عندما يصل إلى هذه الآية يقول : إن آخر الآية دليل لمؤيدي الجبر ، بينما صدرها دليل لمؤيدي الاختيار! ثم يضيف : قلما نجد آية في القرآن تؤيد أحد الفريقين ، وإذا ما وجدنا آية مؤيدة لفريق وجدنا قبالها آية تؤيد الفريق المقابل ، والتجربة شاهد على ما نقول ، وهذا امتحان صعب من الله للعباد ، وذلك لكي يتميز الراسخون في العلم عن المقلدين (1)! ياله من اعتراف عجيب؟!
ونضيف إلى ما قاله الفخر الرازي : أن كلا من آيات القرآن لا يمكن دراستها وملاحظتها لوحدها من دون ملاحظة ودراسة الآيات الاخرى فضلا عن صدر وذيل الآية الواحدة ، كما نقول : إن الآية بصدرها وذيلها دليل على مسألة الاختيار لا شيء آخر ، وذلك لأن صدرها يقول : إن الإعراض عن آيات الله واقتراف الذنوب من أفعال الإنسان وهو فاعلها باختياره ، بينما ذيل الآية يقول : إن الله يعاقب المصرين على السير في هذا الطريق ، وعقابهم هو جعل الأكنة على قلوبهم.
وبتعبير آخر : إن الله جعل لهذه الذنوب آثارا ومردودات ، وهذه الآثار تعكر صفاء القلب ، وتسلب قدرة التمييز عند الإنسان ، فأي جبر في هذا الحديث؟!
مثله كمثل الخبير الذي يعلم بأن السم قاتل ، وبالرغم من ذلك يتناوله ، فهل هذا التأثير القهري للسم جبر؟!
* *
وقد أشارت الآية الأخيرة إلى المعاندين الذين يختلقون الحجج ويسألون أحيانا هذا السؤال : لم لم ينزل القرآن أعجميا كي نعيره أهمية أكبر ولكي لا ينحصر في العرب؟
(قد يكون غرضهم الأساسي من هذا هو عدم فهم عامة الناس له والاقبال عليه إذا ما كان أعجميا).
Page 292