ولما أنهار ركن النهار، ابهارَّ وتبرقع بالإكفهرار، فسد ما بين الخافقين بسواد، وطفق يرمي بسهام جداله في جلاده، وقدم بين يدي نجواه سورة القدر، آية على ما حازه من كمال الرفعة والقدر، وثَّنى بقوله تعالى (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا) فأشار إلى الحبيب حين تجلت له قرة عينه ليلى، ثم قال: سحقا لك أيها النهار، فقد أسست بنيانك على شفا جرف هار، تناضلني ومني كان انسلاخك وظهورك، وتفاضلني وبي أرخت أعوامك وشهورك، قد أطعت هواك في عصياني وعقوقي، وأضعت مندوب مطالبي وواجب حقوقي، ألم يأن لك أن تخشع للذكر، فتعرف لي برتبة التقديم في الذكر، وشتان بين المتوكل وصاحب السبب، وكم بين لذة الراحة ومرارة التعب، وعلى الأعمى سوى المحجوب عن المحبوب، (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب)، كيف تعِّيرني بلون السواد، وهل يقبح السواد إلا في الفؤاد، أم كيف تعيبني بالخداع، (والحرب خدعة)، وليس الشيء في موطنه بغريب ولا بدعة، أما تشهد العوالم من هيبتي حيارى؟ ﴿وترى الناس سكارى وما هم بسكارى﴾، فكم أرَّقت ملوكا أكاسرة، وأرقتُ دماء أسود كاسرة، وكم أوريت نار الوغى تحت العجاج، وقد
1 / 130