187

ومع الأخذ بنظر الاعتبار إلى أن الإنسان لا يمكنه رؤية هذه الحقائق بعينه الظاهرية واستدلالاته العقلية ، ندرك أن الله أراه هذه الحقائق عن طريق الشهود الباطني وإزالة الحجب التي تحول دون مشاهدة الإنسان الحقائق الغيبية.

وقد ذكر الفخر الرازي احتمالين في تفسيره ل «الإرائة» ، أحدهما : «أنها حسية ، والثاني : أنها إرائة عن طريق الاستدلال العقلي ، ثم اختار الاحتمال الثاني ، وذكر تسعة أدلة عليه» (1).

لكن كما قلنا سابقا فالإنسان عاجز عن الاحاطة الكاملة بأسرار سلطان الله على العالم سواء كان عن طريق الحس أو عن طريق العقل ، وتحتاج الاحاطة هذه إلى طريق إدراك آخر ، وهو الشهود الباطني ، ولهذا السبب يذكر صاحب تفسير «في ظلال القرآن» : «أن المراد من الآية إخبار ابراهيم عن أسرار الخلق الخفية ورفع الحجاب عن آيات كتاب الخلق التي نشرت كي يصل ابراهيم إلى درجة اليقين الكامل» (2).

وبتعبير آخر : إن ابراهيم اجتاز مراحل التوحيد الفطري والاستدلالي في البداية من خلال مشاهدته لطلوع الشمس وغروبها وطلوع النجوم وافولها ، وجاهد المشركين واجتاز درجات التوحيد في ظل هذا الجهاد العظيم ، الواحدة تلو الاخرى ، إلى أن بلغ مرحلة كشف الله له فيها الحقائق ، وهي مرحلة الشهود الباطني.

وهناك حديث للإمام الصادق عليه السلام في هذا المجال يشير فيه إلى هذا المعنى حيث يقول : «كشط لإبراهيم السموات السبع حتى نظر ما فوق العرش ، وكشط له الأرضون السبع ، وفعل لمحمد صلى الله عليه وآله مثل ذلك ...» «والأئمة من بعده قد فعل بهم مثل ذلك» (3).

وقد ذكر صاحب البرهان الكثير من الأحاديث في تفسيره ، كلها تكشف أن الإدراك هذا ليس هو نفس الإدراك العقلي أو الحسي ، بل وكما صرح صاحب الميزان وأشرنا إليه سابقا إن الملكوت هي مجموعة الامور التي لها ارتباط بالذات المقدسة الإلهية من حيث

Page 197