Nabi Musa Wa Tall Camarna
النبي موسى وآخر أيام تل العمارنة (الجزء الأول): موسوعة تاريخية جغرافية إثنية دينية
Genres
الإهداء
مقدمة الطبعة الثانية
مقدمة الطبعة الأولى
توطئة
تمهيد تاريخي مع إعادة ترتيب جغرافية الخروج
الباب الأول: شعب التوراة
1 - التوراة وربها وشعبها
2 - «كل إسرائيل» أو مملكة إسرائيل الموحدة
الباب الثاني: مصر والتوراة
1 - قبل زمن الخروج
Unknown page
2 - النظريات التاريخية للخروج
3 - جغرافية الخروج
4 - الأخطاء الكبرى في النظريات المطروحة
الباب الثالث: نظرية المؤلف لضبط جغرافية الخروج وتاريخها
1 - رعمسيس تلك المدينة اللغز!
2 - قناة سيزوستريس وهندسة المكان
3 - إحداثيات مواضع الخروج
الإهداء
مقدمة الطبعة الثانية
مقدمة الطبعة الأولى
Unknown page
توطئة
تمهيد تاريخي مع إعادة ترتيب جغرافية الخروج
الباب الأول: شعب التوراة
1 - التوراة وربها وشعبها
2 - «كل إسرائيل» أو مملكة إسرائيل الموحدة
الباب الثاني: مصر والتوراة
1 - قبل زمن الخروج
2 - النظريات التاريخية للخروج
3 - جغرافية الخروج
4 - الأخطاء الكبرى في النظريات المطروحة
Unknown page
الباب الثالث: نظرية المؤلف لضبط جغرافية الخروج وتاريخها
1 - رعمسيس تلك المدينة اللغز!
2 - قناة سيزوستريس وهندسة المكان
3 - إحداثيات مواضع الخروج
النبي موسى وآخر أيام تل العمارنة (الجزء الأول)
النبي موسى وآخر أيام تل العمارنة (الجزء الأول)
موسوعة تاريخية جغرافية إثنية دينية
تأليف
سيد القمني
الإهداء
Unknown page
على أوتار الحشا بين الجوانح والضلوع، تسكنينني يا حبيبتي، ذبت فيك حبا ووجدا، فأعطيتك عمري كله مهرا، وسكبت في أحشائك عصارة عقلي كلمات، أستزرعها في رحمك أجنة؛ كي تلدي للدنيا ابن العهد الآتي، وقربت إليك نفسي أضحية يا معشوقتي، يا أم الدنيا حقا وصدقا.
فلك يا مصر السلام وعليك السلام ... يوم تتفتح أزاهيرك مواليد ... صبايا يعرفن كيف يتكلمن لغة الحرية، وصبية يصوغون معجم مفردات النهار ... ويهزون معا جذوع المسلات لتساقط على صفحة الزمن علما وعدلا وحضارة ومدنية.
سيد القمني
مقدمة الطبعة الثانية
في هذه الطبعة الثانية من كتاب «النبي موسى وآخر أيام تل العمارنة»، سيجد القارئ تعديلات واسعة بالكتاب؛ فقد حذفنا أبوابا اكتشفنا أنها تثقل كاهل القارئ بمادة علمية كثيفة، ليست بذات تأثير جوهري على العمل نفسه وأهدافه، فاستبعدنا مثلا من الجزء الأول بابا كبيرا هو «التاريخ النبوي»، خاصة أنه كان شديد الجفاف والثقل، كذلك حذفنا جميع الملاحق المتعلقة بتاريخ مصر القديمة؛ لتخصصها الشديد، والمتخصصون أدرى بها وليسوا بحاجة إليها، أما القارئ غير المتخصص فهي بالنسبة له غير ذات جدوى كبيرة.
ثم قمنا بإعادة ترتيب الكتاب مرة أخرى، فدمجنا الجزء الرابع بالجزء الأول، مع تصويبات جديدة شتى متناثرة بالكتاب، نتج معظمها عن أخطاء الطابع في الطبعة الأولى، وبعضها ارتكبها المؤلف، خاصة ما كان يتعلق بإجراء عمليات حسابية لتزمين فترات معينة من التاريخ، كذلك أعدنا تغيير مواضع الأشكال والخرائط؛ ليكون تناولها أكثر يسرا، مع إدخال أشكال ولوحات جديدة من مواقع الأحداث، تدعم النظرية المطروحة في هذا الكتاب.
وكان لأخطاء الطابع دور في التباسات في عدة مواضع، خاصة مع تشابه الأسماء وتقاربها، سواء كانت أعلاما أو مواضع جغرافية؛ ولما كان البحث يعتمد التدقيق الشديد في هذه الأسماء، فإن خطأ واحدا كان كفيلا بضياع القارئ، وسط الحشد المعلوماتي الكثيف، وضياع الهدف والقصد، بل وربما جهد صفحات بكاملها. وكان يكفي أن يدون الطابع على خريطة شرقي الدلتا مثلا موضعا باسم هيروبوليس، فيكتبه الطابع هليوبوليس (لأنها الأشهر والمعتادة)، حتى يضيع القارئ، والمعنى والقصد جميعا؛ لأن هليوبوليس مكان وحكاية وتاريخ، يختلف تماما عن هيروبوليس، وهي مكان آخر وحكاية أخرى وتاريخ آخر، أو أن يكرر تسجيل اسم مقبرة حويا (حيث لوحات للفرعون إخناتون هامة، ولها دور هام في بحثنا) باسم مقبرة يويا، رغم أن مقبرة يويا غرفة صخرية، لم يدون بها شيء، لا لشيء إلا لأنه كان من محبي المصريات، وسمع أو قرأ كثيرا عن يويا فقرر تصويب الاسم، بقرار من عنده وأجره وثوابه على الله.
ونظرا لأن المؤلف هو واضع الخرائط بالكتاب، مستعينا بالخرائط المساحية القديمة، في مشقة لا يعرفها إلا من جربها، وليست خرائط منقولة عن مصادر أخرى، فإن الطابع بالطبعة الأولى، لم يراع الدقة في وضع العلامات والأعلام في أماكنها، مما كان بدوره مدعاة لخلط في الفهم. والمدهش أن بعض الناقلين عنا، أو بالأحرى السارقين تصوروا أن هذه خرائط متفق عليها، وموجودة في مصادر ما، فأخذوها أو سرقوها على علاتها في استسهال مضحك، غير مدركين أن إعادة رسم الحدود أو فروع الأنهار القديمة، ووضع المواضع القديمة في أماكنها على الخرائط، قد استدعى سفرا شاقا وتدقيقا وقياسا، ورجوعا إلى مراجع شتى ومصادر متضاربة، حتى إن دار المساحة المصرية أكلت من عرقي وشربت، إضافة إلى أسفار مضنية بفيافي سيناء ووادي عربة الأردني؛ لذلك فإن الخريطة الواحدة تكمن وراءها معاناة حقيقية وجهد جهيد، وليست مجرد خريطة مأخوذة من مصدر متفق عليه، بل وضعها المؤلف ورسمها ووضع عليها الأعلام القديمة، بعد أسفار إلى بلاد وبراري وأصقاع، وعمليات تدقيق أخذت من عمره عمرا. وكان تشتت المواضع الجغرافية في النصوص القديمة، مع تدخل الميول الإنسانية والأغراض السياسية والدينية في عملية التدوين، مع اتساع مساحة البحث الجغرافية والتاريخية، مدعاة دائما للسقوط في شراك وفخاخ؛ لذلك كان تدقيق المواضع الجغرافية، وإعادة ضبطها ضرورة لضبط التاريخ وخط سير الحملات، وحدود الدول والعلاقات الدولية وخط سير الهجرات، وهذا كله كان الخلفية التي كان يجب ضبطها لتنطق بما لم تنطق به من قبل عملنا هذا، كذلك كانت تلك الأسفار تثمر دائما ثروة عظيمة من الأدلة والقرائن على صدق أطروحة الكتاب، قمت بتسجيلها بالتصوير الفوتوغرافي قبل اكتشاف المنظومة الرقمية واختراع الكمبيوتر، لتنطق بصدق أطروحتي، وهي أسفار بدأت بشرقي الدلتا المصرية عبورا على سيناء مرتين، ثم وادي عربة جنوب الأردن ثم العراق في أقصى شماله، مع المعاناة التي لا بد أن يلقاها باحث مستقل في بلادنا، ليتلقفه الأمن من كل موطئ قدم؛ ليشرح عمله لرجل مخابرات أو أمن، هو أجهل أهل الأرض طرا وقاطبة، وفي بلاد هي أشد بلاد العالم بعدا عن العلم، وأكثرها قمعا وديكتاتورية، ويكفيني حتى اليوم أن أذكر سفري إلى العراق تحت حكم صدام، إبان الحصار الدولي، ليقشعر بدني مما عانيت هناك من أجل هذا الكتاب، كذلك المخابرات الأردنية على الحدود العراقية الأردنية، وحجم الإهانة الإنسانية التي لقيتها هناك، والصغار أمام صغار الأقزام من عسكر المخابرات، الذين هم علينا أسود وفي الوغى صياصي دجاج، بلا حول ولا قوة، مع العسكرية العمياء فهم صم بكم غلاظ شداد، ولا يكادون يفقهون قولا، رغم أني كنت لا أحمل قنابل، بل مجرد أدوية وأقلام وأوراق وكتب، وخرائط وكاميرات وبعض الملابس الضرورية ... ودمتم.
وقد تعرض هذا الكتاب لسوء الحظ مرتين: الأولى بعد جمع المادة العلمية اللازمة، وقبل بدء الكتابة، عندما وقع المؤلف صريع القلب، وتم إجراء جراحة له في كليفلاند بولاية أوهايو بأمريكا. والمرة الثانية عند طباعة الكتاب، عندما اضطر المؤلف لإجراء جراحة دقيقة بجذع المخ، سامح الله الدكتور أحمد حلقة، فمن يومها وأنا في معاناة دائمة لا تتوقف، وقمت بمراجعة بروفات الطابع بالمستشفى، وأنا بين الوعي والغيبوبة، ففات علي الكثير من أخطاء، احتاجت التصويب في هذه الطبعة الثانية. وهنا لا أدعي مطلقا أن هذه الطبعة، ستكون خلوا من أخطاء محتملة، في تزمينات التأريخ أو الأخطاء الطباعية، إنما ما أقول هو أن هذا أقصى جهدي في ظرفي الصحي الحالي، وإذا وجدت بعض الأخطاء الطباعية، فلن تفوت على القارئ الفطن، أو حتى لو وجدت أخطاء في متن الموضوع، فإن هناك من النقاد المحترمين من يمكنه، أن يصلح الشأن والتصويب دوما.
وبمناسبة النقد والنقاد، فقد تعرض لهذا الكتاب طرفان، كان أعلاهما صوتا هو من عمد إلى التشويه والافتراء والدس والوقيعة، ولا أدعي أني أعلم لماذا؟ وقد زعم بعض هؤلاء أن كتابي يؤسس لإسرائيل في تاريخ مصر، وأيضا لا أعرف كيف؟ فالكتاب بين يدي القارئ، لا علاقة له بكل المفاهيم الأيديولوجية، والمواقف المسبقة بالمرة، ولا يسعى لغير العلم وحده، ولا يعمل بغير قواعد البحث العلمي وحده، حتى إن بعضهم وهو يعرض اتهاماته ضد الكتاب، وضع في ثنايا عرضه لوحات مصرية مدمجة بالرؤى الإسرائيلية، مثل لوحة لرمسيس الثاني، وعليها نجمة داود أو الشمعدان (لا أذكر)؛ ليوعز إلى القارئ أنها لوحة في كتابي، لاتخاذ موقف نفسي مسبق منه، رغم أنه خلو منها، ورغم أني لم أعرف هذه اللوحات المزيفة، إلا في مقالات الأستاذ الناقد، ورغم أني لا أرى في كتابي أن رمسيس الثاني، هو فرعون الاضطهاد أو الخروج، كما ترى بعض المدارس البحثية الإسرائيلية وغيرها من المدارس، بل ذهبت مذهبا مغايرا بالمرة. والكتاب بطبعتيه الأولى والثانية بين يدي القارئ، ليرى إلى أي منحدر، وإلى أي تسفل خبيث، وصل مناخنا الثقافي منذ صحوتهم الإسلامية، التي حولتهم إلى أشرار حقيقيين، عن عمد واختيار إرادي وواع.
