على أن العاشق الواله، يشكو منك في جميع أحواله، فكم قطع آناك بمواصلة أنينه، متململا من فرط شوقه وحنينه، فلما أن حظي بالوصال، تمثل بقوله من قال:
الليل إن واصلت كالليل إن هجرت ... أشكو من الطول ما أشكو من القِصَر
ولئن افتخرت ببدرك الباهر الباهي، فإنما تباري ببعض أنواري وتباهي، وهل للبدر عند إشراق الشمس من نور؟ أو لطعة حسنة من خدور البطون ظهور! ومن ادَّعي أنك تساويني في الفضل والقدر! أو زعم أن الشمس تقتبس من مشكاة البدر! ومتى استمدت الأصول من الفروع، (وما أغنى الشموس عن الشموع)، فبي تتجلى محاسن المظاهر الكونية، وتتجلى بجواهر الأعراض اللونية، وأنُى يخفى حسني وجمالي على مشاهد؟ أو يفتقر فضلى وكمالي إلى شاهد! وعْرضي عار من العار، وجميع الحسن من ضيائي مستعار.
وليس يصحّ في الأذهان شيءُ ... إذا احتاج النهار إلى دليل
أما كفاك بينة وزادك ذكرى وتبصرة، وقوله تعالى ﴿فمحونا آية الليل وجعلنا أية النهار مبصرة﴾، و﴿هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور﴾، وأين منزل أهل الغفلة من منزل أهل اليقظة والحضور، وإن كنت معنى الأنس والأفراح، تفعل بعقول الناس فعل الراح، فهل حسبت أن السكون خيرُ من الحركة، وقد أجمع العالم على أن
1 / 128