وعندما بلغ المصطفى سفح التلة التفت ثانية إلى البحر، فرأى سفينته تدنو من المرفأ، وأبناء بلاده يروحون ويجيئون على مقدمتها.
فهتف لهم من صميم فؤاده وقال:
يا أبناء أمتي الأولى، أيها الراكبون متون الأمواج المذللون مدها وجزرها!
كم من مرة أبحرتم في أحلامي! وها قد أتيتم ورأيتكم في يقظتي التي هي أعمق أحلامي.
إنني على أتم الأهبة للإبحار، وفي أعماقي شوق عظيم يترقب هبوب الرياح على القلوع بفارغ الصبر.
ولكنني أود أن أتنفس مرة واحدة في هذا الجو الهادئ، وأن أبعث بنظرة عطف واحدة إلى الوراء.
وحينئذ أقف معكم، ملاحا بين الملاحين.
أما أنت أيها البحر العظيم، أيها الأم الهاجعة!
أنت أيها البحر العظيم الذي فيك وحدك يجد النهر والجدول سلامهما وحريتهما.
فاعلم أن هذا الجدول لن يدور إلا دورة واحدة بعد، ولن يسمع أحد خريره على هذا المعبر بعد اليوم، وحينئذ آتي إليك، نقطة طليقة إلى أوقيانوس طليق.
Unknown page