Unknown page
وعلى نفس الخط أخذ أحد أساتذة التاريخ المصري القديم على عاتقه، شن حملة على الكتاب متهما إياه أنه يشوه تاريخ مصر، ووقف إلى جواره بعض محبي المصريات، انطلاقا من تقدسيهم الفرعون إخناتون، بحسبانه أول الموحدين في التاريخ، وأن كتابي يكشف أنه لم يكن كذلك حقا، وأن على إخناتون مآخذ أخلاقية كثيرة، بمقاييسنا الأخلاقية اليوم، وأنه ارتكب في سبيل دروشته الدينية وتعصبه وتطرفه، أول لون من الاضطهاد الديني الواسع النطاق في مصر، التي عاشت زمنها السابق له في حرية دينية شبه مطلقة، وأن تلك الحرية على مستوى الضمير والفكر، كانت السبب وراء إبداعاتها العبقرية، رغم مركزيتها الصارمة على مستوى الإدارة، فكان إخناتون أول متعصب طائفي قوي في تاريخ مصر، قضى على التعددية العقدية والحريات، لصالح ربه آتون وحده، مما أدى إلى تردي أحوال إمبراطوريته، وعودة مصر إلى الانكماش داخل حدودها، نتيجة قراراته اللاهوتية وفاشيته الطائفية.
لكن الكثير من محبي المصريات في بلادنا، يعاملون إخناتون بذوق إسلامي، بحسبان التوحيد أرقى القمم العقدية، التي يريدون كسبها لمصر قبل الآخرين، وأنها كانت سباقة في كل شأن وأمر، حتى في فكرة التوحيد العزيزة إسلاميا، ومن ثم يكون أي كشف موضوعي بشأن إخناتون، هو إهانة لمصر وتشويها لتاريخها، يصب في مصلحة العدو الصهيوني الإمبريالي الإسرائيلي الأمريكي الطاغوتي ... إلخ (؟!).
ويجمع بين الموقفين أن أحدهما اتهامي، يشكك في الولاء للوطن وتاريخه، والآخر شتام تخويني وطنيا ودينيا، يعتمد على استثارة الغرائز الدينية والعنصرية؛ ولأن كتابي ليس فيه ما يدعم أيا من الموقفين، فلم أجد سببا موضوعيا لكل تلك الهجمة الشرسة سوى السبب النفسي؛ لأنه رغم أن الوصايا التوراتية كانت توصي: لا تشته امرأة جارك ولا بيته ولا حقله ولا حماره. فإنها لم تلتفت إلى أن هناك من يشتهي الملكات والقدرات والجهد، وهو مما لا يمكن اكتسابه إلا بالكد والعنت والمشقة والتفاني، وأخذ النفس بالشدة والقسوة، وهم لا يريدون أن يبذلوا جهدا مماثلا، ومع العجز تبدأ الكراهية، ومع الكراهية تبدأ حملات التشويه، وليس بيدي سبب آخر، أبرر به تلك المواقف غير هذا.
أما الصوت الذي لم يجد سبيله إلى السماع، بعد أن ضاع بين صخب تلك الأصوات، فهو الصوت الموضوعي المحترم، الذي أعطى الكتاب حقه إيجابا أو سلبا، ولأصحاب هذا الصوت أسجل خالص تقديري وامتناني واحترامي، سواء من اتفق معي أو من اختلف.
ومن المفيد هنا إشراك القارئ معنا في بعض الملحوظات الهامة، أولها أنه إذا كان كتابنا هذا كتابا في فلسفة التاريخ وتاريخ الاجتماع الديني، فإن معتمده ومرجعه هو معطيات علم التاريخ عند أهل الاختصاص، وإليهم المرجع وعليهم المعتمد، لكن تلك المعطيات كما سيرى قارئنا، تعاني من خلل شديد يعتورها باستمرار، فلن تجد اتفاقا واضحا بين الأسماء والأعلام من مؤرخين وآثاريين، على تزمين أثر بعينه ولا على تفسيره، أو حتى ضبط قراءته فونيطيقيا، كما ستجد هذا التضارب واسعا، عندما يتعلق الأمر بتاريخ قيام دولة قديمة وانهيارها، وتزمينات هذا القيام والانهيار، وسني حكم الملوك والمواقع العسكرية. وإلى جوار تلك المصادر المصدر الثاني لبحثنا، هو العهد القديم من الكتاب المقدس، الذي يعاني بدوره كثيرا من المغالاة والأسطرة والتضارب بين المحررين في أحيان كثيرة، مما احتاج على المستويين إعادة ترتيب وجهد وصبر وجلد ومشقة، وهي في حد ذاتها كانت طموحا مستحيلا في بداية البحث، لكننا أصررنا عليه، وحملت فيها عن القارئ عبئا عظيما، لكنني أشركت القارئ معي في ذلك ليلمس بنفسه وعثاء الطريق، ويشاركني عملية التحري والمباحثية، ووضع التوقعات بناء على الشواهد والمعطيات، إزاء الحدث أو النص التاريخي، ليجمع معي القارئ الإشارات والدلائل والقرائن، من الأبسط إلى الأعقد ومن الأهون إلى الأشق، ليكشف معي بالتدريج خيوط الحل، التي تنكشف جميعا في الجزء الثالث والأخير من العمل، وتفصح الرموز عن محتواها الصريح، وكيف يمكن لكلمات الماضي، أن تتحاور معا، وأن تتحاور معنا اليوم، أو أن تفرز مقارنة اللفظة المصرية القديمة بلفظة عربية معجمية، عن سياق طويل عريض من الروابط والمعاني والنتائج، زمنا ومكانا وبيئة، لنعيش معها زمانها، فنرى الجغرافيا ومناهج التفكير وطرق المواصلات والهجرات، نعيشه كما كان زمن الحدث ... قدر الإمكان.
لذلك السبب سيبدو لقارئنا، أني أورد نصوصا كثيرة وكثيفة، ربما يظنها بعيدة عن الموضوع، وصعبة التذكر، لكنه مطالب معي بهذا الجهد القليل؛ لأن لكل كلمة دورها الذي تؤديه في هذا العمل، وعليه أن يتابع بدقة تلك النصوص، وقد عمدت إلى كتابة بعض الكلمات بالبنط الأسود، زيادة في التأكيد على دورها ودلالتها ودعمها للبحث، وللتنبيه ليتم تذكرها فهما لما هو آت بعدها.
ومع مثل هذه المساحة الجغرافية الشاسعة والتاريخية، وما لحقها من أحداث وهجرات وأشكال مجتمعية، كان من المستحيل اتخاذ منهج تاريخي خطي واحد، يبدأ من نقطة لينتهي إلى نقطة نهائية، ومن هنا اتخذ بحثنا شكل شبكة عنكبوتية، لها مركزها وطرقها ووصلاتها في حركة ذاهبة آيبة بين المركز والوسط والأطراف، عبورا على متشابكات في الطريق بينهما تتوازى وتتقاطع، وهو المنهج الذي فرضه موضوع البحث، وراعينا فيه تقديم الجرعات المعلوماتية على التدرج، فلا تسبق معلومة أخرى إلا بحسب مكانها في السياق، بحيث تتكامل الشبكة في النهاية، وهو منهج استنباط رياضي بالأساس يحدد المشكلة، ويضع لها فروض الحل، ثم يلجأ إلى العمل الافتراضي، إذا تطلب ذلك، ثم البرهان بالوثائق والبيانات؛ لذلك يحتاج بعض الصبر من القارئ، بعد أن عبدنا له الطريق، ولم نضع له معلومة قبل الأخرى، حتى لا يفاجأ بما لم يكن يعلم، وكان ذلك بالنسبة للمؤلف هو العسر ذاته، وقطعة من عذاب المشقة، في تباديل وتوافيق انتقل فيها موضوع قبل الآخر، ونقلت فيه معلومة من فصل إلى آخر؛ مما اضطر المؤلف إلى كتابة الفصل الواحد أكثر من مرة، وإعادة كتابة الكتاب كله أكثر من مرة.
ويجدر هنا التنويه بأن هناك مصادر أساسية، إضافة إلى المصادر التاريخية والآثارية والكتاب المقدس، اعتمدناها مصادر أساسية في كثير من فصوله، مثل كتاب «آلهة مصر العربية»، للعالم الليبي علي فهمي خشيم، رغم اختلافنا الجوهري مع أطروحته الشاملة لهذا الكتاب وغيره، بل اختلافنا التام معه، لكن جهده الذي استفدنا منه يستحق الإشارة هنا، والإشادة به كمصدر ثري لهذا العمل، هذا إضافة إلى أعمال إيمانويل فيلكوفسكي، وأعمال أحمد عثمان وسيجموند فرويد.
ولا يفوتني أن أشكر صديقي الدكتور محمد سميح عيد الذي عكف على مراجعة هذه الطبعة، وقام بتصويب كثير من حسابات التزمين الواردة بالطبعة الأولى، كذلك كان له ملحوظاته المفيدة، التي سجلتها له في الهامش في مكانها من هذا البحث.
سيد القمني
Unknown page
مدينة العاشر، في 5 / 10 / 2010م، مصر
مقدمة الطبعة الأولى
هذا العمل الذي بين يديك الآن، هو خلاصة جهد استمر عشر سنوات أو يزيد، بدأ العمل فيه عام 1987م، وتوقف أكثر من مرة، لكن مجموع تلك الوقفات لم يزد بحال عن مدة سنتين أنجزت خلالها كتاب حروب دولة الرسول، وكتاب إسرائيل، وكتاب رب الزمان، ولم يستغرق أي من هذه الأعمال سوى بضعة شهور، كنت أعود بعدها إلى موسى مرة أخرى، بعد أن تتراكم مادة علمية جديدة، تدفعنا إلى البدء من البداية مرة أخرى، مرات كانت تصل بنا الفروض إلى طرق مغلقة، فنعود نضع فرضا جديدا، لنلهث وراء ما يدعمه شهورا لنكتشف مرة أخرى، أننا دخلنا متاهة، فنعود نضع علامات على الطريق المحتمل، لكن لنكتشف خللا جديدا، وفي كل مرة كان رجال علم التاريخ وراء تلك المشقة التي كادت تصبح مكابدة لا تنتهي. وما أكثر تناقضات أهل التاريخ، التي تصل أحيانا إلى حد التضارب الكامل إزاء الموضوع الواحد، ومن ثم يصبح من الرعونة بمكان، إقامة أي بناء علمي على أسس تاريخية، دون فحص دقيق ومراجعة تامة لتلك الأسس، وضبطها ضبطا كاملا، وإلا وصل الباحث إلى نتائج شديدة الضلال والبطلان؛ لأن أسس التاريخ نفسه كعلم وهي مادته، يختلف بشأنها أصحاب هذا العلم، بحيث لا يمكنك القطع في أي لحظة مع علم التاريخ، أن ما تقرؤه حقيقة وقعت في الزمن المنسوبة إليه أم بناء افتراضي؟ وما هي مساحة الصدق التاريخي فيه، وما هي المساحة التي سمح المؤرخ بها لنفسه بالتدخل في الوقائع وإعادة بنائها تصوريا؟ ناهيك عن بعض المؤرخين ذوي الأسماء الكبيرة - كما سنرى في بحثنا - قد قاموا بتفسير النص التاريخي على هوى البناء الذي يريدون، بل وصل ببعضهم حد التساهل - وهي كلمة سهلة - إلى حد أنه لم يجد بأسا في إبدال لفظة بلفظة أخرى، تناسب مراده في النص التاريخي الأصلي.
أضرب لك مثلا بسيطا للتوضيح، رأى أحد المؤرخين بحساباته أن الإسرائيليين، كانوا موجودين في مصر زمن رعمسيس الثاني، ووجد نصا من زمن رمسيس الثاني يتحدث عن العابيرو، الذين ينقلون الأحجار لبناء «معبد الشمس الذي توجهت إليه عناية شمس البلاد رمسيس الثاني»، هنا وببساطة يقوم السيد المؤرخ بترجمة العابيرو إلى «الإسرائيليين»، رغم أن الخلاف حول: من هم العابيرو؟ وهل هم العبريون؟ بل وهل العبريون هم فعلا بنو إسرائيل؟ مشاكل لم تحل بعد، وتتضارب بشأنها مدارس المؤرخين شتى.
