** 5 كيف تيقن الرسول بأن الوحي من الله؟
إن هذا السؤال من جملة الأسئلة التي طرحت حول مسألة الوحي ، كيف علم الرسول بأن الوحي من الله وليس إلقاء شيطانيا؟ وبتعبير آخر : ما هو مصدر هذا العلم واليقين؟
إن الجواب عن هذا السؤال واضح ، فاضافة إلى أن الفرق بين الالقاءات الرحمانية والالقاءات الشيطانية كالفرق بين السماء والأرض ، فإن محتوى كل منهما يعرف نفسه ، وينبغي القول : إن الرسول عندما يتصل بالوحي يذعن بحقيقته بالنظر الباطني ، وأمره كالشمس الساطعة نهارا ، فلا نعتني بالذي يشكك بوجودها ويقول : يحتمل أن تكون وهما لا أكثر ، وذلك لأن احساسنا بها قطعي ولا يقبل الشك.
يقول العلامة الطباطبائي قدسسره في تفسيره للآية : ( فلما أتاها نودى يا موسى * إنى أنا ربك ... ). (طه / 11 12)
وهذا حال النبي والرسول في أول ما يوحى إليه بالنبوة والرسالة ، لم يختلجه شك ولم يعتره ريب في أن الذي يوحي إليه هو الله سبحانه ، من غير أن يحتاج إلى إمعان نظر أو التماس دليل ، أو إقامة حجة ، ولو افتقر إلى شيء من ذلك كان اكتسابا بالقوة النظرية ، لا تلقيا من الغيب ، من غير واسطة (1).
ومن هنا يتضح عدم صحة ما جاء في بعض الروايات من أن الوحي عندما نزل لأول مرة على الرسول في غار «حراء» ذهب إلى بيت خديجة وقص عليها ما جرى واضاف : إني أخاف على نفسى (أي أخاف أن تكون الايحاءات شيطانية لا إلهية) فطمأنته خديجة ، ثم ذهبت به إلى ورقة بن نوفل (ابن عم خديجة) الذي كان يدين بالمسيحية في عهد الجاهلية ، وكان يجيد القراءة والكتابة العربية والعبرية ، فطلب من النبي أن يشرح ما جرى له .. وبعد ما قص الرسول صلى الله عليه وآله ما جرى له ، قال ورقة : إنه هو الوحي الذي كان يهبط على موسى عليه السلام وأضاف : ليتني أكون حيا كي أرى كيف يخرجك قومك من هذه المدينة (2).
Page 183