا سببا ولو أجشِّمه أيْري وأمنحهُ ... إياهُ ما عدَّ لي ذنبًا وما رقبا لكنَّني الآن أكوي قرحَ فقحتهِ ... بنارِ أيري وأرقى عنده الرُّتبا أكلِّفُ النَّفس تغييرًا لمذهبها ... قبلي كثيرٌ لهذا الأمرِ قد ذهبا

1 / 104