ومع ذلك وضع الرجل نظريته في خروج الإسرائيليين من مصر على مثل تلك الفروض المختلف عليها.
مثال آخر: يختلف أصحاب علم المصريات الكبار، حول تعيين موضع مدينة كبرى أنشأها الفرعون، عاشق المعمار رعمسيس الثاني باسمه «رعمسيس»، وتعود أهمية هذه المدينة، لكونها المدينة التي ذكرتها التوراة كمدينة للاضطهاد الإسرائيلي في مصر، عندما تم تسخيرهم في بنائها، وكلما تم العثور في حفائر مصرية على أثر باسم رعمسيس الثاني، قام أصحابه يهللون: لقد وجدنا مدينة رعمسيس المفقودة؟! الكارثة تبدأ عندما تحاول أن تعتمد مصادر التاريخ لبحثك في ميدانك الجديد، فمن الطبيعي أن تكون ضمن المطاليب المعرفية، لقارئ كتاب بعنوان النبي موسى، معارف من قبيل: أين تم استعباد الإسرائيليين بمصر؟ هنا يقف عالم عظيم مثل «السير آلن هنري جاردنر»، ليقول لك: إن مدينة رعمسيس هي الفرما الآن على البحر المتوسط شرقي بورسعيد الحالية. ليردف عالم حجة في المصريات هو «بيير مونتييه» ليقول لك: إن مدينة رعمسيس هي «صان الحجر» الآن جنوبي بحيرة المنزلة. لكن ليقف عالم المصريات «محمود حمزة»، معلنا كشفه لآثار كبرى لرعمسيس الثاني، في مدينة قنتير قرب فاقوس بالشرقية، وأن هنا تقع مدينة رعمسيس، ويذهب رابع إلى تل رطابة بوادي طميلات، وخامس إلى مدينة المسخوطة، وسادس إلى صفط الحنة، وسابع ...
هذا بشأن مدينة واحدة فقط اسمها رعمسيس (!) وأين تقع؟ فهل بعد ذلك يصر باحث ليس فقط على العثور على مدينة رعمسيس، بل وعلى تحديد مواضع المدن التي ذكرتها التوراة مجاورة لها؟ نعم لقد أصررنا وأظننا نجحنا، لكن بعد إعادة قراءة شاملة لتاريخ مصر في علاقاتها بجيرانها، «أعادت تنظيم التاريخ مرة أخرى، وفق نظرية جديدة» هي التي يقوم عليها هذا العمل جميعه، واعتبرناها عمودا تأسيسيا ننطلق منه لبحث موضوع النبي موسى على أرض تاريخية أقرب إلى واقع أحداث زمانها، ولحظة وصلنا إلى أسس نظريتنا، لم نفعل بعد ذلك شيئا، سوى سحب طرف الخيط، الذي أصبح مستقيما سهلا، بعد أن كان شرنقة من الخيوط المتشابكة، وقد استغرق هذا التأسيس الجزء الثاني بكامله، لكنه التأسيس الخراساني للعمل كله.
وكان هذا التأسيس بهدف إعادة ترتيب للمادة التاريخية المتضاربة، وإعادة صياغتها من جديد، وفق كشوف جديدة تماما.
لذلك أعتبر من جانبي شخصيا، أن التأسيس هو المعبر الصادق والحقيقي، على مدى ما بذل في هذا الكتاب من جهد.
والنموذج الصارخ بصدد تضارب علم التاريخ، أنك ستجد بشأن الهكسوس الذين احتلوا مصر القديمة في نهاية الدولة الوسطى رأيين أبدا لا يلتقيان، فهناك فريق يأتي بهم من جزيرة العرب (السعودية الحالية واليمن)، وفريق آخر يأتي بهم من البراري والسهوب الآسيوية الوسطى، وهو ما يعني مفارقة كبرى؛ لأن سكان جزيرة العرب ساميون وسكان براري آسيا عند قزوين وأرارات من الجنس الهندوآري، وهو أيضا ما يعني أنه لم يتم حتى الآن الاتفاق حول جنس الهكسوس، والمشكلة تظهر عندما تريد تحقيق حدث يتعلق ببني إسرائيل، زمن الهكسوس، هنا لن تتمكن من بناء بحثي سليم، إلا بعد تحديد هوية العنصر الهكسوسي، لما بين الشعبين الهكسوسي والإسرائيلي من وشائج اتصال، كان أول من أشار إليها المؤرخ الكلاسيكي يوسفيوس فلافيوس.
Unknown page
أو أن تبحث عن موقع دولة كبيرة، كانت على علاقة وثيقة بمصر القديمة، زمن الأحداث التي سنتناولها هي بلاد ميتاني ، فتكتشف أنه قد تم وضع هذه الدولة في المساحة الواقعة بين الفرات والخابور، بأعالي الفرات شمالي الشام وشرقي تركيا (افتراضا)، لكن لتكتشف أن هذا المكان كانت تشغله في ذات الفترة الزمنية دولة الآشوريين؟! وتعود تدقق فتكتشف أن ذلك الموضع الجغرافي، الذي تم تحديده لبلاد ميتاني، ليس فيه أية أدلة قاطعة أو حتى مقبولة، لوضع تلك الدولة هناك! نعم إلى هذا الحد يصل التساهل بعلماء التاريخ القديم.
أو تبحث وراء العنصر الآرامي الذي قطن براري الشام وبواديه شرقي مصر، لكن لتكتشف أنه كان عنصرا أصيلا في البلاد، التي أطلق عليها المصريون القدماء بلاد بونت أرض الإله المقدسة، وبينما انتهى معظم المؤرخين إلى وضع بلاد بونت على الساحل الأفريقي الشرقي عند الصومال، تجد إشارات ونصوصا أخرى هامة وكثيرة لا يمكن تفسيرها، بوضع بلاد بونت عند الصومال، وإلا نكون قد أهملنا دلائل وإشارات أخرى، تذهب بنا إلى مواضع جغرافية مخالفة تماما، لما استقر عليه رأي هؤلاء المؤرخين.
وهي المشكلة التي عشت معها فترة، عندما كنت أبحث وراء العنصرين الهكسوسي والإسرائيلي، لأنتهي من البحث الذي طال بما فاق كل توقعاتي، إلى رؤية جديدة ومخالفة تماما، تدخل في باب الكشوف المدعمة بالبراهين والقرائن بنصوص آثارية ولوحات أركيولوجية، وهي الرؤية التي أصبحت العمود الأساسي لعملي هذا، حيث أمكننا العثور على أطراف خيوط مبعثرة، التأمت جميعا في موطن واحد، تجمعت فيه عناصر التاريخ والجغرافيا معا.
أو نقرأ في نصوص الرافدين عن بلاد باسم «موصري»، ونبحث وراء علماء التاريخ فيقولون لك: إنها إما تقع في أعالي الرافدين في الموضع نفسه، الذي تم تحديده لبلاد ميتاني (!!) أو في منطقة العقبة وشرقي سيناء، هكذا! ولك أن تختار أو تحتار بين موقعين متباعدين تماما لبلاد «موصري»، وهو الشأن الذي ستعيش فيه معي في تفاصيل من المتعة المعرفية الحقة، فالتاريخ رغم كل ما يعتوره، هو مساحة مغامرة علمية، لها ذائقة من نوع شديد الخصوصية، في المتعة الذهنية والتفرد.
أو أن تبحث وراء جنس أطلقت عليه التوراة الجنس الكوشي (أي الزنجي)، والمعلوم أن موطنه أفريقيا السوداء، لكن لتجد التوراة تحدثنا عن كوشيين يهاجمون فلسطين من الجنوب زمن المملكة اليهوذية، فيضع المؤرخون تفسيراتهم فيما لا يزيد عن سطرين عند كل منهم، البعض يرفض روايات التوراة تماما بهذا الخصوص، فكيف يهاجم الأفارقة الزنوج فلسطين طوال الوقت، كما لو كانوا جيرانهم؟ بعض آخر فسر ذلك بأن المقصود هم المصريون؛ لأنهم من أبناء حام، ومن أبناء حام كان كوش أبو الزنج الكوشيين، وذلك حسب شجرة الأنساب التوراتية، لكن يبقى السؤال البسيط الساذج: إن التوراة طوال الوقت تتحدث عن المصريين باسمهم، فلماذا أسمتهم هنا باسم الكوشيين؟! لذلك لا يقنع فريق ثالث بهذه النتائج، ويرى أن المقصود بالكوشيين هم المصريون فعلا، لكن في زمن حكم الأسرة السوداء الكوشية، وهي من الأسر الأخيرة لمصر القديمة، وهنا يبرز فريق رابع ليقول: ليس المقصود بالكوشيين في التوراة دائما هو العنصر الزنجي؛ لأنه ربما كان يشير إلى العنصر الكشي أو الكاسي، الذي احتل بلاد الرافدين قادما من السهوب الآرية الشمالية، في ذات الزمن الذي احتل فيه الهكسوس مصر، ومرة أخرى لك أن تختار، ومع كل اختيار لا يمكنك أن تتأكد من سلامة مقدماتك، لتمضي في استنباطاتك وأنت مطمئن، وكل هذه الحالات التي نشير إليها كانت عاملا مشتركا، في موضوع الإسرائيليين وعلاقتهم بمصر، وهنا لا بد أن ينال موضوعك حجما من التضارب، وتصل بك النتائج إلى درجة من التناقض، تتناسب مع اختياراتك من مجموع المتناقضات التاريخية، ويبقى لديك سؤال لم يجبك عليه أهل التاريخ: وعلى أي الأسس يتم الاختيار، وفي هذه الحال يطرح السؤال نفسه: وهل بذلك نبني علما؟
ثم إليك ما هو أنكى وأشد، في مثال فصيح واضح، حول موعد خروج بني إسرائيل من مصر، وحتى لا نطيل عليك هنا، سنضرب لك مثالا برأي مدرسة واحدة فقط، هي التي سادت واستقرت نهائيا، في زعم علماء التاريخ حول مسألة الخروج، وهي المدرسة التي تعتمد على ذكر كلمة إسرائيل في لوح مرنبتاح ابن رمسيس الثاني لأول مرة، وربما لآخر مرة في التاريخ المصري، ليقولوا إن الإسرائيليين قد سيموا السخرة والعذاب زمن رمسيس الثاني، وخرجوا من مصر زمن ولده مرنبتاح، الذي حكم حوالي 1224-1214ق.م. خلال الأسرة التاسعة عشرة.
المشكلة تظهر عندما نبدأ في رصد وجود الإسرائيليين في فلسطين، ولما كانت التوراة تطلق عليهم أحيانا اسم العبريين، فإن التضارب يبدأ صارخا عندما يعرضون لنا، محتويات مكتبة تل العمارنة عاصمة الفرعون إخناتون، وأغلبها كان رسائل قادمة من ولاة مصر على أراضي الإمبراطورية المصرية في الشام، والتي دونت صرخات استغاثة من هؤلاء الولاة بالفرعون، لحماية أراضي مصر في بلاد الشام، من هجوم شعب جاء اسمه على مختلف التنغيمات «العابيرو، الخابيرو، الهبرو، الهابيري، الخابيري، خبر، الأبيري، العابيري الهبيرو ... إلخ.» فإذا كان الإسرائيليون هم العبيرو (العبريين)، وأنهم خرجوا من مصر زمن مرنبتاح 1224-1214ق.م. وقد حددت رسائل العمارنة تاريخ ذلك الهجوم العبري على فلسطين، بزمن أمنحتب الثالث 1405-1367ق.م. وولده إخناتون 1367-1350ق.م. أي كانوا يهاجمون حدود فلسطين في زمن أمنحتب الثالث، وقبل أن يخرجوا من مصر زمن مرنبتاح 1224-1214ق.م. أي قبل الموعد المقرر تاريخيا لخروجهم بحوالي 170 عاما بالتمام والكمال؟
ونحن نعلم أن القائد الإسرائيلي للخروج بعد موسى المعروف باسم يشوع، أول ما هاجم في فلسطين «غربي الأردن» عندما عبر نهر الأردن، وهاجم مدينة أريحا ودمرها تدميرا شاملا، لكن البحث الأركيولوجي قد أثبت أن أريحا، قد تم تدميرها فعلا، لكن قبل الزمن المحدد في هذه النظرية للخروج بما يزيد عن 150 عاما!
