Nabi Musa Wa Tall Camarna
النبي موسى وآخر أيام تل العمارنة (الجزء الأول): موسوعة تاريخية جغرافية إثنية دينية
Genres
ثم قال الرب لموسى مد يدك نحو السماء، ليكون ظلام على أرض مصر ... «لكن جميع بني إسرائيل كان لهم نور في مساكنهم». (خروج، 10: 21-23)
ثم يختتم يهوه وعصاته الثعبانية تلك المغامرات المدمرة واللذات الشاذة بإغراق المصريين جميعا مع فرعونهم وجيوشهم في لجج البحر المفلوق بالعصا السحرية الثعبانية (خروج، 14).
لكن وسط كل هذا الصخب الأسطوري والضجيج السحري، يضع المحرر شروحات جغرافية بينية، لخط سير الخروج، تلتقي إلى حد مدهش مع أوضاع الجغرافيا في شرقي الدلتا المصرية المتصل بالصحاري السينائية، فهناك كان بداية طريق حورس الحربي الكبير المؤدي إلى فلسطين، والمسمى أيضا طريق فلسطين، لكن يهوه ينحرف بشعبه عن هذا الطريق الأسهل، لتحاشي قتال متوقع، ويأمر أتباعه بالاتجاه نحو بحر باسم بحر سوف، ومن مدينة باسم «سكوت» - وردت بذات الاسم بالوثائق المصرية القديمة أيضا - يتحركون نحو بادية باسم إيثام في طرف الصحراء، ومن هناك ينزلون على بحر سوف بين ثلاثة إحداثيات جغرافية هي: مجدل، وبعل صفون، وفم الحيروث، وعند نقطة فم الحيروث تفلق العصا الحية البحر، ليعبر الإسرائيليون بينما يغرق الفرعون وجنده عند مطاردتهم للإسرائيليين، إذ ينطبق عليهم البحر المفلوق (خروج، 13: 20، 18؛ 14: 2).
والغريب أن الخارجين لم يكتفوا باصطحاب أنعامهم الوافرة، بل حملوا معهم من مصر ذهبا هائل الوفرة، لم يجد له المحرر التوراتي سوى تكرار تفسير يقول: «وفعل بنو إسرائيل بحسب قول موسى، طلبوا من المصريين أمتعة فضة وأمتعة ذهبا وثيابا، وأعطى الرب نعمة للشعب في عيون المصريين حتى أعاروهم، فسلبوا المصريين، فارتحل بنو إسرائيل من رعمسيس» (خروج، 12: 35-37).
وهكذا يخرج بنو إسرائيل من مصر تحت قيادة موسى في خط سير جغرافي شديد التدقيق (بالتوراة)، يتجهون معه نحو جبل الله حوريب المقدس في عمق سيناء، ويستغرق رحيلهم سنتين كاملتين، حتى يحطوا في قادش في أقصى شرقي سيناء ، ليعيشوا هناك ثمانية وثلاثين عاما كاملة، ومن قادش تبدأ رحلة غزوهم لفلسطين بعبور الأردن، من شرقيه عند جبل نبو إلى غربيه عند أريحا، رغم أن قادش كانت تقع في النقب جنوبي فلسطين، دون أي عوائق أو موانع جغرافية مع فلسطين شمالها، لذلك يظل السؤال ينتظر إجابة: لماذا اجتاز الإسرائيليون مانعين هامين؟ الأول هو مانع سيادي حيث اجتازوا دولة آدوم مشرقين، ثم التفافهم من الشرق إلى الغرب بعبور مانع جغرافي هو نهر الأردن، لماذا كل هذه الالتفافة وفلسطين على مسيرة يوم أو يومين شمالي قادش؟
الفصل الثاني
النظريات التاريخية للخروج
(1) نظرية أن الإسرائيليين هم الهكسوس
تعد أقدم نظرية طرحت بشأن خروج بني إسرائيل من مصر، تلك التي تربط بينهم وبين الهكسوس، الذين ورد ذكرهم في الوثائق المصرية كمحتلين أجانب للبلاد، وتعتبرهم مع بني إسرائيل شيئا واحدا، وكان صاحبها هو المؤرخ اليهودي «فلافيوس يوسفيوس» (37-100م)، الذي حصل على تكريم الإمبراطور الروماني «فيسبيان»، وقام بتأليف كتب ثلاثة، هي على الترتيب: «العاديات اليهودية»، ويتناول فيه تاريخ بني إسرائيل، ثم «الحروب اليهودية»، ويعالج فيه ثورات القبائل الإسرائيلية بفلسطين ضد الحكم الروماني، أما الثالث - وهو الأهم لموضوعنا - فهو الكتاب الذي وضع فيه نظريته، حول خروج بني إسرائيل من مصر، وهو الكتاب المعروف بعنوان «ضد آبيون»، وقد ألفه ردا على «آبيون النحوي السكندري» المصري، الذي كان يبغض الجنس الإسرائيلي، ويكن للإسرائيليين كراهية شديدة ومقتا عظيما، ودون عنهم رواية تقول: إنهم كانوا نوعا من الأجناس القذرة الدنسة بين بني البشر، وإنهم عاشوا في مصر عبيدا، دون أن يتعلموا من أهلها قواعد النظافة والتطهر، فأصابتهم علل القذارة، مثل البرص والقراع وما يشوب الجلد من قرح، فلما خشي المصريون تفشي الوباء بينهم «طردوهم من بلادهم» وقادهم في رحلة خروجهم من مصر إلى فلسطين عبر سيناء، ذلك الشخص المدعو «موسى».
وقد رد «يوسفيوس» اليهودي على «آبيون النحوي» المصري في كتابه: «الرد على آبيون»، ليؤكد أن هؤلاء الأنجاس الدنسين، لم يكونوا سوى الهكسوس، الذين دخلوا مصر بلد آبيون المصري غزاة فاتحين، حكموها كملوك ولم يعيشوا فيها كعبيد، ولم يكونوا أنجاسا ولا ملاعين، وقد دعم «يوسفيوس» رده هذا بكلام المؤرخ المصري «مانيتون السمنودي»، وكان «مانيتو» كاهنا مصريا، عاش زمن الملك «بطلميوس الثاني» ملك مصر، الذي حكم حوالي عام 283-246ق.م. ودون تاريخ بلاده باللغة اليونانية، بتكليف من ذلك الملك، ليقدم للإغريق صورة عن تاريخ مصر.
Unknown page