لحل الإشكال لجأ المؤرخون بكل رصانة إلى استبعاد، أن يكون العابيرو هم العبريين التوراتيين، إنما هو اسم مشابه، حملته فئات من شذاذ البدو وقطاع الطرق، ولا يجب ربط تلك الإشارات التاريخية عن العابيرو، بمسألة بني إسرائيل والخروج، وهي النظرية المعتمدة أكاديميا في أقسام التاريخ القديم بجامعات العالم حتى اليوم.
نموذج آخر وما أكثرها النماذج في علم التاريخ! نوضحه بالقول إننا لو حتى أخذنا برأي مدارس أخرى، توارت بعد ظهور واستتباب الأمر لنظرية الخروج زمن مرنبتاح؛ سنجدها تضع الخروج في مساحة تتأرجح بين ثلاثة قرون كاملة، تبدأ بزمن الفرعونة حتشبسوت 1490-1468ق.م. وتنتهي بزمن مرنبتاح 1224-1214ق.م.
Unknown page
ومشكلة أخرى تظهر عندما تبدأ في علاج علاقة الإسرائيليين بالفلسطينيين، فعلم التاريخ الرصين يؤكد لنا أن شعبا جديدا باسم البلست أو البلستي، جاء بسفنه البحرية المسلحة من الجزر اليونانية يهاجم مصر، زمن رمسيس الثالث 1182-1151ق.م. لكننا نجد هذا الشعب في ذات الزمن، يقيم على سواحل فلسطين! والحل ببساطة عند أهل التاريخ، أنه بعد أن هزمهم رمسيس الثالث سمح لهم بالإقامة على سواحل كنعان، التي كانت تابعة لمصر حينذاك، ومن ثم أعطوها اسمهم فأصبحت فلسطين؟! هكذا بكل يسر وسهولة تم حل المشكلة! لكن الصارخ في المسألة أن الإسرائيليين - حسب الكتاب المقدس - عندما خرجوا من مصر كان الفلسطينيون مستقرين في ممالك كبرى، وهذا قبل أن يصلوها زمن رمسيس الثالث (؟!) بحسبان الخروج قد تم زمن مرنبتاح ابن رمسيس الثاني، أو ربما قبله في مدارس أخرى؟
والأكثر إدهاشا أن نجد التوراة نفسها، تأتي بالقبيلة العبرية في تاريخها القديم من «أور الكلدانيين» - قبل دخول مصر والخروج منها بزمان - إلى أرض كنعان كقبيلة هامشية غريبة على البلاد، وتصف التوراة هذه البلاد بأنها «أرض الفلسطينيين» قبل وصول الفلسطينيين إليها، زمن رمسيس الثالث بحوالي خمسة قرون كاملة حسبما يقرر أهل التاريخ؟!
المصيبة هنا أن «كل هذه المتضاربات الصارخة، التي ضربناها مثلا كانت خلال الفترة الزمنية، وفي المساحة الجغرافية التي يعالجها كتابنا هذا». ومن هنا كان لا بد من إعادة قراءة ذلك الرتل المختل مرة أخرى، قراءة تضبط أحداثه وفق منهج علمي صارم ودقيق، وإذا وجد القارئ بعض التضارب أحيانا في المادة التاريخية، فله أن يستميح لي العذر، وأنني قد حملت عنه عبء إعادة الترتيب والضبط، ويبقى كتابي هذا شاهدا على مدى تساهل أهل التاريخ، ومدى قيمة ما يتم تدريسه في جامعاتنا، بل وفي جامعات العالم دون الشعور بأي خلل.
هذا ما كان عن المصدر الأول لهذا العمل، أما المصدر الثاني والذي لا يقل أهمية وخطورة، فهو الكتاب المقدس
Bibel
العهد القديم، المصطلح على تسميته بالتوراة (تجاوزا)؛ لأن التوراة لا تشكل فيه غير الأسفار الخمسة الأولى فقط، وبعضهم يضيف إليها السفر السادس «يشوع»، وهنا سنستخدم الكلمات الثلاث على التبادل: العهد القديم/التوراة/الكتاب المقدس، في هذا العمل، للدلالة على ذلك الكتاب الهائل والضخم، وهو إضافة إلى كونه كان كتابا مقدسا لدين بعينه، فإنه أيضا عمل أدبي رائع لأساليب تعبير ذلك الزمان، إضافة إلى - وهنا الأهم - «أنه كتاب في التاريخ في المقام الأول»، وكتابنا هذا يثبت لك مدى صدق هذا التقرير «أن العهد القديم كتاب في التاريخ»، بل إن هذا الكتاب عندما تعاملنا معه، ألقى أضواء على مناطق كانت شديدة الظلمة في تاريخ المنطقة القديم، وملأ فراغات وثقوبا في علم التاريخ، لكن المشكلة أنك عند التعامل مع هذا المصدر، ستواجه متاعب أخرى ومن نوع آخر، فليس هناك أولا إجماع على قيمة التوراة كوثيقة تاريخية؛ لما شابها على أيدي المحررين من نزوات ومبالغات وحشو وإضافات وأساطير تغشت كل أسفارها، بحيث أصبح علينا أن نثبت مدى الصدق ومدى الباطل ومواضعهما في التوراة عند المعالجة، كي نطمئن إلى ما بقي بأيدينا من هذا المأثور الهائل، يمكن أن يكون واقعة تاريخية، فالوثيقة التوراتية تحمل بصمات التاريخ، يمتد بزمن كتابتها الذي استغرق حوالي 1500 سنة متصلة، تعرضت أثناءها للمعالجة وإعادة التحرير عدة مرات من محررين أغلبهم مجهول، لكنها من جانب آخر تشكل حقلا رائعا وثريا، لمن يريد إعمال المنهج العلمي للخروج منها، بما يمكن تسميته حقائق تاريخية.
لذلك مهدنا لعملنا بالجزء الأول المعنون ب «تمهيد تاريخي»، بعرض أهم أدوات وأساليب التعامل مع هذا المأثور، بحيث يمكننا بعد العرض النقدي، تقديم شهاداته كشهادات تاريخية، ونحن أكثر اطمئنانا لتلك الشهادات، لكن ضمن ذلك المأثور تقع مجموعة من الأساطير، احتاجت منا تضفير تفسيرها وفض دلالاتها، ومعرفة الغرض من وراء دسها وسط السرد التاريخي ضمن مجموع العمل، ومحاولة فهم ما حدث بعيدا عن منطق الأسطورة والمعجزة، فحاولنا العثور على إجابات واضحة لمسألة العصا الثعبانية، وفلق البحر، والعليقة المشتعلة بنار لا تحرق، هذا إضافة إلى أسئلة أخرى تأسيسية، حاولنا الإجابة عليها وهي: لماذا يتمسك اليهود بلحظتين تاريخيتين أساسيتين، كلتاهما تتعلق بمصر تحديدا؛ لحظة العهد مع الله بالختان، والختان شرعة مصرية أساسا، ولحظة عبور البحر من مصر إلى سيناء، وهو ما يجرنا إلى مناقشة كل لحظة تماس في علاقة الشعب الإسرائيلي بمصر، منذ نزول إبراهيم إليها ومن بعده يوسف والأسباط، حتى ميلاد موسى وخروجهم منها، حسبما وردنا من روايات التوراة، أما الأهم فهو أين كان العرب من كل تلك الأحداث؟
أما «موسى» فهو المبحث الأول والغرض النهائي، ويشكل البحث وراءه الجزء الثالث والجزء الرابع في هذا العمل، لكن ما يجب هنا التأكيد عليه وإعلانه واضحا، أنه رغم وجود بعض أوجه الشبه في تفاصيل قصة موسى بين التوراة والقرآن، فإن أوجه الخلاف بدورها كبيرة، سواء في الرؤية العامة لمفهوم الألوهية أو النبوة، مع خلافات أساسية حول بعض التفاصيل والدقائق، وهو ما يجعل من موسى التوراتي شخصا آخر، يختلف اختلافا بينا وحادا عن موسى القرآني، ومن هنا نقول بل ونعلن أن بحثنا هذا، يتناول شخص النبي موسى كما ورد بالتوراة وبقية العهد القديم فقط، «ولا علاقة لبحثنا بشخص النبي الجليل موسى الكليم عليه أفضل الصلوات وأزكى السلام»، لا من بعيد ولا من قريب، وإذا وجد القارئ متناثرات نادرة عن النبي موسى كما هو في الإسلام، فإن ذلك قد جاء على سبيل الاستضاءة ليس إلا، ولا يعني أننا نتحدث عن موسى كما هو في الإسلام.
توطئة
لعل هذا التنويه جدير بذكاء قارئنا، الذي لا ريب يعلم ما تعرضنا له مؤخرا، من إرهاب فكري ومصادرة لكتابنا رب الزمان، والذي صحبته رحلة قاسية بين أروقة المباحث المصرية ونيابة أمن الدولة، والقضاء ورهاب قفص الاتهام، واحتمالات الاعتقال أو القتل. ورغم أن العقبى كانت لنا بعد معركة فكرية، أصررنا فيها على عدم التراجع عن كلمة قلناها، لا بالتصريح ولا بالتلميح ولا بالتأويل، فإن المناخ السائد في مصر الآن، الذي يشبه من جوانب كثيرة «طالبان الأفغانية»، يفرض علينا ذلك التنويه وهذا التنبيه الواضح الفصيح، أكرر لا علاقة البتة بين دراستنا هنا حول موسى التوراتي، وبين النبي موسى كما جاء في الإسلام، بل قصدنا بالعمد قصدا قصر الدراسة على موسى التوراتي، بفرض أنه كان شخصا حقيقيا تاريخيا وليس مجرد أسطورة، «لنرى إلى أين يمكن أن يصل بنا البحث، حسب معطيات التوراة وعلوم التاريخ».
Unknown page
ومن الجدير بالذكر أنه أثناء بحثنا في النبي موسى، قد اكتشفنا الإجابة على بعض التساؤلات، التي سبق وطرحناها في كتابنا «النبي إبراهيم والتاريخ المجهول»، وكنا قد طرحنا بعض الحلول العجلى في كتاب النبي إبراهيم، ثبت لنا الآن أنا كنا فيها مخطئين، وهو كتاب مضى عليه أكثر من ثلاثين عاما، وصل بعدها الكاتب إلى النضوج الراشد، خاصة ما تعلق منها بكتاب «إبراهيم» بتفسير التواجد الثقافي المصري القديم في جزيرة العرب، وهو ما ألجأنا في كتاب النبي إبراهيم، إلى افتراض هجرة مصرية إلى جزيرة العرب، تركت هذه المؤثرات، لكنا الآن نذهب مذهبا آخر في تفسير ذلك، ستفصح عنه صفحات هذا الكتاب.
وقد عمدنا إلى تقسيم هذا العمل في طبعته الأولى إلى أربع وحدات، ثم إدماج الجزء الرابع في الجزء الأول في هذه الطبعة، التي بين يديك ليصبح ثلاث وحدات (أجزاء) هي كالتالي: (1)
تمهيد تاريخي مع إعادة ترتيب جغرافية الخروج. (2)
إعادة ترتيب أحداث التاريخ. (3)
آخر أيام تل العمارنة.
وفي الوحدة الأولى المقسمة إلى أبواب، والأبواب إلى فصول، حاولنا الإجابة على استفسارات مفترضة، حول عدة موضوعات بحاجة إلى إيضاح أولي، مثل طبيعة الإله التوراتي، ومدى اتفاقه أو اختلافه عن مفهوم الألوهية عند الشعوب الأخرى في زمانه، وكان طبيعيا أن نعرج على الوعاء القدسي للمفاهيم التوراتية: الكتاب المقدس، وبالتحديد العهد القديم منه، فعرضنا أقسام العهد القديم كما هي بكتابها، ومصادر ذلك الكتاب حسبما انتهت إليه المدارس البحثية، ولم يفتنا أن نحاول تتبع الطرق التي استخدمت في تدوين تلك الوثيقة الشديدة الأهمية، وبأي لغة كتبت، مع البحث عن مساحات الصدق التاريخي في العهد القديم، وما رواه من أحداث، بالمطابقة مع الكشوف التاريخية والأركيولوجية.
ثم كان لا بد من تعريف واضح للقبيلة صاحبة التوراة، والمعرفة بالقبيلة الإسرائيلية ، مع إطلالة سريعة على الفترة التي تواجد الإسرائيليون فيها بمصر وخروجهم منها، بحسبانها النقطة المفصلية في تاريخ القبيلة الإسرائيلية.
وعند هذه النقطة المركزية وقفنا هنيهة، نستمع لأهم النظريات المطروحة في مسألة دخول بني إسرائيل مصر، ثم خروجهم منها، وموعده الزمني وخطوات رحلة الخروج عبر مواضع جغرافية ذكرتها التوراة، لم تعد اليوم مواضع دقيقة لتغير أسماء المواضع الجغرافية عبر الزمن، بل وتغير الجغرافيا نفسها بتحولات فروع نهر النيل، خلال هذا الزمن الطويل؛ مما أدى إلى خلف كبير بين الباحثين، حول خط سير الخروج، وهو الأمر الذي استدعانا لطرح رؤية جديدة تدقيقية، حول مواضع خط سير الخروج الإسرائيلي من مصر، وبتحديد مواضع إقامة الإسرائيليين في مصر، ومواضع خط الخروج نختتم الوحدة الأولى من هذا العمل ...
أما الوحدة الثانية، والتي نزعم أنها العمود الفقري للعمل جميعه، فهي ما اعتدنا عمله في أعمالنا السابقة تحت عنوان «تأسيس» بديلا عن المقدمة، «لكن التأسيس هنا يعادل في حجمه وفي كيفه بقية الكتاب جميعا». حيث نظننا قد تمكنا في هذا التأسيس من اكتشاف طرف الخيط في شرنقة معقدة، من الألغاز التاريخية غير المحلولة، أو التي سبق حل بعضها بحلول متعجلة ومتسرعة، أدت إلى تراكمات من الأخطاء، تحولت بمرور الوقت إلى لون من الحقائق الثابتة، خاصة عند المؤرخين التقليديين، وعندما نشرنا الفصول الأربعة الأولى من الباب الأول في هذا التأسيس، ثارت زوبعة حادة، تزعم الطرف المقابل أو المعارض فيها أحد أساتذة التاريخ بجامعة الإسكندرية، دون أن ينتظر قراءة بقية العمل كاملا.
على أية حال نحن لا نزعم إلا المحاولة، ولا يذهب بنا الظن حد تصور، أننا قد وضعنا النظرية النهائية التامة الصدق، فلا شك بقدر ما سيجد قارئنا من جهد بين تلال وطرق كالمتاهات، من المادة العلمية الهائلة في كمها وفي كيفها وفي تناقضاتها، بقدر ما سيجد من أخطاء ارتكبناها، لكن كل ما نرجوه أن تكون أقل وزنا من المحاولات الناجحة.
Unknown page
وقد عمدنا في هذا التأسيس إلى أسلوب جديد إلى حد ما، قياسا على أعمالنا السابقة، بحيث تركنا مساحة أوسع للقارئ ليشاركنا التقاط مكامن الأخطاء بين شراك معقدة ، وليشاركنا أيضا متعة البحث والاستقصاء، ومتعة الفرح بالكشف العلمي، إذا جاز لنا وصف ما وصلنا إليه بالكشف.
وعلى هذا الذي أسميته كشفا، أعدت قراءة علاقة القبيلة الإسرائيلية بمصر، على كافة الأصعدة والمستويات الممكنة، ثم علاقتها ببقية شعوب المنطقة، مع إعادة قراءة قصتي دخول بني إسرائيل مصر وخروجهم منها، لتفضي بنا تلك القراءة إلى نتائج هي بقدر جدتها بقدر خطورتها، وقد ضفرنا تلك القراءة مع ما وصلنا إليه في التأسيس، وذلك في الوحدة الثالثة «النبي موسى وآخر أيام تل العمارنة»، التي ركزت همها البحثي في اكتشاف الحقائق الغائبة وراء النصوص المعلنة في علاقة الفرعون إخناتون بشخصيتين أخريين هما: موسى نبي اليهودية، وأوديب الملك اليوناني صاحب الملحمة المشهورة في المسرح اليوناني.
ولأننا تعرضنا بطول الوحدات الثلاث إلى تفاصيل صغيرة، حاولنا معها ضبط بعض التفاصيل الدقيقة، كالكشف عن اسم فرعون يوسف وزمنه، واسم فرعون موسى وزمنه، فكان لا بد من استكمال سلسلة الحلول الصغيرة، لنستكمل تضفير المشهد الأكبر للوحة الأساسية لكتابنا، ونقصد النظرية التي وضعناها في التأسيس لقراءة الموسوية والإخناتونية، على أرض تاريخية أقرب إلى الصحة والسلامة.
ولأن الكتاب بين يديك، وفيه تفاصيل بها كفاية وغنى عن أي مقدمات تفصيلية، فسنكتفي هنا بمحاولة التوطئة تلك، لنترك القارئ أمام العمل مباشرة، لكنا نستميح قارئنا عفوا ونحن نكرر: «نرجو أن نكون قد ارتكبنا أقل قدر ممكن من الأخطاء، وأكبر قدر ممكن من الكشوف الصادقة، وهي الكشوف التي أزعم أني - أبدا - لم أكن مسبوقا إليها.»
تمهيد تاريخي مع إعادة ترتيب جغرافية الخروج
الباب الأول
شعب التوراة
الفصل الأول
التوراة وربها وشعبها
قيضت مجموعة من ظروف تاريخ الاجتماع الديني، ذكرا عظيما واستمرارا مدهشا - عبر المأثور الديني - لواحدة من القبائل الهامشية القديمة هي القبيلة الإسرائيلية، التي جاءت إلى منطقتنا من مكان بعيد، لم يزل تحديده بشكل دقيق مثار خلاف بين الباحثين والمؤرخين، رغم أن تلك القبيلة في حقيقة أمرها لم تكن بهذا الذكر العظيم في مراجع التاريخ كعلم .
Unknown page
وقد دانت هذه القبيلة بدين يعرف باسم الديانة اليهودية، التي تنسب إما للسبط يهوذا أحد الأسباط الاثني عشر، أبناء يعقوب في أساطير الآباء البطاركة الأولين، وهو الرأي المرجح، وإما لرب اليهودية المعروف في التوراة باسم يهوه أو جاهوفاه أو ياه أو ياي أو إهيه أو يهيه، على مختلف التنغيمات الواردة بالكتاب المقدس، وهو الذي - حسبما تقول التوراة - قد ظهر لموسى في تجل سحري على هيئة لهيب مضيء، ينبعث من شجيرة نباتية (عليقة) لا تحترق باللهيب.
ورغم ارتفاع شأن الإله يهوه في أفق الديانة اليهودية في طورها المتأخر، فإنه لم يكن كذلك في البدء أبدا؛ لأن عقائد القبيلة أو القبائل المنعوتة باسم إسرائيل، حسبما وصلتنا في كتابها المقدس (العهد القديم)، تتضمن رواسب لأشكال بدائية من عبادات الحيوانات كالسوائم النافعة مثل الثور والخروف، أو الضارية الصحراوية كالذئب والضبع، إلى عبادة قوى الطبيعة كالشمس والقمر والمطر والأنهار والبراكين، إضافة إلى عبادة الأسلاف الغوابر.
كذلك عبد هؤلاء أرباب المنطقة وخاصة آلهة الخصب الكنعانية «البعول» (جمع بعل أي سيد أو رب)، وقد تميز من بين تلك البعول البعل الرافدي «تموز»، والبعل الكنعاني «بعل مولك» (أي السيد الملك)، والبعل الفينيقي «أدونيس» واسمه بحذف التصريف الاسمي في آخر الكلمة «يس» هو «أدون»، هو اسم يعني السيد أو الرب أيضا.
وأيضا عبدوا كبير الأرباب السامية وشيخها ورئيس مجمعها «إيل» الذي تنتسب إليه أسماء شهيرة بالكتاب المقدس مثل «عزرا -إيل، وميكا-إيل، وجبرا-إيل، وإسماع-إيل ... إلخ»، وهو الذي اشتق منه اسم الجلالة «إيلاه» أو «الإله»، الذي أصبح في العربية «الله».
كما عبدوا ربات الخصب والزرع والخضرة مثل «عشتروت» الرافدية، و«عشيرة» الفينيقية، و«عناة» الكنعانية، وكلهن زوجات لأرباب الخصب البعول، وكان الثور عادة هو الرمز الأعظم تجليا، والمشترك الواضح بين تلك البعول؛ لما يتميز به من فحولة جنسية تقارن بخصب الطبيعة وعطائها.
كذلك عبدوا عبادات مصرية واضحة، مثل «اليواريس» الحية المصرية حامية الملكية والتاج، ومراكب الشمس التي تحمل رب الشمس «رع» في جولته السماوية من الشرق إلى الغرب .
ونماذج لهذه العبادات نقرأ بالعهد القديم «فقال لهم هارون انزعوا أقراط الذهب التي في آذان نسائكم وبنيكم وبناتكم وائتوني بها ... فأخذ ذلك من أيديهم وصوره بالإزميل وصنعه عجلا مسبوكا، فقالوا: هذه آلهتك يا إسرائيل التي أصعدتك من أرض مصر» (خروج، 32: 2-5).
وفي سفر العدد (25: 1-3) نجدهم يعبدون بعل فغور في بلاد مديان، وفي سفر القضاة (2: 11-17) يعبدون مع البعل، الأنثى السماوية المخصبة عشتروت ربة الجنس والخصب، وقد عبد أعظم ملوكهم طرا «شلما» المعروف عربيا باسم «سليمان» عددا من الآلهة «فذهب سليمان وراء عشتروت إلهة الصيدونيين وملكولم رجس العمونيين ... وبنى سليمان مرتفعة لكموش رجس الموآبيين على الجبل الذي تجاه أورشليم، ولمولك رجس بني عمون» (ملوك أول، 11: 1-8).
وبعد موت سليمان سار الملك يربعام على ذات الدرب: «وعمل عجلي ذهب وقال لهم: هو ذا آلهتك يا إسرائيل الذين أصعدوك من أرض مصر» (ملوك أول، 12: 28)، ويحيطنا سفر ملوك ثاني (18: 4) أن الحية نحشتان (أي الحنش) ظلت تعبد منذ صنعها لهم موسى في سيناء، وحتى زمن الملك يوشيا، وذات السفر يؤكد أنهم قد عبدوا رع رب الشمس المصري؛ لأنهم كانوا يسجدون لمركبه السماوي (عبادة مراكب الشمس).
ويحدثنا سفر «ملوك ثاني» عن الملك حزقيا بن أحاز، الذي كان متعصبا لعبادة يهوه، وكيف أنه «هو أزال المرتفعات وكسر التماثيل وقطع السواري وسحق حية النحاس التي عملها موسى؛ لأن بني إسرائيل كانوا إلى تلك الأيام يوقدون لها (أي يقربون لها القرابين [المؤلف])» (ملوك ثاني، 18: 4).
Unknown page
وقد عبد البطاركة الأوائل من إبراهيم إلى إسحاق إلى يعقوب حتى زمن موسى، الإله السامي المعروف بكبير الآلهة «إيل»، لكن إلى جواره كانت عبادة الأصنام شيئا اعتياديا معلوما بالتوراة، فهذه راحيل زوجة يعقوب تسرق أصنام أبيها المنزلية اعتزازا بها، عندما غادرت موطنها حاران إلى فلسطين بصحبة زوجها يعقوب (تكوين، 31: 34)، وقد بقيت هذه الآلهة مع غيرها في بيت يعقوب على ما يفهم من الإصحاح (35: 1-2) من سفر التكوين، كذلك نجد ذات الأصنام المنزلية موجودة بشكل اعتيادي في بيت الملك «داود بن يس»، بعد قرون طويلة باسم «الترافيم»، وهو ما يوضحه لنا سفر صموئيل أول (19: 12-13)، بل يبدو أن الرب يهوه نفسه وهو في عزه، عند مطلع القرن السادس قبل الميلاد، لم يكن متفردا، فهناك جالية يهودية عاشت في ألفنتين عند أسوان بمصر، وحافظت على مأثور «اختفى في التوراة ولم يذكر، فكانت تعبد إلى جوار يهوه زوجته عناة يهوه»، ومعلوم أن اسم عناة كان لربة الخصب الكنعانية، وهو اسم زوجات البعول بشكل اعتيادي.
1
والإله يهوه نفسه في التوراة وبلسانه هو لم يدع لحظة، أنه رب البشر أجمعين بمفرده، بل كان نقيض ذلك تماما، فهو يعترف ببساطة بوجود آلهة أخرى أبدى غيرته منها، ووجد أن من حقه على الشعب الذي اختاره أن يميزه عن هذه الآلهة ويعبده دونها؛ لذلك كانت الوصية الأولى بين الوصايا العشر «لا يكن لك آلهة أخرى أمامي» (خروج، 20: 3) لذلك - ومثل جميع القبائل - عظمت القبيلة الإسرائيلية ربها يهوه، وعبرت التوراة عن انزعاجها من عبادة الإسرائيليين لآلهة أخرى لقبائل أخرى، فالمزمور (86: 8) ينادي مؤكدا: «لا مثل لك بين الآلهة يا رب.» ويقول المزمور (135: 5): «عرفت أن الرب عظيم، وربنا فوق جميع الآلهة.» أما أمر يهوه لموسى وأتباعه فكان: «لا تسجد لإله آخر؛ لأن الرب اسمه غيور، إله غيور هو» (خروج، 34: 14).
وكان الشرك بمعنى عبادة آلهة عديدة واضحا في أفق تلك العقيدة منذ بدئها حتى نهاية تدوين الكتاب المقدس اليهودي، ففي أسفاره الأولى المبكرة نجده يقول صراحة: «آباؤكم ... عبدوا آلهة أخرى» (يشوع، 24: 2)، والآباء هم البطاركة من إبراهيم حتى موسى.
ولم يقتصر ذلك على زمن إيل والبطاركة الأوائل، بل يبدو أنه كان سمة زمن يهوه منذ موسى، فترنيمة الخروج تتساءل: «من مثلك بين الآلهة يا رب؟» (خروج، 15: 11)، و«الآن علمت أن يهوه أعظم من جميع الآلهة» (خروج، 18: 11)، وحتى الأزمنة المتأخرة المفترض أن يهوه قد تفرد فيها بالعبادة وحده، نسمع النبي إرميا ينادي شعبه صارخا فيه منددا: «بعدد مدنك صارت آلهتك يا يهوذا» (إرميا، 11: 13).
وخلال ذلك السير التطوري الطويل كان كهنة يهوه وأنبياؤه، يكافحون طوال الوقت العبادات الغريبة الأخرى، وحاولوا - خاصة في الأسفار الأخيرة - تمييز يهوه بحسبانه ربا عالميا، ومع التطور أمكن لهم إدماج جميع الرموز المعبودة في التاريخ اليهودي في رب واحد هو يهوه، الذي صار ربا واحدا لكن تتجلى فيه قدرات آلهة أخرى قديمة، فهو رب البرق والرعد والأعاصير مثل «بعل» الكنعاني، وهو الذي ينزل السخط والعذاب والجوع والجفاف مثل «سيت» المصري، وهو رب الرحمة رغم ذلك مثل «أوزيريس» المصري، وهو أيضا رب البراكين والزلازل المدمرة مثل «تيفون» رب الشر والوباء اليوناني، وهو الذي قتل الحية الشريرة المعروفة في مصر باسم «أبو فيس» عدو رع إله الشمس، والمعروفة في بلاد الشام باسم «لوياثان الحية المتعددة الرءوس»، ومثلما كان رع رب الدولة المصري وأتباعه، ينتصرون على أبو فيس الشرير الظلامي كل يوم، لتعود الشمس ساطعة في اليوم التالي، وكما كان البعل الكنعاني ينتصر على لوياثان، فإن ذات المهمة قد نسبت إلى يهوه، فنجد وصفا مرعبا للوياثان في الكتاب اليهودي المقدس يقول: «من يفتح مصراعي فمه، دائرة أسنانه مرعبة، عطاسه يبعث نورا وعيناه كهدب الصبح، من فيه تخرج مصابيح، شرار نار يتطاير منه، من منخريه يخرج دخان، كأنه من قدر منفوخ أو من مرجل، نفسه يشعل حجرا ...» (أيوب، 41: 14-20)، وهذا التنين الثعباني قد قتله يهوه في النص «أنت شققت البحر بقوتك، كسرت رءوس التنانين على المياه، أنت رضضت رءوس لوياثان» (المزمور، 74).
وهو الأمر الذي سجلته لنا ألواح أوغاريت المكتشفة على الساحل السوري (رأس شمرا الآن) قبل التوراة بأزمان، فنقرأ في ملحمة البعل: «في ذلك الوقت ستقتل لوياثان الحية الهاربة، وتضع نهاية للحية الملتوية شالياط ذات الرءوس السبع.»
2
وقد كررت هذا النص التوراة في قولها نصيا: «في ذلك اليوم يعاقب الرب بسيفه القاسي العظيم الشديد لوياثان الحية المتحوية» (إشعيا، 27: 1).
وأدمجت جميع الآلهة ووظائفها في شخص يهوه، بعضها كان يمثل الخير، وبعضها الآخر يمثل الشر، وتم دمجها في يهوه فحاز الدورين معا، فهو رب الخير والخصب، وهو رب الشر والجفاف، «أنت فجرت عينا وسيلا، أنت أيبست أنهارا دائمة الجريان، لك النهار ولك الليل أيضا» (المزمور، 74: 15).
Unknown page
لذلك - وبالضرورة - احتسب أن الخير والشر ينبعان كلاهما من يهوه الواحد بذات الدرجة دون تناقض، لكن ذلك أدى إلى مشكلة مستعصية، ظلت بعد ذلك أرقا دائما للأنبياء والكهنة.
وتتمثل المشكلة في أن الديانة اليهودية على غير المعتاد في جميع الديانات، اختار فيها الرب شعبه إسرائيل من دون الناس ليتأله عليه، وبالمقابل ينقذهم من ظلم المصريين، بينما المعتاد أن تختار الشعوب آلهتها، أي أنه خص تلك القبيلة دون العالمين بذاته وعبادته وفضلها على العالمين، ومع ذلك فإن هذا الرب الذي جمع صفات آلهة الخير مع آلهة الشر، لم يكن ينزل الشر فقط بالآخرين الأغيار غير اليهود، بل باليهود أنفسهم بشكل يكاد يكون أكثر من الآخرين. لقد كانت مهمته بعد دمج الآلهة في شخصه إنزال الشرور بالأعداء، فما باله ينزل نقمته على شعبه الذي اختاره واصطفاه وفضله على العالمين؟ وتفاقمت المشكلة بعد انقسام مملكة سليمان، وظهور قوى جبارة أخرى في الشرق كالآشوريين والبابليين إضافة إلى المصريين، وهم من جعلوا المملكتين الإسرائيليتين كرة يتقاذفونها فيما بينهم، إضافة إلى سنوات القحط والمجاعة المتواترة، ناهيك عن أولئك اليهود الذين أخذوا بالإثراء على حساب إخوانهم الآخرين بجشع لا يرحم، وهنا ظهرت المفارقة ما بين الإيمان بإله حليف للشعب، ظهر أصلا لإنقاذ هذا الشعب وحمايته، وبين ما بات يعانيه هذا الشعب من آلام وخطوب، لا شك أن الذي ينزلها يهوه نفسه بعد عمليات الإدماج الألوهي، فكيف يجوز احتساب هؤلاء شعبا مختارا؟ أم كان مختارا للعذاب؟
لقد كان ضروريا من أجل توحيد صفات يهوه الجمع بين السمتين القومية والشمولية، ليصبح يهوه كلي الجبروت، وتمتد سلطته لتشمل الشعوب جميعا، لكن إسرائيل يظل شعبه المختار والمحبوب، وهو ما لا يمكنه تفسير ما لحق به من هزائم أمام الوثنيين الذين لا يؤمنون بيهوه؟
إن هذا التناقض كان قد ساقه من قبل الفيلسوف اليوناني أبيقور 341-218ق.م. حين تساءل: إذا كان الإله كلي الجبروت وكلي الخير، فلماذا يوجد الشر في العالم؟ إما أن الإله يريد القضاء على الشر ولكنه لا يستطيع، وفي هذه الحالة يكون عاجزا ولا يستحق صفته الكلية، وإما أنه يستطيع ولا يريد وفي هذه الحال يكون شريرا وشيطانا، يتلذذ بتعذيب عباده، وإما أنه لا يستطيع ولا يريد، وهذا أمر لا يتناسب مع إله، وإما أنه يريد ويستطيع ويبقى السؤال: فمن أين الشر إذن؟
3
أما المشكلة الثانية التي اعترضت طريق اليهودية، وترتبط بالمشكلة الأولى تماما، فهي غياب فكرة البعث والحساب، ثم المصير الأبدي إلى ثواب أو عقاب دائمين، عن أفق التفكير الإسرائيلي، مثلهم في ذلك مثل بقية محيطهم من الشعوب السامية، يعتقدون أن المصير بعد الموت هو الهبوط إلى مملكة تقع تحت الأرض، هي مملكة شيول المظلمة دوما المخيفة، حيث يعيش الموتى على شكل هوام شبحية، وضعها أسوأ من الحياة ومن العدم، الكل فيها سواء، الصالح مثل الطالح.
وبينما عالجت جارتهم الكبرى مصر هذه المشكلة مبكرا، فقررت وجود عالم آخر بعد بعث جسدي، فيه ثواب وعقاب عن العمل في الحياة الدنيا، حتى يمكن الاعتراف بعدل الإله، ويأخذ الشرير عقابه وينال الخير ثوابه، فإن الديانة الإسرائيلية ظلت منذ فجرها وحتى القرن الثاني قبل الميلاد تعتقد أن الثواب والعقاب دنيويان، فالصالح من عباد يهوه ينال حياة أطول وخيرا ماديا (وهو بالطبع الكلام المنطقي)، بعكس الشرير المنحرف دينيا، فهو يموت مبكرا بقرار إلهي، ولا ينال خيرا في دنياه، يهوه بالأمراض والسقم والفقر والخيبة، ثم يموت حزينا كميدا. اليهودية كانت تثق في يهوه، وترفض وهم العزاء الأخروي زمنا طويلا، لكن يهوه أبدا لم يأبه لهم، فالوثنيون أعزاء كرام بين العالمين، والإسرائيليون يكابدون، وبين اليهود أنفسهم يعيش الشرير وأصحاب المال عيشة رغدا، ويتمتع بالصحة والعافية، بينما يموت المؤمن بيهوه المخلص له فقيرا مريضا، بعد أن ذهبت تضرعاته هباء، وهو الأمر الذي أدى إلى نزعات شك وإلحاد، بدأت تنتشر بين هؤلاء، نجدها واضحة جلية في أسفار، مثل سفر الجامعة وسفر أيوب بالكتاب المقدس ذاته.
ونتيجة انتشار الموجة الإلحادية، قام الأنبياء يحاولون تبرير يهوه وتبرئته، بإلقاء اللوم في كل محنة على الشعب الإسرائيلي، لأن بعضه ولو كان أفرادا قلائل، لم يستقيموا في عبادة الرب، وخانوه مع آلهة أخرى أو شعوب أخرى، وتتالت الخطوب تأخذ بعضها برقاب بعض، حتى العصر الهللينستي الذي أطلق عليه عصر الآلام، عشية مجيء القرن الأول الميلادي بقرنين، فقامت اليهودية تأخذ بالعقيدة الأخروية المصرية كأبرز تبرير للإله، حيث سيمكن تحقيق العدل وتعديل الموازين لكن فيما بعد، عندما يأتي «يوم يهوه»، وينال المخلصون ثوابا أبديا، ويذهب الآخرون إلى العار الأبدي، وبذلك يتحقق ليهوه ما كان ناقصا، وهو العدل الذي لم يحدث في دنيانا الفانية ولا مرة واحدة.
هنا يجب ألا نغفل أن هذا التطور الجديد وإن حدث في فلسطين، فإن فلسطين إبان ذلك كانت تموج بالأفكار المصرية، كما كانت تموج بها مختلف بقاع المتوسط الشرقي، ومن هناك، وعبر الديانة اليهودية قدر للعقيدة الأخروية لتبرير الإله، أن تجد طريقها إلى المأثور السامي، فتصبح من بعد ركنا ركينا في ديانات شرقي المتوسط الكبرى، حتى إنها أدت إلى تطور الديانة اليهودية، إلى ما يعرف بالديانة المسيحية، وأصبح الموتى من المؤمنين بألوهية يسوع، يقومون من الموت للجنة، بعد أن كانوا قبله يذهبون إلى الهاوية، ثم جاءت عقيدة مصر الأخروية به بعد ذلك، كأحد الأسس الإيمانية في قانون الإيمان الإسلامي: أن تؤمن بالله وملائكته ورسله وكتبه «واليوم الآخر» والقدر خيره وشره.
لكن هذا المأثور المصري القديم جدا، لم تتقبله اليهودية إلا متأخرا جدا، وهي تلفظ آخر بقاياها مع آخر أنبيائها، لينتظر اليهود بعد ذلك وحتى اليوم (يوم يهوه)، الذي يسودون فيه الدنيا، وبينما تدفع العقيدة المصرية الأخروية بالدماء إلى شرايين اليهودية، يبدأ الصراع بين القديم التقليدي الرافض للبدعة المصرية، وبين الجديد الذي وجدها ضرورة استمرار حتمية، لينتصر الجديد، فيأخذ العقيدة برمتها مع ربها «أوزيريس»، الإله الطيب رب النور والخصب والخير، الذي يموت شهيدا من أجل رعاياه، ويقوم في اليوم الثالث لموته في قيامة مجيدة، ليمنح من يؤمن بموته وقيامته حياة خالدة في عالمه الآتي، وتنادي الأناجيل هاوية عالم الموتى التحت أرضي تقول: أين شوكتك يا موت؟ أين غلبتك يا هاويه؟ الموتى الآن يقومون، يصعدون ولا ينزلون، ويستبدل أوزيريس بيسوع الإسرائيلي، وتظهر في أفق الدنيا ديانة جديدة، هي اليسوعية أو المسيحية أو النصرانية نسبة إلى مدينة «ناصرة» في الجليل - شمال فلسطين - حيث كانت تقيم العذراء «مريم»، حيث حملت بالمسيح، ثم وضعت حملها في «بيت لحم» باليهودية جنوبا. تنتصر الدماء الجديدة التي ضخت في شرايين اليهودية على القديم، ويتجدد القديم بجديد كان قديما مصريا، ويقوى أمرها ويستتب، عندما تعتنق الإمبراطورية الرومانية المسيحية دينا رسميا سنة 391م، تفرضه على رعاياها فرضا.
Unknown page
لكن كي تتم تبرئة الإله نهائيا مما يحدث لعبيده الخلص من نوازل، كان لا بد من العثور على مصدر للشر، وهنا تعود الإنسانية إلى فجر قديم، عندما كانت العقائد القديمة تقول بإلهين أحدهما للخير والآخر للشر، أوزيريس وسيت في مصر، وبعل وموت في كنعان، وأهورمزدا وإهريمان في إيران، وإنليل وتهامة في العراق، وبعل وموت في الشام، ووقع اختيار التيار الإسرائيلي الجديد (المسيحية) على شخصية عابرة وردت بالتوراة باعتبارها من بني الله ليكون سببا للشرور، وبنو الله في التوراة عنصر هجين ناتج عن زواج الله ببنات الناس، وذلك الابن هو الذي يحمل اسما عبريا ترجمته: الغريم أو الواشي، واسمه «شاطان» ونكتبها في العربية «شيطان».
وكان يتوجب على شاطان أحيانا (في الأسفار المتأخرة من العهد القديم)، أن يقوم بتجريب الناس في إيمانهم بتكليف من يهوه، فيضرب المخلصين مثل أيوب العبد الصالح بالمرض والفقر بعد صحة وغنى، اختبارا لإيمانه، والواضح أنها كانت إحدى محاولات تبرير وتبرئة الإله، باعتبار ما يحدث من نوازل هو ابتلاء من الله واختبار لأحبائه.
وكان أول ظهور لهذا الابن المتميز «شاطان» في سفر أيوب، وأيوب هو أبرز المحبين لله وأبرز المصابين في الله، وجاء التبرير في هذا السفر في حكاية هي الأولى من نوعها حينذاك، وتقول الحكاية: «وكان ذات يوم أنه جاء بنو الله ليمثلوا أمام الرب، وجاء الشيطان أيضا في وسطهم [في الأصل العبري المازوري شاطان]، فقال الرب للشيطان: من أين جئت؟ فأجاب الشيطان الرب وقال: من الجولان في الأرض والتمشي فيها، فقال الرب للشيطان: هل جعلت قلبك على عبدي أيوب لأنه ليس في الأرض مثله رجل كامل ومستقيم يتقي الله ويحيد عن الشر، فأجاب الشيطان الرب وقال: هل مجانا يتقي أيوب الله؟ أليس أنك سيجت حوله وحول بيته، وحول كل ماله من كل ناحية، وباركت أعمال يديه فانتشرت مواشيه في الأرض، ولكن ابسط يدك الآن ومس كل ماله، فإنه في وجهك يجدف عليك، فقال الرب للشيطان: هو ذا كل ماله في يدك ... ثم خرج الشيطان من أمام وجه الرب» (أيوب، 1: 6-12)، وذهب شاطان وضرب أيوب بالمرض والفقر.
وهكذا وجد الاتجاه الجديد بغيته في التراث الإسرائيلي نموذجا للإله الشرير القديم، ومن ثم أصبحت كل الشرور في المسيحية الناهضة تنسب إلى واحد من أبناء يهوه هو الشيطان الواشي أو الغريم، وفي الإسلام وجد له مكانا وركنا ركينا، «وتحولت الواشي إلى الوسواس الذي يوشوش أو يوسوس للناس» ويشككهم فيما يعتقدون، أما المسيحية فقد وجدت خلاصها وخلاص البشر في تنزيه الله عن الشر؛ لأنه فقط رب محبة، أما الشر فهو من شاطان أو الشيطان الملعون إبليس، الذي جاء حسب التوراة «من الجولان والتمشي في الأرض»، وهو الكلام الذي لا معنى له، وستكشف عن معناه صفحات هذا الكتاب، عندما نعلم من هو الرب المشاء الجواب، الذي كان ربا لمشائين جوابين وكان ربا للشر.
وقبل أن نصل إلى هذه المرحلة نجد العهد القديم، عبر المحررين الذين دونوه، وهم غالبا من الكهنة والأنبياء المتعددين، يحاولون دوما تجريم الابتعاد عن طريق يهوه، ويعدون ذلك انحرافا عن صحيح العقيدة وخيانة للرب تستحق عقابه الشديد، لكن يهوه أبدا لم يحتج يوما على رب البطاركة الأوائل، رب سفر التكوين المعروف باسم إيل، بل حاول التخفي وراءه، والإيعاز أنه كان هو ذات إيل ونفسه.
لقد كان إيل هو رب زمن البطاركة الأوائل من إبراهيم حتى موسى، لكن موسى الذي عاش مع الإسرائيليين في مصر، وتكررت زيارته إلى سيناء، خرج على شعبه بإله جديد هو يهوه، زعم أنه قد التقاه في سيناء، في هيئة شجرة ضوئية، لكن يهوه رغم حربه الضروس ضد الآلهة الأخرى، لم يكن بإمكانه أن يتنكر لرب البطاركة، ومن ثم كانت كذبته على موسى:
هكذا تقول لبني إسرائيل: يهوه إله آبائكم، إله إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب، أرسلني إليكم، هذا اسمي إلى الأبد. (خروج، 3: 15)
أنا ظهرت لإبراهيم وإسحاق بأني الإله القادر على كل شيء، «وأما باسمي يهوه فلم أعرف عندهم». (خروج، 6: 2-3)
والصفة «الإله القادر على كل شيء» و«الله العلي مالك السماوات والأرض»، كانت صفات معلومة للرب السامي الكنعاني «إيل»، وكان ملك أورشليم الكنعاني «ملكي صادق» أو الملك صادق، كاهنا لهذا الإله، وسبق له أن بارك إبراهيم الوافد الغريب ضيفا على بلاد كنعان، وقد باركه باعتباره أن ملكي صادق ممثل لإيل ونائب عنه وكاهن له، وقال له: «مبارك إيرام من الله العلي مالك السماوات والأرض» (تكوين، 14: 19).
وهنا يصح التساؤل من الباحثين المدققين، إذا كان حقا يهوه إلها معروفا في فلسطين قبل الخروج من مصر، وإذا كان هو ذات عين إيل، فلماذا سميت المدينة المقدسة «بيت إيل» ولم تسم «بيت يهوه»؟ ثم لماذا يتخذ سفر التكوين من إيل إليها، بينما تتحدث بقية الأسفار عن يهوه دون أي اعتبار أو وزن للإله إيل، الذي ملأ سفر التكوين بحضوره الكثيف؟ هذا مع ملاحظة أن أول ظهور للإله يهوه كان في لقائه بموسى في سيناء المصرية وليس في فلسطين، لا بد إذن أن هناك تغيرا جوهريا قد حدث، وأن سفر التكوين تحديدا كان نتاجا لثقافة قديمة في فلسطين، قبل مجيء إبراهيم إليها من أور الكلدانيين، وعليه تكون بقية الأسفار التالية هي نتاج ثقافة أخرى لشعب يعبد يهوه ولا يعرف إيل، وأنه قد تم ضم السفر الفلسطيني القديم للتوراة صاحب «إيل»، لإثبات علاقة نسب بالدم بين أتباع الإلهين، إله شعب فلسطين «إيل»، وإله شعب جديد «يهوه السيناوي»، وجاء مع الخروج من مصر بدين جديد إلى فلسطين.
Unknown page
4
ويدعم أصحاب هذا الرأي مذهبهم «بانقطاع التاريخ التوراتي عند البطرك يوسف، وتوقف هذا التاريخ تماما لمدة أربعة قرون قضاها هؤلاء في مصر» حسب زعم التوراة، ويطرحون السؤال: لماذا سمح محررو التوراة بهذه القفزة في عرض تاريخهم؟ الإجابة لا شك هي أنهم عبدوا آلهة مصرية؛ مما يشكل لهم عارا تاريخيا، وهو ما جاء في سفر يشوع «انزعوا الآلهة التي عبدها آباؤكم في عبر النهر وفي مصر» (يشوع، 26)، والمعنى هو أن سلالة البطاركة دخلت مصر مع ربها إيل، لكن لتعيش هناك أربعة قرون، وفجأة يخرج قوم من مصر إلى فلسطين، بثقافة جديدة ورب جديد «يهوه السيناوي» مع موسى، ويزعمون أنهم أخلاف أولئك البطاركة الأسلاف، لكن الواضح أن هذه كانت ثقافة وتلك كانت أخرى جديدة تماما؛ «مما يشكك في هوية الجماعة الخارجة من مصر، ومدى انتسابها لهؤلاء البطاركة، وهو ما يطرح السؤال حول هذه الهوية من جديد»!
ومما يؤكد هذا المذهب ووجهة النظر تلك، هو أنه بعد مجيء الخارجين من مصر إلى فلسطين، أن نجد خلافا جذريا بين أبناء الشعب اليهودي، يكاد يقسمه إلى عنصرين بشريين متمايزين، «قسم يحمل اسم يهوذا»، وقد قرر هؤلاء اليهوذيون استيطان جنوب فلسطين على الحدود السينائية، واتخذوا من أورشليم عاصمة لهم، «والآخر يحمل اسم إسرائيل» استقر في المناطق الشمالية من فلسطين، واتخذ من مدينة السامرة عاصمة له.
وعندما قامت مملكة إسرائيل الموحدة زمن شاءول، ثم داود فسليمان، انقسمت فور موت سليمان إلى إسرائيل شمالا ويهوذا جنوبا، ويبدأ سفر صموئيل الثاني بالتمييز بين إسرائيل (وتحوي الاسم الفلسطيني الإلهي إيل في تركيبها) وبين يهوذا المنتسبة إلى «يهوه»، وهو التميز الذي يستمر ويتضح، ويتأكد عبر الأسفار اللاحقة، وبعد أن كان المحرر يستعمل تعبير «كل إسرائيل» للدلالة على القبائل المنتسبة للأسباط الاثني عشر، بما فيها يهوذا، فإنه يبدأ في سفر صموئيل الثاني بالحديث عن إسرائيل ويهوذا، حيث تبدو يهوذا الجنوبية شيئا وإسرائيل الشمالية شيئا آخر.
وتلخص موسوعة تاريخ العالم علاقة هذا الشعب بالإله يهوه، فتقول: «أصبح يهوه إلها لإسرائيل عن طريق موسى، بعد التخلص من الأسر المصري، وكان يهوه في الأصل إلها لجبل مقدس (سيناء أو حوريب)، ثم قاد يهوه - باعتباره إلها قوميا - الإسرائيليين إلى كنعان، وبعد أن أخذ صفات البعول، واستولى على معابدها أصبح إله كنعان بجانب كونه إله إسرائيل، وبإعلانه إلها دوليا للعدل مهد عاموس 750ق.م. الطريق للاعتراف، بأن يهوه هو الإله الواحد في الوجود في إشعيا (40: 8) حوالي 550ق.م. وبالجمع بين هذا اللاهوت النبوي وطقوس العبادة في المعابد التي اقترحها حزقيال في ذلك الوقت نتج دين جديد هو اليهودية.»
وعلينا أن نلاحظ أن عائلة الملك داود التي تعود إلى سبط يهوذا، هي التي حكمت في دولة يهوذا الجنوبية كأسرة واحدة وسلالة واحدة لملوك يهوذا وحدهم، بينما كانت إسرائيل الشمالية قد تناوبت على عرشها تسع أسر مختلفة من القبائل الإسرائيلية في الشمال خلال أكثر من مائتي عام بقليل، ورغم أن المملكتين قد عبدتا يهوه بعد سيادته الأولى على مملكة «كل إسرائيل»، فإن عبادة يهوه كانت في يهوذا أقوى منها في إسرائيل بشكل واضح، وقد اتهمت التوراة الدولة الشمالية إسرائيل بعبادة الآلهة الغريبة، ولحقت هذه التهمة جميع ملوكها، وأدانت نشاطهم الديني، لكنها لم تتهم من ملوك يهوذا بهذه التهمة سوى ثمانية ملوك، لكن كان فيها ملوك أخر مخلصون ليهوه، فبفضل الملوك اليهوذيين آسا وويهو شافاط ويهورام وحزقيا ويوشيا تجددت اليهودية وانتعشت.
ومع ما تعرضت له تلك القبائل من مفارقات تاريخية قاسية، فقد انغلقت على نفسها في حالة نرجسة قبلية، تماهت فيها الجماعة مع الرب يهوه وعبدت يهوه أو عبدت نفسها لا فرق، وقدمت نفسها للعالم كأفضل الأمم، ودينها كأشرف الأديان، وتحولت الجماعة المندمجة بربها إلى بطل قومي، نقل الإحباط من داخل الجماعة إلى خارجها المعادي المخالف، لتحافظ على انسجامها وعلى وحدتها الداخلية، وهو الأمر الذي يتكرر دوما مع الجماعات، التي تتعرض لخطر الضياع من صفحة التاريخ. (1) أقسام العهد القديم
العهد القديم (الكتاب اليهودي المقدس) هو مجموعة كتب وليس كتابا واحدا، يطلق عليها الأسفار جمع سفر أو كتاب، وتسمى في مجموعها التوراة، وهي تسمية مجازية تطلق على كل الكتاب؛ لأن التوراة تقتصر على الكتب الخمس الأولى، من مجموع كتب يشملها هذا الكتاب يصل عددها إلى تسعة وثلاثين سفرا، وقد اتفق على تقسيم هذه الكتب إلى أربعة أقسام هي على الترتيب:
القسم الأول
ويعرف باسم التوراة أو كتب موسى الخمسة أو البنتاتك
Unknown page
، والكلمة توراة مأخوذة من الكلمة المصرية القديمة توروت أي شريعة، لكنها في العبرية استخدمت بدلالة تعني التعليم، ونطقها العبري «تورة» من الفعل «شورة» (رأى - رأه بالعبرية)، على وزن أفعل، وتعني حرفيا الترئية أو الرقية، وتتضمن معنى العودة للشورى الإلهية، وتشمل التوراة خمسة كتب أو أسفار هي:
التكوين
Cenesis :
ويحكي تاريخ العالم من لحظة البدء بخلق الرب للسماوات والأرض ثم آدم ونسله، ثم تسير التوراة مع ذلك النسل في عمليات غربلة واستبعاد، حتى تستبقي شعب التوراة في المصفاة، وذلك عندما تصل إلى أولاد يعقوب المعروف باسم إسرائيل، وهم اثنا عشر ولدا أو سبطا، والكلمة سبط مأخوذة من الكلمة المصرية القديمة «سبيت» أي إقليم أو فرع، ومعنى الأسباط الفروع التي انقسم إليها بيت يعقوب، ونسبة للكلمة يطلق المصريون على الحبار ذي الأيدي أو الفروع المتعددة «السبيط»، أي متعدد الأرجل أو الأفرع، ويطلق على عرجون النخل «سباطة» ... إلخ، والغريب أن الاسم العلمي للسبيط هو بذات النطق تقريبا
Cephalo poda (سيفالو بودا) ويعني الرأس قدميات.
وينتهي سفر التكوين باستقرار فروع يعقوب أو الأسباط في مصر، ضيوفا عليها إبان مجاعة حلت بالمنطقة بكاملها، لكن مصر كانت بمأمن منها، ويرجح بعض نقاد التوراة أن يكون قد تم تأليف كتاب التكوين، أو جمعه من المأثور القديم لفلسطين والمنطقة حوالي القرن التاسع قبل الميلاد، أي بعد موت موسى بحوالي خمسة قرون كاملة.
ويظهر محررو التوراة في كتاب التكوين بحسبانهم جامعي تراث، أكثر من كونهم مؤرخين لواقع حقيقي، وفي التكوين تم حشد قصص عديدة مختلفة المنشأ والأصل إلى جوار بعضها، مع ربطها ربطا غير محكم بتاريخ إسرائيل؛ مما أبقى على استقلال شبه واضح لكل قصة على حدة، مع تناقض بين الأحداث يسمح للباحث أن يفرز ويصنف، ويظهر أن المحررين كانوا يعون هذا التناقض فيما يدونون من أحداث، لكنهم أبقوا عليها من باب التقديس، وربما برغبة تسجيل أكبر حشد من التنويعات، التي مرت بها القصة الواحدة، مع مهمة أساسية أخذها المحررون على عاتقهم، وهي تنظيم تلك التركة من الأساطير والأحداث والتقاليد والحكي الفولكلوري، في سياق من شأنه أن يخلق لإسرائيل تاريخا كشعب موحد من البداية، فكان هاجس الأصول - فيما يقول فراس السواح - يسيطر طول الوقت على مجموع أسفار التوراة الخمسة، ثم تعداه إلى بقية الأسفار المعروفة بالأسفار التاريخية.
الخروج
Exodus :
ويتعرض هذا الكتاب للأحداث، التي مرت بها القبيلة الإسرائيلية في مصر، في سطور لا تفصح عن أحداث، يفترض أنها استمرت ثلاثين سنة وأربعمائة، بصمت مريب لا يلتئم. وأسلوب هذا القسم الذي يميل للإطناب والتفصيل والتكرار إلى حد الإملال، وتركز بقية السفر على أحداث الأيام الأخيرة للخروج من مصر، لإبراز قدرات يهوه السحرية وضرباته للمصريين ضربات مدمرة، انتهت بخروج الإسرائيليين من مصر تحت قيادة موسى، أحد أحفاد سبط لاوي أو ليفي شقيق يوسف والأسباط، في رحلة هروب أو خروج كبرى تتم حكايتها هنا بتدقيق وتفصيل شديدين، تشير إلى جغرافيا شرقي دلتا مصر وسيناء، بمزيد من التدقيق لأسماء مواضع الحل والترحال، للخارجين عبر سيناء نحو فلسطين، ويحوي هذا السفر بعض أحكام الشريعة اليهودية في العبادات والمعاملات والعقوبات. ويرجح الباحثون أن يكون قد تم تأليفه زمن تأليف كتاب سفر التكوين.
Unknown page
اللاويون أو الليفيون
Leviticus :
نسبة إلى ليفي
Levi
أحد الأسباط، ويشير إلى نسل ليفي هذا، وهم من اختارهم موسى من عائلته اللاوية أو الليفية ليكونوا كهانا ليهوه حفظا لمسئولية العلاقة بالله داخل أسرته، وقد شغل هذا السفر في معظمه بشئون العبادة وطقوسها خاصة ما تعلق منها بطريقة تقديم الأضاحي والقرابين إلى الإله.
العدد
Numbers :
واهتم بإحصائيات عديدة عن إسرائيل، كعدد القبائل وعدد أفراد الجيش وكم الأموال، وأي شأن كان يمكن أن يخضع لعملية الإحصاء؛ لذلك سمي العدد أو الإحصاء.
التثنية
Deuteronomy :
Unknown page
وقد شغل هذا السفر بأحكام الشريعة اليهودية في الحرب والسياسة والاقتصاد والعبادات والمعاملات والعقوبات، وسمي تثنية لأنه ثنى أو أعاد ذكر التعاليم، المفترض أن موسى تلقاها من ربه إبان رحلة الخروج عبر سيناء ، لكن نقاد التوراة لهم رأي آخر، فهم يجمعون على أن هذا السفر لم يتم تأليفه إطلاقا قبل أواخر القرن السابع قبل الميلاد، أي بعد زمن موسى بحوالي سبعة قرون كاملة، وبعد مملكة سليمان بثلاثة قرون، وأن ذلك قد تم إبان وجود اليهود في المنفى البابلي على الرافدين.
القسم الثاني
ويعرف بالأسفار الخارجية وعددها اثنا عشر كتابا، قامت بعرض تاريخ بني إسرائيل منذ دخولهم أرض فلسطين قادمين من مصر، ويشمل أسفار:
يشوع
Josue :
ويشوع هو ربيب موسى وخليفته على قيادة بني إسرائيل إلى فلسطين بعد موت موسى.
القضاة
Judges :
وهم الذين تولوا أمور الحكم على بني إسرائيل بشكل قبلي، حيث كان الحاكم هو من يقضي في الخصومات بين الناس بشكل مباشر في اجتماعات دورية تعقد لهذا السبب.
راعوث
Unknown page
Ruth :
وهو اسم جدة الملك داود من جهة أبيه، ويحكي قصة لا علاقة لها بالسياق التاريخي.
صموئيل الأول وصموئيل الثاني (كتابان أو سفران):
وصموئيل هو آخر قضاة إسرائيل قبل التحول عن نظام حكم القضاة القبلي إلى الحكم الملكي المركزي وقيام المملكة.
أعمال الملوك أول وثان (كتابان):
ويحكيان تاريخ ملوك القبائل الإسرائيلية بدءا من أول ملوكهم المؤسس شاءول مرورا بداود وولده سليمان، ثم انقسام المملكة إلى يهوذا في الجنوب وإسرائيل في الشمال، وسيرة ملوك المملكتين في علاقتهما بالرب وببعضهما وبالدول المجاورة.
أخبار الأيام أول وثان (كتابان):
ويعرضان على الترتيب شجرة النسب من آدم إلى يعقوب، ويكرران ما سبق عرضه في سفر التكوين، ثم يكرران عرض تاريخ الملك داود وولده سليمان، ثم يعرضان لتاريخ اليهود السياسي بعد سليمان.
عزرا
Esdras :
Unknown page